«أكرم زعيتر»: الفرق بين المراجعتين

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب'نسبه وحياتـه ينتسب أكرم إلى آل زعيتر, وهم في غنى عن التعريف, فقد ولد أكرم في مدينة نابلس الفل...')
 
 
(٤ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
نسبه وحياتـه
+
==نسبه وحياتـه==
  
 
ينتسب أكرم إلى آل زعيتر, وهم في غنى عن التعريف, فقد ولد أكرم في مدينة نابلس الفلسطينية, في ‏عام 1909م ونشأ في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين.‏
 
ينتسب أكرم إلى آل زعيتر, وهم في غنى عن التعريف, فقد ولد أكرم في مدينة نابلس الفلسطينية, في ‏عام 1909م ونشأ في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين.‏
  
تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في كلية النجاح في نابلس قبل أن ينتسب إلى الجامعة الأمريكية في ‏بيروت, وكلية الحقوق في القدس التي ظفر منها بشهادة في الحقوق. وكان من أساتذته في فلسطين الأديب ‏خليل السكاكيني (1878 – 1953م) الذي ارتبط به أكرم بوثاق شديد, وظل طوال عمره يباهي بتلمذته على ‏هذا الأديب الكبير, وبلغ من تأثره بعلمه وشخصيته أن أطلق اسم "سري" على بكر أبنائه تشبها بأستاذه ‏السكاكيني, أبي سري.‏
+
تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في كلية النجاح في نابلس قبل أن ينتسب إلى الجامعة الأمريكية في ‏بيروت, وكلية الحقوق في القدس التي ظفر منها بشهادة في الحقوق. وكان من أساتذته في فلسطين الأديب ‏خليل السكاكيني (1878 – 1953م) الذي ارتبط به أكرم بوثاق شديد, وظل طوال عمره يباهي بتلمذته على ‏هذا الأديب الكبير, وبلغ من تأثره بعلمه وشخصيته أن أطلق اسم "سري" على بكر أبنائه تشبها بأستاذه ‏السكاكيني, أبي سري.‏
  
  
بداية أعمالـه
+
==بداية أعمالـه==
اشتغل بعد ذلك بالتدريس في المدارس الثانوية في فلسطين حتى إذا مااندلعت نيران ثورة عام 1929م ‏استقال من عمله وألقى بنفسه في خضم النضال الوطني متفرغا له تفرغا كاملا وهو ما استغرقه طوال حياته ‏فعرف السجون والمنافي والمحاكمات, وفي سبيل الوطن يسترخص كل شيء. ‏
+
اشتغل بعد ذلك بالتدريس في المدارس الثانوية في فلسطين حتى إذا مااندلعت نيران ثورة عام 1929م ‏استقال من عمله وألقى بنفسه في خضم النضال الوطني متفرغا له تفرغا كاملا وهو ما استغرقه طوال حياته ‏فعرف السجون والمنافي والمحاكمات, وفي سبيل الوطن يسترخص كل شيء. ‏
 
عمل فترة في الصحافة فحرر مجلة "مرآة الشرق" في بيت المقدس لصاحبها بولس شحادة ( 1882 – ‏‏1943) وجريدة "الحياة" في القدس, وانشأ حزب الاستقلال في فلسطين ثم "عصبه العمل القومي" في سوريا, ‏ونزح مرة إلى الشام ومرة إلى العراق. ‏
 
عمل فترة في الصحافة فحرر مجلة "مرآة الشرق" في بيت المقدس لصاحبها بولس شحادة ( 1882 – ‏‏1943) وجريدة "الحياة" في القدس, وانشأ حزب الاستقلال في فلسطين ثم "عصبه العمل القومي" في سوريا, ‏ونزح مرة إلى الشام ومرة إلى العراق. ‏
  
نضاله السياسي
+
==نضاله السياسي==
دعا إلى اجتماعات شعبية واضطرابات عامة في فلسطين عد استشهاد الشيخ عز الدين القسام في عام ‏‏1935 والثورة العارمة التي هبت في أثر ذلك, وانضم في العراق الى ثورة رشيد عالي الكيلاني (1983- ‏‏1945) عند قيامها في عام 1941م فلما أخفقت يمم صوب تركيا حيث قضى عامين في منفى اختياري. وعند ‏إعلان استقلال سوريا في عام 1943م عاد الى دمشق فاستعانت به الحكومة في بعض المهام الرسمية, فكان ‏مستشارا للوفد السوري في الجامعة العربية, كما كان عضوا في لجنة فلسطين الدائمة في الجامعة بعد إنشائها ‏في عام 1945م. عاد بعد "رحلة القاهرة" إلى عمان إذ استحال عليه أن يعود إلى بلاده بعدما ضاعت فلسطين ‏في 15 أيار 1948. وعند إنشاء حكومةعموم فلسطين في القاهرة في 23 أيلول 1948م برئاسة دولة أحمد ‏حلمي باشا عبد الباقي (1882 – 1963م) اختير أكرم زعيتر  وزيراً فيها. لكنه تجاهل هذا المنصب لاعتقاده ‏بأن الحكومة المذكورةبقيت كيانا هلاميا واقتصر نشاطها على إصدار البيانات دون أن تزاول عملا جديا ‏كحكومة لها وزراء للاقتصاد والتجارة والصحة والخارجية وهلم جرا.‏
+
دعا إلى اجتماعات شعبية واضطرابات عامة في فلسطين عد استشهاد الشيخ عز الدين القسام في عام ‏‏1935 والثورة العارمة التي هبت في أثر ذلك, وانضم في العراق الى ثورة رشيد عالي الكيلاني (1983- ‏‏1945) عند قيامها في عام 1941م فلما أخفقت يمم صوب تركيا حيث قضى عامين في منفى اختياري. وعند ‏إعلان استقلال سوريا في عام 1943م عاد الى دمشق فاستعانت به الحكومة في بعض المهام الرسمية, فكان ‏مستشارا للوفد السوري في الجامعة العربية, كما كان عضوا في لجنة فلسطين الدائمة في الجامعة بعد إنشائها ‏في عام 1945م. عاد بعد "رحلة القاهرة" إلى عمان إذ استحال عليه أن يعود إلى بلاده بعدما ضاعت فلسطين ‏في 15 أيار 1948. وعند إنشاء حكومةعموم فلسطين في القاهرة في 23 أيلول 1948م برئاسة دولة أحمد ‏حلمي باشا عبد الباقي (1882 – 1963م) اختير أكرم زعيتر  وزيراً فيها. لكنه تجاهل هذا المنصب لاعتقاده ‏بأن الحكومة المذكورةبقيت كيانا هلاميا واقتصر نشاطها على إصدار البيانات دون أن تزاول عملا جديا ‏كحكومة لها وزراء للاقتصاد والتجارة والصحة والخارجية وهلم جرا.‏
  
لم يكن أمام أكرم زعيتر من خيار لمتابعة رسالته الوطنية إلا بالانتماء الى الأردن, فعينته حكومتها ‏ممثلا لها في الأمم المتحدة عام 1962م, وتقلد بعد ذلك مناصب شتى كسفير للأردن في دمشق وطهران ‏وكابول وبيروت, واختير وزيرا للخارجية وللبلاط الهاشمي, وعين عضواً في مجلس الأعيان الأردني ورئيساً ‏للجنة الملكية لشؤون القدس, وانتخب عضوا في مجمع اللغة العربية والمجمع الملكي لبحوث الحضارة ‏الاسلامية في عمان, كما رأس المركز الثقافي الإسلامي في بيروت. ‏
+
لم يكن أمام أكرم زعيتر من خيار لمتابعة رسالته الوطنية إلا بالانتماء الى الأردن, فعينته حكومتها ‏ممثلا لها في الأمم المتحدة عام 1962م, وتقلد بعد ذلك مناصب شتى كسفير للأردن في دمشق وطهران ‏وكابول وبيروت, واختير وزيرا للخارجية وللبلاط الهاشمي, وعين عضواً في مجلس الأعيان الأردني ورئيساً ‏للجنة الملكية لشؤون القدس, وانتخب عضوا في مجمع اللغة العربية والمجمع الملكي لبحوث الحضارة ‏الاسلامية في عمان, كما رأس المركز الثقافي الإسلامي في بيروت. ‏
  
وما كان أكرم زعيتر بالشخص العادي الذي يمر به التاريخ, إنه... التاريخ ذاته!! فالتاريخ ليس رواية ‏للماضي, كما يفهمه الببغاوات من حملة شهادات العلم التجهيلي وإنما هو سجل لمسيرة الحياة وتعرجاتها سموا ‏وهبوطا, حكمة واستعباراً, منزه إلا عن الأمانة في التمييز بين ماهو حق, وما هو باطل, بين ما هو علة, وما ‏هو معلولات, بين ما هو تفعيل للعقل وما هو تحذير له وتغييب!! وهذا معنى قولنا, إن أكرم زعيتر تاريخ بحد ‏ذاته.!!‏
+
وما كان أكرم زعيتر بالشخص العادي الذي يمر به التاريخ, إنه... التاريخ ذاته!! فالتاريخ ليس رواية ‏للماضي, كما يفهمه الببغاوات من حملة شهادات العلم التجهيلي وإنما هو سجل لمسيرة الحياة وتعرجاتها سموا ‏وهبوطا, حكمة واستعباراً, منزه إلا عن الأمانة في التمييز بين ماهو حق, وما هو باطل, بين ما هو علة, وما ‏هو معلولات, بين ما هو تفعيل للعقل وما هو تحذير له وتغييب!! وهذا معنى قولنا, إن أكرم زعيتر تاريخ بحد ‏ذاته.!!‏
  
فلسطيني من نابلس أكرم زعيتر, لكنه وقد جعل من فلسطين واغتصابها, المحور الأهم طيلة سنين ‏عمره جهادا وكتابة وخطابة وتعليما وتاريخا وسياسة, ودبلوماسيا, وصداقات واتصالات, لم يسمح لخديعة ‏سايكس – بيكو, أن تنال منه, ومن شروط وعيه, واتساع أفقه, وعميق نظراته, لحظة واحدة.!!‏
+
فلسطيني من نابلس أكرم زعيتر, لكنه وقد جعل من فلسطين واغتصابها, المحور الأهم طيلة سنين ‏عمره جهادا وكتابة وخطابة وتعليما وتاريخا وسياسة, ودبلوماسيا, وصداقات واتصالات, لم يسمح لخديعة ‏سايكس – بيكو, أن تنال منه, ومن شروط وعيه, واتساع أفقه, وعميق نظراته, لحظة واحدة.!!‏
  
كان زعيتر يرى نابلس في بغداد, والخليل في دمشق, ويافا في بيروت, والقدس في عمان, شأن كل ‏القوميين الواعين الذين استعصوا على الذوبان, والانخراط في تيارات الضلال والتضليل ولم يقبلوا المساومة ‏على حق الحقيقة الإنسانية في الانتصار, على كل ما هو طارئ مفتعل!!‏
+
كان زعيتر يرى نابلس في بغداد, والخليل في دمشق, ويافا في بيروت, والقدس في عمان, شأن كل ‏القوميين الواعين الذين استعصوا على الذوبان, والانخراط في تيارات الضلال والتضليل ولم يقبلوا المساومة ‏على حق الحقيقة الإنسانية في الانتصار, على كل ما هو طارئ مفتعل!!‏
  
وصحيح أن أكرم زعيتر, كان يتمتع بالمرونة التي أملتها ظروف العمل والكفاح, بحكم اتساع دوائر ‏اتصالاته, وعدم الانحراف بجزئيات الأمور وشكلياتها, إلا أن هذه المرونة ظلت محكومة بالسقوف المحددة ‏بثوابت الأمة واستشراف غدها ومستقبل أجيالها.!!‏
+
وصحيح أن أكرم زعيتر, كان يتمتع بالمرونة التي أملتها ظروف العمل والكفاح, بحكم اتساع دوائر ‏اتصالاته, وعدم الانحراف بجزئيات الأمور وشكلياتها, إلا أن هذه المرونة ظلت محكومة بالسقوف المحددة ‏بثوابت الأمة واستشراف غدها ومستقبل أجيالها.!!‏
 
 
في بيروت كان رجالات لبنان ورعيله الواعي ينظرون الى السفير الأردني أكرم زعيتر كلبناني أصيل ‏صادق من صميم لبنان! ومثل بيروت كانت دمشق, وكانت بغداد في نظرتها وتعاملها مع من بقي يمثل لهم, ‏ويجسد آمالهم مناخ وروح المؤتمر السوري العام, الذي انعقد في دمشق, في الثامن في آذار عام 1920.!! ‏
+
في بيروت كان رجالات لبنان ورعيله الواعي ينظرون الى السفير الأردني أكرم زعيتر كلبناني أصيل ‏صادق من صميم لبنان! ومثل بيروت كانت دمشق, وكانت بغداد في نظرتها وتعاملها مع من بقي يمثل لهم, ‏ويجسد آمالهم مناخ وروح المؤتمر السوري العام, الذي انعقد في دمشق, في الثامن في آذار عام 1920.!! ‏
  
أكرم زعيتر, كان يؤمن إيماناً راسخاً بوحدة الأمة, ليس لأنها حقيقة علمية إنسانية واقعية طبيعية ‏فحسب, ولكن لأنها الطريق الصحيح والنهج الأوحد, لتحرير نابلس والخليل وغزة والقدس.!!‏
+
أكرم زعيتر, كان يؤمن إيماناً راسخاً بوحدة الأمة, ليس لأنها حقيقة علمية إنسانية واقعية طبيعية ‏فحسب, ولكن لأنها الطريق الصحيح والنهج الأوحد, لتحرير نابلس والخليل وغزة والقدس.!!‏
  
 
ولهذا قلنا وسنبقى نقول, أكرم زعيتر هو الفلسطيني الفلسطيني. ‏
 
ولهذا قلنا وسنبقى نقول, أكرم زعيتر هو الفلسطيني الفلسطيني. ‏
وقد يكون من الغبن الصارخ, أن نحصر حديثنا عن أكرم زعيتر, بجهاده المتصل الحار لتحقيق وحدة ‏الأمة, وتحرير فلسطين, فقد كان عملاقاً لا يجارى في أسلوبه الأدبي البليغ في الكتاب, وفي متانة السبك ‏وفصاحة الكلمة بحيث لا يمكن مقارنته بسواه من أدباء هذه الأيام.!!‏
 
  
وقد لا تصح مقارنته على الصعيد الأدبي إلا بابن المقفع!! وعندما تقول الآية الكريمة (أن من البيان ‏لسحرا) يصبح من الطبيعي جدا, أن يكون (أبو سري) ساحراً ساحراً!! ولا أدري لماذا لا يقفز إلى ذهني إلا بيت ‏المعري.:‏
+
وقد يكون من الغبن الصارخ, أن نحصر حديثنا عن أكرم زعيتر, بجهاده المتصل الحار لتحقيق وحدة ‏الأمة, وتحرير فلسطين, فقد كان عملاقاً لا يجارى في أسلوبه الأدبي البليغ في الكتاب, وفي متانة السبك ‏وفصاحة الكلمة بحيث لا يمكن مقارنته بسواه من أدباء هذه الأيام.!!‏
 +
 
 +
وقد لا تصح مقارنته على الصعيد الأدبي إلا بابن المقفع!! وعندما تقول الآية الكريمة (أن من البيان ‏لسحرا) يصبح من الطبيعي جدا, أن يكون (أبو سري) ساحراً ساحراً!! ولا أدري لماذا لا يقفز إلى ذهني إلا بيت ‏المعري.:‏
 
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت.. ميت الأحياء!‏
 
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت.. ميت الأحياء!‏
  
حفلت حياة أكرم زعيتر بالنكبات المتلاحقة من ضياع الوطن والبيت والمقتنيات
+
حفلت حياة أكرم زعيتر بالنكبات المتلاحقة من ضياع الوطن والبيت والمقتنيات
 
‏, بل نجا من حادث احتراق فندق شبرد بالقاهرة الذي كان ينزل فيه مع شقيقه عادل زعيتر عندما احرقت القاهرة ‏في 26 كانون الأول 1952وفقد فيه جميع أمتعته, لكن مصريا نبيلا هو النائب الأسبق محمد محمود جلال بك ‏استضافه في بيته إلى أن استطاع تدبير بديل لما فقده من ثياب وأمتعه, وعرف في حياته المحاكمات ‏والسجون والنفي القسري والاختياري والتشرد في بيروت. ولكن كل هذه الملمات لم تفجعه بالقدر الذي أفجعه ‏فقدانه ضنَائنه من الكتب والرسائل والأوراق ومجموعات المجلات عندما أصاب صاروخ صهيوني منزله في ‏بيروت في أول آب 1982 فأحرق مكتبته التي وصفها بأنها "واحته في بيداء الحياة" كانت هذه الداهية ملجمة ‏للسانه, فلما أفاق من هولها عقد فصلا ودع به مكتبته وأوراقه, ورثاها بدم قلبه لأنها ضمت كنوز عصر كان ‏يذود عنه من عاديات الأيام, وكان مما قاله في هذا الموقف العصيب: "إذن لقد احترقت مكتبتي واحتي ببيداء ‏الحياة, مدرستي وجامعتي, ملتقاي وكبار العلماء وأعلام الأدباء منتدى أصدقائي الأخيار وأساتذتي الأبرار. ‏أشتاق إلى أحبائي فالقاهم في رسائلهم وصورهم وثمرات قرائحهم. أرواح الأعلام الفضلاء جعلت من أرض ‏مكتبتي سماء. الهموم تطبق علي, ولكنها تهادنني حين أوي إلى مكتبتي واتفيا ظلها الظليل, لكل كتاب فيها ‏قصة, ولي معه صحبة ولكلمات الإهداء من جهابذة الفضلاء عندي حرمة ووفاء. لقد التهمت النار مع الكتب ‏سطور الأئمة الذين هم جمال هذا الكون. أراني في المكتبة أحسن بشرف التواضع أمام عمالقة, ثم أراني ‏اتجاهي وأتباهى وأزهو بهم. الصاروخ الصهيوني لم يحرق أوراقا وأخشابا وألواحا, ولكنه أحرق عبقريات وأحرق ‏هناءات وباعد بين لدات.!‏
 
