«حكاية منصور بن ناصر»: الفرق بين المراجعتين
(أنشأ الصفحة ب' لقد تناول القصص العربي - فيما تناول -عاطفة الحب ، والطابع النفسي لهذا اللون من القصص ، ما بر...') |
|||
سطر ١: | سطر ١: | ||
− | + | لقد تناول القصص العربي - فيما تناول -عاطفة الحب ، والطابع النفسي لهذا اللون من القصص ، ما برح خاضعاً لمؤثرات في حياة الشرق ، وأوضاع في مجتمعه الخاص هنالك مأساة الفتاة التي يزفها اهلها الى غير من تحب كرها لفقدان حقها في اختيار الزوج ، كما جرت العادات والتقاليد . | |
− | + | ||
+ | ويتصل بذلك إيثار ولاة أمر الزوجة لابن العم ، أو نحوه من ذوي القربى … أو الغني الذي علت به الألسن أو غيره من صنوف الناس ، على غير رضا من الزوجة ولا قبول . | ||
وهنالك ضروب من المآسي العاطفية يبدو فيها الحب فوّاراً ، يعبر عن ما في حياة الشرق من كبت وحرمان ، أساسه الحياء الغالب ، وما يسدله المجتمع الشرقي على العلاقات بين الرجال والنساء ، فهو يحد من اشتراك المرأة في الحياة الاجتماعية الا بقدر ، وهو يجعل من حواء شخصية ناعمة ، رقيقة - لم تخلق إلا للحب والهيام . | وهنالك ضروب من المآسي العاطفية يبدو فيها الحب فوّاراً ، يعبر عن ما في حياة الشرق من كبت وحرمان ، أساسه الحياء الغالب ، وما يسدله المجتمع الشرقي على العلاقات بين الرجال والنساء ، فهو يحد من اشتراك المرأة في الحياة الاجتماعية الا بقدر ، وهو يجعل من حواء شخصية ناعمة ، رقيقة - لم تخلق إلا للحب والهيام . | ||
مصداقاً لقول الشاعر العربي : | مصداقاً لقول الشاعر العربي : | ||
+ | |||
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول | كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول | ||
− | + | ||
+ | |||
+ | فهذا الطابع من الكبت والحرمان في مجتمعنا الشرقي ، أصار غريزة الحب في أدبنا القصصي لوناً من المناجاة ، والشكوى والعذاب وأجرى فيها منبعاً للمأسي والفاجعات . | ||
واحتبس المرأة في مخبأ عطر وهّاج، تتلهب حوله الأعناق ، وتحترقالأنفاس ، وتذوب القلوب ، فكأنما ما برحت (شهرزاد) بطلة (ألف ليلة وليلة ) ، تتجدد على مسرح الزمن ، في مجتمع الشرق يوماً بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ! (1) . | واحتبس المرأة في مخبأ عطر وهّاج، تتلهب حوله الأعناق ، وتحترقالأنفاس ، وتذوب القلوب ، فكأنما ما برحت (شهرزاد) بطلة (ألف ليلة وليلة ) ، تتجدد على مسرح الزمن ، في مجتمع الشرق يوماً بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ! (1) . | ||
− | + | ||
− | أ- الفروسية التي تمتع بها العرب ، والتي كانت منبعاً للفضائل مثل الكرم ، والشجاعة، وحماية الجار، والصدق ، والنخوة ، والعفة ، والوفاء ، والتضحية ، وهذه دعائم الحب النبيل ، حب يكتنفه الحرمان ، ويطيب للمحب فيها العذاب | + | يرد الدكتور "محمد غنيمي هلال " ، ظاهرة هذا الحب الشرقي المثالي عند العرب الى عاملين اساسيين: (2) |
+ | |||
+ | أ- الفروسية التي تمتع بها العرب ، والتي كانت منبعاً للفضائل مثل الكرم ، والشجاعة، وحماية الجار، والصدق ، والنخوة ، والعفة ، والوفاء ، والتضحية ، وهذه دعائم الحب النبيل ، حب يكتنفه الحرمان ، ويطيب للمحب فيها العذاب . | ||
+ | |||
ب- انتشار الإسلام في المجتمع العربي : هذا الدين الذي هذّب العاطفة ، وضرب حولها جداراً من العفة ، وصون العرض ، والشرف . | ب- انتشار الإسلام في المجتمع العربي : هذا الدين الذي هذّب العاطفة ، وضرب حولها جداراً من العفة ، وصون العرض ، والشرف . | ||
− | |||
− | |||
− | |||
+ | ولعل حياة العربي في بيئته ، وتفاعله الثقافي ، والاجتماعي ، والاقتصادي في هذه البيئة ، قد حدد نوع الحب الذي يلائم هذه البيئة … فالمجتمع الذي عاشه العرب ، وأثروا ، وتأثروا به ، مجتمع رعوي زراعي بدائي ، يعتمد على عوامل البيئة في الانتاج ، ويبتعد كل البعد عن التكنولوجيا ، والتقنية ، ان هذا المجتمع كفيل بتقوية المعنويات والروحانيات في حياة العربي ، ويجعلة أكثر اهتماماً بالقيم ، والمعايير الاجتماعية ، وبالفضائل ، والحياة العاطفية . | ||
+ | |||
+ | من هنا فقد كان العرب فرساناً ايضاً ، في تجاربهم العاطفية ، وأبطالاً لحكايات الحب ، على مستوى الأدبين الرسمي والشعبي على حد سواء . فقيس وليلى هما أشهر رموز هذا الحب العفيف في صدر الإسلام . ومن قبلهم "ليلى والبّراق"، ثم عنتر وعبله قبل الإسلام . أما بعد هؤلاء فقد ظهر " عمر بن أبي ربيعة " - ملك الغزل -بلا منازع(3) . وقد حوت الكتب الأدبية العربية الكثير من هذه الحكايات ، ولعل أول هذه الكتب : " التيجان في ملوك حمير " وهو مكون من عدة حكايات حب ، أولها وأهمها : حكاية " مضاض الجرهمي ، ومي " وكتاب " الزهرة " لأبي بكر محمد بن داود الأصفهاني . وقد حاكاه ابن حزم الاندلسي في كتابه " طوق الحمامة". | ||
+ | |||
+ | ان حكاية " منصور بن ناصر " واحدة من قوافل هذه الحكايات العاطفية العربية … التي تزخر بالعاطفة والفروسية،وما نجم عنها من قيم وفضائل توجت بالتفاني ، والتضحية ، والفناء في سبيل إبقاء فكرة الحب مشتعله ، وقصصه باقية تنتقل من جيل لآخر، يتوارثها الآباء عن الأجداد ، وينقلونها للأبناء . وسنتناول في هذا الفصل تحليل هذه الحكاية الشعبية بكل ابعادها ، وعناصرها ، وما تمثله في زاوية الحب العاطفي العربي . | ||
+ | |||
+ | ==عناصر حكاية منصور بن ناصر== (4) | ||
+ | ===البيئة=== | ||
− | + | قصة الحب هذه يمكن أن تحدث في اي بيئة عربية بدون تحديد ، ولكن الرواه (5) يصرون أن مسرح هذه الحكاية هو قرية العطّاره (بالفتح مع تشديد الطاء ) بمعنى إكليل ، وكانت تعرف في العهد الروماني باسم (أتاروس) ، تقع في الجنوب من جنين بانحراف نحو الغرب، وتبعد عنها عشرين كيلومتراً ، وترتفع (325 متراً) عن سطح البحر ، بلغ عدد سكانها سنة 1961 حوالي 400 عربي ، يشربون من مياه الأمطار(6) ، ويبلغ عدد سكانها حالياً حوالي 1000 نسمة ، يعملون في الزراعة ، وفي قطاع الوظائف . | |
