حسن مصطفى
حياته
ولد حسن مصطفى في قرية بتير لواء القدس في 1914 /12 /25، تعلم القراءة والكتابة في كتّاب القرية، حيث لم تكن مدارس في العهد التركي. التحق فيما بعد بكلية الروضة بالقدس وتخرج فيها بتفوق، ثم أكمل دراسته في الجامعة الأمريكية في القاهرة. عاد إلى فلسطين ليبدأ حياته العملية في دائرة التعاونيات الحكومية لمدة عام، ثم مدرسا لمدة عام آخر في كلية الروضة في القدس.
أصدرت سلطات الانتداب البريطاني أمرا باعتقاله عام 1939 مع غيره من مثقفي فلسطين أمثال إبراهيم طوقان وعبد القادر الحسيني، إلا انه أدرك الأمر وغادر البلاد خلال 12 ساعة إلى شرقي الأردن ثم إلى العراق، حيث عمل في دار المعلمين العليا في بغداد. عاد إلى فلسطين في العام 1943 وعمل مع الأستاذ خليل السكاكيني في تأسيس كلية النهضة، ثم عمل في إذاعة الشرق الأدنى في يافا، وكان له برنامج بعنوان (راوية الصباح) وأصدر خلال عمله في الإذاعة كتاب (قطرات ريفية).
انتقل حسن مصطفى إلى قلم المطبوعات، وتولى إدارة وتحرير مجلة المنتدى التي حول اسمها لمجلة القافلة، وصدرت مدة عام قبل النكبة الأولى 1948 حوالي 52 عددا، وهي مجلة أسبوعية مصورة احتوت أقلام الأدباء وأهل الفكر في فلسطين والدول العربية، وسدت فراغا في الصحافة العربية في ذلك الوقت.
أوائل 1948 اصدر كتاب (خطرات ريفية) الذي وضع مقدمته الدكتور اسحق موسى الحسيني، ثم انتقل للعمل في قلم المطبوعات في القدس، فتولى إدارة مجلة المنتدى وتحريرها خلفا لعبد الرحمن بشناق، وظل كذلك بعد أن حول اسمها إلى مجلة القافلة الني صدر منها حتى عام عام 1948 اثنان وخمسون عددا بأقلام فلسطينية وعربية.
في العام 1948 صدر كتابه الثاني "شخصيات" الذي قدم له الأستاذ خليل السكاكيني، تزامن صدور الكتاب مع نكبة فلسطين، وحينها بدأ يكتب في جريدة الأردن تحت عنوان (واقعيات) وهي مقالات يومية في واقع الحياة المرير في تلك الفترة 48 ـ49. وكتب عام ا195 في مجلة الهدف المقدسية بعنوان خربشات، وهي عبارة عن مقالات وخواطر.
عمل المرحوم حسن مصطفى بعد النكبة في وكالة الغوث الدولية منذ عام 1951 وحتى وفاته، وكان مديرا لمنطقة الخليل، وكان من الشخصيات التي ساهمت في تأسيس قسم التعليم، ثم مديرا لدائرة الشؤون الاجتماعية في رئاسة الوكالة بأسلوب عملي متميز. رشح نفسه لانتخابات البرلمان الأردني طمعا في الانطلاق في ميدان الخدمة العامة والتنمية. في حوالي عام 1956 أصدر بحثا عن عملية النهوض بالمجتمع المحلي باللغتين العربية والإنجليزية. كان عضوا في "المؤتمر الدائم لقضايا الوطن العربي".
1960 ـ 1961 استلم منصب ضابط ارتباط بين وكالة الغوث والحكومة الأردنية ومديرا للعلاقات العامة في رئاسة الوكالة. وتوفي 1961 /6 /4 بالسكتة القلبية، وهرع الناس من جميع أنحاء فلسطين للإعراب عن حزنهم العميق.
اشتهر حسن مصطفى بالجرأة الأدبية والمثالية في القول والفكر والسلوك والتمسك بالمبادئ والأخلاق، ورفضه للإغراءات المادية والمعنوية التي أتيحت له في الخارج، فقد عرضت عليه منظمة اليونسكو أن يكون في المجلس الدائم لليونسكو في باريس، فرفض مغادرة الوطن، وقال " منفعتي تبدأ من تحت قدمي أولا". وقد قيمت اليونسكو تجربته في بتير وقارنتها بتجاربها في سرس الليان (مركز التربية الأساسية في العالم العربي). وقد أكدت على أنها أكثر نجاحا وإبداعا، وقدرت قيمة الإنجازات بـ (9 ملايين دولار) في ذلك الوقت.