‏, بل نجا من حادث احتراق فندق شبرد بالقاهرة الذي كان ينزل فيه مع شقيقه عادل زعيتر عندما احرقت القاهرة ‏في 26 كانون الأول 1952وفقد فيه جميع أمتعته, لكن مصريا نبيلا هو النائب الأسبق محمد محمود جلال بك ‏استضافه في بيته إلى أن استطاع تدبير بديل لما فقده من ثياب وأمتعه, وعرف في حياته المحاكمات ‏والسجون والنفي القسري والاختياري والتشرد في بيروت. ولكن كل هذه الملمات لم تفجعه بالقدر الذي أفجعه ‏فقدانه ضنَائنه من الكتب والرسائل والأوراق ومجموعات المجلات عندما أصاب صاروخ صهيوني منزله في ‏بيروت في أول آب 1982 فأحرق مكتبته التي وصفها بأنها "واحته في بيداء الحياة" كانت هذه الداهية ملجمة ‏للسانه, فلما أفاق من هولها عقد فصلا ودع به مكتبته وأوراقه, ورثاها بدم قلبه لأنها ضمت كنوز عصر كان ‏يذود عنه من عاديات الأيام, وكان مما قاله في هذا الموقف العصيب: "إذن لقد احترقت مكتبتي واحتي ببيداء ‏الحياة, مدرستي وجامعتي, ملتقاي وكبار العلماء وأعلام الأدباء منتدى أصدقائي الأخيار وأساتذتي الأبرار. ‏أشتاق إلى أحبائي فالقاهم في رسائلهم وصورهم وثمرات قرائحهم. أرواح الأعلام الفضلاء جعلت من أرض ‏مكتبتي سماء. الهموم تطبق علي, ولكنها تهادنني حين أوي إلى مكتبتي واتفيا ظلها الظليل, لكل كتاب فيها ‏قصة, ولي معه صحبة ولكلمات الإهداء من جهابذة الفضلاء عندي حرمة ووفاء. لقد التهمت النار مع الكتب ‏سطور الأئمة الذين هم جمال هذا الكون. أراني في المكتبة أحسن بشرف التواضع أمام عمالقة, ثم أراني ‏اتجاهي وأتباهى وأزهو بهم. الصاروخ الصهيوني لم يحرق أوراقا وأخشابا وألواحا, ولكنه أحرق عبقريات وأحرق ‏هناءات وباعد بين لدات.!‏
  
اشتاق الى صحبة الأمير شكيب والأمام رشيد والثعالبي والزركلي وعلال والنشاشيبي ومحب الدين ‏والقاسمي وهيكل باشا والسكاكيني وعبد الرزاق وأباظة والبشري والمازني والأعظمي وطه ونويهض وعادل ‏والمقدادي وفرحات وعبد الغني حسن والمعلوف والسباعي وباكثير والزيات والبدوي والنجفي والحصري ودروزة ‏والأفغاني وعبده والطباطبائي والأمين والزيات, فاعتمر منازلهم في مجمع الفضلاء, في مكتبتي رف جمال ‏الدين الأفغاني, وفيه إثارة ووثائقه وروائعه أصبح رمادا, وليت الرياح لم تذره, إذن لجمعته في قارورة وابقيتها ‏ذكرى تجدد تعظيمي له وحقدي على أعداء العربية الإسلامية, أخواني ودعتهم في عمري تفاريق, واليوم ‏ودعتهم مجتمعين! من لي بمن يعوضني من مجموعات السياسة الأسبوعية والزهراء والفتح والزهور والرسالة ‏والثقافة والحياة والحديث والمواهب والسمير والميزان والبيان العربي والأفق الجديد وعكاظ وكنوز دار الأحياء ‏والعصرية والكتاب العربي وغيرها ممن جعلوا مكتبتي منجم علم وأدب. قد أجد الموسوعات والمعاجم والقواميس ‏في المجامع, ولكن التعليقات والهوامش وعبارات أئمة بخط يدهم تعد وثائق مجد وأدب, لن تعوض وثلاثون من ‏دواوين الشعر الراقي في سالف العصور وحاضرها, هيهات أن أجد منها عوضا, وصفوة الأغراء وذؤبات ‏الوطنية ورفاق الجهاد.‏
+
اشتاق الى صحبة الأمير شكيب والأمام رشيد والثعالبي والزركلي وعلال والنشاشيبي ومحب الدين ‏والقاسمي وهيكل باشا والسكاكيني وعبد الرزاق وأباظة والبشري والمازني والأعظمي وطه ونويهض وعادل ‏والمقدادي وفرحات وعبد الغني حسن والمعلوف والسباعي وباكثير والزيات والبدوي والنجفي والحصري ودروزة ‏والأفغاني وعبده والطباطبائي والأمين والزيات, فاعتمر منازلهم في مجمع الفضلاء, في مكتبتي رف جمال ‏الدين الأفغاني, وفيه إثارة ووثائقه وروائعه أصبح رمادا, وليت الرياح لم تذره, إذن لجمعته في قارورة وابقيتها ‏ذكرى تجدد تعظيمي له وحقدي على أعداء العربية الإسلامية, أخواني ودعتهم في عمري تفاريق, واليوم ‏ودعتهم مجتمعين! من لي بمن يعوضني من مجموعات السياسة الأسبوعية والزهراء والفتح والزهور والرسالة ‏والثقافة والحياة والحديث والمواهب والسمير والميزان والبيان العربي والأفق الجديد وعكاظ وكنوز دار الأحياء ‏والعصرية والكتاب العربي وغيرها ممن جعلوا مكتبتي منجم علم وأدب. قد أجد الموسوعات والمعاجم والقواميس ‏في المجامع, ولكن التعليقات والهوامش وعبارات أئمة بخط يدهم تعد وثائق مجد وأدب, لن تعوض وثلاثون من ‏دواوين الشعر الراقي في سالف العصور وحاضرها, هيهات أن أجد منها عوضا, وصفوة الأغراء وذؤبات ‏الوطنية ورفاق الجهاد.‏
  
 +
==أعماله الأدبية==
  
 +
كان أكرم زعيتر أديبا وخطيبا مفوها, فلم تجن الاهتمامات النضالية على هذا الجانب من حياته. فقد ‏كتب أكرم زعيتر تقديما لديوان صديقه الشاعر بدوي الجبل محمد سليمان الأحمد (1903- 1982) وكتابه الذي ‏فرد بعد ذلك عن هذا الشاعر العظيم, وما كتبه عن الشاعر القروي رشيد سليم الخوري (1887- 1984) وعن ‏شقيقه الأكبر عادل زعيتر وعن أستاذه خليل السكاكيني وعن الراحلين من أصدقائه الذين رثاهم بقلمه البليغ ‏مثل محمد عبد الغني حسن (1907- 1985) والبير أديب (1908- 1985) وجعفر الخيليلي                  ‏‏(1860- 1927). كما نذكر المقدمة النفسية التي كتبها للطبعة العربية‎(Palestine, The  ‎‏ ‏‎                  ‎‎                                                    Arab and Israel) ‎لكتاب المحامي الفلسطيني هنري كتن ‏‏(1906- 1992) التي ظهرت بعنوان "فلسطين في ضوء الحق والعدل" والتي نقلت إلى العربية, وكذلك ‏مقدمته للمجموعة الكاملة لافتتاحيات كامل مروة (1915- 1966) في جريدة "الحياة" وعسى أن يقدر لكل ‏هذه الفصول أن تجمع لأنها قطعة من البلاغة الرفيعة, وهي بلاغة تراءت حتى في الرسائل الخاصة التي كان ‏يبعث بها إلى أصدقائه.‏
  
أعماله الأدبية
+
وإذا كان أكرم زعيتر أصدر في فترة باكرة كتاب "القضية الفلسطينية للتعريف بها قبل انتشار الوعي ‏بخطورتها, فقد نشر بعد ذلك وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1918 و 1929, ويوميات حول ‏الحركة الوطنية في الفترة 1935- 1939, كما نشر مذكراته وأوراقه عن تطورات القضية الوطنية التي ‏عاصرها وأسهم فيها بجهده الدؤوب. وبهذا ترك للأجيال التالية سجلا موثقا بالمعاينة الشخصية للتاريخ الذي ‏كان هو جزء لا ينفصل عنه, عدا أن له كتبا مدرسية في التاريخ والمطالعات الأدبية شارك في تأليفها.‏
كان أكرم زعيتر أديبا وخطيبا مفوها, فلم تجن الاهتمامات النضالية على هذا الجانب من حياته. فقد ‏كتب أكرم زعيتر تقديما لديوان صديقه الشاعر بدوي الجبل محمد سليمان الأحمد (1903- 1982) وكتابه الذي ‏فرد بعد ذلك عن هذا الشاعر العظيم, وما كتبه عن الشاعر القروي رشيد سليم الخوري (1887- 1984) وعن ‏شقيقه الأكبر عادل زعيتر وعن أستاذه خليل السكاكيني وعن الراحلين من أصدقائه الذين رثاهم بقلمه البليغ ‏مثل محمد عبد الغني حسن (1907- 1985) والبير أديب (1908- 1985) وجعفر الخيليلي                  ‏‏(1860- 1927). كما نذكر المقدمة النفسية التي كتبها للطبعة العربية‎(Palestine, The  ‎‏ ‏‎                  ‎‎                                                    Arab and Israel) ‎لكتاب المحامي الفلسطيني هنري كتن ‏‏(1906- 1992) التي ظهرت بعنوان "فلسطين في ضوء الحق والعدل" والتي نقلت إلى العربية, وكذلك ‏مقدمته للمجموعة الكاملة لافتتاحيات كامل مروة (1915- 1966) في جريدة "الحياة" وعسى أن يقدر لكل ‏هذه الفصول أن تجمع لأنها قطعة من البلاغة الرفيعة, وهي بلاغة تراءت حتى في الرسائل الخاصة التي كان ‏يبعث بها إلى أصدقائه.‏
 
وإذا كان أكرم زعيتر أصدر في فترة باكرة كتاب "القضية الفلسطينية للتعريف بها قبل انتشار الوعي ‏بخطورتها, فقد نشر بعد ذلك وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1918 و 1929, ويوميات حول ‏الحركة الوطنية في الفترة 1935- 1939, كما نشر مذكراته وأوراقه عن تطورات القضية الوطنية التي ‏عاصرها وأسهم فيها بجهده الدؤوب. وبهذا ترك للأجيال التالية سجلا موثقا بالمعاينة الشخصية للتاريخ الذي ‏كان هو جزء لا ينفصل عنه, عدا أن له كتبا مدرسية في التاريخ والمطالعات الأدبية شارك في تأليفها.‏
 
  
ولم يكن له هوايات خاصة بعيدة عن العمل العام, فيذكر أنه خارج العمل الرسمي, كان يؤدي عملا ‏مضنيا, في مكتبته وبين كتبه وأبحاثه, وكان جهاده بالكلمة والخطاب, والبحث متواصلا بلا كلل, للدفاع عن ‏قضايا الأمة وحقوقها.‏
+
ولم يكن له هوايات خاصة بعيدة عن العمل العام, فيذكر أنه خارج العمل الرسمي, كان يؤدي عملا ‏مضنيا, في مكتبته وبين كتبه وأبحاثه, وكان جهاده بالكلمة والخطاب, والبحث متواصلا بلا كلل, للدفاع عن ‏قضايا الأمة وحقوقها.‏
  
وكانت سعادته الغامرة عند إنهاء بحث أو مقالة أو بعد القاء خطاب من خطبه المشهورة كانت تنسي ‏أصدقاءه القلق والخوف. أما كتابه اليوميات وتدوين الأحداث المهمة, فكان يعتبرها مهمة وطنية للحفاظ على ‏الحقيقة ومنعا للتعسف والالتباس, فكانت ذاكرته الحادة ودقته الشديدة والحازمة أهم أسلحته في تدوين الأحداث ‏التي شهدها وساهم فيها بحيث أصبحت كتبه مراجع شهيرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والقضايا ‏العربية الأخرى.‏
+
وكانت سعادته الغامرة عند إنهاء بحث أو مقالة أو بعد القاء خطاب من خطبه المشهورة كانت تنسي ‏أصدقاءه القلق والخوف. أما كتابه اليوميات وتدوين الأحداث المهمة, فكان يعتبرها مهمة وطنية للحفاظ على ‏الحقيقة ومنعا للتعسف والالتباس, فكانت ذاكرته الحادة ودقته الشديدة والحازمة أهم أسلحته في تدوين الأحداث ‏التي شهدها وساهم فيها بحيث أصبحت كتبه مراجع شهيرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والقضايا ‏العربية الأخرى.‏
  
أن المتتبع لسيرته يرى أنه نذر نفسه لخدمة أمته ووطنه. منذ أن فتح عينه على الدنيا. فمن إرسال ‏رسائل تهديد لأستاذ يهودي إنجليزي في نابلس وهو في التاسعة, إلى ترك مهمة التعليم في سن العشرين ‏والتفرغ للعمل العام, إلى قيادة المظاهرات في سن الواحدة والعشرين إلى عضوية اللجنة المركزية لحزب ‏الاستقلال العربي في سن الرابعة والعشرين, إلى قيادته التنظيمات الشبابية والتحريض على حمل السلاح ضد ‏الانتداب والصهيونية كآخر معتقل, إلى بقية السلسلة المتواصلة من العمل الدؤوب والهمة العالية, كلها تكشف ‏كيف كان الراحل يعيش وأين كانت حياته الخاصة.‏
+
أن المتتبع لسيرته يرى أنه نذر نفسه لخدمة أمته ووطنه. منذ أن فتح عينه على الدنيا. فمن إرسال ‏رسائل تهديد لأستاذ يهودي إنجليزي في نابلس وهو في التاسعة, إلى ترك مهمة التعليم في سن العشرين ‏والتفرغ للعمل العام, إلى قيادة المظاهرات في سن الواحدة والعشرين إلى عضوية اللجنة المركزية لحزب ‏الاستقلال العربي في سن الرابعة والعشرين, إلى قيادته التنظيمات الشبابية والتحريض على حمل السلاح ضد ‏الانتداب والصهيونية كآخر معتقل, إلى بقية السلسلة المتواصلة من العمل الدؤوب والهمة العالية, كلها تكشف ‏كيف كان الراحل يعيش وأين كانت حياته الخاصة.‏
  
وكان يردد دائما أن الانسان يجب أن يضع لحياته هدفاً أو مثلا أعلى يحاول الوصول إليه, فكان هذا ‏الشعور هو منبع الجدية والصدق في العمل في كل ميدان: في التعليم وفي السياسة في الوزارة وفي السفارة في ‏التنظيم وفي المجمع اللغوي نفس الشخصية العربية المسلمة المثقفة المنفتحة.  ‏
+
وكان يردد دائما أن الانسان يجب أن يضع لحياته هدفاً أو مثلا أعلى يحاول الوصول إليه, فكان هذا ‏الشعور هو منبع الجدية والصدق في العمل في كل ميدان: في التعليم وفي السياسة في الوزارة وفي السفارة في ‏التنظيم وفي المجمع اللغوي نفس الشخصية العربية المسلمة المثقفة المنفتحة.  ‏
  
وكان إخلاصه لمبادئه وجرأته في الدفاع عنها يعرضه لغضب الحكام أحيانا, أو لتحامل السفهاء ‏أحيانا أخرى, لكنه كان دائما المكافح الذي لا يهدأ, والمؤدب المترفع, عفيف اللسان صافي القلب. ‏
+
وكان إخلاصه لمبادئه وجرأته في الدفاع عنها يعرضه لغضب الحكام أحيانا, أو لتحامل السفهاء ‏أحيانا أخرى, لكنه كان دائما المكافح الذي لا يهدأ, والمؤدب المترفع, عفيف اللسان صافي القلب. ‏
  
أعماله السياسـية
+
==أعماله السياسـية==
  
ومن الأحداث التي رواها ودلت على سرعة بديهته ولباقته أنه في منتصف الستينات كان يشغل ‏منصب سفير الأردن في ايران, زار الرئيس الحبيب بورقيبة طهران في زيارة رسمية, وحدث أن اطلع على ‏صيغة البيان النهائي المزمع إصداره عند انتهاء الزيارة, وقد لمس فيه نصوصا لم تعجبه, وكانت تدعو إلى ‏علاقات واقعية بين دول المنطقة (أي بين إسرائيل والدول العربية) مما عده تنازلاً وتفريطا في غير محله. ورغم ‏أنه لم يكن عضوا في أي من الوفدين التونسي أوالإيراني ألا أنه أصر على مقابلة الرئيس بورقيبة وضغط ‏على صديقه الحبيب الابن وزير الخارجية لتكون الزيارة في ساعة متأخرة من ليلة مغادرة الرئيس لطهران, وقبل ‏ساعات من صدور البيان الختامي. وعندما دافع الرئيس بورقبية عن الواقعية وضرورة وجود ذكر لها في البيان ‏الختامي, قال له المرحوم إن شخصا غير واقعي اسمه الحبيب بورقيبة رفض في الخمسينات طلب المحتل ‏الفرنسي "للواقعية وأصر على نيل تونس لحريتها واستقلالها. فاقتنع الرئيس بهذا الجواب, وتم تغيير صيغة ‏البيان, وتم حذف هذه العبارات, وصدر البيان أقرب إلى المصالح العربية وإلى ما هدف إليه أكرم. ‏
+
ومن الأحداث التي رواها ودلت على سرعة بديهته ولباقته أنه في منتصف الستينات كان يشغل ‏منصب سفير الأردن في ايران, زار الرئيس الحبيب بورقيبة طهران في زيارة رسمية, وحدث أن اطلع على ‏صيغة البيان النهائي المزمع إصداره عند انتهاء الزيارة, وقد لمس فيه نصوصا لم تعجبه, وكانت تدعو إلى ‏علاقات واقعية بين دول المنطقة (أي بين إسرائيل والدول العربية) مما عده تنازلاً وتفريطا في غير محله. ورغم ‏أنه لم يكن عضوا في أي من الوفدين التونسي أوالإيراني ألا أنه أصر على مقابلة الرئيس بورقيبة وضغط ‏على صديقه الحبيب الابن وزير الخارجية لتكون الزيارة في ساعة متأخرة من ليلة مغادرة الرئيس لطهران, وقبل ‏ساعات من صدور البيان الختامي. وعندما دافع الرئيس بورقبية عن الواقعية وضرورة وجود ذكر لها في البيان ‏الختامي, قال له المرحوم إن شخصا غير واقعي اسمه الحبيب بورقيبة رفض في الخمسينات طلب المحتل ‏الفرنسي "للواقعية وأصر على نيل تونس لحريتها واستقلالها. فاقتنع الرئيس بهذا الجواب, وتم تغيير صيغة ‏البيان, وتم حذف هذه العبارات, وصدر البيان أقرب إلى المصالح العربية وإلى ما هدف إليه أكرم. ‏
  
