«انتفاضة النساء في باقة الغربية»: الفرق بين المراجعتين

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب'وصف " شاعر النيل" مظاهرة قامت بها سيدات مصريات في ثورة سنة 1919، ومع جلل الحدث ‏ومجابهة المدافع...')
(لا فرق)

مراجعة ١٠:٢٤، ٢٣ أبريل ٢٠١٨

وصف " شاعر النيل" مظاهرة قامت بها سيدات مصريات في ثورة سنة 1919، ومع جلل الحدث ‏ومجابهة المدافع والبنادق فقد كان ‏سلاحهن الورد والريحان، فتضعضعت النساء،لأنهن كن بلا قوة، ‏ثم انهزمن في معركة غير متكافئة، وبذا يقول حافظ ساخرًا من ‏الجيش:‏

والورد والريحان في ‏ ذاك النهار سلاحهنهْ فتطاحن الجيشان ساعاتٍ تشيب لها الاجنّهْ فتضعضع النسوان ‏ والنسوان ليس لهن مُنّهْ ثم انهزمن مشَتّتاتِ لشمل نحو قصورهنهْ فليهنأ الجيش الفخور ‏بنصره وبكسرهنهْ

إلا أنّ انتفاضة النساء في باقة الغربية ضد الجيش الإنجليزي كانت الأولى من نوعها في التاريخ ‏الفلسطيني وفي القرى على وجه ‏الخصوص، فسلاح النساء كان الحجارة ورماد "الطابون" ، والنصر ‏كان حليفهن قبل ان يعرفن إشارة "‏v ‎‏".‏

متى بدأت؟

ولعلك تسأل ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ فلنعد الى البدء:‏

حدثني الحاج محمد رشيد عارف صفا ،وهو مؤرخ محليّ يحصي الشاردة والواردة في تراثنا، قال: ‏

كان ذلك في الحادي والثلاثين من شهر آب سنة ألف وتسعمائة وواحدة وأربعين،فقد سُرقت ست ‏بندقيات من الجيش الإنجليزي ( من ‏كامب 80) بالقرب من باقة، ورغم أن اقتفاء الأثر إذاك لم يدل ‏على أن البندقيات وصلت إلى باقة، إلا أنّ قيادة الجيش البريطاني ‏أنذرت المختار بوجوب إعادة ‏البندقيات خلال أسبوع ، وإلا فالويل كل الويل.‏

لكنهم وبعد أربعة أيام فقط أجروا تفتيشًا في كل منزل ومنزل، وحشدوا قوات من الشرطة لا تحصى، ‏وهرعت قوات اخرى من ‏كركور والخضيرة، واعتقلوا أربعين شخصًا من الشيب والشباب، وضربوهم ‏وأهانوهم ، بل كانوا يأمرون الأطفال بالبصاق على ‏لحاهم، والركوب على ظهورهم، وبساديّة تشف ‏عن مكامن حقدهم. ونصبوا في أثناء ذلك خيامًا للشرطة، كما احتلوا بعض المنازل ‏المجاورة للمقر ‏العسكري.‏

وقد أصدر ضابط المنطقة المدعو "شارب" وكان برتبة "سيرجنت" أمرًا بتقديم المؤن اللازمة للجنود ‏والشرطة، كما كلف الأهالي ‏بتقديم العلف لخيولهم، وأمرهم بتنظيف المخيم بشكل متواصل.‏

ظل الانتقام دأبهم ليل نهار، والإهانة والتوبيخ والضرب تلاحق السكان ، فلا يرعوون عن طفل ، ولا ‏يزدجرون من شيخ.‏

‏- "يجب أن "تخلقوا" القطع الست! اشتروها! اخلقوها! لصوص!".‏

هكذا أصدر "شارب" الأمر.‏ تعاون الناس على قلة الموارد وضيق ذات اليد، واشتروا ست بندقيات تفاديًا للعذاب الهون.‏

ومع ذلك بقي الناس يلاقون الأمرّين، مما أدى إلى الهرب من القرية ، تاركين أكداس القمح في البيادر ‏بدون علاج ولا حراسة.‏ وفي العاشر من رمضان "ذكرى نصر المسلمين في بدر": احتفل الإنجليز مع الناس احتفالاً من نوع آخر جمعوا الشيوخ في ساحة القرية، وطلبوا منهم شتى ‏الطلبات: ‏

تارة أن يرقصوا أو "يدبكوا" ، أو يقلدوا الحيوانات، بل طلبوا من الواحد أن يلقي بقشور البطيخ ‏والزبل على وجه الآخر. وكل من ‏تململ أو عارض كانت الضربات تنهال عليه تترى ، فيرى دمه ‏يسيل ، ولا من يسعفه، بل كان الإنجليز وبعض العملاء المتعاونين ‏يدوسون على الرقاب بأحذيتهم ‏قائلين للواحد :‏ ‏ " خلّي ربك ومحمّدك اللذين تستجير بهما يدافعان عنك".‏

إزاء هذه الإهانات المتلاحقة وسماع تأوه الرجال " أخذت أم السعيد" – حرم عبد الله صالح أبو بكر - ‏و "أم أحمد" – عائشة الغليونية ‏‏- تؤلبان النساء حتى تجمعت العشرات منهن، وما هي إلا لحظات ‏حتى ملأن "القفف" أو "الزنابيل" بالرماد "السكن"، ورافقهن ‏الصغار في مظاهرة حاشدة، والكل ‏يصيح في عنفوان- "الله عليكم الله" ، واندفعت حماسة النساء، حيث كشفن شعورهن ، وحركن ‏‏الأردان في صعود وهبوط داعيات على أعداء الله والوطن.‏

ودفعة واحدة أخذن يعفرن الرماد في وجوه الإنجليز الذين وقعوا في حيرة من أمرهم، فأخذوا يطلقون ‏الرصاص في الهواء، غير أن ‏الصغار حصبوهم بالحجارة المصيبة، فوقع الإنجليز في ورطة ، ‏والنساء منهمكات في تعفير الرماد، وهن يصحن قائلات : "هيل ‏عليكم هيل".‏

أُسقط في يد الإنجليز، فلاذوا بالفرار خاسئين، وهم لا يلوون على شيء، وما هي إلا ساعات حتى كانت ‏الخيام في حركة ارتحال ، ‏ثم كانت أثرًا بعد عين.‏

وهكذا سجلت نساؤنا الفلسطينيات صورة بطولية أين منها الصورة الساخرة التي وصفها حافظ،، ‏ولعلي أسمح لنفسي بتحوير أبيات ‏حافظ فأقول واصفًا نساء بلدي :‏

كان الرَماد بعَفْرِهِ ذاك النهارَ سلاحهنهْ

ثارت نساء القوم والنسوان صار لهن مُنّهْ

ثم انتصرن موحداتِ الشمل نحو بيوتهنهْ

فليخسأ الجيش الذليل بكسره وبنصرهنهْ

إعداد

د: فاروق مواسي