− | |||
− | |||
وإصرار هؤلاء الرواة على تحديد "العطاره " مسرحاً للحكاية، نابع من عدة دلائل ، وقرائن واسباب نوردها على النحو التالي :- | وإصرار هؤلاء الرواة على تحديد "العطاره " مسرحاً للحكاية، نابع من عدة دلائل ، وقرائن واسباب نوردها على النحو التالي :- | ||
− | + | ||
− | + | أ- توارث الآباء عن الأجداد هذه الحكاية ، وتبني السارد في كل هذه الأجيال قرية العطّارة ، بيئة لهذه الحكاية . | |
+ | |||
+ | ب- هناك قرينتان مكانيتان في القرية تشيران الى مكان سكن منصور ، ونجم بطلي الحكاية وهما :- | ||
+ | |||
- قصر منصور : بيت قديم من الطين والحجر على شكل (عقّاد ) وهو نمط معماري ساد فلسطين في القرن الماضي ، وتميز هذا العقد عن أمثاله ، بوحدة (تصريف مائي)، أقيمت كقنوات طينية داخل القصر ، مما ميز صاحب القصر ، وتلاءم مع نمط معيشته ، فمنصور كان يمثل الشخصية الأرستقراطية مقارنة مع مواطنيه(7). | - قصر منصور : بيت قديم من الطين والحجر على شكل (عقّاد ) وهو نمط معماري ساد فلسطين في القرن الماضي ، وتميز هذا العقد عن أمثاله ، بوحدة (تصريف مائي)، أقيمت كقنوات طينية داخل القصر ، مما ميز صاحب القصر ، وتلاءم مع نمط معيشته ، فمنصور كان يمثل الشخصية الأرستقراطية مقارنة مع مواطنيه(7). | ||
+ | |||
-بير "بحر" : بير روماني كبير لجمع مياه الامطار ، تابع للقصر ، يبلغ عمقه 15 متراً وقطره 14 متراً . وهذا البير الضخم كناية عن امتلاك منصور لوسائل الانتاج الزراعي، حيث امتلك الرجل مالاً ، وحلالاً ، جعله يتسنم الجاه والوجاهة في القرية(8): ويقول الموروث الشعبي في القرية أن هذا البئر قد شكل درع الأمن المائي للقرية في أيام الطوشات الإقطاعية التي كانت تحدث أيام الدولة العثمانية ، حيث كان الإقطاعي يرسل جواسيسه، ليروا مستوى الماء في البئر ، وبناءً على هذا المستوى ، يفكر رجال الإقطاع بتطويق البلده أو تأجيل الطوق فإن كان البئر مليئاً بالماء ، احجم الإقطاعي عن الغزو ، وإلاّ هجم ، وخرب، واخذ اسرى. | -بير "بحر" : بير روماني كبير لجمع مياه الامطار ، تابع للقصر ، يبلغ عمقه 15 متراً وقطره 14 متراً . وهذا البير الضخم كناية عن امتلاك منصور لوسائل الانتاج الزراعي، حيث امتلك الرجل مالاً ، وحلالاً ، جعله يتسنم الجاه والوجاهة في القرية(8): ويقول الموروث الشعبي في القرية أن هذا البئر قد شكل درع الأمن المائي للقرية في أيام الطوشات الإقطاعية التي كانت تحدث أيام الدولة العثمانية ، حيث كان الإقطاعي يرسل جواسيسه، ليروا مستوى الماء في البئر ، وبناءً على هذا المستوى ، يفكر رجال الإقطاع بتطويق البلده أو تأجيل الطوق فإن كان البئر مليئاً بالماء ، احجم الإقطاعي عن الغزو ، وإلاّ هجم ، وخرب، واخذ اسرى. | ||
+ | |||
3- تبني أهل البلدة للشعر في حكاية منصور ، واستخدام هذا الشعر في الأعراس والأفراح ، يغنون هذا الزجل ، والحدادي ، وهم على قناعه بأنهم يغنون لإبن بلدهم ، ولقريتهم . | 3- تبني أهل البلدة للشعر في حكاية منصور ، واستخدام هذا الشعر في الأعراس والأفراح ، يغنون هذا الزجل ، والحدادي ، وهم على قناعه بأنهم يغنون لإبن بلدهم ، ولقريتهم . | ||
+ | |||
4- شيوع المثل الشعبي في المنطقة : " الزين زين العطّارة " وهذا ورد في شعر منصور ، وتتناقله الشفاه ، من خلال الزجليه ، أو على شكل مثل نثري … ومما يدلل على مدى انتشار المثل ، حكى لي السارد (9) : "مر رجل غريب في القرية ، شاف نسوان قاعدات على عتبه دار ، ولا وحدي عليها العيـن ، فقللهن : ولـَوْ بقولـوا الزين زين العطـــّارة ، | 4- شيوع المثل الشعبي في المنطقة : " الزين زين العطّارة " وهذا ورد في شعر منصور ، وتتناقله الشفاه ، من خلال الزجليه ، أو على شكل مثل نثري … ومما يدلل على مدى انتشار المثل ، حكى لي السارد (9) : "مر رجل غريب في القرية ، شاف نسوان قاعدات على عتبه دار ، ولا وحدي عليها العيـن ، فقللهن : ولـَوْ بقولـوا الزين زين العطـــّارة ، | ||
+ | قصر منصور : هدم سنة 1980 وبني مكانه بيت جديد . قللهن: قال لهن | ||
− | |||
شاف : رأى | شاف : رأى | ||
+ | |||
والله ماني شايف الزين ، في وحده فيكن ، فردت عليه : " عليه الشريف " : يا خوي : إحنا الخَدّامات ، والزين اللي بقولوا عليه مظبوب في الدور ومسكر عليه .. وانطلاق المثل ، وانتشاره جاء من وحي الحكاية ، وتحديداً من جمال نجم، من باب تغليب الجزء على الكل ، أو كأن جمال نجم عطر فوّاح ، انتشر في المكان وعلى كل السكان ، في إطار من الحب العاطفي الملحمي. | والله ماني شايف الزين ، في وحده فيكن ، فردت عليه : " عليه الشريف " : يا خوي : إحنا الخَدّامات ، والزين اللي بقولوا عليه مظبوب في الدور ومسكر عليه .. وانطلاق المثل ، وانتشاره جاء من وحي الحكاية ، وتحديداً من جمال نجم، من باب تغليب الجزء على الكل ، أو كأن جمال نجم عطر فوّاح ، انتشر في المكان وعلى كل السكان ، في إطار من الحب العاطفي الملحمي. | ||
5- يطلق اسم " ناصر " على إحدى العائلات في البلدة ، وتشكل هذه العائلة ما نسبته 25% من سكان القرية ، بينما تشكل عائلات : حنتولي ، ورابعه ، ونمر ، وابو دياك ، وخنفر ، وأبو علبه ، النسبة الباقية ، ولعل منصور هو أحد افراد هذه العائلة ، وهذا ما يستدل عليه من التسمية … | 5- يطلق اسم " ناصر " على إحدى العائلات في البلدة ، وتشكل هذه العائلة ما نسبته 25% من سكان القرية ، بينما تشكل عائلات : حنتولي ، ورابعه ، ونمر ، وابو دياك ، وخنفر ، وأبو علبه ، النسبة الباقية ، ولعل منصور هو أحد افراد هذه العائلة ، وهذا ما يستدل عليه من التسمية … | ||
+ | |||