تصدى أكرم زعيتر لمناهضة الاحتلال البريطاني والغزوة الصهيونية, منذ مطلع شبابه, وبدأ نضاله ‏عن طريق الكتابة في الصحف وفي قيادة المظاهرات والاشتراك فيها. ومضى في طريق العمل الوطني, عضوا ‏مؤسسا في (حزب الاستقلال) وفي (عصبة العمل القومي). وبعد ذلك في بغداد حيث عمل على تأسيس (نادي ‏المثنى) وعقد أواصر المودة والاخاء مع نخبة من معتنقي مبدأ القومية. ‏
+
تصدى أكرم زعيتر لمناهضة الاحتلال البريطاني والغزوة الصهيونية, منذ مطلع شبابه, وبدأ نضاله ‏عن طريق الكتابة في الصحف وفي قيادة المظاهرات والاشتراك فيها. ومضى في طريق العمل الوطني, عضوا ‏مؤسسا في (حزب الاستقلال) وفي (عصبة العمل القومي). وبعد ذلك في بغداد حيث عمل على تأسيس (نادي ‏المثنى) وعقد أواصر المودة والاخاء مع نخبة من معتنقي مبدأ القومية. ‏
  
‏ ‏ وعاد إلى فلسطين مع بداية الاضراب العام (1936) واشترك في تأسيس اللجنة القومية في نابلس. ‏فبادرت سلطات الانتداب إلى اعتقال قادة الحركة الوطنية, ليكون أكرم زعيتر من أوائل المعتقلين في (عوجا ‏الحفير) وبعدها في (صرفند). وبعد إطلاق سراحه يمضي مرة أخرى إلى العراق. ويقيم هناك بضع سنوات ثم ‏يشترك في حركة الكيلاني (1941) التي كانت سياسة بريطانيا في فلسطين من أهم أسباب قيامها. وبعد إخفاق ‏تلك الحركة, يغادر العراق الى تركيا ليقضي ثلاثة أعوام فيها لاجئا سياسيا, تحت الإقامة الجبرية. وبعد رحيل ‏الفرنسيين عن سوريا, ينتقل إلى دمشق ويستأنف العمل فيها على الصعيد القومي, قريبا من زعمائها شكري ‏القوتلي وفارس الخوري وجميل مردم, وفي عام 1947 يرأس وفدا عربيا إلى دول أمريكا الجنوبية لشرح قضية ‏فلسطين لساستها وللجاليات العربية فيها. ‏
+
وعاد إلى فلسطين مع بداية الاضراب العام (1936) واشترك في تأسيس اللجنة القومية في نابلس. ‏فبادرت سلطات الانتداب إلى اعتقال قادة الحركة الوطنية, ليكون أكرم زعيتر من أوائل المعتقلين في (عوجا ‏الحفير) وبعدها في (صرفند). وبعد إطلاق سراحه يمضي مرة أخرى إلى العراق. ويقيم هناك بضع سنوات ثم ‏يشترك في حركة الكيلاني (1941) التي كانت سياسة بريطانيا في فلسطين من أهم أسباب قيامها. وبعد إخفاق ‏تلك الحركة, يغادر العراق الى تركيا ليقضي ثلاثة أعوام فيها لاجئا سياسيا, تحت الإقامة الجبرية. وبعد رحيل ‏الفرنسيين عن سوريا, ينتقل إلى دمشق ويستأنف العمل فيها على الصعيد القومي, قريبا من زعمائها شكري ‏القوتلي وفارس الخوري وجميل مردم, وفي عام 1947 يرأس وفدا عربيا إلى دول أمريكا الجنوبية لشرح قضية ‏فلسطين لساستها وللجاليات العربية فيها. ‏
  
كان سفيراً للأردن في طهران, وقد جمع "أجولة" من الوثائق النادرة عن جمال الدين الأفغاني (1838- ‏‏1897) الذين يطلقون عليه في إيران اسم جمال الدين الأسد أبادي, وكان يعتزم إعداد دراسة ضخمة عن ‏الأفغاني بالاستناد الى هذه الوثائق, لكنها ضاعت. وعاد أكرم زعيتر إلى نابلس عام 1951م, بعد غيبة ‏استمرت أربعة عشر عام متصلة.  ‏
+
كان سفيراً للأردن في طهران, وقد جمع "أجولة" من الوثائق النادرة عن جمال الدين الأفغاني (1838- ‏‏1897) الذين يطلقون عليه في إيران اسم جمال الدين الأسد أبادي, وكان يعتزم إعداد دراسة ضخمة عن ‏الأفغاني بالاستناد الى هذه الوثائق, لكنها ضاعت. وعاد أكرم زعيتر إلى نابلس عام 1951م, بعد غيبة ‏استمرت أربعة عشر عام متصلة.  ‏
 
‏ ‏
 
‏ ‏
كانت إسرائيل في تلك الأثناء قد وطدت أركانها, وأخذت الدول العربية على عاتقها مسؤولية معالجة ‏قضية فلسطين. ووجهت الحكومة الأردنية الدعوة لأكرم زعيتر, كي يعمل في مجال السلك الدبلوماسي ‏‏(1962), سفيراً في دمشق وفي إيران ثم وزيراً للخارجية ووزيرا للبلاط ثم سفيراً في لبنان ثم عضوا في مجلس ‏الأعيان وفي الوقت نفسه رئيسا للجنة الملكية لشؤون القدس.‏
+
كانت إسرائيل في تلك الأثناء قد وطدت أركانها, وأخذت الدول العربية على عاتقها مسؤولية معالجة ‏قضية فلسطين. ووجهت الحكومة الأردنية الدعوة لأكرم زعيتر, كي يعمل في مجال السلك الدبلوماسي ‏‏(1962), سفيراً في دمشق وفي إيران ثم وزيراً للخارجية ووزيرا للبلاط ثم سفيراً في لبنان ثم عضوا في مجلس ‏الأعيان وفي الوقت نفسه رئيسا للجنة الملكية لشؤون القدس.‏
كان أكرم زعيتر رجلاً فذا في عدة مجالات, ففي نطاق القومية العربية كان الخلف الأمثل والأقرب ‏لذلك السلف من رواد الطليعة العربية من منتسبي (العهد) و (العربية الفتاة), الوفي لتاريخ نضالهم وجهادهم ‏وأمانيهم وطموحاتهم. وكان على الدوام يتمثل بتضحيات القادة العظماء للحركة القومية العربية, ابتداء من ‏زعيم النهضة الحسين بن علي ونجله الثالث فيصل بن الحسين. وكان حريصا كل الحرص على توثيق ‏علاقاته مع حاملي مشعل القومية العربية في أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه, حتى وطد لنفسه ‏مكانه مرموقة بينهم وأصبح واحدا منهم. ونكاد لا نعرف رجلا موسوعي المعرفة بالحركة العربية ورجالها مثل ‏أكرم زعيتر. وانك لتلمح هذا في مؤلفاته وكتاباته وخطبه, شاهداً على الاتصال الوجداني والتواصل الروحي.‏
+
 
 +
كان أكرم زعيتر رجلاً فذا في عدة مجالات, ففي نطاق القومية العربية كان الخلف الأمثل والأقرب ‏لذلك السلف من رواد الطليعة العربية من منتسبي (العهد) و (العربية الفتاة), الوفي لتاريخ نضالهم وجهادهم ‏وأمانيهم وطموحاتهم. وكان على الدوام يتمثل بتضحيات القادة العظماء للحركة القومية العربية, ابتداء من ‏زعيم النهضة الحسين بن علي ونجله الثالث فيصل بن الحسين. وكان حريصا كل الحرص على توثيق ‏علاقاته مع حاملي مشعل القومية العربية في أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه, حتى وطد لنفسه ‏مكانه مرموقة بينهم وأصبح واحدا منهم. ونكاد لا نعرف رجلا موسوعي المعرفة بالحركة العربية ورجالها مثل ‏أكرم زعيتر. وانك لتلمح هذا في مؤلفاته وكتاباته وخطبه, شاهداً على الاتصال الوجداني والتواصل الروحي.‏
 +
 
 +
==لغته الأدبية==
  
لغته الأدبيــة
+
وكان أكرم زعيتر فذا في أسلوبه البياني وفي بلاغته وفصاحة عباراته, سواء سمعته خطيباً على ‏المنابر, أو قرأته في مجلة أو صحيفة. كان حقاً سيدا من سادات المنابر وخطيبا في الطليعة بين خطباء ‏العرب في العصر الحديث. وفي الطليعة بين أرباب البيان والبلاغة من كتاب العربية. ‏
وكان أكرم زعيتر فذا في أسلوبه البياني وفي بلاغته وفصاحة عباراته, سواء سمعته خطيباً على ‏المنابر, أو قرأته في مجلة أو صحيفة. كان حقاً سيدا من سادات المنابر وخطيبا في الطليعة بين خطباء ‏العرب في العصر الحديث. وفي الطليعة بين أرباب البيان والبلاغة من كتاب العربية. ‏
 
وإلى ذلك كله كان أكرم زعيتر موسوعي الثقافة. وكان من شدة إيمانه بالحقيقة والتاريخ أنه كان ‏حريصا على تدوين يومياته وخواطره, وقد ظهر هذا واضحا في المجلدين الضخمين اللذين نشرتهما (مؤسسة ‏الدراسات الفلسطينية). أولهما (وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918- 1939), وثانيهما (الحركة الوطنية ‏الفلسطينية 1935- 1939). وهناك يوميات ومذكرات جرت عليه من حساسيات وأراء مثيرة للجدل في عالمنا ‏العربي الذي تكثر فيه الاجتهادات المتباينة. ‏
 
  
شجاعتـه
+
وإلى ذلك كله كان أكرم زعيتر موسوعي الثقافة. وكان من شدة إيمانه بالحقيقة والتاريخ أنه كان ‏حريصا على تدوين يومياته وخواطره, وقد ظهر هذا واضحا في المجلدين الضخمين اللذين نشرتهما (مؤسسة ‏الدراسات الفلسطينية). أولهما (وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918- 1939), وثانيهما (الحركة الوطنية ‏الفلسطينية 1935- 1939). وهناك يوميات ومذكرات جرت عليه من حساسيات وأراء مثيرة للجدل في عالمنا ‏العربي الذي تكثر فيه الاجتهادات المتباينة. ‏
لقد كان زعيتر متعدد الأبعاد, مناضلاً في فلسطين والعراق وسورية بل حيثما وجد، وكان الى ‏كله خطيبا مفوها بليغا يخلب ألباب خاصه الناس وعامتهم، ويثير حماسهم وحميتهم، لتضلعه ‏من التاريخ العربي القديم والحديث، ولتمكنه من أسرار الفصحى وبيانها، لقد اشترك في ‏الجهاد الفلسطيني ضد الحكام الانكليز المسيطرين والصهاينه الطامعين، وكان له دوره ‏البارز في إيقاظ الجماهير الشعبيه الفلسطينية، وتحريكها خصوصا في الثورة الوطنية الكبرى ‏التي غمرت فلسطين عام 1936.‏
+
 
+
==شجاعتـه==
ولم يقتصر جهاد أكرم على بلده فلسطين بل امتد الى كل بلد عربي نزله، فإذا هو ‏القومي العربي المشارك للأحرار والمناضلين العرب حيثما يكونون من أقصى المغرب الى ‏أقصى المشرق، لقد كان معروفا لديهم سواء من اجتماعاته بهم او من أخبار عنه نردهم، أو ‏من مقالات له مدوية تزخر بها الصحف في أنحاء البلاد العربيه، فإذا التقاه أحدهم وجد فيه ‏مرآة لعقيدته وصور لنضاله، وقد دفعه شعوره القومي هذا إلى الاشتراك في إنشاء الأحزاب ‏الجديده كحزب الاستقلال في فلسطين، وكعصبة العمل القومي التي كان نائب رئيس ‏اجتماعها التأسيسي في قرنابل (لبنان) عام 1933، وكجمعية "الجوال العربي ونادي المثنى" ‏الحركتين القوميتين العربيتين اللتين أفادتا من خبرته وجهده أثناء وجوده في بغداد في مطلع ‏الثلاثينات من هذا القرن.‏
+
 
 +
لقد كان زعيتر متعدد الأبعاد, مناضلاً في فلسطين والعراق وسورية بل حيثما وجد، وكان الى ‏كله خطيبا مفوها بليغا يخلب ألباب خاصه الناس وعامتهم، ويثير حماسهم وحميتهم، لتضلعه ‏من التاريخ العربي القديم والحديث، ولتمكنه من أسرار الفصحى وبيانها، لقد اشترك في ‏الجهاد الفلسطيني ضد الحكام الانكليز المسيطرين والصهاينه الطامعين، وكان له دوره ‏البارز في إيقاظ الجماهير الشعبيه الفلسطينية، وتحريكها خصوصا في الثورة الوطنية الكبرى ‏التي غمرت فلسطين عام 1936.‏
 +
 
 +
ولم يقتصر جهاد أكرم على بلده فلسطين بل امتد الى كل بلد عربي نزله، فإذا هو ‏القومي العربي المشارك للأحرار والمناضلين العرب حيثما يكونون من أقصى المغرب الى ‏أقصى المشرق، لقد كان معروفا لديهم سواء من اجتماعاته بهم او من أخبار عنه نردهم، أو ‏من مقالات له مدوية تزخر بها الصحف في أنحاء البلاد العربيه، فإذا التقاه أحدهم وجد فيه ‏مرآة لعقيدته وصور لنضاله، وقد دفعه شعوره القومي هذا إلى الاشتراك في إنشاء الأحزاب ‏الجديده كحزب الاستقلال في فلسطين، وكعصبة العمل القومي التي كان نائب رئيس ‏اجتماعها التأسيسي في قرنابل (لبنان) عام 1933، وكجمعية "الجوال العربي ونادي المثنى" ‏الحركتين القوميتين العربيتين اللتين أفادتا من خبرته وجهده أثناء وجوده في بغداد في مطلع ‏الثلاثينات من هذا القرن.‏
  
ولا ننسى اهتماماته بتسجيل وقائع الجهاد العربي في فلسطين، فقد حرص على أن ‏يجمع وثائق أحداثه وتدوين ذكرياته سنة بعد سنة، بل يوما بعد يوم. وقد ألف الى جانب ‏كتابيه السابقين في السنوات الأخيرة مجلدين آخرين "بواكير النضال" ومن أجل أمتي". ولم ‏يحزنه شيء كحزنه على تبدد مجموعات كتبه ومختاراته بسبب الحريق الذي تعرض له منزله ‏في بيروت عند غزو اسرائيل للبنان عام 1982. وعلى كل حال يبقى اكرم زعيتر خير ذاكرة ‏للجهاد الفلسطيني والجهاد العربي الشامل الى حد بعيد بما حفظ وما دوّن وسجل للأجيال ‏القادمة.‏
+
ولا ننسى اهتماماته بتسجيل وقائع الجهاد العربي في فلسطين، فقد حرص على أن ‏يجمع وثائق أحداثه وتدوين ذكرياته سنة بعد سنة، بل يوما بعد يوم. وقد ألف الى جانب ‏كتابيه السابقين في السنوات الأخيرة مجلدين آخرين "بواكير النضال" ومن أجل أمتي". ولم ‏يحزنه شيء كحزنه على تبدد مجموعات كتبه ومختاراته بسبب الحريق الذي تعرض له منزله ‏في بيروت عند غزو اسرائيل للبنان عام 1982. وعلى كل حال يبقى اكرم زعيتر خير ذاكرة ‏للجهاد الفلسطيني والجهاد العربي الشامل الى حد بعيد بما حفظ وما دوّن وسجل للأجيال ‏القادمة.‏
  
هذه هي بعض الصفات التي كان أكرم زعيتر يتميز بها ومثلها كثير، ومنها نتبين ‏شخصيته المتعددة الأبعاد الوافرة النتاج، ومن الملاحظ ان تعدد الأبعاد وحده لا يؤدي حتما ‏الى جودة العطاء وبعد الأثر، فكثيرا ما ترى أشخاصا قد توفرت مواهبهم وتنوعت إمكاناتهم، ‏ومع ذلك ارتبكت نفوسهم وتشتت آثارهم لافتقارهم إلى مبدأ يوحد هذه الأبعاد ويخصبها، فهم ‏ينتقلون من موقع الى آخر بفعل الأبعاد المتنوعه المسيطره عليهم، فهم اليوم في جهة وغدا ‏في جهه أخرى. وبالأمس كانو في جهة ثالثه، والأبعاد عندهم تختلف وتتناقض وتؤدي الى ‏اضطراب النفس والسلوك، فيعلو صخب شخصياتهم وضجيجها، ولكن أثرها يبقى ضعيفا، ‏بل مربكا لان نوازعهم تتعارض وتضيع بين شتى الخيارات، فيعجز تحركها على أن يكون ‏مركزا متناغما موحدا للأبعاد المتعددة الخيارات المختلفة، هذا العامل هو عقيدته القومية ‏الضابطة لنوازعه النفسية، والمنبثقة من إيمانة العميق بحق شعبه الفلسطيني في الثورة على ‏الظلم والارهاب، والنضال من أجل الحريه والاستقلال وتقرير المصير، ومن الاعتقاد الراسخ ‏بأن هذا النضال هو جزء من النضال العربي.‏
+
هذه هي بعض الصفات التي كان أكرم زعيتر يتميز بها ومثلها كثير، ومنها نتبين ‏شخصيته المتعددة الأبعاد الوافرة النتاج، ومن الملاحظ ان تعدد الأبعاد وحده لا يؤدي حتما ‏الى جودة العطاء وبعد الأثر، فكثيرا ما ترى أشخاصا قد توفرت مواهبهم وتنوعت إمكاناتهم، ‏ومع ذلك ارتبكت نفوسهم وتشتت آثارهم لافتقارهم إلى مبدأ يوحد هذه الأبعاد ويخصبها، فهم ‏ينتقلون من موقع الى آخر بفعل الأبعاد المتنوعه المسيطره عليهم، فهم اليوم في جهة وغدا ‏في جهه أخرى. وبالأمس كانو في جهة ثالثه، والأبعاد عندهم تختلف وتتناقض وتؤدي الى ‏اضطراب النفس والسلوك، فيعلو صخب شخصياتهم وضجيجها، ولكن أثرها يبقى ضعيفا، ‏بل مربكا لان نوازعهم تتعارض وتضيع بين شتى الخيارات، فيعجز تحركها على أن يكون ‏مركزا متناغما موحدا للأبعاد المتعددة الخيارات المختلفة، هذا العامل هو عقيدته القومية ‏الضابطة لنوازعه النفسية، والمنبثقة من إيمانة العميق بحق شعبه الفلسطيني في الثورة على ‏الظلم والارهاب، والنضال من أجل الحريه والاستقلال وتقرير المصير، ومن الاعتقاد الراسخ ‏بأن هذا النضال هو جزء من النضال العربي.‏
 
‏                                    ***‏
 
‏                                    ***‏
وفي عام 1982 كان اكرم زعيتر يدير المركز الثقافي الاسلامي في بيروت يوم دخلها ‏الجيش الاسرائيلي وأحرق بيته وذكرياته، فرحل إلى عمان، هو الذي ما آب من سفر إلا إلى ‏سفر موكل بفضاء الله يذرعه.‏
+
وفي عام 1982 كان اكرم زعيتر يدير المركز الثقافي الاسلامي في بيروت يوم دخلها ‏الجيش الاسرائيلي وأحرق بيته وذكرياته، فرحل إلى عمان، هو الذي ما آب من سفر إلا إلى ‏سفر موكل بفضاء الله يذرعه.
 +
 
 +
ويشاء القدر أن يتعين رحيله الأخير الى الملأ الأعلى في 11 نيسان عام ست ‏وتسعين، وهو اليوم الذي بدأ فيه اسرائيل عدوانها الأثم على لبنان.‏
 +
وقد قيل عندما ذاع خبر وفاته: "لو لم تقتله مأساة فلسطين، لقتلته مأساة لبنان الذي ‏أحبه فوق حبه لفسطين."
  
