الأغنية الشعبية الفلسطينية

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

باستعراض نماذج مختلفة من الأغاني الشعبية الفلسطينية يمكن التثبت من حقيقة ارتباطها الوثيق بالتراث الشعبي، واكتسابها كثيرا من معانيه وقيمه والصور الفنية التي ينطوي عليها، فهي إلى جانب كونها وسيلة للترفيه والتسلية؛ إلا انها تتجاوز ذلك بما تشحن به من المعاني والقيم عن قصد، بهدف إيصال رسالة خاصة للمستمعين؛ لا سيما إذا كانوا من غير أبناء العشيرة؛ كأن يكونوا من أنسبائهم، على نحو ما يتجلى في مرور موكب زفة العريس قريبا من دار أخته المتزوجة من رجل ينتسب لعشيرة أخرى، إذ يكون الهدف من ذلك أن يشعروهم بأنهم قد اكتسبوا أنسباء غيرهم، وقد عُوّضوا عن ابنتنهم التي أخذوها بفتاة يزفونها اليوم لابنهم، كما أنهم غالبا ما يغنون بما يثير الآخرين ويُشعرهم بشيء من التحدي، لأن أغانيهم تفوح منها روح العصبية، والمثل التالي من أغاني النساء المعروفة"بالمهاهاة" الذي يمجّد رب الأسرة، أو زعيم العشيرة، يعكس بصدق صورة التعصب:

هي يا بي فلان لا ترخي الحبل بيـنا هي ولا تشمت بينا يا طيب الفالـي هي وحنا إن رحلنا جعلناك الدلول لينا هي وحنا إن نزلنا جعلنا بيتك العالي

وهكذا فإن الأغنية الشعبية سجل حافل بالمكونات الثقافية للمجتمع، سواء كان ذلك لدى البحث في المصادر التي تستقى منها، أو في ما تتضمنه من المعاني والقيم؛ على النحو الذي سندرسه في الصفحات التالية.

مصادر الأغنية الشعبية الفلسطينية

نقصد بالمصادر الأصول التي تنتمي إليها الأغنية الشعبية، وسبيلنا إلى التحقق من ذلك هو ما في الأغاني نفسها من مؤشرات دلالية وفنية تشير إلى النصوص التراثية التي استمدت منها، أو وردت فيها ابتداء، على طريق استدعاء التراث والتناص معه. فإلى جانب الأفكار والقيم المستمدة من النصوص الدينية كأغاني الهجرة النبوية والموالد الشريفة، والقصص القرآني وحكاية الخضر (مار جريس) عليه السلام، وحكايات أنبياء بني إسرائيل _ نجد كثيرا من الأغاني مستوحاة من الأدب العربي القديم، وسير الأبطال الذين أسهموا في صناعة أحداث التاريخ، بغض النظر عن ديانتهم، كعنترة بن شداد والزير سالم، وأبي زيد الهلالي، والمقداد بن الأسود الكندي، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم.

ومما أذكره أن والدتي – رحمها الله _ كانت تردد كثيرا من أغاني الترقيص ولا سيما حين كانت تربت على صغيرها لينام، ومن ذلك تناصا مع ما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وآله أثناء هجرته من خبر الحمامة والعنكبوت:

عشش وقشش ونام في الغار

وشبيه بذلك ما كانت تردده النساء في أغاني التحنين للحجاج قبيل انطلاق مواكبهم إلى بلاد الحجاز، إذ تدور في الغالب حول سيرة النبي صلى الله عليه وآله، إضافة إلى ذكر الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وسنأتي على هذا الموضوع لاحقا.


وتحكي المرويات الشفوية أن مار جريس ( الخضر) قاتل التنين ولاحقه حتى انتصر عليه، وانقذ ابنة الملك؛ على نحو ما يرد في الأغنية الشعبية التي تغنّى في الأعراس، حيث يردد الحاضرون بعد كل بيت اللازمة المشهورة: يا حلالي يا مالي، وهذا جزء من النص الذي أورده عوض سعود عوض في بحثه" الماء في التراث الشعبي الفلسطيني" مجلة المأثورات الشعبية، العدد 27، 1993، قطر".