6- يقول الموروث الشعبي في القرية(10): في سنة من السنين كانت البلده مدينة ضريبياً ، لأحد الإقطاعيين ، ولم يكن باستطاعة البلده تسديد ما عليها من دين ، ولما كان الإقطاعي قد سمع عن جمال نجم ، اشترط على الناس في القرية ، أن يروه نجماً ويعفيهم من مديونيتهم ، وهكذا كان . رأى الإقطاعي نجماً ، وقد مرت من أمامه ، وأعفى البلده من دينها . | 6- يقول الموروث الشعبي في القرية(10): في سنة من السنين كانت البلده مدينة ضريبياً ، لأحد الإقطاعيين ، ولم يكن باستطاعة البلده تسديد ما عليها من دين ، ولما كان الإقطاعي قد سمع عن جمال نجم ، اشترط على الناس في القرية ، أن يروه نجماً ويعفيهم من مديونيتهم ، وهكذا كان . رأى الإقطاعي نجماً ، وقد مرت من أمامه ، وأعفى البلده من دينها . | ||
− | + | ||
− | ماني شايف الزين : اي لا أرى جمالاً | + | وسواء أصحت هذه الدلائل ، وحددت بيئة الحكاية في قرية العطّاره ، أم لم تصح ، فإننا نستطيع تخيل بيئة الحكاية ، من وحيها ، وهي بالقطع بيئة زراعية بسيطة ، اعتمدت على الرعي بدليل أن البطل كان ماني شايف الزين : اي لا أرى جمالاً |
+ | |||
لا وحدي عليها العين : كناية عن بشاعتهن عليه الشريف : مواطنة من القرية توفيت سنة 1979 مظبوب : مخزون | لا وحدي عليها العين : كناية عن بشاعتهن عليه الشريف : مواطنة من القرية توفيت سنة 1979 مظبوب : مخزون | ||
+ | |||
راعياً لحلال القرية ، وهذه البيئة كانت قليلة السكان ، حيث استطاع أربعون فارساً - كما تقول الحكاية _ تنفيذ ما أرادوا في غزو البلده ، وخطف نجم ، دون ان يحرك السكان ساكناً ، ودون أدنى مقاومة منهم . | راعياً لحلال القرية ، وهذه البيئة كانت قليلة السكان ، حيث استطاع أربعون فارساً - كما تقول الحكاية _ تنفيذ ما أرادوا في غزو البلده ، وخطف نجم ، دون ان يحرك السكان ساكناً ، ودون أدنى مقاومة منهم . | ||
− | + | ||
− | + | ===البطل=== | |
− | أمر ثانٍ يثير مزيداً من الانتباه ، وهو خروج بداية الحكاية عن المنحى التقليدي للحكايات الشعبية، -خصوصاً الريفي منها - حيث لم نجد بطلاً فقيراً، أو مظلوماً(11) ، وانما وجدنا منصوراً ، صاحب عز وجاه ، يملك مالاً، وحلالاً ، وجدنا أميراً غير متوج . يتمتع بمستوى اجتماعي رفيع ، ومستوى اقتصادي ارفع ، يدعم هذين المستويين ، فروسيته ، وشهامته ، وكرمه ، فالبطل يتطوع أن يرعى "عجّال* " القرية مجاناً ، وهذه شهادة تؤهله أن يكون الأقوى في مجتمعه ، حيث حماية العجّال زمن " الحرمنه " واللصوصية تستدعي فارساً قوياً مثل منصور ، كريماً خيّراً يعمل بلا مقابل، في زمنٍ " عز فيه القرش " ، يفتح | + | |
− | + | أول ما يلفت الإنتباه ، هو الإيحاء المنبعث من إسمي بطلي الحكاية . الا يوحي اسم البطل منصور بن ناصر ، بالفوز والنصر ، ومهما خاض هذا البطل من صراعات ؟! كذلك الأمْر في اسم البطلة نجم : يوحي بالجمال المتلآليء ، والعلو ، والسمو ، والتميز ، فعنوان الحكاية ينبي بموضوعها ولا يعطي مجالاً للشك في ان هذا العنوان هو مقدمة قصة حب عاطفية . | |
− | + | أمر ثانٍ يثير مزيداً من الانتباه ، وهو خروج بداية الحكاية عن المنحى التقليدي للحكايات الشعبية، -خصوصاً الريفي منها - حيث لم نجد بطلاً فقيراً، أو مظلوماً(11) ، وانما وجدنا منصوراً ، صاحب عز وجاه ، يملك مالاً، وحلالاً ، وجدنا أميراً غير متوج . يتمتع بمستوى اجتماعي رفيع ، ومستوى اقتصادي ارفع ، يدعم هذين المستويين ، فروسيته ، وشهامته ، وكرمه ، فالبطل يتطوع أن يرعى "عجّال* " القرية مجاناً ، وهذه شهادة تؤهله أن يكون الأقوى في مجتمعه ، حيث حماية العجّال زمن " الحرمنه " واللصوصية تستدعي فارساً قوياً مثل منصور ، كريماً خيّراً يعمل بلا مقابل، في زمنٍ " عز فيه القرش " ، يفتح ديوانه،ومضافته للناس وللشعاّر يسهرون ، ويسمرون ، ويغنون فيها ، تحت عباءة البطل . ولعل كل هذه المؤهلات هي التي دفعت الناس لمحبة البطل ، والتعاطف معه في كل محنة - كما نلحظ من مجمل الحكاية - فالبطل ليس فقيراً -أو عادياً - كما هي غالب الحكايات الشعبية - يصارع من أجل الوصول، بل تبدأ الحكاية ببطل مميز ومع تميز هذا البطل ، الإّ أن الحكاية لا تحكي قصة اصله ، وفصله ، وإنما أجملت ذلك، ببطل غني ، نشأ يتيماً في كنف أمَّ ارملة . وشب فارساً ، ومن خلال الحكاية نستقرئ صفات أخرى لمنصور ، كالذكاء، والدهاء والمهارة في التجارة . | |
− | + | ||
− | + | ويتقاسم بطولة الحكاية مع منصور مناصفة البطلة " نجم" ونجم في الحكاية تظهر ايضاً بشكل غير تقليدي ، فهي ليست " سندريلا " جميلة مدلله ، تنتظر " الخطاب" ، ويجبرها أهلها على الزواج حسب أهوائهم : بل "نجم " في الحكاية ، بطلة جميلة ، تحب ، وتكره ، وتستطيع تحديد مستقبلها مع من تحب ، وتناضل بطريقتها لكي تصل للحبيب ، ولا تنتظر الأقدار تلعب بها ، انها تختلف مثلاً عن بطلات حب كثيرات ، مثل " ليلى قيس " ، التي أبعدها أهلها عن الحبيب ، وزوجوها على أهوائهم - خوف الفضيحة - ، ولم تملك "ليلى" غير دموعها ، وتوسلاتها الصامته ، سلاحاً للقرب من الحبيب ، وهذه الطريقة السلبية لم تجد نفعاً أما القيم والمعايير العربية ، ومفاهيم القبيلة أو العشيرة . | |
+ | |||
+ | تشير الحكاية الى فاعلية نجم ، في عرضها عاطفتها على منصور ، في أول لقاء ، وتلك الحيلة التي ابتدعتها نجم للوصول الى قلب منصور ، من أول لقاء (حيلة حمل الغداء له)-(12) ، كذلك تفاعلها بإيجابية مع حيلة منصور (الشيخ ) ، ومساعدته على خطفها ، ونرى كيف خرجت من ورطتها مع الإقطاعي بشكل يصون عفتها ، وشرفها ، وتزداد هذه الفاعلية باشتراكها بالسيف في معركة مرج ابن عامر ، بين منصور والفرسان ، من هنا فنحن أمام بطلين ، واقعيين ، غير تقليديين ، يستطيعان أن يسطرا لا حكاية حب مسطحة فحسب ، بل رواية حب ، أو ملحمة عاطفية تدور دوران الأجيال ، والسنين ، والأيام. | ||
+ | |||
+ | وكما أن الحكاية لم تهتم ، بمولد ، ونشأة البطلين ، وإنما انصب اهتمامها على فترة البلوغ والعبور الى النضج والزواج ، كذلك فإنها لم تهتم بالأبطال الآخرين ، واعتبرتهم هامشيين ، وظفوا فقط كديكور للحكاية ، أو لوصل بعض الأحداث ببعضها، وتسير القصة على امتداد زمانها ، لبلوغ غايتها ، فأم منصور مثلاً : تطل علينا في حزنها على ولدها العاشق ، حين رحل عنه المحبوب ، ونراها في إطلاله ثانية تكرم ضيوف منصور (الشعار). | ||