ويشاء القدر أن يتعين رحيله الأخير الى الملأ الأعلى في 11 نيسان عام ست ‏وتسعين، وهو اليوم الذي بدأ فيه اسرائيل عدوانها الأثم على لبنان.
+
ومن كلماته الشهيره قوله في أوائل السبعينات وكان سفيراً في لبنان: "فلسطين قضيتنا ‏الخاسرة، ولبنان قضيتنا الرابحة! لأن ضمير العالم سيكفر عن الجريمه المرتكبه ضد فلسطين ‏بعطف دائم على لبنان. لقد صدق، والله، أكرم. وكان الشواف البصير، حتى بعد وفاته، ‏وبعد عشرين سنة من نسيان العالم لبنان, حيث أهتز ضمير المعمورة بأسرها لمجزة قانا.‏
وقد قيل عندما ذاع خبر وفاته: "لو لم تقتله مأساة فلسطين، لقتلته مأساة لبنان الذي ‏أحبه فوق حبه لفسطين."
 
  
ومن كلماته الشهيره قوله في أوائل السبعينات وكان سفيراً في لبنان: "فلسطين قضيتنا ‏الخاسرة، ولبنان قضيتنا الرابحة! لأن ضمير العالم سيكفر عن الجريمه المرتكبه ضد فلسطين ‏بعطف دائم على لبنان. لقد صدق، والله، أكرم. وكان الشواف البصير، حتى بعد وفاته، ‏وبعد عشرين سنة من نسيان العالم لبنان, حيث أهتز ضمير المعمورة بأسرها لمجزة قانا.‏
+
ولكن لبنان الذي شيع بالأمس ضحايا المجزرة وهو دامع القلب والعين, سيظل يذرف ‏الدمع على أطفال قانا وأطفال قلقيلية, وأطفال بحر البقر إلى يوم القيامة.‏
ولكن لبنان الذي شيع بالأمس ضحايا المجزرة وهو دامع القلب والعين, سيظل يذرف ‏الدمع على أطفال قانا وأطفال قلقيلية, وأطفال بحر البقر إلى يوم القيامة.‏
 
 
أما شيخ المنابر وأمير البيان الراحل إلى سدرة المنتهى في جوار العرش الخالد الذي ‏أنكرته العروش الزائلة, فحسبه أنه لم يتنازل في حومة الحق, ولم يفرط يوما بحرمة الحقيقة, ‏ودخل الجنة حاملا سراج الضمير.‏
 
أما شيخ المنابر وأمير البيان الراحل إلى سدرة المنتهى في جوار العرش الخالد الذي ‏أنكرته العروش الزائلة, فحسبه أنه لم يتنازل في حومة الحق, ولم يفرط يوما بحرمة الحقيقة, ‏ودخل الجنة حاملا سراج الضمير.‏
  
نزعته الوطنية
+
==نزعته الوطنية==
ومن يقرأ اليوم  مؤلفات أكرم زعيتر  (بواكير النضال)  (ومن أجل أمتي)  (ووثائق الحركة  ‏الفلسطنية)  يدرك  ضخامة  الجهد  الذي  بذله  في تأليف هذه الكتب  ونفاسة الميراث الذي خلفه لأمته, ‏وحفظ به تاريخ بلاده  من الضياع,  فمن هذه الأسفار تحس وكأنك  تعيش من جديد  ملحمة  النضال ‏الفلسطيني بكل وقائعها  وتفاصيلها, المعارك والمظاهرات  والاضرابات والمحاكمات والاعتقالات ومشاهدة ‏إعدام الثوار, وتحس بالنشوة مما تتنسمة من عبير البطولات والتضحيات التي قدمها شعب فلسطين الأعزل, ‏لمقاومة المؤامرة على بلاده, ثم ترى نفسك  وجها لوجه مع الأحرار من المناضلين الأول الذين خلدهم أكرم في ‏مؤلفاته: أمين الحسيني وعوني عبد الهادي, وعزة دروزة, وصبحي الدجاني, وفؤاد العنبتاوي والشهداء الأبرار ‏فؤاد حجازي, وعطا الزير ومحمد جمجوم وغيرهم من المجاهدين. وكذلك فأن مؤلفاته لم تحفظ لنا تاريخ فلسطين ‏فحسب, ولكنها ضمنت إلى ذلك فصولا من تاريخ مرحلة زاهية لا مثيل لها من الترابط القومي والحمية العربية ‏يوم أرتبط نضال الشعب الفلسطيني بتيار الحركة الاستقلالية الذي عم الأقطارالعربية من أقصاها لأقصاها.‏
+
 
 +
ومن يقرأ اليوم  مؤلفات أكرم زعيتر  (بواكير النضال)  (ومن أجل أمتي)  (ووثائق الحركة  ‏الفلسطنية)  يدرك  ضخامة  الجهد  الذي  بذله  في تأليف هذه الكتب  ونفاسة الميراث الذي خلفه لأمته, ‏وحفظ به تاريخ بلاده  من الضياع,  فمن هذه الأسفار تحس وكأنك  تعيش من جديد  ملحمة  النضال ‏الفلسطيني بكل وقائعها  وتفاصيلها, المعارك والمظاهرات  والاضرابات والمحاكمات والاعتقالات ومشاهدة ‏إعدام الثوار, وتحس بالنشوة مما تتنسمة من عبير البطولات والتضحيات التي قدمها شعب فلسطين الأعزل, ‏لمقاومة المؤامرة على بلاده, ثم ترى نفسك  وجها لوجه مع الأحرار من المناضلين الأول الذين خلدهم أكرم في ‏مؤلفاته: أمين الحسيني وعوني عبد الهادي, وعزة دروزة, وصبحي الدجاني, وفؤاد العنبتاوي والشهداء الأبرار ‏فؤاد حجازي, وعطا الزير ومحمد جمجوم وغيرهم من المجاهدين. وكذلك فأن مؤلفاته لم تحفظ لنا تاريخ فلسطين ‏فحسب, ولكنها ضمنت إلى ذلك فصولا من تاريخ مرحلة زاهية لا مثيل لها من الترابط القومي والحمية العربية ‏يوم أرتبط نضال الشعب الفلسطيني بتيار الحركة الاستقلالية الذي عم الأقطارالعربية من أقصاها لأقصاها.‏
  
وقال: فها هو نبيه العظمة يدير معركة استقلال سورية من القدس . وها هي تونس تضرب احتجاجا ‏على زيارة كان يزمع القيام بها الصهيوني المتطرف (جابوتنكسي) فتضطرالسلطات الفرنسيه لمنعه من النزول ‏من الباخرة للبر خوفا من نقمة الجماهير ، وها هي فلسطين بمدنها وقراها تضرب احتجاجا على القرار الفرنسي ‏بانشاء (الظهير البربري) لطعن الحركة الوطنية في المغرب, وها هي جماهير فلسطين تؤبن شهيد ليبيا عمر ‏المختار, وتبكي بطل الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي في مهرجان حافل, يقرأ فيه اسعاف النشاشيبي ‏‏(الفلسطيني) نيابة عن أحمد شوقي (المصري) أمير الشعراء قصيدته المشهورة التي مطلعها:- ‏
+
وقال: فها هو نبيه العظمة يدير معركة استقلال سورية من القدس . وها هي تونس تضرب احتجاجا ‏على زيارة كان يزمع القيام بها الصهيوني المتطرف (جابوتنكسي) فتضطرالسلطات الفرنسيه لمنعه من النزول ‏من الباخرة للبر خوفا من نقمة الجماهير ، وها هي فلسطين بمدنها وقراها تضرب احتجاجا على القرار الفرنسي ‏بانشاء (الظهير البربري) لطعن الحركة الوطنية في المغرب, وها هي جماهير فلسطين تؤبن شهيد ليبيا عمر ‏المختار, وتبكي بطل الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي في مهرجان حافل, يقرأ فيه اسعاف النشاشيبي ‏‏(الفلسطيني) نيابة عن أحمد شوقي (المصري) أمير الشعراء قصيدته المشهورة التي مطلعها:- ‏
 
لك في الأرض والسماء مأتم قام فيها أبو الملائك هاشم
 
لك في الأرض والسماء مأتم قام فيها أبو الملائك هاشم
  
سطر ٩٨: سطر ١٠٥:
 
قد رجونا من الغنائم حظـاً ووردنا الوغى فكنا الغنائم
 
قد رجونا من الغنائم حظـاً ووردنا الوغى فكنا الغنائم
  
وها هي (جرش) تضرب احتجاجا على زيارة المندوب السامي لها تضامنا مع ثورة فلسطين, وهاهو ‏مثقال الفايز وحديثة الخريشة عليهما رحمة الله, يستقبلان بالحفاوة فوزي القاوقجي ومعه كوكبه من الجماهير ‏الفلسطينيين الذين وصلوا إلى شرق الأردن بعد أن انتهت ثورة 1936, فيبلغانهم مأمنهم (الرطبة) على حدود ‏العراق بصحبة مجموعة من فرسان الأردن.‏
+
وها هي (جرش) تضرب احتجاجا على زيارة المندوب السامي لها تضامنا مع ثورة فلسطين, وهاهو ‏مثقال الفايز وحديثة الخريشة عليهما رحمة الله, يستقبلان بالحفاوة فوزي القاوقجي ومعه كوكبه من الجماهير ‏الفلسطينيين الذين وصلوا إلى شرق الأردن بعد أن انتهت ثورة 1936, فيبلغانهم مأمنهم (الرطبة) على حدود ‏العراق بصحبة مجموعة من فرسان الأردن.‏
  
هذه الصورة الرائعة المشحونة بالشموخ والكبرياء تطل عليك وأنت تقرأ مؤلفات أكرم زعيتر فتحسن ‏بالاعتزاز بهذا الجيل من المناضلين الأحرار الذين وقفوا على تباعد أقطارهم وقلة إمكانياتهم وقفة رجل واحد ‏ضد قوى الاستعمار, ثم تعتريك حالة من الأسى والحزن لما آلت إليه حال الدول العربية اليوم. في عصر ‏الاستقلال من تناحر وخلاف.‏
+
هذه الصورة الرائعة المشحونة بالشموخ والكبرياء تطل عليك وأنت تقرأ مؤلفات أكرم زعيتر فتحسن ‏بالاعتزاز بهذا الجيل من المناضلين الأحرار الذين وقفوا على تباعد أقطارهم وقلة إمكانياتهم وقفة رجل واحد ‏ضد قوى الاستعمار, ثم تعتريك حالة من الأسى والحزن لما آلت إليه حال الدول العربية اليوم. في عصر ‏الاستقلال من تناحر وخلاف.‏
  
أما أكرم زعيتر الكاتب البليغ والأديب المبدع, فقد اختصته الأقدار ببيئة حانية تعهدت عبقريته ‏بالصقل وذوقه بالتهذيب منذ الصغر, فقد نشأ "زعيتر" في بيت يتلى فيه القرآن ويترنم بالجيد من الشعر, وتكرم ‏الفصحى أعظم تكريم, ولقد أتاح له ذلك أن يمسك بناصية البيان وعلوم القرآن. ‏
+
أما أكرم زعيتر الكاتب البليغ والأديب المبدع, فقد اختصته الأقدار ببيئة حانية تعهدت عبقريته ‏بالصقل وذوقه بالتهذيب منذ الصغر, فقد نشأ "زعيتر" في بيت يتلى فيه القرآن ويترنم بالجيد من الشعر, وتكرم ‏الفصحى أعظم تكريم, ولقد أتاح له ذلك أن يمسك بناصية البيان وعلوم القرآن. ‏
 
 
جرأتـــــه
+
==جرأته==
ويذكر من عاصروه في الحركة الوطنية حادثة أحد المهرجانات التحريضيه ضد الانتداب الانجليزي ‏عندما فوجىء منظمو الحفل من أركان حزب الاستقلال بوجود ضباط للسلطة يحضرون الحفل فخطب المرحوم ‏المايكروفون وأعلن أن وجود ضباط الانتداب لا يحرج أحدا وطلب منهم نقل كل ما يسمونه للسلطة، ودعاهم ‏لأن يبلغوها شخط الشعب وغضبه على سياساتها... الخ، واستمر المهرجان التحريضي مما وضع ضباط ‏السلطة في حرج شديد من جراء هجوم الخطباء وتحريضهم ضدها.‏
 
علاقاته الاجتماعيــة
 
  
كانت حياة أكرم زعيتر اشبه بالساعة الدقيقة، فلم يكن هنالك وقت ضائع، فهو وفي غمرة انشغاله ‏بالعمل الرسمي في الوزارة او السفارة، أو عندما ينصرف الى مكتبه لأعداد بحث أو تأليف كتاب، كان حريصا ‏على التواصل الاجتماعي، وكان شديد الاتصال بعائلته يرعى شؤونها ويتابع أدق أخبارها، أما عاطفته الجياشة ‏فنقراها في رسالة لزوجته في مناسبة عيد زواجهما الثامن والعشرين إذ كتب يقول:‏
+
ويذكر من عاصروه في الحركة الوطنية حادثة أحد المهرجانات التحريضيه ضد الانتداب الانجليزي ‏عندما فوجىء منظمو الحفل من أركان حزب الاستقلال بوجود ضباط للسلطة يحضرون الحفل فخطب المرحوم ‏المايكروفون وأعلن أن وجود ضباط الانتداب لا يحرج أحدا وطلب منهم نقل كل ما يسمونه للسلطة، ودعاهم ‏لأن يبلغوها شخط الشعب وغضبه على سياساتها... الخ، واستمر المهرجان التحريضي مما وضع ضباط ‏السلطة في حرج شديد من جراء هجوم الخطباء وتحريضهم ضدها.
‏"أشهد أنني في هذه السنوات ما عبس يوم حتى بددت ابتسامتك عبوسه، وما أزمتني أزمة حتى كتب ‏ضباب أزمتي، إذ ألم بي ضيق كان لي من شجاعتك ورباطتك فرجا، إذا عصف بي إعصار لقيت السكينة ‏والرحمة لديك، ولقد عددت اقتراني بك تكفيرا من الدهر عما اجترح وبلسما لما جرح"‏
 
 
وكان مثلا في التنظيم وعدم اهمال الواجبات الاجتماعية، كان يعتبر احترام الناس من احترام نفسه، ‏أما تقديره للصداقة فيبرز من عدد اصدقائه الهائل في مختلف أقطار الدنيا، ولقد كتب في احدى رسائله لابنته ‏رزان يصف احدى نعم الله عليه ويقول:
 
  
‏"أنها هؤلاء الاصدقاء الخلص، الاوفياء، الاكابر، النجباء، فأنا غني بأصدقائه من نخبة الكرام وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم، وأنا في اختيار اصدقائي صيرفي ماهر      – ولافخر– حباني الله ‏القدرة على الاصطفاء".‏
+
==علاقاته الاجتماعية==
  
يقول سري عن والده
+
كانت حياة أكرم زعيتر اشبه بالساعة الدقيقة، فلم يكن هنالك وقت ضائع، فهو وفي غمرة انشغاله ‏بالعمل الرسمي في الوزارة او السفارة، أو عندما ينصرف الى مكتبه لأعداد بحث أو تأليف كتاب، كان حريصا ‏على التواصل الاجتماعي، وكان شديد الاتصال بعائلته يرعى شؤونها ويتابع أدق أخبارها، أما عاطفته الجياشة ‏فنقراها في رسالة لزوجته في مناسبة عيد زواجهما الثامن والعشرين إذ كتب يقول:‏
  
