الحياة الاجتماعية فى مدينة القدس
المدينة المقدسة في قسمها الشرقي تعاني من عمليات حصار اقتصادي واجتماعي ومعيشي خانق ومُمنهج تسهم فيه الهجمة الاستيطانية المتسارعة التي تزداد شراسة وتغولاً يوماً بعد يوم مسنودة إلى ما يوفره جدار العزل العنصري من أسباب تفاقم من هذه الأزمات المقضية إلى اغتيال المدينة.
ولا تقف هذه المعاناة من مصادرة مساحات من الأراضي المقدسية من أصحابها الشرعيين وضمها إلى المساحات المهيأة لتوسيع العمليات الاستيطانية الشرهة أو عند الإجراءات القمعية اليومية بأشكالها المختلفة والتي يتم ارتكابها أمام العالم تحت ذريعة المتطلبات الأمنية ولكنها تمتد أيضاً إلى الاستيلاء على العقارات الفلسطينية في القدس القديمة لتوسيع الرقعة الاستيطانية المتفشية في تلك المساحة التي لا تتجاوز الكيلو متر المربع دون أن تتوقف في القوت نفسه مصادرة هويات المقدسيين بهدف دفعهم للهجرة من مدينتهم إلى مناطق أخرى ضمن الحرب الديموغرافية والاقتصادية ومعركة الوجود المستمرة في المدينة بين سلطة الاحتلال وأصحابها المقيمين الشرعيين وتعدى الأمر ذلك ممارسة آليات مختلفة من القمع والتضييق والحصار الاقتصادي لمواطني القدس من الفلسطينيين المتشبثين بالبقاء في مدينتهم المقدسة مُصرين على خوض معركة التشبث الوطني بالمدينة رافعين شعار إما النصر وأما النصر ولا خيار سوى النصر مهما تمادت الهجمة في قسوتها وتوحشها ولا شك في أن سلطات الاحتلال هي على ادراك تام من أن ضرب البنية الاقتصادية لمدينة القدس هي واحدة من أبرز آليات زعزعة ـأهداف وتثبيت الوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية عامة وعلى أراضي مدينة القدس بشكل خاص.
مقابل الانتهاكات المعلنة من هدم الحجر حتى قطع الشجر وفاعلها معلوم تجري سياسات هدم البشر تقدير فاعلها مستتر أما المفعول به فهم المقدسيون العرب.
يقدر مجموع السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة أربعة ملايين شخص يعيشون ظروفاً صعبة للغاية هي حالة من عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي ويقضون وقتاً كبيراً من حياتهم اليومية في التعامل مع التهديدات الأمنية والمادية ويعانون نقصاً حاداً في المرافق الأساسية والقيود المفروضة على التنقل من حواجز عسكرية وجدار الفصل العنصري.
خوف، توتر، انعزال عن المجتمع، تشنجات، أحلام تندثر، وواقع يزيد صعوبة يوماً بعد يوم هو ما يعيشه 60 ألف مقدسي حسب آخر إحصائية أجرتها US ODC عام 2006 في مدينة القدس.
الأخطار الاجتماعية في مدينة القدس
تشن إسرائيل حرب مفتوحة على الإنسان الفلسطيني وخاصة المقدسي حيث تتضمن هذه الحرب استخدام جميع الأسلحة الفتاكة من طرد وترحيل وإبعاد وإغلاق واستيطان وترحيل وتشريد وهدم منازل ومصادرة هويات ونشر للمخدرات... وجميع هذه المصطلحات التي مؤداها في النهاية هي تفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين الفلسطينيين. وذلك من اجل تحقيق هدف الاستراتيجية الإسرائيلية المتمثلة بتهويد القدس باعتبارها عاصمة اليهود. وفي نفس الوقت شرعت إسرائيل العديد من القوانين والأنظمة السياسية ومجموعات عديدة من الأعراف غير المكتوبة من اجل ذات الهدف. وفرضت إسرائيل سياسة الإغلاق على الوجود الفلسطيني في القدس حتى العمق ، إذ استطاعت عزل القدس عن محيطها البشري الكبير في الضفة والقطاع وحولتها إلى كانتون صغير يتعرض لكافة الضغوطات، والتي أثرت سلبا على الفرد وكافة أنواع المؤسسات بكافة المجالات(جرادات، 1998، ص306). هذا بالإضافة إلى اتساع أعداد العاطلين عن العمل سواء من الشباب أو الشابات سواء المؤهلين جامعياً أو غير المؤهلين الأمر الذي يعني تراكم المسؤولية لكل هؤلاء، حيث ينتظر هؤلاء المجهول، حيث تجاوزت أعمار منهم الثلاثين وقارب الأربعين دون أن يكون لهم مصدر رزق ثابت أو انتظار وظيفية وفرصة العمل وهو ما يمثل مدخلا نحو الانزلاق في ممارسات خارجة عن القانون والأخلاق. إن تفاقم مشكلة المخدرات في القدس تؤكد على دور الاحتلال الأساس في تفاقم هذه الظاهرة والتي أصبحت تشكل تهديدا على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمقدسيين بشكل خاص وللفلسطينيين بشكل عام .
تتعدد المشاكل الاجتماعية في مدينة القدس وفيما يلي أهمها:
1- تزايد تعاطي المخدرات بين الشباب المقدسي بشكل لافت للنظر.