+ | |||
وثالثة كجزء هامشي مكمل في قضية (نجم وحاكم كفر راعي ) ، ولا يعود لها فاعية او ذكر بعد ذلك ، بل تغيب أو تغيب ، فلم نراها تتفاعل التفاعل المناسب ، أثناء خطف نجم من بيت زوجها ، ولم نراها مثلاً تسأل عن نتيجة معركة خاضها ولدها مع اربعين فارساً ، فلم تسافر مثلاً ، ولم تعمل اي حيلة لتعرف ، هل ما زال ابنها حياً أم لا . | وثالثة كجزء هامشي مكمل في قضية (نجم وحاكم كفر راعي ) ، ولا يعود لها فاعية او ذكر بعد ذلك ، بل تغيب أو تغيب ، فلم نراها تتفاعل التفاعل المناسب ، أثناء خطف نجم من بيت زوجها ، ولم نراها مثلاً تسأل عن نتيجة معركة خاضها ولدها مع اربعين فارساً ، فلم تسافر مثلاً ، ولم تعمل اي حيلة لتعرف ، هل ما زال ابنها حياً أم لا . | ||
− | + | ||
− | + | كذلك الأمر بالنسبة للأبطال الآخرين ، فسكان قرية ، لا نرى فاعليتهم إلاّ في تهجير أهل القرية . وبعد ذلك يغيبوا ، أو يقفوا سلبيين . ولا يختلف الوضع بالنسبة ، لأهل نجم ، او الفرسان الأربعين ، أو البراك، أو حتى الحاكم الإقطاعي ، فكل بطل من هؤلاء ، يرسم له أن يري وجهه وفاعلية محدودة ، وبعدها ينتهي دوره ، وتكمل الحكاية مسيرتها . | |
− | + | ||
− | + | يعلل د. شريف كناعنه (13) ظاهرة ظهور الأبطال واختفائهم في الحكاية الشعبية بقوله: " في الأساطير الشعبية ، كما في معظم الحكايات الشعبية ، هناك دائماً ميل لوضع شخصيتين فقط على المسرح ، في وقت واحد . وفي أحيان كثيرة ، لا يكون في الحكاية كلها أكثر من شخصيتين ، والسبب هو أن الحكاية الشعبية تنقل عادة ، أو تصور صراعاً ، أو نزاعاً بين طرفين ، أو قوتين ، يمثل كل منهما شخص في وقت واحد " وتكون الشخصيات الأخرى في هذا الوضع هامشية ، أو ثانوية . ويكون حل النزاع - عادة - لصالح الطرف الذي خلق الحكاية ، أو ينتمي للوسط الذي أوجدها ، وفي هذا الحال يكون الحل أشبه بتحقيق أمنية . | |
− | + | ||
+ | |||
+ | إن هذا التعليل يتلاءم مع حكايتنا، فالهدف منها الوصول لغاية " لحمة قلبين " والقوة الأخرى التي تجابه هذه الغاية هي : مفاهيم العرب ، واستجابة هذه المفاهيم لمواقف العاطفة ، وقصص العشاق ، تحت راية القاعدة التي كانت تقول : " أن العاشقة يجب أن تتزوج إنساناً آخر ، غير عاشقها " تحت ذريعة الخوف من الفضيحة ، وصون الشرف ، والعفة ، لهذا كان وضع الحكاية ملائماً لظهور بطلين اثنين رئيسيين ، بينما يطل الأبطال الآخرين لحدث هامشي ما وينتهون او يغيبون . | ||
+ | ===الزمان=== | ||
+ | |||
+ | يتمثل عنصر الزمان في الحكاية في مفهومين :- | ||
+ | |||
الأول : زمن حدوث الحكاية . في اي عصر سياسي ، أو تاريخي . | الأول : زمن حدوث الحكاية . في اي عصر سياسي ، أو تاريخي . | ||
+ | |||
الثاني : كم من الزمن استغرقت هذه الحكاية ، أي الفترة الزمنية التي استغرقتها - كما يقول المثل الشعبي - " من طقطق للسلام عليكم " ، وهذا ما نعالجه في عنصر الأحداث ، لأنها القرينة الدالة على الزمن لمحاولة تحديد المفهوم الأول ، أي عصر حدوث الحكاية ، نحتكم لمعيارين اثنين : | الثاني : كم من الزمن استغرقت هذه الحكاية ، أي الفترة الزمنية التي استغرقتها - كما يقول المثل الشعبي - " من طقطق للسلام عليكم " ، وهذا ما نعالجه في عنصر الأحداث ، لأنها القرينة الدالة على الزمن لمحاولة تحديد المفهوم الأول ، أي عصر حدوث الحكاية ، نحتكم لمعيارين اثنين : | ||
− | المعيار الأول : | + | |
− | + | '''المعيار الأول :''' | |
− | أما المعيار الثاني : | + | |
+ | تحديد راوي ، أو سارد الحكاية(14)، حيث اشار صراحة أن الحكاية دارت أواخر العهد العثماني ، حيث سادت عمليات السرقة ، واللصوصية وكانت " الحرمنة " في تلك الفترة تعتبر نوعاً من الفروسية ، والمراجل . واذا أردنا ان نغامر أكثر ونحدد عبارة " أواخر العهد العثماني " فاننا نعتبر أن آخر قرنين من زمان الإمبراطورية العثمانية حيث ساد الإقطاع ، والفقر ، والجهل ،والقيم الاجتماعية السلبية ومنها مرجلة السرقة ، وظهور التعصب للعائلة ونفوذ الإقطاعي ، - هما زمن حدوث الحكاية وتداولها بين الناس ، وانتشارها . وبهذا يحتمل أن تكون احداث الحكاية قد دارت في أي وقت بين 1700-1900 . | ||
+ | |||
+ | '''أما المعيار الثاني :''' | ||
+ | |||
فهو الاحتكام لنظرية الجزيء (Motif ) (15) :- | فهو الاحتكام لنظرية الجزيء (Motif ) (15) :- | ||
− | + | ||
− | * من طقطق للسلام عليكم : أي من البداية للنهاية | + | وتتلخص هذه النظرية في أن الموروث الشعبي صيغ بواسطة أجيال عديدة متلاحقه كتعبير عن تفاعل الإنسان مع الطبيعة ، من جهة ، ومن تعامل الإنسان مع اخية الإنسان ،من جهة أخرى . |
− | + | * من طقطق للسلام عليكم : أي من البداية للنهاية وما الحكاية - كفرع من هذا الموروث - إلاّ بناء مكون من جزيئات (Motifs ) ولكل جيل من الأجيال ، جزيئاته المميزه له ، وتفاعل هذه الجزيئات ، والتي تمثل مراحل حضارية مختلفة ، وتشكيل علاقة بينها هو ما يسمى بالنمط . فلا عجب إذن أن نسمع في قصة واحدة : صورة للغول ، وصورة للعبادة والتدين ، (صوم ، صلاة ) مثلاً ، وصورة المدرسة والمعلم . وكل صورة من هذه الصور تنتمي لعصر حضاري معين ، يمكننا من تخمين الزمان التي سادت فيه هذه الصور . فالحكاية تبعاً لهذه النظرية عبارة عن منظومة من الاحداث ، صاغها أو قام بأحداثها بطل فرد واحد في زمان ومكان معينين ، ولكن الجماهير شاركت فيما بعد بصياغة الحكاية ، من خلال قبولها للحكاية ، وتعديل صورتها ، وتهذيب صياغتها لتناسب الذوق الشعبي ، قبل ان تتداولها الجماعة ،واثناء تداولها . | |
− | + | ||
+ | وقد تبدو هذه النظرية عاملاً من عوامل التشتيت في تحديد زمان الحكاية ، ولكنها أكثر ملاءمة لمفهوم الحكاية ، وتكونها، وانتشارها ، وسيرورتها . بالاضافة لذلك فإنها تتلاءم مع المنهج الاجتماعي في تحليل الحكاية ، ذلك المنهج الذي يعتبر الحكاية مرآة للمجتمع الذي انتجها ، ويهدف بالتالي للكشف عن صورة المجتمع صاحب الحكاية ، والوقوف على العوامل التي اثرت في تشكيل حياته(16) . | ||