وكنا كأبناء لأكرم زعيتر نلمس سعادته عندما ينصرف الى صومعته يصل الليل بالنهار في الكتابة ‏والتأليف والبحث. وكنا نعجب من طاقاته الهائلة وجلده المتواصل في الكتابه والقراءة.
+
‏"أشهد أنني في هذه السنوات ما عبس يوم حتى بددت ابتسامتك عبوسه، وما أزمتني أزمة حتى كتب ‏ضباب أزمتي، إذ ألم بي ضيق كان لي من شجاعتك ورباطتك فرجا، إذا عصف بي إعصار لقيت السكينة ‏والرحمة لديك، ولقد عددت اقتراني بك تكفيرا من الدهر عما اجترح وبلسما لما جرح"‏
 +
 +
وكان مثلا في التنظيم وعدم اهمال الواجبات الاجتماعية، كان يعتبر احترام الناس من احترام نفسه، ‏أما تقديره للصداقة فيبرز من عدد اصدقائه الهائل في مختلف أقطار الدنيا، ولقد كتب في احدى رسائله لابنته ‏رزان يصف احدى نعم الله عليه ويقول:
  
 +
‏"أنها هؤلاء الاصدقاء الخلص، الاوفياء، الاكابر، النجباء، فأنا غني بأصدقائه من نخبة الكرام وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم، وأنا في اختيار اصدقائي صيرفي ماهر      – ولافخر– حباني الله ‏القدرة على الاصطفاء".‏
  
 +
==يقول سري عن والده==
  
 +
وكنا كأبناء لأكرم زعيتر نلمس سعادته عندما ينصرف الى صومعته يصل الليل بالنهار في الكتابة ‏والتأليف والبحث. وكنا نعجب من طاقاته الهائلة وجلده المتواصل في الكتابه والقراءة.‏
  
افكاره ومبادئــه
+
==افكاره ومبادئه==
  
 
‏1- إيمانه العميق الصافي بوحدانية الله تعالى وبرسالة نبيه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ثم تحليه بروح الأخوه ‏الاسلامية، ثم إيمانه بوحدة أمته العربية ووحدة وطنه العربي الكبير.‏
 
‏1- إيمانه العميق الصافي بوحدانية الله تعالى وبرسالة نبيه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ثم تحليه بروح الأخوه ‏الاسلامية، ثم إيمانه بوحدة أمته العربية ووحدة وطنه العربي الكبير.‏
سطر ١٣٤: سطر ١٤١:
 
‏9- أنه كان صديقا وفيا مخلصا لأصدقائه, فمن يعرف صداقته المتينة بالمرحومين كامل مروة وبدوي الجبل, ‏ونشاطه المخلص في تغذية جريدة الحياة التي كان يصدرها الشهيد كامل مروة في بيروت, وتحريره كتابا ثمينا ‏عنوانه "بدوي الجبل" وأخاء أربعين سنة يتعرف على معنى الصداقة والأخوة بين الأحرار المخلصين.‏
 
‏9- أنه كان صديقا وفيا مخلصا لأصدقائه, فمن يعرف صداقته المتينة بالمرحومين كامل مروة وبدوي الجبل, ‏ونشاطه المخلص في تغذية جريدة الحياة التي كان يصدرها الشهيد كامل مروة في بيروت, وتحريره كتابا ثمينا ‏عنوانه "بدوي الجبل" وأخاء أربعين سنة يتعرف على معنى الصداقة والأخوة بين الأحرار المخلصين.‏
  
 +
==من أقواله==
  
 +
وقال في إحدى يومياته: "اليوم أدخل في الثالثة والسبعين من عمري الثالث على الخواطر, حاسبت ‏نفسي على منجزات السنة المنصرمة ومع أنني كتبت كثيراً وقد تبلغ المقالات ثمانين مقالة ومع أنني حاضرت ‏واشتركت في ندوات وكتب نحو مائتي رسالة, وقرأت كثيرا, فأنني شعرت اليوم أن ذلك كله دون ما كنت أرجوه ‏أو أتطلع إليه.  ‏
  
من أقوالـــه
+
ويقول في رسالة لابنيه يصف إحدى نعم الله عليه: ‏
  
وقال في إحدى يومياته: "اليوم أدخل في الثالثة والسبعين من عمري الثالث على الخواطر, حاسبت ‏نفسي على منجزات السنة المنصرمة ومع أنني كتبت كثيراً وقد تبلغ المقالات ثمانين مقالة ومع أنني حاضرت ‏واشتركت في ندوات وكتب نحو مائتي رسالة, وقرأت كثيرا, فأنني شعرت اليوم أن ذلك كله دون ما كنت أرجوه ‏أو أتطلع إليه.
+
"إنهم هؤلاء الأصدقاء الخلص الأوفياء الأكابر النجباء, فأنا غني بأصدقائي من نخبة الكرام, وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم, وأنا في اختيار أصدقائي صيرفي ماهر, ولا فخر, حباني الله القدرة على ‏الاصطفاء".‏
  
ويقول في رسالة لابنيه يصف إحدى نعم الله عليه: ‏
+
‏"فلسطين عربية, والعرب مسؤولون عن تركها نهبة الناهبين وفريسة الغاصبين وهي تحرص على علاقتها ‏بأخواتها العربيات.‏
‏"إنهم هؤلاء الأصدقاء الخلص الأوفياء الأكابر النجباء, فأنا غني بأصدقائي من نخبة الكرام, وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم, وأنا في اختيار أصدقائي صيرفي ماهر, ولا فخر, حباني الله القدرة على ‏الاصطفاء".‏
 
  
"فلسطين عربية, والعرب مسؤولون عن تركها نهبة الناهبين وفريسة الغاصبين وهي تحرص على علاقتها ‏بأخواتها العربيات.‏
+
*ايها الفلسطينيون، إن العرب في كل مكان يظاهرونكم ويؤيدونكم، وما العرب الا شيء واحد في الهم ‏والمصيبة، فنحن طلاب حق، ومن طلب الحق قارع الكون، فالأمم التي لا ضحايا لها لا يمكنها ان تتحرر من ‏العبودية، والاستقلال الذي لم يشتر بالمهج الغالية لا يمكن أن يدوم.‏
  
‏*ايها الفلسطينيون، إن العرب في كل مكان يظاهرونكم ويؤيدونكم، وما العرب الا شيء واحد في الهم ‏والمصيبة، فنحن طلاب حق، ومن طلب الحق قارع الكون، فالأمم التي لا ضحايا لها لا يمكنها ان تتحرر من ‏العبودية، والاستقلال الذي لم يشتر بالمهج الغالية لا يمكن أن يدوم.‏
+
‏*من رضي بالظلم استحقه، ومن هانت عليه كرامته استأهل، ولا جور غلا على من يقبل الجور، ‏فصداقة المغلوب للغالب رضاء بالسخف وإقرار بالهزيمة.‏
  
‏*من رضي بالظلم استحقه، ومن هانت عليه كرامته استأهل، ولا جور غلا على من يقبل الجور، ‏فصداقة المغلوب للغالب رضاء بالسخف وإقرار بالهزيمة.‏
+
‏*اللهم أنني مذ علمت أنني آمنت بوحدة بلادي استطعت ان أقول وأن أعمل شرعت أدعو للوحدة ‏وأعمل لها.‏
  
‏*اللهم أنني مذ علمت أنني آمنت بوحدة بلادي استطعت ان أقول وأن أعمل شرعت أدعو للوحدة ‏وأعمل لها.
+
‏*إن المقياس الأول والأخير الذي يجب ان تقيس به الأمور هو المصلحة العربية العامة وأهدافنا ‏القومية ومثلنا العليا، فما لاءمها وخدمها وجب علينا قبوله فضلا عن السعي إليه، وما خالفها عارضناه ‏فضلا عن مقاومته، لا أعتقد أن شعباً جاد بالأرواح وبذل من صنوف التضحيات، إذا قيست بعدد نفوسه، ‏ورقعة أرضه، أكثر مما قدم الشعب الفلسطيني، فخطتهم أخفقت في الإجهاز عليه، ورد كيدهم إلى نحرهم، ‏وراحوا يشربون من الكأس التي كانو يسقوننا منها ويذقون بعض ما كانوا يذيقوننا، وفي هذه الحال ‏الوجدانية يجيش الصدر وتهيج الخواطر، ونلوذ بكتاب الله لتطمئن قلوبنا، ويترسخ إيماننا، فنرتل قوله ‏تعالى:
  
‏*إن المقياس الأول والأخير الذي يجب ان تقيس به الأمور هو المصلحة العربية العامة وأهدافنا ‏القومية ومثلنا العليا، فما لاءمها وخدمها وجب علينا قبوله فضلا عن السعي إليه، وما خالفها عارضناه ‏فضلا عن مقاومته، لا أعتقد أن شعباً جاد بالأرواح وبذل من صنوف التضحيات، إذا قيست بعدد نفوسه، ‏ورقعة أرضه، أكثر مما قدم الشعب الفلسطيني، فخطتهم أخفقت في الإجهاز عليه، ورد كيدهم إلى نحرهم، ‏وراحوا يشربون من الكأس التي كانو يسقوننا منها ويذقون بعض ما كانوا يذيقوننا، وفي هذه الحال ‏الوجدانية يجيش الصدر وتهيج الخواطر، ونلوذ بكتاب الله لتطمئن قلوبنا، ويترسخ إيماننا، فنرتل قوله ‏تعالى: ‏
 
 
‏"ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ‏وكان الله عليما حكيما" صدق الله العظيم. أنها بشرى إلاهيه بأن شعبنا المكافح النافح لن يموت.‏
 
‏"ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ‏وكان الله عليما حكيما" صدق الله العظيم. أنها بشرى إلاهيه بأن شعبنا المكافح النافح لن يموت.‏
  
‏*لقد برهنت الكارثة في طليعة ما برهنت على ان جامعة الدول العربية في وضعها الراهن، وفي ميثاقها ‏الواهن أعجز من أن تدفع عن العرب شرا، وكيف نرجو أن تكون الجامعة أداة تحرر ووسيلة خلاص وهي ‏التي تعجزت عن إلغاء جوازات السفر او تلطيف قيود الانتقال بين أقطارها، أنني أزعم أن العلاقات بين ‏البلاد العربية قبل قيام هذه الجامعة كانت أرحم وكانت أرحب منها بعد قيامها، وأعجب العجب أن هذه ‏الجامعة التي يجب أن تخطو بالعرب نحو الوحدة الكبرى، أن تعمل على أزالة الحدود بين الأقطار العربية ‏حتى تغدو قطرا واحد غدت هي أداة لتأييد تلك الحدود الضيقه، وقد لبست في سبيل استمرار التجزئه ثوب ‏الدفاع عن سيادة كل قطر. أن سبيلنا هو المبادرة للسيرة حثيثا نحو الدولة الاتحادية الكبرى.‏
+
‏*لقد برهنت الكارثة في طليعة ما برهنت على ان جامعة الدول العربية في وضعها الراهن، وفي ميثاقها ‏الواهن أعجز من أن تدفع عن العرب شرا، وكيف نرجو أن تكون الجامعة أداة تحرر ووسيلة خلاص وهي ‏التي تعجزت عن إلغاء جوازات السفر او تلطيف قيود الانتقال بين أقطارها، أنني أزعم أن العلاقات بين ‏البلاد العربية قبل قيام هذه الجامعة كانت أرحم وكانت أرحب منها بعد قيامها، وأعجب العجب أن هذه ‏الجامعة التي يجب أن تخطو بالعرب نحو الوحدة الكبرى، أن تعمل على أزالة الحدود بين الأقطار العربية ‏حتى تغدو قطرا واحد غدت هي أداة لتأييد تلك الحدود الضيقه، وقد لبست في سبيل استمرار التجزئه ثوب ‏الدفاع عن سيادة كل قطر. أن سبيلنا هو المبادرة للسيرة حثيثا نحو الدولة الاتحادية الكبرى.‏
 +
 
 +
==قالوا في اكرم زعيتر==
 +
الاستاذ الكبير أكرم زعيتر اديب الوزراء ووزير الأدباء ‏
 +
 
 +
‏                                                                            هلال التاجي
 +
 
 +
أيقنت وانا استهل قراءة رسالتك أن الكلمة ما تزال في أمتي بخير، وبالعافية ترتع، وراحت الرسالة ‏تتعاظم بين يدي حتى غدت قطعة أدبية تسكر.‏
 +
 
 +
‏    واذا كانت الكلمة الطيبة صدقة – والقول للنبي الكريم – فكم احتوت كلمتك من صدقات، أنها مرج زنابق ‏بيض يفوح منه عطر المحبة. سأحفظ بها بين النفائس والذخائر وما اقلها عندي، وما أثمنها، لأعود اليها، ‏وكلما إدلهم الخطب, وعنف البشر عودتني الى  الينبوع، أروى منه نفسي العطشى الى الكلمة الطيبة.‏
 +
 
 +
‏                                                                            نصري سلهب ‏
 +
 
 +
‎*‎اكرم زعيتر كاتب بليغ يتماوج أسلوبه بالفخامه والجزاله، وخطيب جبار عرفته منابر هذه البلاد يوم زارها ، ‏ومرثيته في نجيب الريس قطعة من البيان الخالد، وخريدة في الأدب الصافي تعز الا على هذا القلم ‏المجاهد. ‏
 +
 
 +
‏*إن فصاحة أكرم الأستاذ، أكرم زعيتر، وان بلاغته وحصافته، وإن إيمانه بعروبته ووطنه لأفضل في ‏النفوس من السحر والسكر من الخمر .‏
 +
‏                                                                          يوسف الصارمي
 +
‏ ‏
 +
‏*أكرم زعيتر خطيب الثورة، جامع للعقيدة الصماء، وللجرأة النادرة ، والبلاغة الساحرة، والروح الملتهبة، ‏والذكاء والعلم، يجمل هذه المزايا جميعها .‏
 +
‏                                            ‏ ‏              يوسف ابراهيم يزبك
 +
 
 +
‏*أكرم زعيتر أخلص ما عرفت لأمتنا العربية العظيمة, العامل في سبيل نهضتها واستعادةأمجادها ‏‏....وأخي الاكبر في الوطنية.‏
 +
 
 +
‏                                                                        الدكتور منوال يونس ‏
 +
‏1957‏
 +
 
 +
‏"* من الأقلام ما هو أفعل من السيوف "وأكرم زعيتر واحد منها وأن كتاب أكرم زعيتر يمكنه ان يكوم أحد ‏الأرغفه في زاد الأبطال .‏
 +
‏                                                        ‏ ‏    سعيد عقل ‏
 +
 
 +
‏*اسلوب مشرق وديباجه رائعة وبيان أسر. الأستاذ أكرم خطيب مفوه يعز أمثاله في روعة الارتجال ‏وجزالة الأسلوب وامتلاك مشاعر السامعين بسحر بيانه وقوة منطقه.‏
 +
 
 +
‏                                                ‏ بدوي الجبل
 +
 
 +
• الأخ الاستاذ المجاهد اكرم زعيتر رجل الحزم والعزم والعقيدة والمعرفة، وهو من افاذ المثقفين الذين ‏يؤمنون بوحدة العروبة وقضيتها .‏
 +
 
 +
‏                                                  ‏ ‏  علال الفاسي ‏
 +
 
 +
 
 +
‏*أحب ابو سري الناس . واحب الاصدقاء . وكان يضرب المثل لوفائه لاصدقاء الكئيرين من رجال ‏فكر وادباء ومثقفين وسياسيين . وكان يود لو استطاع الساعات الطويلة متحدثا لهم ومستمعا اليهم ، وما ‏ضاق صدره بأحد . كان يود لو استطاع ان يكون عونا لكل الاصدقاء وكانت ناحية الخير والمساعدة ‏أظهر ما في حياته .‏
 +
 
 +
‏تقدم به العمر، وبقي محافظا على روحه الطيبه، الخفيفه، النبيلة، كانت لقاءاتنا كثيرة اذا ‏جئت من سفر أذهب توا اليه في منزله او مكتبه، وجدته في أيامه الأخيرة شارد الفكر، اذ نالت النكبة ‏منه، لكن ايمانه يتغلب حق شعب فلسطين على الباطل بقي قويا لا ينتزع وأمله في هذه الأمة لا يخيب .‏
 +
 
 +
وفي أيامه الاخيرة حدبت السيدة الفاضلة عقيلته عنه ما يجري على الساحة العربية ذلك لتبقى صورة ‏الوطن العربي الكبير كما كانت في مخيلته ، وبعد فترة توقف استقباله الاصدقاء، وأخذت عقيلته الفاضله ‏‏"أم سري" تقوم بواجب الاستقبال ، لم يشأ أن يثقل على اصدقائه رؤيته وهو على فراش المرض، فقد خفت ‏صوته الذي كان مجلجلا في الامم المتحدة وفي الاجتماعات والمحاضرات التي كان يحضرها أو يحاضر ‏فيها.‏
 +
 
 +
 
 +
==وفاته==
 +
 
 +
وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء سوم الخميس الحادي عشر من نيسان ستة 1996م, أسدل ‏الستار على علم من أعلام الأمة العربية, ولحق بالرفيق الأعلى فارس مرموق من فرسان حركة التحرر ‏العربي, وثائر من أبرز رجال الرعيل الأول من ثوار فلسطين, هو المجاهد المرحوم الأستاذ أكرم زعيتر, ‏الكاتب والأديب الألمعي, والخطيب المفوه, والدبلوماسي والوزير السابق, والمؤرخ النابه الذي خلف للأجيال ‏سلسلة من المؤلفات النفيسة التي حفظت تاريخ فلسطين المعاصر من الضياع.‏
 +
 
 +
وقد كان لنبأ رحيل أكرم زعيتر وقع الزلزالة على نفوس أصدقائه, وعارفي فضله من أبناء الأردن ‏وفلسطين ولبنان وسورية والعراق, وكل قطر من الأقطار العربية التي كان لأكرم زعيتر دور في دعم ‏نضالها من أجل الحرية والاستقلال.‏
 +
 
 +
وما أن سرى النبأ الفاجع في عمان ومدن فلسطين, حتى أمت وفود المعزين بيت الفقيد لتشارك في ‏حمل الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخيرة, وتقديم العزاء لأسرته المحزونة وكان في طليعة هؤلاء مندوب ‏المرحوم صاحب الجلالة الملك الحسين ورئيس الوزراء ومندوب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن ولي ‏العهد المعظم (آنذاك) الذي كان في مهمة خارج البلاد, كما أمّ ديوان العزاء عدد من أصحاب السمو ‏الأمراء وجمع غفير من كبار رجال الدولة, ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان والنواب, وشيوخ العشائر ‏ووجها, المخيمات والصحفيون ورجال النشر والثقافة. كما أقام المركز  الثقافي الاسلامي في بيروت ‏احتفالاً للتعزية تكلم فيه الأستاذ منح الصلح, وتوافد عليه العديد من الشخصيات اللبنانية.‏
 +
 