أول ما نبدى نمدح في مار جريس سيدنا بو جريس راح الحر خلف لجريس حسرات وقام جريس هو وامه من مدينتهم ارتحلوا طاروا بيروت ونزلوا فيها بهم واحزاني فيها وحش ماكل عيونو بتقدح نيراني جمعوا بعضهم واعطوا له كل يوم غنمة او إنساني راحت الأيام أتت الأيام أجا دور الملك اللي قال دورك يا ملك دورك ما حدا خالف شورك قدم بنتك دستورك قدمها للحيوان

وهناك أغان نجد فيها نفسا أجنبيا، تفوح منها رائحة الهند والصين وبلاد فارس، وبلاد الترك، كأغاني " سفر دولة " التي كانت بدايتها حين كان العثمانيون يجردون الحملات العسكرية بتشكيل كتائب منهم للقتال في أوروبة، فيسافرون مسافات طويلة بعيدا من ديارهم، في ما عرف باسم السفر برلك، وتتجلى خصوصية هذه الأغاني برنة الحزن التي تسري في لحنها مما جاء منسجما مع الجو العام الذي كان يصاحب ارتحالهم. ومن ذلك:

يا موج خذني معك يا بحر غرّقني دولي سفر دولي موتي قتل ولا النذل يبوسني دولي سفردولي ومثل قول الميتاني: نزلت دمعتي من عيني على طرف كمي دولي سفر دولي والغربه حزن يا ناس فرقة أبوي وامي دولي سفر دولي نزلت دمعتي من عيني ملت الفنجان دولي سفر دولي لسقي دموعي سموم للي يساوم عل الاوطان دولي سفر دولي وربما ضمّن الشاعر الشعبي أقواله بعض الأعلام مما يوحي بسعة اطلاعه، وتنوع معلوماته، وفي المقطع التالي من زفة العريس يتجلى حضور المأثور الديني في أشعارهم، يقول الحداء:

وين ازفك وين يابو عيون سّود وين ازفك وين يابو عيون سّود

بين الحرميـــن والنبــي داود

وين ازفك وين يابو عيون املاح وين ازفك وين ابو عيون املاح


بين الحرمين والصحابي جراح

ونلاحظ هنا أن الحداء متمكن من الشعر والقوافي، ويستحضر منها ما يلوّن به أداءه، مستعينا بمعجمه من الأسماء مما ياتي موافقا لقافيته، فالسود جيء لها بداوود، والملاح جيء لها بالصحابي جراح إشارة إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح.

وفي موسم الحج حين تخف المواكب في رحلتها الى بلاد الحجاز، تتقد المشاعر في وداع الحجيج، ولا سيما قبل اكتشاف المركبات، حين كان السفر على الإبل أو مشيا على الأقدام، إذ كانت رحلة الحج من فلسطين تستغرق بضعة أشهر، ولذلك كانوا يودعون الحاج وداعا قد لا يكون بعده لقاء. ومن هنا جاء اصطلاح التحنين الذي يطلق على أغاني وداع الحجيج واستقبالهم، وذلك من قول العامة لمسافرهم" الله يحنن عليك"، لأنه في غربته قد تنقطع به السبل أو يقع في حاجة غيره ممن قد يبخل عليه أو لا يجد ما يقدمه له، فهم يسألون له الله أن يهيئ له من أمره رشدا، وأن ييسر أمره، وألا يتعرض لبرد ولا حر ولا دوخة… على نحو ما نجده في قولهم:

صفي شجر خوخ يا طريق الحجاج ، صفي شجر خوخ تحفظلنا فـلان مـــن الحـر والدوخ صف شجر ورد يا طريق النبي ، صفــي شجر ورد تحفظلنا فلان من الحـــــر والبرد


والأعم الأغلب في مصادر الأغنية الشعبية الفلسطينية هو التراث العربي بصوره المختلفة، وكثيرا ما يخلو بعض الشعراء الشعبيين ببعض قبل الشروع بالحفل الغنائي المعهود في الأعراس، ويتشاورون في ما بينهم حول الموضوع الذي سيقولون فيه الشعر،: السيف والرمح، السيف والقلم، السمرا والبيضا، وما نرى هذه إلا مستمدة من قصائد أبي تمام والمتنبي وأبي فراس وغيرهم ممن افاضوا في قصائدهم في ذكر هذه الأدوات، ومن رسائل الجاحظ التي خص فصلا منها للمفاضلة بين السودان والبيضان. ويقف المطالع في الأغاني الشعبية الفلسطينية على أن كثيرا من معانيها والقيم التي تكرسها إنما هي قيم تراثية، لم نعد نجد لها وجودا حقيقيا في حياة الناس، إلا نادرا، فهي تترجم عادات وتقاليد درست، أو تكاد.