ويظهر التحليل بهذا المنهج ، مفاهيم المجتمع، وقيمه ، وعاداته وتقاليده ، ومثله ومعاييره ، وعند استعراض جزيئات الحكاية ، ومحاولة تطبيق هذا المنهج عليها تتضح لنا الملامح التالية : | ويظهر التحليل بهذا المنهج ، مفاهيم المجتمع، وقيمه ، وعاداته وتقاليده ، ومثله ومعاييره ، وعند استعراض جزيئات الحكاية ، ومحاولة تطبيق هذا المنهج عليها تتضح لنا الملامح التالية : | ||
− | + | ||
+ | - سرقه العجّال : كما اسلفنا ، فإن السرقه انتشرت في فترة انحطاط الدولة العثمانية ، وتغيرت قيمة السرقه الرذيلة ، الى قيم من الرجولة ، والفروسية ، وذلك في ظل الفقر ، والقحط ، وفرض الضرائب ، والأتاوات على المزارعين ، وتحت نفوذ خيمة العائلية والاقطاع. | ||
+ | |||
-الشعّار (القصّاد) ، أو المداحون : ملمح من بقايا ملامح البداوة ، وظف في بيئة زراعية مستقرة ، واستخدمت " الربابة " كآلة موسيقية وترية شعبية لتساند الغناء الشعري ،ولعل ظاهرة (الحدّا ) ، أو الزجال ، وما يقوم به في الأعراس ، هو صورة أو امتداد لتلك الظاهرة والتي درست معالمها نتيجة لتطور حياة الناس وثقافتهم . | -الشعّار (القصّاد) ، أو المداحون : ملمح من بقايا ملامح البداوة ، وظف في بيئة زراعية مستقرة ، واستخدمت " الربابة " كآلة موسيقية وترية شعبية لتساند الغناء الشعري ،ولعل ظاهرة (الحدّا ) ، أو الزجال ، وما يقوم به في الأعراس ، هو صورة أو امتداد لتلك الظاهرة والتي درست معالمها نتيجة لتطور حياة الناس وثقافتهم . | ||
+ | |||
- المطحنة المائية : (بابور الطحين ) : آلات بدائية بسيطة ، تدار بواسطة الحيوان ، وبقوة الماء ، حيث يدور حجر كبير يؤدي دورانه الى طحن الحبوب المتواجدة تحته .. ظلت هذه الطريقة في طحن الحبوب مستمرة الى منتصف القرن الحالي تقريباً ، وهناك شواهد ما زالت ماثلة للعيان في منطقة الفارعة ، والباذان ، على هذه الأنواع من المطاحن ، فهناك بقايا المطحنة الميثلونية ، والياصيدية ، والطلوّزية وكثيراً ما وردت المطحنة(17) كمسرح لجزء من أحداث الحكاية الشعبية . والسبب في ذلك -في رأيي- لأنها كانت تمثل وسيلة إنتاج ضخمة، مقارنه مع وسائل الإنتاج البدائية في القرون التي سبقت القرن العشرين ، ونتيجة لإرتباط رغيف الخبز ، بالأمن الغذائي في تلك الحقب التاريخية ، وخصوصاً في ظل عهد العثمانيين، حيث فقد هذا الخبز والتقط الناس الحبوب من روث البهائم ايام " سفربرلك " وحروب الدولة العثمانية . | - المطحنة المائية : (بابور الطحين ) : آلات بدائية بسيطة ، تدار بواسطة الحيوان ، وبقوة الماء ، حيث يدور حجر كبير يؤدي دورانه الى طحن الحبوب المتواجدة تحته .. ظلت هذه الطريقة في طحن الحبوب مستمرة الى منتصف القرن الحالي تقريباً ، وهناك شواهد ما زالت ماثلة للعيان في منطقة الفارعة ، والباذان ، على هذه الأنواع من المطاحن ، فهناك بقايا المطحنة الميثلونية ، والياصيدية ، والطلوّزية وكثيراً ما وردت المطحنة(17) كمسرح لجزء من أحداث الحكاية الشعبية . والسبب في ذلك -في رأيي- لأنها كانت تمثل وسيلة إنتاج ضخمة، مقارنه مع وسائل الإنتاج البدائية في القرون التي سبقت القرن العشرين ، ونتيجة لإرتباط رغيف الخبز ، بالأمن الغذائي في تلك الحقب التاريخية ، وخصوصاً في ظل عهد العثمانيين، حيث فقد هذا الخبز والتقط الناس الحبوب من روث البهائم ايام " سفربرلك " وحروب الدولة العثمانية . | ||
+ | |||
-الحياة الدينية : تشي هذه الحكاية ، بملامح حياة إسلامية ، تظهر بطلب منصور يد نجم من أهلها على سنة الله ورسوله ، وتظهر ايضاً في تقمص منصور شخصية "خطيب" أو إمام ، يؤذن للصلاة في غير وقتها .. نستطيع بسهولة تبرير هذا (الموتيف) في حكاية منصور ، وذلك نظراً لشيوع الدين الإسلامي في شرقنا العربي ، ولكن العنصر الذي لا نستطيع تبريره بسهولة في الحكاية ، هو مسالة الخطف ، وتناقض * خطف الرجل لزوجته رغماً عن اهلها - مع مفاهيم وقيم الإسلام .ونجد كذلك أن أهل العطّارة ، (المجتمع الذي عاش فيه منصور)، لم يستنكر قضية الاختطاف هذه ، ولم يشجبها ، بل كان متعاطفاً مع البطل، فهل تلاءمت مسألة الخطف أيضاً مع المفاهيم والعادات والقيم العربية ؟… | -الحياة الدينية : تشي هذه الحكاية ، بملامح حياة إسلامية ، تظهر بطلب منصور يد نجم من أهلها على سنة الله ورسوله ، وتظهر ايضاً في تقمص منصور شخصية "خطيب" أو إمام ، يؤذن للصلاة في غير وقتها .. نستطيع بسهولة تبرير هذا (الموتيف) في حكاية منصور ، وذلك نظراً لشيوع الدين الإسلامي في شرقنا العربي ، ولكن العنصر الذي لا نستطيع تبريره بسهولة في الحكاية ، هو مسالة الخطف ، وتناقض * خطف الرجل لزوجته رغماً عن اهلها - مع مفاهيم وقيم الإسلام .ونجد كذلك أن أهل العطّارة ، (المجتمع الذي عاش فيه منصور)، لم يستنكر قضية الاختطاف هذه ، ولم يشجبها ، بل كان متعاطفاً مع البطل، فهل تلاءمت مسألة الخطف أيضاً مع المفاهيم والعادات والقيم العربية ؟… | ||
+ | |||
لالقاء مزيد من الضوء على مسألة الخطف هذه نضعها في مجال احتمالين :- | لالقاء مزيد من الضوء على مسألة الخطف هذه نضعها في مجال احتمالين :- | ||
الأول : | الأول : | ||
− | + | ان هذا الجزيء (الخطف) هو من مخلفات المعتقدات الأسطورية الأولى ، فكما تقول الدكتورة نبيلة ابراهيم " لم تكن الأسطورة - في الحقيقة - سوى وسيلة للتعبير عن صراع الإنسان مع نفسه ، ومع عالمه الخارجي في الوقت نفسه ، فلما مر الإنسان بعد ذلك بمرحلة حضارية تالية للمرحلة الأسطورية ، وانشغل بعالمه الأرضي الى حد كبير ، ظل الإنسان يعبر عن تجاربه الداخلية في شكل يتفق مع مزاجه الحضاري الجديد(18) إن عالم الغول ، والجن ، في الحكاية الشعبية زاخر باحداث الخطف، وإذا رجعنا إلى عالم الأساطير الأول حيث الماء ، والنار، والهواء، والتراب ، كانت أبطالاً فإننا نجد أيضاً أن عملية الاختطاف كانت تتم ببساطة - تمشياً مع سرد حكاية ، أو ربطاً لأحداثها ، أو حلاً لعقدة ما في الأسطورة… | |