مساهم رائد في التنمية والثقافة
يعتبر حسن مصطفى رائدا في تنمية المجتمع وتطوير الإنسان والثقافة والبيئة في فلسطين والأردن منذ بدأ نشاطه في نادي الاتحاد القروي عام 1945 الذي أسسه مجموعة من مثقفي الريف الفلسطيني في منطقة القدس. بعد نكبة 1948 عمل على تثبيت الأرض في قريته ومنع الهجرة بل إعادة المهاجرين إلى بيوتهم وأراضيهم وقريتهم، والصمود لحل المشكلات، وقاد عملية النهوض بمجتمعه وتنميته في أصعب الظروف إلى أن أصبحت بتير القرية النموذجية في الشرق الأوسط. كان حسن يعمل دائما على ترسيخ مبدأ العونة والعمل التطوعي في سبيل المصلحة العامة، وعلى إيجاد حياة تعاونية تضامنية، وتوفير فرص العمل في المشاريع المختلفة ورعاية الإنسان، وبقاء شخصية الأفراد والتربية والتعليم، والاهتمام بالمرأة وتعليمها ومشاركتها في التنمية والبرامج التربوية والثقافية. يضاف إلى هذه الإسهامات إسهاماته التربوية باهتمامه بفتح المدارس خاصة للفتيات حيث إنه:
• كان أول من تبنى تعليم البنات؛ فقد أسس في قريته مدرسة للبنات في 1952/2/6 وكان ذلك حجر الأساس للاسعافات الأولية والمهارات اليدوية والفرق الكشفية والمكتبة والإذاعة المدرسية والمواضيع المهنية… • ولأن جذور حسن مصطفى كانت في الأرض؛ فقد حافظ على تراث الأجداد واهتم بالزي الشعبي، وافتتح في عام 57 مركزا للخياطة ومن أقواله في ذلك "إننا نكبر أمثال هؤلاء النسوة، هذه الثقة بالنفس، والاعتزاز القومي الذي صمد أمام الموضات وجنون الأزياء، إنها النفس الأصيلة التي ترى الحضارة والسعادة في الرقي الحقيقي، والتقدم الحقيقي مع الارتباط والاعتزاز بالطابع الإقليمي "فلندعم اعتزازنا باللباس القومي بروح التقدم الحقيقي".
انتاجه الكتابي: على الرغم من مسؤوليات الأستاذ حسن مصطفي الكثيرة والمتنوعة إلا أنه قام بإنتاج العديد من المقالات والخواطر والكتب في مجالات متنوعة منها: - مقالات عن الغناء الشعبي في فلسطين والأردن والعراق - مذكرات التعاون المعنونة "هل عاونت" الذي صدر في العام 1958 - كتاب "خطرات ريفية" صدر عام 1945 - كتاب "شخصيات" الذي صدر عام 1948 - كتاب "ثماني سنوات من النهوض بالمجتمع المحلي" صدر بالانجليزية.
من أقوال
"إن القيم الكبرى لا يمكن حسابها بالدينار، وإذا حققوا المعجزات فذلك يعود إلى روح التعاون بينهم" " السياسة هي أن تقول ما لا تعني، وتعمل ما لا تقول" "أنا فلسطيني ابن فلسطيني إلى ما شاء الله"
ومن مقالاته مقال بعنوان عكازان! يقول فيه:
" يسير هذا البلد الطيب والأقطار العربية الشقيقة في حركة إصلاحية عرفت "بالنهوض بالمجتمعات المحلية" أو "الإصلاح الريفي"، كما ترجمت، خطأ، وأقاموا لهذه الحركة مراكز تدريبية بين محلي ودولي، كما وضعوا المناهج للتدريب.
وقوام هذه الحركة كما يبدو وكما هي سائرة الآن في أنحاء الشرق العربي، بمناخها وتدريبها وسيرها في الإصلاح، عكازان رئيسيان،... هذان العكازان هما "القيادة" و "الإرشاد". "والإرشاد" يعني النصح؛ الفني منه وغير الفني، والنصح بالتالي يعني "حكي" و"القيادة" تعني الإيحاء والإشراف والتوجيه وبالتالي "الوجاهة" و"الحكي" و"الوجاهة" من عقد مجتمعنا المزمنة.
فنحن مرشدون وفصحاء بالسليقة وبدون تدريب، وغالبيتنا "كالديك الفصيح في البيضة يصيح" ومعظمنا بطبعه مصاب بعقدة القيادة، وكلنا يبغي كما قال الشاعر "فتى ساد عشيرته أمردا".
فالبدء بهذين العكازين: "الإرشاد" و"القيادة" وإظهار أهميتهما وتركيز التدريب عليهما إن هو إلا زيادة في تعقيد العقدة النفسية الشائعة عندنا، والواقع أننا أحوج ما نكون إلى العمل لا إلى القيادة، وإلى الخدمة لا إلى الإرشاد، وأحوج ما نكون إلى مراكز تدريب تخرج "عمالا" اجتماعيين لا "قادة" وإلى خدمة ومساعدة لا إلى إرشاد.
وإننا في حاجة قصوى إلى تأكيد هاتين الناحيتين"العمل والخدمة" والسير بهما، ثم بالتالي نحتاج إلى الإرشاد والقيادة بنسبة توفر العمل والخدمة. ونرجو أن تصل مراكز التدريب إلى هذه النتيجة بعد هذه الفترة الطويلة من التجارب!
إعداد
د. هديل قزاز