ومن المصادر المعهودة في الأغاني الشعبية والطلعات البيئة الطبيعية كاغاني الأطفال المرتبطة بالمطر كبعض أناشيد الأطفال وأغنياتهم، مثل:

امطري وزيدي بيتنا حديدي عمنا عبد الله رزقنا على الله

ومثل:

شمست شميسة على قرون عيشة عيشة في لمغاره طبخت قطة وفارة

ومنه قول اعزيّز في شهر شباط من قصيدة طويلة: روح يا شباط يا حيفن عليك ما شفنا ياشين من شهـرك مطـر ومثل ذلك كثير.

المعاني والقيم التراثية

تنظم حياة الإنسان حصيلة من القيم والمعارف الثقافية، ولقد لجأ الإنسان إلى أساليب وطرق مختلفة لنشر هذه المعارف منها: الأغنية الشعبية.. التي ربما كانت في وقت من الأوقات أهم الوسائل المتاحة لترويج الأفكار ونشر القيم، ولم يقتصر دور الأغنية الشعبية على ترسيخ القيم والعادات ونشرها فحسب، بل ساهم أيضاً في نقد السلبي منها ونبذه. ولننظر كيف تعامل هذا الأدب مع النذل من خلال لقطة من لقطات الدلعونا:

جفرا ويا هالربع تحط التبن بالخيــش واللي جوزها نذل ترخي السوالف ليش

لهجر بيوت الحجر وسكن بيوت الخيش وعيـش مـع البدو ووخذ بـدويا

ففي الشطر الأول يتساءل هذا الأديب لماذا تتزين المرأة لزوجها النذل، هذا الزوج غير الجدير بها لنذالته. ولنأخذ قيمة أخرى يحافظ عليها المجتمع، وهي النظافة.. ومما يوضح ذلك من أغاني الدلعونا:

البس الروزا واحفظ قيمتها يا الله العن أمك ما أقرف شوفتها

بدري عفانة وإلاّ عـادتها وإلاّ ما فشي حق الصابونا

ويقف المطالع في الأغاني الشعبية الفلسطينية على ما يُجلّي تواصلها بالتراث العربي واستمداد كثير من قيمه، بل كلها، كمعاني الكرم والشجاعة وغير ذلك، اللهم إلا ما ينتمي منها إلى العصر الجاهلي، وكان مما أبطله الدين، على نحو ما يتجلى في طلعة يا حلالي يا مالي لراجح بن غنيم السلفيتي التي يقول فيها:

هي يا رايح بلدنا وقف خذ هالوصيي

يا حلالي يا مال

ميل عا دار أبو احمد راعي الدار الغربيي

ياحلالي يا مال

تلقى لفراش مفرّش والمساند مركية

ياحلالي يا مالي

ما يذبح غير الحايل والخروف أبو ليه

يا حلالي يا مالي

إلى أن يقول واصفا كثرة الضيوف وتعاقبهم على الطعام:

طوف يقعد طوف يقوم وتظل حرافو مبنيي

يا حلالي يا مالي

واختم واصلسي عالزين محمد خير البريي

فالمعاني الواردة في هذين المقطين تشير إلى أننا إزاء معان وصور تراثية قديمة تذكرنا بقول كعب بن سعد الغنوي يؤبن أخاه:

أخو شتوات يعلم الضيف أنه سيكثر ما في قدره ويطيب

وبقول سويد وقد حزبه ضيف:

فقمت إلى البرك الهواجد فاتقت مقاحيد كوم كالمجادل روق

وكل ذلك كناية عن كثرة الطعام وجودته، بل إن كلمة" الحايل" التي استخدمها السلفيتي لم تعد متداولة بين الناس اليوم، وهي الأنثى من الأنعام حان وقت عِشارها فأخلفت، فتغدو سمينة جراء ذلك، وكذلك " الخروف أبو لية" فالناس اليوم يتعاطون اللحوم قليلة الشحوم، خوفا من البدانة، بينما لم يكن ذلك شأنهم من قبل ؛ لأنهم كانوا دائبي الحركة والعمل فلا يبدّنون. وفي الأعراس، عند الظهيرة، تنفك حلقات الدبكة، ويدخل المدعوون إلى البيوت في انتظار تقديم الغداء لهم، وهو غالبا ما يكون من المنسف الذي يتكون من أرز مغطى باللحم، ويصب فوقه مرق اللبن المليحي (الجميد)، وخلال تقديم الغداء تهزج الفتيات:

المنسف الأسمر ريان عودو دامت سعودو منسف أبو فلان

دامت سعودو

وتغير الفتيات الإيقاع إلى نغم آخر أكثر سرعة، بينما يحمل الشبان من ذوي العريس المناسف ليقدموها للضيوف وسط غناء الفتيات:

يا شوال الرز فلفلناه..........وراح

للشباب اللي عزمناها ....فلفلناه .... وراح

للشيوخ اللي عزمناها... غليناه وراح

وبعدها يذكّرن ويشدن بوالد العريس الذي من عادته دوما إكرام الضيوف فيهزجن :

صب الإقرى ياللي معود عَ القرى

صب الإقرى والزاد يا جوعان

صب الإقرى والميه يا عطشان

ثم يختتمن أغاني الغداء مذكرات بفضل والد العريس مرة ثانية وعادته يذبح الذبائح وإسقاء القهوة ليرفع بفعله هذا رؤوسهن عاليا:

حلفت الناس .... ما تذبح ذبايح

واذبح يا ابو فلان ... والسيط لينا

حلفت الناس .....ما تدق قهاوي

شرب يا ابو فلان ....والسيط لينا

حلفت الناس.... ما تلبس محابس

لبّس يا ابو فلان.... والصيت لينا

إن كثيرا من الألفاظ الواردة في هذه النصوص لتعود بنا إلى الأدب العربي القديم، كالقِرى؛ طعام الضيف، وريان العود؛ كناية عن وفرة المرق واللحم، والدعاء بدوام السعود؛ ليظل بيته مشرع الأبواب أمام الضيوف، وما ذلك الا لتناسخ القيم والمعاني القديمة في الأغنية الشعبية الفلسطينية المعاصرة، مع العلم أن الناس في ثقافتهم الرفيعة لا يتداولون مثل هذه الألفاظ، ولا يأبهون بما تشير إليه تلك الأشعار من المعاني، إذ يرون فيها ضربا من التخلف والرجعية، وفي هذا ما يشير إلى التباين بين نمط الحياة التلقائية للشعب ونمط الحياة الرسمية.

ومن المعاني التراثية التي تنعكس في الأغنية الشعبية ما نجده من مفاخرة بين السودان والبيضان من النساء والرجال على حد سواء، وفي رسائل الجاحظ رسالة أدرجها تحت عنوان " المفاخرة بين السودان والبيضان" ونجد هذا المعني مطردا في الآداب الشعبية العربية، ومن العرب من ذم بسواده، أو ببياضه، ومن ذلك ما كان من شأن عمرو بن شأس حين عيرته امرأته بابنه "عرار" وكان لأم سوداء فقال:

وإن عرارا إن يكن غير واضح فإني احب الجون ذا المنكب العمم

يعني أن ابنه، وإن كان أسود، إلا أنه ضخم عريض المنكبين. وفي الأغاني الشعبية الفلسطينية، نجد نصوصا تترجم هذه المعاني بشكل صريح، تقول الأغنية:

هيمان القلب هيمان السمرا والبيضا دشمان

أي عدوّان، وكلمة دشمان فارسية لمعناها، وفي ذيوعها إشارة إلى تسرّب كلمات فارسية كثيرة الى العامية الفلسطينية. ومن قبيل ذلك في جبل الخليل:

السمــرا لاقــت البيضـا عا طريــق العيـــن

البيضا قالــــت للسمـرة يا كحيـــل العيـــن

البيضا قالـت انا الـرز فوق الســدر مـعروم

السمـرا قالـــت انـا الـلحم فـوق الـرز مـعروم

البـيضا قـالت انـا الفـنجان بشـرب مـني المامون

السمـرا قالـت انـا الـقهوة بشربنـــي المامـون

حيث تدعي كل منهما بما تمتاز به عن الأخرى.