وحسب هذا التحليل نجد مسألة (الخطف) في حكاية منصور ، قد حدثت بمنأى عن القيم الإسلامية ، أو العادات العربية ، وحدثت بشكل طبيعي غير مستهجن ، لأنها وليدة حقبة تاريخية لم تكن مستهجنة فيها. | وحسب هذا التحليل نجد مسألة (الخطف) في حكاية منصور ، قد حدثت بمنأى عن القيم الإسلامية ، أو العادات العربية ، وحدثت بشكل طبيعي غير مستهجن ، لأنها وليدة حقبة تاريخية لم تكن مستهجنة فيها. | ||
+ | |||
الثاني : | الثاني : | ||
− | + | " الخطف ليس عادة عربية ، ولكن قضية اختطاف الفتاة ، كانت عادة درجت عليها بعض الشعوب في الزواج ، أما بالاختطاف الفعلي ، وإما باجراء طقوس الزواج بتمثيل الاختطاف، كما هو الحال عند الجالية الشركسية في بلاد الشام(19) . وهذا يبين أن هذا | |
العنصر ليس عربياً ، وإنما هو وليد ثقافات غير عربية ، وتمازج مع الثقافه العربية نتيجة التاثر والتأثير . وهذا الاحتمال يتساوق مع قصصنا وحكاياتنا العاطفية العربية ، حيث لم نر اي ذكر للخطف في قصص قيس وليلى ، عروة وعفراء ، وعنتره وعبله …. الخ ولم يلجأ البطل لهذه الأداة ، وقد يكون قادراً عليها كما في حكاية عنترة مثلاً . | العنصر ليس عربياً ، وإنما هو وليد ثقافات غير عربية ، وتمازج مع الثقافه العربية نتيجة التاثر والتأثير . وهذا الاحتمال يتساوق مع قصصنا وحكاياتنا العاطفية العربية ، حيث لم نر اي ذكر للخطف في قصص قيس وليلى ، عروة وعفراء ، وعنتره وعبله …. الخ ولم يلجأ البطل لهذه الأداة ، وقد يكون قادراً عليها كما في حكاية عنترة مثلاً . | ||
− | + | ||
+ | يدرس "فون ديرلاين(20) " الاحتمال الأول في تحديد هذا الجزيء ، حيث يشير الى عادة (الخطف) بقولة : وكثيراً ما يختطف أبطال الحكاية الشعبية والخرافية الفتيات اللائي يتزوجون منهن ، ويقودونهن بعيداً عن اسرهن ، ولهذا يخفي الاباء بناتهم ، أو يكلفون خطابهن الذين يرغبون في الزواج منهن بواجبات تبدو غير ممكنة التحقيق وليس هذا مجرد خيال ، فعادة اختطاف العروس ترجع في الحقيقة الى عصر مبكر" . ولربما هذا العصر المبكر ، هو العصر الذي حددته الدكتورة نبيلة ابراهيم ، وهو العصر الأسطوري ، ومهما يكن من أمر ، فإن أحد الاحتمالين ، أو الاثنين مجتمعين قد يبرران هذه المسألة. | ||
+ | |||
-ماء الحياة : ينبي الايحاء الأولي لهذا الدواء ، على أنه نقيض الموت ، وتركز الحكاية الشعبية على فاعلية بطلها ، والفاعلية ايضاً هي نقيض الموت ، حيث يعني الموت في الحكاية الشعبية نهايتها . إن هذا الدواء الأسطوري الذي يعالج البطل ، وينقذه عادة من الموت ، نجده في مغامرات ابن الملك(21) . حيث الملك يقتل كل طبيب يعالج ابنته ، ولا يتحقق الشفاء على يديه ، إلى أن تأتي الحكاية بطبيب متصل (بنسر غول) ، فيأتي بهذا الدواء ويعطيه للطبيب الأخير ، وتشفى بنت الملك . | -ماء الحياة : ينبي الايحاء الأولي لهذا الدواء ، على أنه نقيض الموت ، وتركز الحكاية الشعبية على فاعلية بطلها ، والفاعلية ايضاً هي نقيض الموت ، حيث يعني الموت في الحكاية الشعبية نهايتها . إن هذا الدواء الأسطوري الذي يعالج البطل ، وينقذه عادة من الموت ، نجده في مغامرات ابن الملك(21) . حيث الملك يقتل كل طبيب يعالج ابنته ، ولا يتحقق الشفاء على يديه ، إلى أن تأتي الحكاية بطبيب متصل (بنسر غول) ، فيأتي بهذا الدواء ويعطيه للطبيب الأخير ، وتشفى بنت الملك . | ||
+ | |||
ان كل شبر في جسد نجم ، فيه ضربة سيف ، وجرح ينزف ، ولم يتركها المهاجمون إلاّ وقد ظنوا أنها ميته . وهنا تقف كل الأدوية عاجزة عن شفائها ، إلاّ دواء أسطوري واحد ، ألا وهو "دوامية الحياة " فيتوسل به السارد ، لكي تتناوله نجم بواسطة الطبيب (حكمون) ، وتشفى نجم ، وتعود لها فاعليتها ، لتستمر الحكاية .. وتربط الحكاية هذا الدواء الخرافي ، بحكمون ، وتميزه بأنه يهودي ، الا نلمح هنا تسلل الدهاء اليهودي ، الى مخيلة الموروث الشعبي ، ربما نلمح ذلك ، وربما لمحنا أيضاً ارتباط هذا الدواء السحري، بالخزعبلات ، وأدوات السحر، (والحجابات) التي تميز بها اليهود ، أو هكذا بدت في مخيلة الموروث الشعبي . | ان كل شبر في جسد نجم ، فيه ضربة سيف ، وجرح ينزف ، ولم يتركها المهاجمون إلاّ وقد ظنوا أنها ميته . وهنا تقف كل الأدوية عاجزة عن شفائها ، إلاّ دواء أسطوري واحد ، ألا وهو "دوامية الحياة " فيتوسل به السارد ، لكي تتناوله نجم بواسطة الطبيب (حكمون) ، وتشفى نجم ، وتعود لها فاعليتها ، لتستمر الحكاية .. وتربط الحكاية هذا الدواء الخرافي ، بحكمون ، وتميزه بأنه يهودي ، الا نلمح هنا تسلل الدهاء اليهودي ، الى مخيلة الموروث الشعبي ، ربما نلمح ذلك ، وربما لمحنا أيضاً ارتباط هذا الدواء السحري، بالخزعبلات ، وأدوات السحر، (والحجابات) التي تميز بها اليهود ، أو هكذا بدت في مخيلة الموروث الشعبي . | ||
+ | |||
-الثوب المختم باللولو: إذا كان العاشق يضحي بحياته من أجل معشوقته، فمن باب أولى أن يضحي بكل ما يملك في سبيلها ، إن الثوب المختم يضعنا أمام عنوانين الأول : مدى حب منصور لنجم ، وثانيهما وهو الأهم المستوى الاقتصادي الذي نعم به بطل الحكاية منصور ، في ظل مجتمع زراعي رعوي فقير ، ولرفع قيمة هذا الثوب - في الحكاية - إتصل بعنصرين مكاني ، وبشري غريبين عن بيئة البطل . | -الثوب المختم باللولو: إذا كان العاشق يضحي بحياته من أجل معشوقته، فمن باب أولى أن يضحي بكل ما يملك في سبيلها ، إن الثوب المختم يضعنا أمام عنوانين الأول : مدى حب منصور لنجم ، وثانيهما وهو الأهم المستوى الاقتصادي الذي نعم به بطل الحكاية منصور ، في ظل مجتمع زراعي رعوي فقير ، ولرفع قيمة هذا الثوب - في الحكاية - إتصل بعنصرين مكاني ، وبشري غريبين عن بيئة البطل . | ||
+ | |||