2- التفكك الأسري نتيجة موت أو اعتقال رب الأسرة أو انحرافه مما يدفع الأسرة إلى التفكك الاجتماعي.
3- ضعف الترابط الاجتماعي بين السكان بشكل عام وبين حارة وأخرى أو جار وآخر.
4- عمالة الأطفال وانتشارها (10-15 سنة) مما يدفع الكثير منهم إلى ترك المدرسة نهائيا.
5- شهدت القدس فترات طويلة من الإغلاقات وذلك منذ الانتفاضة الأولى ، ولكنها زادت حدة في الانتفاضة الثانية ، حيث عملت هذه الإغلاقات على شل وصول المعلمين والمعلمات من الضواحي القريبة من القدس أو من المدن العربية القريبة، كما خضع وصولهم إلى مدارسهم على حصولهم على تصاريح خاصة من الحكم العسكري لمدينة القدس ، ناهيك حاليا عن إشكاليات الجدار الفاصل (النعري، 2004،ص62).
6- انتشار ظاهرة التسرب من المدارس وخاصة في المرحلة الثانوية وارتفاع نسبة المدخنين من الأطفال.
7- انتشار ظاهرة الزواج المبكر.
8- الضغوط النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها فتيات البلدة القديمة.
9- الهجرة من البلدة القديمة وخاصة العائلات المقتدرة مالياً، وكذلك الأزواج الشابة.
10- ظاهرة الاغتراب وخاصة بين صفوف المثقفين والكوادر السياسية التي كانت نشطة في المراحل السابقة، وفقدان الثقة بقدرة القوى السياسية والمؤسسات الرسمية الفلسطينية والعربية على مواجهة الواقع وتغييره نحو الأفضل.
11- المشاكل التي تبرز بين المالك والمستأجر.
12-غياب المخططات الهيكلية العربية في القدس ، الأمر الذي خلق وضعا سكانيا لا يطاق بحيث تكدس العرب في بيوت آيلة للسقوط خاصة في البلدة القديمة أو جازف البعض ببناء غير مرخص وقد كان مصيره الهدم دون مراعاة للزيادة السكانية الطبيعية ، مع ارتفاع ظاهرة البناء العشوائي (شقير، 1996، ص164). 13- المشاكل التي تنشأ بين أفراد العائلة الواحدة حول السكن في البيت، فكل شخص يحاول أن يحصل على غرفة من البيت مع أسرته، للحصول على إثبات بأنه يسكن في المدينة وبأن مركز حياته هي القدس وذلك لكي يدافع عن هويته ووجوده داخل المدينة. وهذا الوضع لم يؤد إلى المشاحنات والخلافات الأسرية فحسب، بل أن الأمور وصلت في عدة حالات إلى الاعتداء والاشتباك باستخدام أدوات عنيفة.
14- المشاكل والمشاجرات التي تنشأ بين الحين والآخر بين مجموعات من الشباب المسلمين والمسيحيين والتي يفتعلها في معظم الحالات أشخاص مشبوهون أمنياً وأخلاقيا بهدف إشعال فتيل الفتنة الطائفية. وفي معظم الحالات تكون الفتيات هن الضحية وهن الوسيلة التي تستخدم لافتعال هذه المشاكل، ولكن يتم وضع حدٍ لها في كل مرة بفعل وعي وانتماء أهل البلدة على اختلاف طوائفهم الدينية.
15- مشكلة الفراغ الذي يعانيه شباب وشابات البلدة القديمة وتحول هذا الفراغ إلى ممارسات سلبية مثل: الزعرنة، وملاحقة الفتيات والطالبات والتحرش بهن لفظياً وجسدياً وخاصة عند مغادرتهن المدرسة، مثلما هو الحال مع السياح وخاصة النساء والشابات.
16- المشاكل والمشاجرات التي تحدث بين الأسر بسبب زواج بعض الفتيات المسيحيات من شباب مسلمين وما يرافقها من محاولات التحريض وشحن العواطف والحماس، وانعكاسات تلك المشاكل على العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الفئات الدينية المختلفة، بشكل عام، والعائلات المعنية بشكل خاص. وقد ساهمت هذه الحوادث في حذر العائلات أو خروج بعضها من البلدة القديمة إلى أحياء أخرى خارجها.
أسباب تردي الأوضاع الاجتماعية في القدس
1- الأسباب السياسية - الاستيطان ومضايقة المستوطنين لأهالي البلدة القديمة عن طريق رمي النفايات والمجاري على المارين والتعرض لهم بالكلمات والألفاظ البذيئة. - استمرار الطوق الأمني على المدينة. - تردي الظروف والأوضاع الأمنية داخل البلدة القديمة.
2- الأسباب الاقتصادية - فرض الضرائب الباهظة.
- الركود التجاري في مدينة القدس.
- البطالة العالية.
- تدهور القطاع السياحي وإسهامه في تردي الظروف الاجتماعية للسكان وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين كنتيجة للأوضاع الاقتصادية .
3- تردي الأوضاع السكنية وزيادة حدة الازدحام.
4- تدهور وضع النظام التعليمي البنية التحتية للمدارس.
5- تدهور الوضع البيئي.
إعداد
د. خالد شعبان وأ. أماني عطا الله