الحاج عبد الرحيم السبع
الحاج عبد الرحيم السبع (1938-1956م): رئيس بلدية قلقيلية، من مواليد قلقيلية عام 1893م، إبان الحكم التركي لفلسطين. درس في كُتّاب قلقيلية على يد الشيخ محمد العورتاني. ورث مهنة الزراعة عن والده، وأصبح من أصحاب الأملاك، حيث أنشأ في يافا شركة لتعبئة الحمضيات، حملت اسم "شركة السبع وعاشور لتصدير الحمضيات". وكانت الشركة تصدِّر الحمضيات الى الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا.
تولى الحاج عبد الرحيم السبع رئاسة مجلس بلدي قلقيلية عام 1938م واستمرَّ كذلك حتى عام 1956م، وكان لطول الفترة التي تولاها رئيسا لبلدية قلقيلية (وهي ثمانية عشر عاما)، أن شهدت قلقيلية خلالها تقدما كبيرا في النواحي التعليمية والصحية والعمرانية. كما طرأت تحولات كثيرة في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة.
ساهم المرحوم عبد الرحيم السبع في تزويد مناضلي قلقيلية والمناطق المجاورة بالسلاح والمواد التموينية. وقد شارك هؤلاء المناضلين في القتال الى جانب القوات العراقية وجيش الانقاذ في معارك عديدة، مثل: معركة كفر سابا، بيار عدس، ورأس العين ومعركة الطيرة وكوفيش. كما كان الأطفال يقومون بجمع المواد الغذائية للمناضلين من بيوت البلدة، كالخبز والزيت والزعتر واللبن والجبنة، وكل ما يمكن ان تجود به نفوس الأهالي.
وبعد احتلال اليهود لـ كوفيش، حضر الى قلقيلية القائد "عبد الكريم قاسم"، وكان اذ ذاك قائد القوات العراقية المتمركزة في قرية "كفر قاسم"، والتقى بالحاج عبد الرحيم السبع، وقال له: "أبو الفاروق، القيادة تقول ماكو أوامر، وأنا على مسؤوليتي أقول: "آكو أوآمر ". وأصدر أوامره للقوات العراقية بالهجوم على كوفيش، واستشهد من العراقيين أربعة عشر جنديا[1].
وقبل حرب عام 1948م اشترت بلدية قلقيلية مدرعتين مصفحتين من صناعة محلية، ويعتقد انها من صنع شركة الحديد والسكب في يافا، كما اشترت رشاش "برن". وكان يقاتل على على هذا السلاح مناضل مسلم، حضر من يوغسلافيا للجهاد في فلسطين، وكتب الله له الشهادة على أرضها ودفن في قلقيلية[2].
وكان من نتائج حرب عام 1948م ان ضمت إسرائيل إليها مساحة كبيرة من الأراضي العربية تزيد عن نصف مليون دونم، عما كان مقررا لها في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947م. وبعد انتهاء الحرب في شهر كانون الأول من عام 1948م، بدأت المفاوضات بين العرب واليهود في جزيرة "رودس" في شهر كانون الثاني عام 1949م تحت إشراف الأمم المتحدة، وكان خط الهدنة المقرر حسب الخرائط المعدة للمفاوضات يمرُّ من شرقي قلقيلية، أي ان قلقيلية كانت ستضم إلى إسرائيل. وقد علم بذلك المرحوم الحاج عبد الرحيم السبع من بعض المسؤولين الأردنيين، فتوجه مع وفد من وجهاء قلقيلية لمقابلة الملك عبد الله وطلبوا منه ان تبقى قلقيلية عربية، وان لا تضم الى اسرائيل. فاجاب االملك عبد الله، موجها كلامه الى الحاج عبد الرحيم السبع: " .. يا سبع ستبقى قلقيلية عربية"، فقال عبد الرحيم السبع "..نريد يا جلالة الملك ان تكون قلقيلية وأملاكها مع الأردن"، فرد عليه الملك قائلاً: ".. يا سبع ستبقى قلقيلية وأملاكها عربية".