فالثوب النفيس لم يكن ابن بيئته ، بل سافر منصور لجلبه من (مصرالعديه ) ، وهذا في رأيي - رمز لمكانة مصر الرفيعة في البلاد العربية ، ولكن الغريب ، أن الثوب لم يكن من صناعة مصرية عربية ، بل كان صناعة أجنبية ، صنعه الخواجا ، وهذا في رأيي -رمز لمكانة الصناعة الأجنبية الرفيعة في عقلية العربي ، والتي ما زلنا نعاني منها حتى في وقتنا الحاضر . | فالثوب النفيس لم يكن ابن بيئته ، بل سافر منصور لجلبه من (مصرالعديه ) ، وهذا في رأيي - رمز لمكانة مصر الرفيعة في البلاد العربية ، ولكن الغريب ، أن الثوب لم يكن من صناعة مصرية عربية ، بل كان صناعة أجنبية ، صنعه الخواجا ، وهذا في رأيي -رمز لمكانة الصناعة الأجنبية الرفيعة في عقلية العربي ، والتي ما زلنا نعاني منها حتى في وقتنا الحاضر . | ||
+ | |||
راح عَ مصر العديه تا يجيب الثوب لحبابو | راح عَ مصر العديه تا يجيب الثوب لحبابو | ||
+ | |||
ما خللا ولا دكــان إلا وقف عَ بابو | ما خللا ولا دكــان إلا وقف عَ بابو | ||
+ | |||
إلاَ دكــان المتيم من العجل خلعلو بوابو | إلاَ دكــان المتيم من العجل خلعلو بوابو | ||
+ | |||
قام الخواجا مرتث محروق عظام الي جابو | قام الخواجا مرتث محروق عظام الي جابو | ||
+ | |||
شو بتؤمر يا منصور شو بدك لحبابو | شو بتؤمر يا منصور شو بدك لحبابو | ||
+ | |||
قللو بدي الثوب المختم باللولو لحد كعابو | قللو بدي الثوب المختم باللولو لحد كعابو | ||
+ | |||
قال الخواجا : تفضل يا منصور ريته مبارك ع صحابو | قال الخواجا : تفضل يا منصور ريته مبارك ع صحابو | ||
+ | |||
والخواجا متيم في حكاية منصور ، ليس بدعة جديدة ، بل نجد انواعا مختلفة من هذه العناصر غير العربية في ثنايا حكاياتنا ، والخواجا في الحكاية الشعبية ، غالباً ما ينظر اليه نظرة المغضوب عليه، لأنه يرمز إلى الإنسان المستغل ، المحتكر ، الذي يتاجر بكل شيء حتى بشرفه ، من أجل كسب المال ، وهذه النظرة (الميكيافيلية) هي التي جعلت منصوراً يشتمه مثلاً : "محروق عظام اللي جابو " .. ، والخواجا (مرتث) أي خائف لا يحرك ساكناً ، نتلمس هنا أن لسان حال منصور يقول : خذ غايتك من المال -يا من تحب المال حباً جماً -وأعطني حاجتي .. | والخواجا متيم في حكاية منصور ، ليس بدعة جديدة ، بل نجد انواعا مختلفة من هذه العناصر غير العربية في ثنايا حكاياتنا ، والخواجا في الحكاية الشعبية ، غالباً ما ينظر اليه نظرة المغضوب عليه، لأنه يرمز إلى الإنسان المستغل ، المحتكر ، الذي يتاجر بكل شيء حتى بشرفه ، من أجل كسب المال ، وهذه النظرة (الميكيافيلية) هي التي جعلت منصوراً يشتمه مثلاً : "محروق عظام اللي جابو " .. ، والخواجا (مرتث) أي خائف لا يحرك ساكناً ، نتلمس هنا أن لسان حال منصور يقول : خذ غايتك من المال -يا من تحب المال حباً جماً -وأعطني حاجتي .. | ||
− | ويبدو (خواجا) آخر ، في حكاية أم المصائب(22) ، تستخدمة البطله مطية ، كي تبرهن لابليس أنها أقوى منه ، وملخص الحكاية : أن امرأة تحدت إبليس في قوتها ، وادعت أنها أقوى منه .. فقام ابليس لتوه وفتن زوجين سعيدين بحياتهما ، وأدت الفتنة الى طلاق .. وعاد ابليس الى المرأة مفتخراً بعمله ، وحيلته ، التي اودت الى طلاق الزوجين . واعتقد أنه منتصر لا محاله . وما كان من المرأة إلاَ ان ذهبت الى الخواجا التاجر الداهية ، (الذي أكل البلد وشربها) وادعت ان ابنها يحب فتاة ، وأنها تريد شراء منديل لها من دكانه ، لكي يهديه ابنها لفتاته، وهنا يشعر الخواجا بمدى حاجة المرأة للمنديل ، فيبالغ في ثمنه ، تدفع المرأة | + | |
− | ثمن المنديل، وتضع عليه علامة على مرآى من الخواجا ، ثم تذهب الى بيت الخواجا ، وتطلب من زوجته ماءً كي تشرب ، وتستريح من عناء السفر ، وتذهب الزوجة لاحضار الماء، فتضع المحتاله المنديل تحت وسادة الخواجا ، تخرج المرأه من البيت ، ويرجع الخواجا، ويجد المنديل الذي باعه تحت وسادته ، فيطلق زوجته ، ويقعد مهموماً حزيناً ، وفي اليوم التالي ترجع المرأة لبيت الخواجا ، مدعية ، أنها مرت بالبيت ، واستراحت فيه ، ونسيت منديلها ، فيعرف الخواجا أنه أخطأ في حق زوجتة ، وتتطوع المرأة بإرجاع الزوجة لبيت الزوجية من بيت أهلها ، وهكذا كان ، وفازت المرأة على ابليس ، حيث دمّر ابليس بيتاً ، بينما هي دمرت بيتاً وكانت قادرة على إصلاحه مرة ثانية . | + | ويبدو (خواجا) آخر ، في حكاية أم المصائب(22) ، تستخدمة البطله مطية ، كي تبرهن لابليس أنها أقوى منه ، وملخص الحكاية : أن امرأة تحدت إبليس في قوتها ، وادعت أنها أقوى منه .. فقام ابليس لتوه وفتن زوجين سعيدين بحياتهما ، وأدت الفتنة الى طلاق .. وعاد ابليس الى المرأة مفتخراً بعمله ، وحيلته ، التي اودت الى طلاق الزوجين . واعتقد أنه منتصر لا محاله . وما كان من المرأة إلاَ ان ذهبت الى الخواجا التاجر الداهية ، (الذي أكل البلد وشربها) وادعت ان ابنها يحب فتاة ، وأنها تريد شراء منديل لها من دكانه ، لكي يهديه ابنها لفتاته، وهنا يشعر الخواجا بمدى حاجة المرأة للمنديل ، فيبالغ في ثمنه ، تدفع المرأة ثمن المنديل، وتضع عليه علامة على مرآى من الخواجا ، ثم تذهب الى بيت الخواجا ، وتطلب من زوجته ماءً كي تشرب ، وتستريح من عناء السفر ، وتذهب الزوجة لاحضار الماء، فتضع المحتاله المنديل تحت وسادة الخواجا ، تخرج المرأه من البيت ، ويرجع الخواجا، ويجد المنديل الذي باعه تحت وسادته ، فيطلق زوجته ، ويقعد مهموماً حزيناً ، وفي اليوم التالي ترجع المرأة لبيت الخواجا ، مدعية ، أنها مرت بالبيت ، واستراحت فيه ، ونسيت منديلها ، فيعرف الخواجا أنه أخطأ في حق زوجتة ، وتتطوع المرأة بإرجاع الزوجة لبيت الزوجية من بيت أهلها ، وهكذا كان ، وفازت المرأة على ابليس ، حيث دمّر ابليس بيتاً ، بينما هي دمرت بيتاً وكانت قادرة على إصلاحه مرة ثانية . |
− | + | ||
− | + | " وخواجا حكاية بائع الماء" مظهر آخر من مظاهر الطمع ، والجشع ، والاستغلال وحب المال ، فالسقا عزم الأمير عَ جوز حمام ، وقبل تناول الطعام سأل الأمير : أي جزء من الحمام ألذ ؟.. أجاب السقا : الجلد ، فأكل الأمير جلد الحمام ، وطاب له المذاق ، فأنعم على السقا ، واصبح السقا غنياً .. | |