 +
وفي حفل التأبين الذي أقامته مؤسسة شومان في 8/5/1996م في عمان تكريما لذكرى الفقيد الكبير, ‏انبرى الخطباء الذين أتيح لهم الحضور من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان, ينشرون على الناس صفحات ‏عطرة من سيرة المجاهد الكبير, ويستعرضون صوراً من كفاحه وما لاقاه في سبيل فلسطين من ألوان ‏العذاب في السجون والمعتقلات.‏
 +
 
 +
==مؤلفاته==
 +
 
 +
‏-تاريخنا, طبع سنة 1935 بالاشتراك مع درويش المقدادي.‏
 +
 
 +
‏-المطالعة العربية, طبع سنة 1939 مع محمد ناصر.‏
 +
 
 +
‏-التاريخ للصفوف الابتدائية, طبع سنة 1940 مع علي الشريقي وصدقي حمدي.‏
 +
 
 +
‏-التاريخ الحديث, طبع سنة 1945 بالاشتراك مع ساطع الحصري وكامل مروة.‏
 +
 
 +
‏-مهمة في قارة, طبع سنة 1951.‏
 +
 
 +
‏-القضية الفلسطينية, طبع سنة 1955 نقله موسى خوري إلى الانجليزية سنة 1958 كما نقله أكبر ‏هاشمي رفسنجاني إلى الفارسية سنة 1965 ونقله د. شمس إلى الأردية.‏
 +
 
 +
‏-وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918-1939), طبع سنة 1979. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.‏
 +
 
 +
‏-الحكم أمانه, طبع سنة 1979.‏
 +
 
 +
‏-بدوي الجبل وإخاء أربعين عاما, طبع سنة 1987, المؤسسة العربية للدراسات والنشر.‏
 +
 
 +
‏-يوميات أكرم زعيتر, (1935- 1939), طبع سنة 1980. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.‏
 +
 
 +
‏-بواكير النضال, من مذكرات أكرم زعيتر (1909- 1939) طبع سنة 1993 المؤسسة العربية للدراسات ‏والنشر.‏
 +
 
 +
‏-من أجل أمتي, (من مذكرات أكرم زعيتر 1939- 1946) طبع سنة 1993 المؤسسة العربية للدراسات ‏والنشر. ‏
 +
 
 +
== إعداد==
 +
أ. محمد دوابشة (عن كتاب الذكرى بتصرف)
 +
 
 +
[[تصنيف:موسوعة علماء فلسطين وأعيانها]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:٤٤، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨

نسبه وحياتـه

ينتسب أكرم إلى آل زعيتر, وهم في غنى عن التعريف, فقد ولد أكرم في مدينة نابلس الفلسطينية, في ‏عام 1909م ونشأ في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين.‏

تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في كلية النجاح في نابلس قبل أن ينتسب إلى الجامعة الأمريكية في ‏بيروت, وكلية الحقوق في القدس التي ظفر منها بشهادة في الحقوق. وكان من أساتذته في فلسطين الأديب ‏خليل السكاكيني (1878 – 1953م) الذي ارتبط به أكرم بوثاق شديد, وظل طوال عمره يباهي بتلمذته على ‏هذا الأديب الكبير, وبلغ من تأثره بعلمه وشخصيته أن أطلق اسم "سري" على بكر أبنائه تشبها بأستاذه ‏السكاكيني, أبي سري.‏


بداية أعمالـه

اشتغل بعد ذلك بالتدريس في المدارس الثانوية في فلسطين حتى إذا مااندلعت نيران ثورة عام 1929م ‏استقال من عمله وألقى بنفسه في خضم النضال الوطني متفرغا له تفرغا كاملا وهو ما استغرقه طوال حياته ‏فعرف السجون والمنافي والمحاكمات, وفي سبيل الوطن يسترخص كل شيء. ‏ عمل فترة في الصحافة فحرر مجلة "مرآة الشرق" في بيت المقدس لصاحبها بولس شحادة ( 1882 – ‏‏1943) وجريدة "الحياة" في القدس, وانشأ حزب الاستقلال في فلسطين ثم "عصبه العمل القومي" في سوريا, ‏ونزح مرة إلى الشام ومرة إلى العراق. ‏

نضاله السياسي

دعا إلى اجتماعات شعبية واضطرابات عامة في فلسطين عد استشهاد الشيخ عز الدين القسام في عام ‏‏1935 والثورة العارمة التي هبت في أثر ذلك, وانضم في العراق الى ثورة رشيد عالي الكيلاني (1983- ‏‏1945) عند قيامها في عام 1941م فلما أخفقت يمم صوب تركيا حيث قضى عامين في منفى اختياري. وعند ‏إعلان استقلال سوريا في عام 1943م عاد الى دمشق فاستعانت به الحكومة في بعض المهام الرسمية, فكان ‏مستشارا للوفد السوري في الجامعة العربية, كما كان عضوا في لجنة فلسطين الدائمة في الجامعة بعد إنشائها ‏في عام 1945م. عاد بعد "رحلة القاهرة" إلى عمان إذ استحال عليه أن يعود إلى بلاده بعدما ضاعت فلسطين ‏في 15 أيار 1948. وعند إنشاء حكومةعموم فلسطين في القاهرة في 23 أيلول 1948م برئاسة دولة أحمد ‏حلمي باشا عبد الباقي (1882 – 1963م) اختير أكرم زعيتر وزيراً فيها. لكنه تجاهل هذا المنصب لاعتقاده ‏بأن الحكومة المذكورةبقيت كيانا هلاميا واقتصر نشاطها على إصدار البيانات دون أن تزاول عملا جديا ‏كحكومة لها وزراء للاقتصاد والتجارة والصحة والخارجية وهلم جرا.‏

لم يكن أمام أكرم زعيتر من خيار لمتابعة رسالته الوطنية إلا بالانتماء الى الأردن, فعينته حكومتها ‏ممثلا لها في الأمم المتحدة عام 1962م, وتقلد بعد ذلك مناصب شتى كسفير للأردن في دمشق وطهران ‏وكابول وبيروت, واختير وزيرا للخارجية وللبلاط الهاشمي, وعين عضواً في مجلس الأعيان الأردني ورئيساً ‏للجنة الملكية لشؤون القدس, وانتخب عضوا في مجمع اللغة العربية والمجمع الملكي لبحوث الحضارة ‏الاسلامية في عمان, كما رأس المركز الثقافي الإسلامي في بيروت. ‏

وما كان أكرم زعيتر بالشخص العادي الذي يمر به التاريخ, إنه... التاريخ ذاته!! فالتاريخ ليس رواية ‏للماضي, كما يفهمه الببغاوات من حملة شهادات العلم التجهيلي وإنما هو سجل لمسيرة الحياة وتعرجاتها سموا ‏وهبوطا, حكمة واستعباراً, منزه إلا عن الأمانة في التمييز بين ماهو حق, وما هو باطل, بين ما هو علة, وما ‏هو معلولات, بين ما هو تفعيل للعقل وما هو تحذير له وتغييب!! وهذا معنى قولنا, إن أكرم زعيتر تاريخ بحد ‏ذاته.!!‏

فلسطيني من نابلس أكرم زعيتر, لكنه وقد جعل من فلسطين واغتصابها, المحور الأهم طيلة سنين ‏عمره جهادا وكتابة وخطابة وتعليما وتاريخا وسياسة, ودبلوماسيا, وصداقات واتصالات, لم يسمح لخديعة ‏سايكس – بيكو, أن تنال منه, ومن شروط وعيه, واتساع أفقه, وعميق نظراته, لحظة واحدة.!!‏

كان زعيتر يرى نابلس في بغداد, والخليل في دمشق, ويافا في بيروت, والقدس في عمان, شأن كل ‏القوميين الواعين الذين استعصوا على الذوبان, والانخراط في تيارات الضلال والتضليل ولم يقبلوا المساومة ‏على حق الحقيقة الإنسانية في الانتصار, على كل ما هو طارئ مفتعل!!‏

وصحيح أن أكرم زعيتر, كان يتمتع بالمرونة التي أملتها ظروف العمل والكفاح, بحكم اتساع دوائر ‏اتصالاته, وعدم الانحراف بجزئيات الأمور وشكلياتها, إلا أن هذه المرونة ظلت محكومة بالسقوف المحددة ‏بثوابت الأمة واستشراف غدها ومستقبل أجيالها.!!‏

في بيروت كان رجالات لبنان ورعيله الواعي ينظرون الى السفير الأردني أكرم زعيتر كلبناني أصيل ‏صادق من صميم لبنان! ومثل بيروت كانت دمشق, وكانت بغداد في نظرتها وتعاملها مع من بقي يمثل لهم, ‏ويجسد آمالهم مناخ وروح المؤتمر السوري العام, الذي انعقد في دمشق, في الثامن في آذار عام 1920.!! ‏

أكرم زعيتر, كان يؤمن إيماناً راسخاً بوحدة الأمة, ليس لأنها حقيقة علمية إنسانية واقعية طبيعية ‏فحسب, ولكن لأنها الطريق الصحيح والنهج الأوحد, لتحرير نابلس والخليل وغزة والقدس.!!‏

ولهذا قلنا وسنبقى نقول, أكرم زعيتر هو الفلسطيني الفلسطيني. ‏

وقد يكون من الغبن الصارخ, أن نحصر حديثنا عن أكرم زعيتر, بجهاده المتصل الحار لتحقيق وحدة ‏الأمة, وتحرير فلسطين, فقد كان عملاقاً لا يجارى في أسلوبه الأدبي البليغ في الكتاب, وفي متانة السبك ‏وفصاحة الكلمة بحيث لا يمكن مقارنته بسواه من أدباء هذه الأيام.!!‏

وقد لا تصح مقارنته على الصعيد الأدبي إلا بابن المقفع!! وعندما تقول الآية الكريمة (أن من البيان ‏لسحرا) يصبح من الطبيعي جدا, أن يكون (أبو سري) ساحراً ساحراً!! ولا أدري لماذا لا يقفز إلى ذهني إلا بيت ‏المعري.:‏ ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت.. ميت الأحياء!‏

حفلت حياة أكرم زعيتر بالنكبات المتلاحقة من ضياع الوطن والبيت والمقتنيات ‏, بل نجا من حادث احتراق فندق شبرد بالقاهرة الذي كان ينزل فيه مع شقيقه عادل زعيتر عندما احرقت القاهرة ‏في 26 كانون الأول 1952وفقد فيه جميع أمتعته, لكن مصريا نبيلا هو النائب الأسبق محمد محمود جلال بك ‏استضافه في بيته إلى أن استطاع تدبير بديل لما فقده من ثياب وأمتعه, وعرف في حياته المحاكمات ‏والسجون والنفي القسري والاختياري والتشرد في بيروت. ولكن كل هذه الملمات لم تفجعه بالقدر الذي أفجعه ‏فقدانه ضنَائنه من الكتب والرسائل والأوراق ومجموعات المجلات عندما أصاب صاروخ صهيوني منزله في ‏بيروت في أول آب 1982 فأحرق مكتبته التي وصفها بأنها "واحته في بيداء الحياة" كانت هذه الداهية ملجمة ‏للسانه, فلما أفاق من هولها عقد فصلا ودع به مكتبته وأوراقه, ورثاها بدم قلبه لأنها ضمت كنوز عصر كان ‏يذود عنه من عاديات الأيام, وكان مما قاله في هذا الموقف العصيب: "إذن لقد احترقت مكتبتي واحتي ببيداء ‏الحياة, مدرستي وجامعتي, ملتقاي وكبار العلماء وأعلام الأدباء منتدى أصدقائي الأخيار وأساتذتي الأبرار. ‏أشتاق إلى أحبائي فالقاهم في رسائلهم وصورهم وثمرات قرائحهم. أرواح الأعلام الفضلاء جعلت من أرض ‏مكتبتي سماء. الهموم تطبق علي, ولكنها تهادنني حين أوي إلى مكتبتي واتفيا ظلها الظليل, لكل كتاب فيها ‏قصة, ولي معه صحبة ولكلمات الإهداء من جهابذة الفضلاء عندي حرمة ووفاء. لقد التهمت النار مع الكتب ‏سطور الأئمة الذين هم جمال هذا الكون. أراني في المكتبة أحسن بشرف التواضع أمام عمالقة, ثم أراني ‏اتجاهي وأتباهى وأزهو بهم. الصاروخ الصهيوني لم يحرق أوراقا وأخشابا وألواحا, ولكنه أحرق عبقريات وأحرق ‏هناءات وباعد بين لدات.!‏

اشتاق الى صحبة الأمير شكيب والأمام رشيد والثعالبي والزركلي وعلال والنشاشيبي ومحب الدين ‏والقاسمي وهيكل باشا والسكاكيني وعبد الرزاق وأباظة والبشري والمازني والأعظمي وطه ونويهض وعادل ‏والمقدادي وفرحات وعبد الغني حسن والمعلوف والسباعي وباكثير والزيات والبدوي والنجفي والحصري ودروزة ‏والأفغاني وعبده والطباطبائي والأمين والزيات, فاعتمر منازلهم في مجمع الفضلاء, في مكتبتي رف جمال ‏الدين الأفغاني, وفيه إثارة ووثائقه وروائعه أصبح رمادا, وليت الرياح لم تذره, إذن لجمعته في قارورة وابقيتها ‏ذكرى تجدد تعظيمي له وحقدي على أعداء العربية الإسلامية, أخواني ودعتهم في عمري تفاريق, واليوم ‏ودعتهم مجتمعين! من لي بمن يعوضني من مجموعات السياسة الأسبوعية والزهراء والفتح والزهور والرسالة ‏والثقافة والحياة والحديث والمواهب والسمير والميزان والبيان العربي والأفق الجديد وعكاظ وكنوز دار الأحياء ‏والعصرية والكتاب العربي وغيرها ممن جعلوا مكتبتي منجم علم وأدب. قد أجد الموسوعات والمعاجم والقواميس ‏في المجامع, ولكن التعليقات والهوامش وعبارات أئمة بخط يدهم تعد وثائق مجد وأدب, لن تعوض وثلاثون من ‏دواوين الشعر الراقي في سالف العصور وحاضرها, هيهات أن أجد منها عوضا, وصفوة الأغراء وذؤبات ‏الوطنية ورفاق الجهاد.‏

أعماله الأدبية

كان أكرم زعيتر أديبا وخطيبا مفوها, فلم تجن الاهتمامات النضالية على هذا الجانب من حياته. فقد ‏كتب أكرم زعيتر تقديما لديوان صديقه الشاعر بدوي الجبل محمد سليمان الأحمد (1903- 1982) وكتابه الذي ‏فرد بعد ذلك عن هذا الشاعر العظيم, وما كتبه عن الشاعر القروي رشيد سليم الخوري (1887- 1984) وعن ‏شقيقه الأكبر عادل زعيتر وعن أستاذه خليل السكاكيني وعن الراحلين من أصدقائه الذين رثاهم بقلمه البليغ ‏مثل محمد عبد الغني حسن (1907- 1985) والبير أديب (1908- 1985) وجعفر الخيليلي ‏‏(1860- 1927). كما نذكر المقدمة النفسية التي كتبها للطبعة العربية‎(Palestine, The ‎‏ ‏‎ ‎‎ Arab and Israel) ‎لكتاب المحامي الفلسطيني هنري كتن ‏‏(1906- 1992) التي ظهرت بعنوان "فلسطين في ضوء الحق والعدل" والتي نقلت إلى العربية, وكذلك ‏مقدمته للمجموعة الكاملة لافتتاحيات كامل مروة (1915- 1966) في جريدة "الحياة" وعسى أن يقدر لكل ‏هذه الفصول أن تجمع لأنها قطعة من البلاغة الرفيعة, وهي بلاغة تراءت حتى في الرسائل الخاصة التي كان ‏يبعث بها إلى أصدقائه.‏

وإذا كان أكرم زعيتر أصدر في فترة باكرة كتاب "القضية الفلسطينية للتعريف بها قبل انتشار الوعي ‏بخطورتها, فقد نشر بعد ذلك وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1918 و 1929, ويوميات حول ‏الحركة الوطنية في الفترة 1935- 1939, كما نشر مذكراته وأوراقه عن تطورات القضية الوطنية التي ‏عاصرها وأسهم فيها بجهده الدؤوب. وبهذا ترك للأجيال التالية سجلا موثقا بالمعاينة الشخصية للتاريخ الذي ‏كان هو جزء لا ينفصل عنه, عدا أن له كتبا مدرسية في التاريخ والمطالعات الأدبية شارك في تأليفها.‏

ولم يكن له هوايات خاصة بعيدة عن العمل العام, فيذكر أنه خارج العمل الرسمي, كان يؤدي عملا ‏مضنيا, في مكتبته وبين كتبه وأبحاثه, وكان جهاده بالكلمة والخطاب, والبحث متواصلا بلا كلل, للدفاع عن ‏قضايا الأمة وحقوقها.‏

وكانت سعادته الغامرة عند إنهاء بحث أو مقالة أو بعد القاء خطاب من خطبه المشهورة كانت تنسي ‏أصدقاءه القلق والخوف. أما كتابه اليوميات وتدوين الأحداث المهمة, فكان يعتبرها مهمة وطنية للحفاظ على ‏الحقيقة ومنعا للتعسف والالتباس, فكانت ذاكرته الحادة ودقته الشديدة والحازمة أهم أسلحته في تدوين الأحداث ‏التي شهدها وساهم فيها بحيث أصبحت كتبه مراجع شهيرة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والقضايا ‏العربية الأخرى.‏

أن المتتبع لسيرته يرى أنه نذر نفسه لخدمة أمته ووطنه. منذ أن فتح عينه على الدنيا. فمن إرسال ‏رسائل تهديد لأستاذ يهودي إنجليزي في نابلس وهو في التاسعة, إلى ترك مهمة التعليم في سن العشرين ‏والتفرغ للعمل العام, إلى قيادة المظاهرات في سن الواحدة والعشرين إلى عضوية اللجنة المركزية لحزب ‏الاستقلال العربي في سن الرابعة والعشرين, إلى قيادته التنظيمات الشبابية والتحريض على حمل السلاح ضد ‏الانتداب والصهيونية كآخر معتقل, إلى بقية السلسلة المتواصلة من العمل الدؤوب والهمة العالية, كلها تكشف ‏كيف كان الراحل يعيش وأين كانت حياته الخاصة.‏