وعندما عقدت الحكومة الاردنية اتفاقية الهدنة مع إسرائيل في جزيرة رودس بتاريخ 3/4/1949م، طلب غلوب باشا رئيس اركان الجيش الاردني من القوات العراقية الانسحاب إلى شرق خط الهدنة، وقام ممثلون عن الاردن واسرائيل ومندوبي الامم المتحدة بوضع إشارات لتحديد خط الهدنة، فتبين ان كل اراضي قلقيلية الواقعة غربي سكة الحديد، أصبحت جزءا من أراضي الدولة العبرية، بينما ضُمّت قلقيلية البلد الى الاردن[3]. ويذكر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف انه زار بغداد عام 1953م، والتقى العقيد الركن شاكر محمود شكري، آمر الفوج الآلي الذي أدار هذه المعركة، وسأله عن اخبار معركة رمات هاكوفيش، فأجاب بقوله: ".. إن هذه المعركة كانت خير دليل على تعاون الفلسطينيين والعراقيين، وعلى الجرأة والإخلاص والروح العالية التي تحلى بها أهالي قلقيلية، وفي مقدمتهم رئيس البلدية السيد عبد الرحيم السبع"[4].
أنشئ مستشفى الوكالة عام 1950م، وهو العام الذي تشكلت فيه وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وكان قد بني على ارض للبلدية على اساس ان يكون مدرسة، لكن ظروف الحرب اقتضت ان تتحول الى مركزا للإسعافات الأولي. وكان يشغله الجيش العراقي، ويشرف عليه الاتحاد النسائي الذي تشكل في أواخر أيام الانتداب البريطاني. وبعد رحيل الجيش العراقي اثر نكبة عام 1948م، طلب الحاج عبد الرحيم السبع من الصليب الأحمر إدارة مركز الإسعاف، وبدأ الصليب الأحمر الدولي وبالتعاون مع الاتحاد النسائي يقدم خدماته الصحية، والتي كانت تقتصر على الإسعافات الأولية. ونظرا لعدم توفر خدمات صحية مناسبة لاهالي قلقيلية، سافر عبد الرحيم السبع في بداية عام 1950 الى بيروت وكانت مركزا لوكالة الغوث في الشرق الأوسط، وطلب من مسؤوليها تحويل مركز الاسعاف من إدارة الصليب الأحمر الى وكالة الغوث، ليتسنى لها تقدم الخدمات الصحية بشكل لائق. ومنذ ذلك الوقت تولَّت وكالة الغوث الإشراف على هذا المركز وتحويله إلى مستشفى.
وكان مستشفى الوكالة يتألف في البداية من غرفتين، وقامت الوكالة بتوسيع المستشفى وأضافت إليه بعض الأبنية والعيادات وغرفة للعمليات الجراحية. وكان أول طبيب ومدير لمستشفى الوكالة هو الدكتور علي عاقلة رحمه الله.
وعلى اثر حرب عام 48م، والمجازر التي قامت بها العصابات الصهيونية لتشريد الفلسطينيين، لجأ الى قلقيلية اكثر من ثلاثة آلآف من المهجرين من المناطق الفلسطينية المجاورة، مثل كفر سابا، مسكة، بيار عدس، وفجة، وقرية الحرم، وعرب ابو كشك.. وغيرهم. وعندما قامت وكالة الغوث بتوزيع بطاقات المؤن على اللاجئين في قلقيلية، طالب الحاج عبد الرحيم السبع وكالة الغوث بمنح أهالي قلقيلية الأصليين كرت المؤن للاستفادة من خدمات الوكالة، لأنهم هم الآخرين انتكبوا، بسبب فقدان جميع أراضيهم الساحلية الخصبة الواقعة وراء خط الهدنة (سكة الحديد)، وليكون اثباتا لنزوح اهالي قلقيلية عن أراضيهم، التي أصبحت جزءا من إسرائيل. وهكذا استفاد أهالي قلقيلية - ولا يزالون- من الخدمات الصحية والتموينية والتعليمية التي تقدمها وكالة الغوث لنسبة كبيرة من الفلسطينيين في الداخل والخارج. وكانت السيارات قبل حرب عام 1948م تسلك طريق طولكرم للسفر من نابلس الى قلقيلية، ومنها الى يافا وبالعكس، حيث لم تكن هناك طريق معبَّدة بين قلقيلية ونابلس. وبعد قيام دولة إسرائيل وانقطاع الطريق بين طولكرم وقلقيلية، طالب الحاج عبد الرحيم السبع المسؤولين الأردنيين بتعبيد الطريق بين نابلس وقلقيلية، والطريق الشرقي الى طولكرم، فكان له ما اراد.