وقد شاعت في البلاد العربية ظاهرة تفاخر الأصناف والأجناس بعضها على بعض، كالقهوة والشاي، والقمح والشعير، والعصيدة والثريد ونحو ذلك مما وجدته في آداب العرب في حضرموت وجنوب ليبيا وفي فلسطين أيضا.

الصور الفنية التراثية في الأغنية الشعبية الفلسطينية

استخدم الفلسطينيون كثيرا من الصور في أغانيهم، وهم بذلك يقرّبون المشهد من خيال السامع ويجعلونه قابلا للتصور فكانه ماثل للعيان، فالنص التالي يتسلسل بادئا بالنعجة ترعى في الوادي إلى الموت الذي يمثل نهاية كل حي، وهو من الأغاني التي كانوا يرددونها للأطفال عند حكاية القصص لهم:

حزرتك احزيزيرة في ذانك ابزيزيرة

فيها قرقع الوادي فيهـا ميت صياد

فيها نعجتنا بتخض قلت مالك يا هالنعجة

قال السيف بذبحني قلت مالك يا هالسيف

قال النار بتصليني قلت مالك يا هالنار

قال الميه بتطفيني قلت مالك يا هالميه

قال الجمل بشربني قلت مالك يا هالجمل

قال العروس بتركبني قلت مالك يا هالعروس

قال ابوي بجبرني قلت مالك يا هالأب

قال الموت بيوخذني قلت مالك يا هلموت

قـال الرب بيبعثني

الحاجة رتيبه حماد (الخليل)

ومن ذلك صور البحر الذي عرفه الفلسطينيون جيدا لامتداده على طول الساحل الغربي، شأنهم في ذلك شأن امرئ القيس حين قال:

حين أرسى كل من يعرفه وارتمى الآذيّ منه بالزبد

فقد عرفوه ساكنا هادئا كما عرفوه غاضبا مزمجرا، وشبهوا الكرام به لاتساعه ولما هم عليه من الجود والسخاء، كما عرفوا المطر عندما يتنزّل غزيرا دون ريح تسوقه، وقد جمع الحاج أبو ناصر من جبل الخليل بين هذه المعاني فقال:

علامك يا بحر تهدر بلا يح ..... والمطر فـي بلدنا ينزل بلا ريح يلا يا ابو فلان داويلي المجاريح ..... يا ابوكن امعودني عالسخـا يا ابو فلان يا بحر عكا وسيرها ..... يا فكاك المحابيس من يسـرها وكم دولة يا بطل وانت ناصرها ..... وسيفـك دام عـارقاب العـدا

ومن صورهم التي تعكس مقدرة فنية فائقة، تصوير صدر الفتاة بأنه مرعى الخراف والنعاج، يشبهون بها الثديين، يضاف إلى ذلك أن الشاعر يحاول أن ينصف السود من البيض، فيصور بياضهن بلون الشحم من الكلاب، ولو شبهه بأي شحم لظل اللون أبيض، ولكنه أراد ذمهن بإضافته للكلاب، تماما مثلما يقولون في العامية :البياض على الحمير، والبياض على الحيطان"، أو كما يقول المصريون في التقليل من شان البياض: "شق اللفت". بقول الشاعر:

جفرا ويا هالربع تخبز على الصاجي

مرسوم عصديرها خرفان ونعاجي

لا تزعلن يا السمر البيض غناجي

البيض شحم الكلب والسمر عينيه

وقد احتلت القضايا القومية موقعا مهما في ساحة الأغنية الشعبية الفلسطينية، ولا سيما القضية الفلسطينية، هذا الجرح النازف منذ اكثر من ستين عاما، ولذلك فهي في مقدمة العوامل المحركة لكثير من الفنون الشعبية وفي مقدمتها الأغنية، ففي حلقة الدبكة تغني إحدى الفتيات على أنغام المجوز أغنية دلعونا فتقول:

دمعونا تجري ودمعونا تجري

فلسطين بعيدة والدرب عسري

كنك يا حبي طالب النصر

سيفك عَ رقاب العدا مسنونا

اعداد

أ.د. يحيى جبر