وكان يردد دائما أن الانسان يجب أن يضع لحياته هدفاً أو مثلا أعلى يحاول الوصول إليه, فكان هذا ‏الشعور هو منبع الجدية والصدق في العمل في كل ميدان: في التعليم وفي السياسة في الوزارة وفي السفارة في ‏التنظيم وفي المجمع اللغوي نفس الشخصية العربية المسلمة المثقفة المنفتحة. ‏

وكان إخلاصه لمبادئه وجرأته في الدفاع عنها يعرضه لغضب الحكام أحيانا, أو لتحامل السفهاء ‏أحيانا أخرى, لكنه كان دائما المكافح الذي لا يهدأ, والمؤدب المترفع, عفيف اللسان صافي القلب. ‏

أعماله السياسـية

ومن الأحداث التي رواها ودلت على سرعة بديهته ولباقته أنه في منتصف الستينات كان يشغل ‏منصب سفير الأردن في ايران, زار الرئيس الحبيب بورقيبة طهران في زيارة رسمية, وحدث أن اطلع على ‏صيغة البيان النهائي المزمع إصداره عند انتهاء الزيارة, وقد لمس فيه نصوصا لم تعجبه, وكانت تدعو إلى ‏علاقات واقعية بين دول المنطقة (أي بين إسرائيل والدول العربية) مما عده تنازلاً وتفريطا في غير محله. ورغم ‏أنه لم يكن عضوا في أي من الوفدين التونسي أوالإيراني ألا أنه أصر على مقابلة الرئيس بورقيبة وضغط ‏على صديقه الحبيب الابن وزير الخارجية لتكون الزيارة في ساعة متأخرة من ليلة مغادرة الرئيس لطهران, وقبل ‏ساعات من صدور البيان الختامي. وعندما دافع الرئيس بورقبية عن الواقعية وضرورة وجود ذكر لها في البيان ‏الختامي, قال له المرحوم إن شخصا غير واقعي اسمه الحبيب بورقيبة رفض في الخمسينات طلب المحتل ‏الفرنسي "للواقعية وأصر على نيل تونس لحريتها واستقلالها. فاقتنع الرئيس بهذا الجواب, وتم تغيير صيغة ‏البيان, وتم حذف هذه العبارات, وصدر البيان أقرب إلى المصالح العربية وإلى ما هدف إليه أكرم. ‏

تصدى أكرم زعيتر لمناهضة الاحتلال البريطاني والغزوة الصهيونية, منذ مطلع شبابه, وبدأ نضاله ‏عن طريق الكتابة في الصحف وفي قيادة المظاهرات والاشتراك فيها. ومضى في طريق العمل الوطني, عضوا ‏مؤسسا في (حزب الاستقلال) وفي (عصبة العمل القومي). وبعد ذلك في بغداد حيث عمل على تأسيس (نادي ‏المثنى) وعقد أواصر المودة والاخاء مع نخبة من معتنقي مبدأ القومية. ‏

وعاد إلى فلسطين مع بداية الاضراب العام (1936) واشترك في تأسيس اللجنة القومية في نابلس. ‏فبادرت سلطات الانتداب إلى اعتقال قادة الحركة الوطنية, ليكون أكرم زعيتر من أوائل المعتقلين في (عوجا ‏الحفير) وبعدها في (صرفند). وبعد إطلاق سراحه يمضي مرة أخرى إلى العراق. ويقيم هناك بضع سنوات ثم ‏يشترك في حركة الكيلاني (1941) التي كانت سياسة بريطانيا في فلسطين من أهم أسباب قيامها. وبعد إخفاق ‏تلك الحركة, يغادر العراق الى تركيا ليقضي ثلاثة أعوام فيها لاجئا سياسيا, تحت الإقامة الجبرية. وبعد رحيل ‏الفرنسيين عن سوريا, ينتقل إلى دمشق ويستأنف العمل فيها على الصعيد القومي, قريبا من زعمائها شكري ‏القوتلي وفارس الخوري وجميل مردم, وفي عام 1947 يرأس وفدا عربيا إلى دول أمريكا الجنوبية لشرح قضية ‏فلسطين لساستها وللجاليات العربية فيها. ‏

كان سفيراً للأردن في طهران, وقد جمع "أجولة" من الوثائق النادرة عن جمال الدين الأفغاني (1838- ‏‏1897) الذين يطلقون عليه في إيران اسم جمال الدين الأسد أبادي, وكان يعتزم إعداد دراسة ضخمة عن ‏الأفغاني بالاستناد الى هذه الوثائق, لكنها ضاعت. وعاد أكرم زعيتر إلى نابلس عام 1951م, بعد غيبة ‏استمرت أربعة عشر عام متصلة. ‏ ‏ ‏ كانت إسرائيل في تلك الأثناء قد وطدت أركانها, وأخذت الدول العربية على عاتقها مسؤولية معالجة ‏قضية فلسطين. ووجهت الحكومة الأردنية الدعوة لأكرم زعيتر, كي يعمل في مجال السلك الدبلوماسي ‏‏(1962), سفيراً في دمشق وفي إيران ثم وزيراً للخارجية ووزيرا للبلاط ثم سفيراً في لبنان ثم عضوا في مجلس ‏الأعيان وفي الوقت نفسه رئيسا للجنة الملكية لشؤون القدس.‏

كان أكرم زعيتر رجلاً فذا في عدة مجالات, ففي نطاق القومية العربية كان الخلف الأمثل والأقرب ‏لذلك السلف من رواد الطليعة العربية من منتسبي (العهد) و (العربية الفتاة), الوفي لتاريخ نضالهم وجهادهم ‏وأمانيهم وطموحاتهم. وكان على الدوام يتمثل بتضحيات القادة العظماء للحركة القومية العربية, ابتداء من ‏زعيم النهضة الحسين بن علي ونجله الثالث فيصل بن الحسين. وكان حريصا كل الحرص على توثيق ‏علاقاته مع حاملي مشعل القومية العربية في أقطار الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه, حتى وطد لنفسه ‏مكانه مرموقة بينهم وأصبح واحدا منهم. ونكاد لا نعرف رجلا موسوعي المعرفة بالحركة العربية ورجالها مثل ‏أكرم زعيتر. وانك لتلمح هذا في مؤلفاته وكتاباته وخطبه, شاهداً على الاتصال الوجداني والتواصل الروحي.‏

لغته الأدبية

وكان أكرم زعيتر فذا في أسلوبه البياني وفي بلاغته وفصاحة عباراته, سواء سمعته خطيباً على ‏المنابر, أو قرأته في مجلة أو صحيفة. كان حقاً سيدا من سادات المنابر وخطيبا في الطليعة بين خطباء ‏العرب في العصر الحديث. وفي الطليعة بين أرباب البيان والبلاغة من كتاب العربية. ‏

وإلى ذلك كله كان أكرم زعيتر موسوعي الثقافة. وكان من شدة إيمانه بالحقيقة والتاريخ أنه كان ‏حريصا على تدوين يومياته وخواطره, وقد ظهر هذا واضحا في المجلدين الضخمين اللذين نشرتهما (مؤسسة ‏الدراسات الفلسطينية). أولهما (وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918- 1939), وثانيهما (الحركة الوطنية ‏الفلسطينية 1935- 1939). وهناك يوميات ومذكرات جرت عليه من حساسيات وأراء مثيرة للجدل في عالمنا ‏العربي الذي تكثر فيه الاجتهادات المتباينة. ‏

شجاعتـه

لقد كان زعيتر متعدد الأبعاد, مناضلاً في فلسطين والعراق وسورية بل حيثما وجد، وكان الى ‏كله خطيبا مفوها بليغا يخلب ألباب خاصه الناس وعامتهم، ويثير حماسهم وحميتهم، لتضلعه ‏من التاريخ العربي القديم والحديث، ولتمكنه من أسرار الفصحى وبيانها، لقد اشترك في ‏الجهاد الفلسطيني ضد الحكام الانكليز المسيطرين والصهاينه الطامعين، وكان له دوره ‏البارز في إيقاظ الجماهير الشعبيه الفلسطينية، وتحريكها خصوصا في الثورة الوطنية الكبرى ‏التي غمرت فلسطين عام 1936.‏

ولم يقتصر جهاد أكرم على بلده فلسطين بل امتد الى كل بلد عربي نزله، فإذا هو ‏القومي العربي المشارك للأحرار والمناضلين العرب حيثما يكونون من أقصى المغرب الى ‏أقصى المشرق، لقد كان معروفا لديهم سواء من اجتماعاته بهم او من أخبار عنه نردهم، أو ‏من مقالات له مدوية تزخر بها الصحف في أنحاء البلاد العربيه، فإذا التقاه أحدهم وجد فيه ‏مرآة لعقيدته وصور لنضاله، وقد دفعه شعوره القومي هذا إلى الاشتراك في إنشاء الأحزاب ‏الجديده كحزب الاستقلال في فلسطين، وكعصبة العمل القومي التي كان نائب رئيس ‏اجتماعها التأسيسي في قرنابل (لبنان) عام 1933، وكجمعية "الجوال العربي ونادي المثنى" ‏الحركتين القوميتين العربيتين اللتين أفادتا من خبرته وجهده أثناء وجوده في بغداد في مطلع ‏الثلاثينات من هذا القرن.‏

ولا ننسى اهتماماته بتسجيل وقائع الجهاد العربي في فلسطين، فقد حرص على أن ‏يجمع وثائق أحداثه وتدوين ذكرياته سنة بعد سنة، بل يوما بعد يوم. وقد ألف الى جانب ‏كتابيه السابقين في السنوات الأخيرة مجلدين آخرين "بواكير النضال" ومن أجل أمتي". ولم ‏يحزنه شيء كحزنه على تبدد مجموعات كتبه ومختاراته بسبب الحريق الذي تعرض له منزله ‏في بيروت عند غزو اسرائيل للبنان عام 1982. وعلى كل حال يبقى اكرم زعيتر خير ذاكرة ‏للجهاد الفلسطيني والجهاد العربي الشامل الى حد بعيد بما حفظ وما دوّن وسجل للأجيال ‏القادمة.‏

هذه هي بعض الصفات التي كان أكرم زعيتر يتميز بها ومثلها كثير، ومنها نتبين ‏شخصيته المتعددة الأبعاد الوافرة النتاج، ومن الملاحظ ان تعدد الأبعاد وحده لا يؤدي حتما ‏الى جودة العطاء وبعد الأثر، فكثيرا ما ترى أشخاصا قد توفرت مواهبهم وتنوعت إمكاناتهم، ‏ومع ذلك ارتبكت نفوسهم وتشتت آثارهم لافتقارهم إلى مبدأ يوحد هذه الأبعاد ويخصبها، فهم ‏ينتقلون من موقع الى آخر بفعل الأبعاد المتنوعه المسيطره عليهم، فهم اليوم في جهة وغدا ‏في جهه أخرى. وبالأمس كانو في جهة ثالثه، والأبعاد عندهم تختلف وتتناقض وتؤدي الى ‏اضطراب النفس والسلوك، فيعلو صخب شخصياتهم وضجيجها، ولكن أثرها يبقى ضعيفا، ‏بل مربكا لان نوازعهم تتعارض وتضيع بين شتى الخيارات، فيعجز تحركها على أن يكون ‏مركزا متناغما موحدا للأبعاد المتعددة الخيارات المختلفة، هذا العامل هو عقيدته القومية ‏الضابطة لنوازعه النفسية، والمنبثقة من إيمانة العميق بحق شعبه الفلسطيني في الثورة على ‏الظلم والارهاب، والنضال من أجل الحريه والاستقلال وتقرير المصير، ومن الاعتقاد الراسخ ‏بأن هذا النضال هو جزء من النضال العربي.‏ ‏ ***‏ وفي عام 1982 كان اكرم زعيتر يدير المركز الثقافي الاسلامي في بيروت يوم دخلها ‏الجيش الاسرائيلي وأحرق بيته وذكرياته، فرحل إلى عمان، هو الذي ما آب من سفر إلا إلى ‏سفر موكل بفضاء الله يذرعه.‏

ويشاء القدر أن يتعين رحيله الأخير الى الملأ الأعلى في 11 نيسان عام ست ‏وتسعين، وهو اليوم الذي بدأ فيه اسرائيل عدوانها الأثم على لبنان.‏ وقد قيل عندما ذاع خبر وفاته: "لو لم تقتله مأساة فلسطين، لقتلته مأساة لبنان الذي ‏أحبه فوق حبه لفسطين."‏

ومن كلماته الشهيره قوله في أوائل السبعينات وكان سفيراً في لبنان: "فلسطين قضيتنا ‏الخاسرة، ولبنان قضيتنا الرابحة! لأن ضمير العالم سيكفر عن الجريمه المرتكبه ضد فلسطين ‏بعطف دائم على لبنان. لقد صدق، والله، أكرم. وكان الشواف البصير، حتى بعد وفاته، ‏وبعد عشرين سنة من نسيان العالم لبنان, حيث أهتز ضمير المعمورة بأسرها لمجزة قانا.‏

ولكن لبنان الذي شيع بالأمس ضحايا المجزرة وهو دامع القلب والعين, سيظل يذرف ‏الدمع على أطفال قانا وأطفال قلقيلية, وأطفال بحر البقر إلى يوم القيامة.‏ أما شيخ المنابر وأمير البيان الراحل إلى سدرة المنتهى في جوار العرش الخالد الذي ‏أنكرته العروش الزائلة, فحسبه أنه لم يتنازل في حومة الحق, ولم يفرط يوما بحرمة الحقيقة, ‏ودخل الجنة حاملا سراج الضمير.‏

نزعته الوطنية

ومن يقرأ اليوم مؤلفات أكرم زعيتر (بواكير النضال) (ومن أجل أمتي) (ووثائق الحركة ‏الفلسطنية) يدرك ضخامة الجهد الذي بذله في تأليف هذه الكتب ونفاسة الميراث الذي خلفه لأمته, ‏وحفظ به تاريخ بلاده من الضياع, فمن هذه الأسفار تحس وكأنك تعيش من جديد ملحمة النضال ‏الفلسطيني بكل وقائعها وتفاصيلها, المعارك والمظاهرات والاضرابات والمحاكمات والاعتقالات ومشاهدة ‏إعدام الثوار, وتحس بالنشوة مما تتنسمة من عبير البطولات والتضحيات التي قدمها شعب فلسطين الأعزل, ‏لمقاومة المؤامرة على بلاده, ثم ترى نفسك وجها لوجه مع الأحرار من المناضلين الأول الذين خلدهم أكرم في ‏مؤلفاته: أمين الحسيني وعوني عبد الهادي, وعزة دروزة, وصبحي الدجاني, وفؤاد العنبتاوي والشهداء الأبرار ‏فؤاد حجازي, وعطا الزير ومحمد جمجوم وغيرهم من المجاهدين. وكذلك فأن مؤلفاته لم تحفظ لنا تاريخ فلسطين ‏فحسب, ولكنها ضمنت إلى ذلك فصولا من تاريخ مرحلة زاهية لا مثيل لها من الترابط القومي والحمية العربية ‏يوم أرتبط نضال الشعب الفلسطيني بتيار الحركة الاستقلالية الذي عم الأقطارالعربية من أقصاها لأقصاها.‏

وقال: فها هو نبيه العظمة يدير معركة استقلال سورية من القدس . وها هي تونس تضرب احتجاجا ‏على زيارة كان يزمع القيام بها الصهيوني المتطرف (جابوتنكسي) فتضطرالسلطات الفرنسيه لمنعه من النزول ‏من الباخرة للبر خوفا من نقمة الجماهير ، وها هي فلسطين بمدنها وقراها تضرب احتجاجا على القرار الفرنسي ‏بانشاء (الظهير البربري) لطعن الحركة الوطنية في المغرب, وها هي جماهير فلسطين تؤبن شهيد ليبيا عمر ‏المختار, وتبكي بطل الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي في مهرجان حافل, يقرأ فيه اسعاف النشاشيبي ‏‏(الفلسطيني) نيابة عن أحمد شوقي (المصري) أمير الشعراء قصيدته المشهورة التي مطلعها:- ‏ لك في الأرض والسماء مأتم قام فيها أبو الملائك هاشم

إلى أن يقول مشيرا إلى غدر الإنجليز به:‏ قد رجونا من الغنائم حظـاً ووردنا الوغى فكنا الغنائم

وها هي (جرش) تضرب احتجاجا على زيارة المندوب السامي لها تضامنا مع ثورة فلسطين, وهاهو ‏مثقال الفايز وحديثة الخريشة عليهما رحمة الله, يستقبلان بالحفاوة فوزي القاوقجي ومعه كوكبه من الجماهير ‏الفلسطينيين الذين وصلوا إلى شرق الأردن بعد أن انتهت ثورة 1936, فيبلغانهم مأمنهم (الرطبة) على حدود ‏العراق بصحبة مجموعة من فرسان الأردن.‏

هذه الصورة الرائعة المشحونة بالشموخ والكبرياء تطل عليك وأنت تقرأ مؤلفات أكرم زعيتر فتحسن ‏بالاعتزاز بهذا الجيل من المناضلين الأحرار الذين وقفوا على تباعد أقطارهم وقلة إمكانياتهم وقفة رجل واحد ‏ضد قوى الاستعمار, ثم تعتريك حالة من الأسى والحزن لما آلت إليه حال الدول العربية اليوم. في عصر ‏الاستقلال من تناحر وخلاف.‏

أما أكرم زعيتر الكاتب البليغ والأديب المبدع, فقد اختصته الأقدار ببيئة حانية تعهدت عبقريته ‏بالصقل وذوقه بالتهذيب منذ الصغر, فقد نشأ "زعيتر" في بيت يتلى فيه القرآن ويترنم بالجيد من الشعر, وتكرم ‏الفصحى أعظم تكريم, ولقد أتاح له ذلك أن يمسك بناصية البيان وعلوم القرآن. ‏