ونتيجة لتردي الاوضاع الاقتصادية في قلقيلية خاصة بعد حلول النكبة، وهجرة اهل المناطق المدمرة اليها، كان على اهالي قلقيلية ان يشمروا عن سواعدهم، وبدأوا باستصلاح أراضيهم الشبه جبلية، وزراعتها بأشجار البرتقال، حيث الخبرة الجيدة التي لديهم في زراعتها ورعايتها. لكن، المشكلة كانت تكمن في شح الاموال اللازمة للمباشرة باستصلاح الاراضي وحفر الآبار الارتوازية. ادرك الحاج عبد الرحيم السبع حاجة اهالي قلقيلية الماسة لهذه الاموال، فتوجه الى مؤسسة الاقراض الزراعي في القدس، وكان مديرها السيد ابراهيم كعيبني. وكانت هذه المؤسسة ممولة من دول اوروبا وتهدف الى انعاش الخطوط الامامية في الزراعة. وطلب من مديرها افتتاح مكتب لها في قلقيلية، لتقديم القروض الميسرة للمزارعين، وكان ذلك في السنوات الأولى من عقد الخمسينات. وحصل اهالي قلقيلية على الاموال اللازمة للنهوض ببلدهم من جديد، فاستصلحوا الاراضي وحفروا الابار وزرعوا اشجار البرتقال، وقد ساعدهم ايضا أبناءهم الذين كانوا يعملون في الكويت والسعودية، حيث ارسلوا لأهاليهم ما استطاعوا اليها سبيلا. وما هي الى بضع سنين، حتى أصبحت قلقيلية من اكبر منتجي البرتقال في الضفة الغربية في العهد الأردني، واستطاعت قلقيلية والقرى التابعة لها ان تصدِّر ما يزيد عن خمسة وعشرون الف طن من البرتقال الى الأردن ودول الخليج العربي، وذلك عام 1966م[5]. وطالب عبد الرحيم السبع السلطات الاردنية معاملة قلقيلية كمنطقة ادارية مستقلة، فاعتبرت قلقيلية ناحية، وتم تعيين مدير ناحية فيها، وكانت هذه الخطوة بداية للاستقلال الإداري. وفي مطلع الستينات تحولت قلقيلية الى قائمقامية. وكان مدير الناحية والقائمقام بمثابة الحاكم الإداري للبلدة، وحلقة الوصل بين اهلها والسلطات الأردنية، وممثلا لها في الجهات الرسمية.
وفي عهده تحوَّل المجلس المحلي عام 1955م إلى مجلس بلدي، فكان رحمه الله اول رئيس للمجلس البلدي. ومنح الناس حق الاقتراع المباشر لاختيار أعضاء المجلس. وجرت أول انتخابات للمجلس البلدي عام 1959م.
وقد زار الملك عبد الله قلقيلية عام 1950م، وزارها حفيده الملك حسين عام 1955م، وقد استضافهما الحاج عبد الرحيم السبع في بيته، وأقام لهم العزائم والولائم، شهدها وجهاء ومخاتير قلقيلية وقراها، الى جانب العديد من المسؤولين الأردنيين. ولم يكن الحاج عبد الرحيم السبع ليثقل كاهل ميزانية بلدية قلقيلية التي كانت مداخيلها محدودة، بل كان يغطي كل هذه المصاريف من جيبه الخاص. كما أن تنقلاته وسفرياته في الداخل والخارج كان يغطيها أيضا من جيبه الخاص رحمه الله.
وانتقل الحاج عبد الرحيم السبع إلى رحمته تعالى عام 1956م، بعد حياة حافلة بالكفاح والعطاء في سبيل خدمة بلده ووطنه، وترك الأثر الطيب في قلوب أهالي قلقيلية وكل من عرفوه او سمعوا عنه، وأمَّت ديوان آل شريم وفود التعزية من مختلف المناطق في فلسطين والأردن، لتقديم واجب العزاء بالفقيد الكبير، وأرسل الملك حسين مندوبا عنه لتقديم واجب العزاء، كما حضر لفيفٌ من كبار المسؤولين الأردنيين للتعزية بالفقيد الكبير . وتخليدا لذكرى الحاج عبد الرحيم السبع الطيبة، أطلقت بلدية قلقيلية في عهد رئيسها المرحوم عاهد نزال عام 1959م اسم عبد الرحيم السبع على الشارع الرئيسي في البلدة. *** [1] وليد عبد الرحيم السبع - رئيس الغرفة التجارية - مقابلة 2007م [2] وليد السبع - كان مديرا لدائرة الإرشاد الزراعي في قلقيلية حتى عام 1967م [3] نكبة فلسطين والفردوس المفقود - عارف العارف - ج4-ص527 [4] المصدر السابق [5] وليد السبع