جرأته

ويذكر من عاصروه في الحركة الوطنية حادثة أحد المهرجانات التحريضيه ضد الانتداب الانجليزي ‏عندما فوجىء منظمو الحفل من أركان حزب الاستقلال بوجود ضباط للسلطة يحضرون الحفل فخطب المرحوم ‏المايكروفون وأعلن أن وجود ضباط الانتداب لا يحرج أحدا وطلب منهم نقل كل ما يسمونه للسلطة، ودعاهم ‏لأن يبلغوها شخط الشعب وغضبه على سياساتها... الخ، واستمر المهرجان التحريضي مما وضع ضباط ‏السلطة في حرج شديد من جراء هجوم الخطباء وتحريضهم ضدها.‏

علاقاته الاجتماعية

كانت حياة أكرم زعيتر اشبه بالساعة الدقيقة، فلم يكن هنالك وقت ضائع، فهو وفي غمرة انشغاله ‏بالعمل الرسمي في الوزارة او السفارة، أو عندما ينصرف الى مكتبه لأعداد بحث أو تأليف كتاب، كان حريصا ‏على التواصل الاجتماعي، وكان شديد الاتصال بعائلته يرعى شؤونها ويتابع أدق أخبارها، أما عاطفته الجياشة ‏فنقراها في رسالة لزوجته في مناسبة عيد زواجهما الثامن والعشرين إذ كتب يقول:‏

‏"أشهد أنني في هذه السنوات ما عبس يوم حتى بددت ابتسامتك عبوسه، وما أزمتني أزمة حتى كتب ‏ضباب أزمتي، إذ ألم بي ضيق كان لي من شجاعتك ورباطتك فرجا، إذا عصف بي إعصار لقيت السكينة ‏والرحمة لديك، ولقد عددت اقتراني بك تكفيرا من الدهر عما اجترح وبلسما لما جرح"‏

وكان مثلا في التنظيم وعدم اهمال الواجبات الاجتماعية، كان يعتبر احترام الناس من احترام نفسه، ‏أما تقديره للصداقة فيبرز من عدد اصدقائه الهائل في مختلف أقطار الدنيا، ولقد كتب في احدى رسائله لابنته ‏رزان يصف احدى نعم الله عليه ويقول:‏

‏"أنها هؤلاء الاصدقاء الخلص، الاوفياء، الاكابر، النجباء، فأنا غني بأصدقائه من نخبة الكرام وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم، وأنا في اختيار اصدقائي صيرفي ماهر – ولافخر– حباني الله ‏القدرة على الاصطفاء".‏

يقول سري عن والده

وكنا كأبناء لأكرم زعيتر نلمس سعادته عندما ينصرف الى صومعته يصل الليل بالنهار في الكتابة ‏والتأليف والبحث. وكنا نعجب من طاقاته الهائلة وجلده المتواصل في الكتابه والقراءة.‏

افكاره ومبادئه

‏1- إيمانه العميق الصافي بوحدانية الله تعالى وبرسالة نبيه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ثم تحليه بروح الأخوه ‏الاسلامية، ثم إيمانه بوحدة أمته العربية ووحدة وطنه العربي الكبير.‏ ‏2- حمله رسالة التحرير والتوحيد وتجديد البناء للأمة العربية لتنهض وتؤدي رسالتها الى البشرية كافة، رسالة ‏الأخاء والعدل والتوحيد.‏ ‏3- أنه يحمل عواطف شياجة ملتهبه بها يلهب عواطف المستمعين، كما أن عواطفه هذه تدفعه لأداء واجبه ‏القومي والحضاري بكل نشاط وحماس بهمة لا تعرف الكل0‏ ‏4- اطلاعه الواسع على تاريخ الامة العربية والحضارية الاسلامية، ثم أنه كان موسوعة لتاريخنا القومي ‏المعاصر، يعرف رجالات الحركه العربية في شتى أقطار العروبه ويقيم انجازاتهم.‏ ‏5- أنه كان خطيباً مؤثرا في السامعين وحسن أدائه وصدق مراميه, كما كان كاتباً ممتازاً تفخر بمقالاته ‏الصحف الممتازة.‏ ‏6- أنه تأثر بآراء السيد جما الدين الأفغاني وتلميذه الأمام الشيخ محمد عبده, كما كان من المعجبين بأمير ‏البيان الأمير شكيب أرسلان رحمه الله. ‏ ‏7- أنه كان مجاهداً صادقا شجاعا لا يهاب الموت وتحمل مشاق المنافي والسجون في سبيل تحرير أمته ‏ووطنه. ‏ ‏8- أنه كان اجتماعيا يحب المزاح والنكته صافي القلب حلو المعشر, ولذلك فقد نجح في عمله في الحقل ‏الدبلوماسي كسفير في لبنان وايران, وكوزير في الأردن وفي حكومة عموم فلسطين, كما كان موفقا في كل ‏المهمام التي تعهدها في الحكومة الأردنية الهاشمية وفي العمل القومي والاسلامي.‏ ‏9- أنه كان صديقا وفيا مخلصا لأصدقائه, فمن يعرف صداقته المتينة بالمرحومين كامل مروة وبدوي الجبل, ‏ونشاطه المخلص في تغذية جريدة الحياة التي كان يصدرها الشهيد كامل مروة في بيروت, وتحريره كتابا ثمينا ‏عنوانه "بدوي الجبل" وأخاء أربعين سنة يتعرف على معنى الصداقة والأخوة بين الأحرار المخلصين.‏

من أقواله

وقال في إحدى يومياته: "اليوم أدخل في الثالثة والسبعين من عمري الثالث على الخواطر, حاسبت ‏نفسي على منجزات السنة المنصرمة ومع أنني كتبت كثيراً وقد تبلغ المقالات ثمانين مقالة ومع أنني حاضرت ‏واشتركت في ندوات وكتب نحو مائتي رسالة, وقرأت كثيرا, فأنني شعرت اليوم أن ذلك كله دون ما كنت أرجوه ‏أو أتطلع إليه. ‏

ويقول في رسالة لابنيه يصف إحدى نعم الله عليه: ‏

"إنهم هؤلاء الأصدقاء الخلص الأوفياء الأكابر النجباء, فأنا غني بأصدقائي من نخبة الكرام, وأنعم ‏بثقة صفوة الصفوة ومحبتهم ووفائهم, وأنا في اختيار أصدقائي صيرفي ماهر, ولا فخر, حباني الله القدرة على ‏الاصطفاء".‏

‏"فلسطين عربية, والعرب مسؤولون عن تركها نهبة الناهبين وفريسة الغاصبين وهي تحرص على علاقتها ‏بأخواتها العربيات.‏

‏*ايها الفلسطينيون، إن العرب في كل مكان يظاهرونكم ويؤيدونكم، وما العرب الا شيء واحد في الهم ‏والمصيبة، فنحن طلاب حق، ومن طلب الحق قارع الكون، فالأمم التي لا ضحايا لها لا يمكنها ان تتحرر من ‏العبودية، والاستقلال الذي لم يشتر بالمهج الغالية لا يمكن أن يدوم.‏

‏*من رضي بالظلم استحقه، ومن هانت عليه كرامته استأهل، ولا جور غلا على من يقبل الجور، ‏فصداقة المغلوب للغالب رضاء بالسخف وإقرار بالهزيمة.‏

‏*اللهم أنني مذ علمت أنني آمنت بوحدة بلادي استطعت ان أقول وأن أعمل شرعت أدعو للوحدة ‏وأعمل لها.‏

‏*إن المقياس الأول والأخير الذي يجب ان تقيس به الأمور هو المصلحة العربية العامة وأهدافنا ‏القومية ومثلنا العليا، فما لاءمها وخدمها وجب علينا قبوله فضلا عن السعي إليه، وما خالفها عارضناه ‏فضلا عن مقاومته، لا أعتقد أن شعباً جاد بالأرواح وبذل من صنوف التضحيات، إذا قيست بعدد نفوسه، ‏ورقعة أرضه، أكثر مما قدم الشعب الفلسطيني، فخطتهم أخفقت في الإجهاز عليه، ورد كيدهم إلى نحرهم، ‏وراحوا يشربون من الكأس التي كانو يسقوننا منها ويذقون بعض ما كانوا يذيقوننا، وفي هذه الحال ‏الوجدانية يجيش الصدر وتهيج الخواطر، ونلوذ بكتاب الله لتطمئن قلوبنا، ويترسخ إيماننا، فنرتل قوله ‏تعالى: ‏

‏"ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ‏وكان الله عليما حكيما" صدق الله العظيم. أنها بشرى إلاهيه بأن شعبنا المكافح النافح لن يموت.‏

‏*لقد برهنت الكارثة في طليعة ما برهنت على ان جامعة الدول العربية في وضعها الراهن، وفي ميثاقها ‏الواهن أعجز من أن تدفع عن العرب شرا، وكيف نرجو أن تكون الجامعة أداة تحرر ووسيلة خلاص وهي ‏التي تعجزت عن إلغاء جوازات السفر او تلطيف قيود الانتقال بين أقطارها، أنني أزعم أن العلاقات بين ‏البلاد العربية قبل قيام هذه الجامعة كانت أرحم وكانت أرحب منها بعد قيامها، وأعجب العجب أن هذه ‏الجامعة التي يجب أن تخطو بالعرب نحو الوحدة الكبرى، أن تعمل على أزالة الحدود بين الأقطار العربية ‏حتى تغدو قطرا واحد غدت هي أداة لتأييد تلك الحدود الضيقه، وقد لبست في سبيل استمرار التجزئه ثوب ‏الدفاع عن سيادة كل قطر. أن سبيلنا هو المبادرة للسيرة حثيثا نحو الدولة الاتحادية الكبرى.‏

قالوا في اكرم زعيتر

الاستاذ الكبير أكرم زعيتر اديب الوزراء ووزير الأدباء ‏

‏ هلال التاجي

أيقنت وانا استهل قراءة رسالتك أن الكلمة ما تزال في أمتي بخير، وبالعافية ترتع، وراحت الرسالة ‏تتعاظم بين يدي حتى غدت قطعة أدبية تسكر.‏

‏ واذا كانت الكلمة الطيبة صدقة – والقول للنبي الكريم – فكم احتوت كلمتك من صدقات، أنها مرج زنابق ‏بيض يفوح منه عطر المحبة. سأحفظ بها بين النفائس والذخائر وما اقلها عندي، وما أثمنها، لأعود اليها، ‏وكلما إدلهم الخطب, وعنف البشر عودتني الى الينبوع، أروى منه نفسي العطشى الى الكلمة الطيبة.‏

‏ نصري سلهب ‏

‎*‎اكرم زعيتر كاتب بليغ يتماوج أسلوبه بالفخامه والجزاله، وخطيب جبار عرفته منابر هذه البلاد يوم زارها ، ‏ومرثيته في نجيب الريس قطعة من البيان الخالد، وخريدة في الأدب الصافي تعز الا على هذا القلم ‏المجاهد. ‏

‏*إن فصاحة أكرم الأستاذ، أكرم زعيتر، وان بلاغته وحصافته، وإن إيمانه بعروبته ووطنه لأفضل في ‏النفوس من السحر والسكر من الخمر .‏ ‏ يوسف الصارمي ‏ ‏ ‏*أكرم زعيتر خطيب الثورة، جامع للعقيدة الصماء، وللجرأة النادرة ، والبلاغة الساحرة، والروح الملتهبة، ‏والذكاء والعلم، يجمل هذه المزايا جميعها .‏ ‏ ‏ ‏ يوسف ابراهيم يزبك

‏*أكرم زعيتر أخلص ما عرفت لأمتنا العربية العظيمة, العامل في سبيل نهضتها واستعادةأمجادها ‏‏....وأخي الاكبر في الوطنية.‏

‏ الدكتور منوال يونس ‏ ‏1957‏

‏"* من الأقلام ما هو أفعل من السيوف "وأكرم زعيتر واحد منها وأن كتاب أكرم زعيتر يمكنه ان يكوم أحد ‏الأرغفه في زاد الأبطال .‏ ‏ ‏ ‏ سعيد عقل ‏

‏*اسلوب مشرق وديباجه رائعة وبيان أسر. الأستاذ أكرم خطيب مفوه يعز أمثاله في روعة الارتجال ‏وجزالة الأسلوب وامتلاك مشاعر السامعين بسحر بيانه وقوة منطقه.‏

‏ ‏ بدوي الجبل

• الأخ الاستاذ المجاهد اكرم زعيتر رجل الحزم والعزم والعقيدة والمعرفة، وهو من افاذ المثقفين الذين ‏يؤمنون بوحدة العروبة وقضيتها .‏

‏ ‏ ‏ علال الفاسي ‏


‏*أحب ابو سري الناس . واحب الاصدقاء . وكان يضرب المثل لوفائه لاصدقاء الكئيرين من رجال ‏فكر وادباء ومثقفين وسياسيين . وكان يود لو استطاع الساعات الطويلة متحدثا لهم ومستمعا اليهم ، وما ‏ضاق صدره بأحد . كان يود لو استطاع ان يكون عونا لكل الاصدقاء وكانت ناحية الخير والمساعدة ‏أظهر ما في حياته .‏

‏تقدم به العمر، وبقي محافظا على روحه الطيبه، الخفيفه، النبيلة، كانت لقاءاتنا كثيرة اذا ‏جئت من سفر أذهب توا اليه في منزله او مكتبه، وجدته في أيامه الأخيرة شارد الفكر، اذ نالت النكبة ‏منه، لكن ايمانه يتغلب حق شعب فلسطين على الباطل بقي قويا لا ينتزع وأمله في هذه الأمة لا يخيب .‏

وفي أيامه الاخيرة حدبت السيدة الفاضلة عقيلته عنه ما يجري على الساحة العربية ذلك لتبقى صورة ‏الوطن العربي الكبير كما كانت في مخيلته ، وبعد فترة توقف استقباله الاصدقاء، وأخذت عقيلته الفاضله ‏‏"أم سري" تقوم بواجب الاستقبال ، لم يشأ أن يثقل على اصدقائه رؤيته وهو على فراش المرض، فقد خفت ‏صوته الذي كان مجلجلا في الامم المتحدة وفي الاجتماعات والمحاضرات التي كان يحضرها أو يحاضر ‏فيها.‏


وفاته

وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء سوم الخميس الحادي عشر من نيسان ستة 1996م, أسدل ‏الستار على علم من أعلام الأمة العربية, ولحق بالرفيق الأعلى فارس مرموق من فرسان حركة التحرر ‏العربي, وثائر من أبرز رجال الرعيل الأول من ثوار فلسطين, هو المجاهد المرحوم الأستاذ أكرم زعيتر, ‏الكاتب والأديب الألمعي, والخطيب المفوه, والدبلوماسي والوزير السابق, والمؤرخ النابه الذي خلف للأجيال ‏سلسلة من المؤلفات النفيسة التي حفظت تاريخ فلسطين المعاصر من الضياع.‏

وقد كان لنبأ رحيل أكرم زعيتر وقع الزلزالة على نفوس أصدقائه, وعارفي فضله من أبناء الأردن ‏وفلسطين ولبنان وسورية والعراق, وكل قطر من الأقطار العربية التي كان لأكرم زعيتر دور في دعم ‏نضالها من أجل الحرية والاستقلال.‏

وما أن سرى النبأ الفاجع في عمان ومدن فلسطين, حتى أمت وفود المعزين بيت الفقيد لتشارك في ‏حمل الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخيرة, وتقديم العزاء لأسرته المحزونة وكان في طليعة هؤلاء مندوب ‏المرحوم صاحب الجلالة الملك الحسين ورئيس الوزراء ومندوب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن ولي ‏العهد المعظم (آنذاك) الذي كان في مهمة خارج البلاد, كما أمّ ديوان العزاء عدد من أصحاب السمو ‏الأمراء وجمع غفير من كبار رجال الدولة, ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان والنواب, وشيوخ العشائر ‏ووجها, المخيمات والصحفيون ورجال النشر والثقافة. كما أقام المركز الثقافي الاسلامي في بيروت ‏احتفالاً للتعزية تكلم فيه الأستاذ منح الصلح, وتوافد عليه العديد من الشخصيات اللبنانية.‏

وفي حفل التأبين الذي أقامته مؤسسة شومان في 8/5/1996م في عمان تكريما لذكرى الفقيد الكبير, ‏انبرى الخطباء الذين أتيح لهم الحضور من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان, ينشرون على الناس صفحات ‏عطرة من سيرة المجاهد الكبير, ويستعرضون صوراً من كفاحه وما لاقاه في سبيل فلسطين من ألوان ‏العذاب في السجون والمعتقلات.‏

مؤلفاته

‏-تاريخنا, طبع سنة 1935 بالاشتراك مع درويش المقدادي.‏

‏-المطالعة العربية, طبع سنة 1939 مع محمد ناصر.‏

‏-التاريخ للصفوف الابتدائية, طبع سنة 1940 مع علي الشريقي وصدقي حمدي.‏

‏-التاريخ الحديث, طبع سنة 1945 بالاشتراك مع ساطع الحصري وكامل مروة.‏

‏-مهمة في قارة, طبع سنة 1951.‏

‏-القضية الفلسطينية, طبع سنة 1955 نقله موسى خوري إلى الانجليزية سنة 1958 كما نقله أكبر ‏هاشمي رفسنجاني إلى الفارسية سنة 1965 ونقله د. شمس إلى الأردية.‏

‏-وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918-1939), طبع سنة 1979. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.‏

‏-الحكم أمانه, طبع سنة 1979.‏

‏-بدوي الجبل وإخاء أربعين عاما, طبع سنة 1987, المؤسسة العربية للدراسات والنشر.‏

‏-يوميات أكرم زعيتر, (1935- 1939), طبع سنة 1980. مؤسسة الدراسات الفلسطينية.‏

‏-بواكير النضال, من مذكرات أكرم زعيتر (1909- 1939) طبع سنة 1993 المؤسسة العربية للدراسات ‏والنشر.‏

‏-من أجل أمتي, (من مذكرات أكرم زعيتر 1939- 1946) طبع سنة 1993 المؤسسة العربية للدراسات ‏والنشر. ‏

إعداد

أ. محمد دوابشة (عن كتاب الذكرى بتصرف)