+ | |||
+ | ويسمع الخواجا التاجر ، القصة ، فيعزم الامير على جاموس ، وذلك لمزيد من الكسب المالي ، وهنا يسأل الأمير قبل تناول الطعام : أي جزء من الجاموس الذ ؟.. فيسارع | ||
الجشع ، وكل تفكيره وهمه بالمصاري ، الجلد .. ويحاول الأمير أكل الجلد ، ولكن لا يستطيع ذلك ، فيأمر بمصادرة أملاك الخواجا ، وسجنه .. | الجشع ، وكل تفكيره وهمه بالمصاري ، الجلد .. ويحاول الأمير أكل الجلد ، ولكن لا يستطيع ذلك ، فيأمر بمصادرة أملاك الخواجا ، وسجنه .. | ||
− | + | ||
− | السقا: بائع الماء. | + | ان هذا الجزيء في الحكاية، ينبي - بلا أدنى شك - عن نوع من العنصرية والاستعلاء العربيين ، مقابل العناصر غير العربية ، فخواجا منصور خائف ، (ومحروق عظام اللي جابو) ، بينما نرى الخواجا بلهجة التذلل ، يسأل شو بتؤمر يا منصور، ويجامل منصوراً (تفضل يا منصور)، فيجيب منصور : (بدي) بلهجة الأمر ، المرتكزة على ما يريده الخواجا من مال . |
− | جوز: زوج | + | |
+ | السقا: بائع الماء. عزم: دعا عَ: على | ||
+ | جوز: زوج مصاري: مال | ||
ونرى (الخواجا) في غالب الحكايات الشعبية ، صاحب صنعة ، وهذا ما يسقط نفسه على طبيعة مجتمع منصور ، والذي خلا من وسيلة الانتاج الصناعية هذه ، وظل يسير في بوتقة المجتمع الزراعي العاجز عن صناعة ثوب مختم باللولو . | ونرى (الخواجا) في غالب الحكايات الشعبية ، صاحب صنعة ، وهذا ما يسقط نفسه على طبيعة مجتمع منصور ، والذي خلا من وسيلة الانتاج الصناعية هذه ، وظل يسير في بوتقة المجتمع الزراعي العاجز عن صناعة ثوب مختم باللولو . | ||
+ | |||
-المغارة (الكهف): توحي فكرة سكن الكهوف بأيام ، الرومان ، والفرس ، فكثير من الكهوف التي وجدت في فلسطين ، تبين أنها تنتمي لأحد هذين العصرين ، والمغاره في حكاية منصور ، لا تعني سكناً ، بقدر ما تمثل تكيف الإنسان وتأقلمه مع وضع جديد ، فاذا خرج من بيته ، ونتيجة لظرف ما فإنه يسكن في أي مكان ، تحت صخره ، أو في مغاره ، أو حتى في الفلاه ، وإقامة منصور في المغاره كان نتيجة لمعركة كادت تودي بحياة حبيبته ، فأنسب مكان لعلاجها ، بعيداً عن الأعين ، هو هذه المغاره . | -المغارة (الكهف): توحي فكرة سكن الكهوف بأيام ، الرومان ، والفرس ، فكثير من الكهوف التي وجدت في فلسطين ، تبين أنها تنتمي لأحد هذين العصرين ، والمغاره في حكاية منصور ، لا تعني سكناً ، بقدر ما تمثل تكيف الإنسان وتأقلمه مع وضع جديد ، فاذا خرج من بيته ، ونتيجة لظرف ما فإنه يسكن في أي مكان ، تحت صخره ، أو في مغاره ، أو حتى في الفلاه ، وإقامة منصور في المغاره كان نتيجة لمعركة كادت تودي بحياة حبيبته ، فأنسب مكان لعلاجها ، بعيداً عن الأعين ، هو هذه المغاره . | ||
− | + | ||
+ | وردت المغارة في كثير من الحكايات الشعبية التي تظهر التحدي والقوة ، والحكاية التي وردت في (قصص شعبية فلسطينية ) (23) ، وحكايات جان من بني زيد(24) ، والتي تدور حول رهان بين الشباب الاقوياء ومن باستطاعته منهم دقّ وتد ليلاً في مغارة معروفة لهم، فيسرع أكثرهم شجاعة حاملاً وتده ، ليدقه في المغارة ، وهناك يدق الشجاع الوتد في جزء من ثيابه وفي الأرض ، فيثبت الوتد الرجل عندما ينوي الانصراف ، وقد أنهى مهمته ، وعندها يظن الرجل ان الجن امسكت به .. وينهار من الخوف ….. وتظهر هذه الشجاعة بشكل | ||
آخر، في قدره منصور على التاقلم في هذه المغاره ، وتعزز صورة الشجاعة هذه قوة منصور بإغلاق باب المغارة ، بالصخرة الكبيرة ، التي لا يستطيع رفعها إلا البطل ولم تكن المغاره والسكن بها ، والتكيف بهذا السكن ، المكان الوحيد ، لتحدي قدرة أبطال الحكايات الشعبية ، ولنسمع ما قاله صاحب الجفرا: | آخر، في قدره منصور على التاقلم في هذه المغاره ، وتعزز صورة الشجاعة هذه قوة منصور بإغلاق باب المغارة ، بالصخرة الكبيرة ، التي لا يستطيع رفعها إلا البطل ولم تكن المغاره والسكن بها ، والتكيف بهذا السكن ، المكان الوحيد ، لتحدي قدرة أبطال الحكايات الشعبية ، ولنسمع ما قاله صاحب الجفرا: | ||
+ | |||
جفرا ويا للربع اتحط التبن في الخيش واللي جوزها نذل ترخي السوالف ليش | جفرا ويا للربع اتحط التبن في الخيش واللي جوزها نذل ترخي السوالف ليش | ||
+ | |||
لهجر بيوت الحجر وسكن بيوت الخيش ودور مع البدو ووخذ بدويا | لهجر بيوت الحجر وسكن بيوت الخيش ودور مع البدو ووخذ بدويا | ||
− | + | ||
+ | فتحدي فارسنا هنا ، هو في هجرة للسكن في بيوت الحجر ، ومقدرته على التكيف في بيت الخيش (الخربوش) ، وأن يرجع حضارياً للوراء ، ليعيش عيشة البداوة ، - على حد تعبيره. | ||
-مسك الختام في هذه (الموتيفات) هو ذكر الخابية في حكاية منصور ، نقول مسك الختام ، لأن الخابية ، ظهرت في الحكاية من أقدم العصور ، وحتى عصرنا الحالي ، والخابية هي مستودع الفلاح من الغلات ، حيث يحفظ غلاته فيها ، كانت قديماً طينية ، ثم تطورت ، وأصبحت تصمم من الخشب . | -مسك الختام في هذه (الموتيفات) هو ذكر الخابية في حكاية منصور ، نقول مسك الختام ، لأن الخابية ، ظهرت في الحكاية من أقدم العصور ، وحتى عصرنا الحالي ، والخابية هي مستودع الفلاح من الغلات ، حيث يحفظ غلاته فيها ، كانت قديماً طينية ، ثم تطورت ، وأصبحت تصمم من الخشب . | ||
− | + | ||
− | + | فالخابية موجودة في حكاية (نص انصيص والغول ) الأسطورية ، وما زال التداول بها في أيامنا هذه في بعض قرانا الفلسطينية . | |
− | + | ||
− | + | إن تعبير منصور ، وهو يذرو طحينه - على خابيتنا الوسطى ، لدليل آخر على غنى الرجل ، وامتلاكه أكثر من خابية . | |
+ | |||
+ | ===الأحداث=== | ||
+ | |||
+ | |||
+ | تتسلسل أحداث الحكاية -وكما هي الحكايات الشعبية-، في مقدمة ، وعرض ، وخاتمة. | ||
+ | |||
يظهر البطل الفارس ، في البداية ، أمير بلدته ، في مسرح الحكاية ، وتهئ الحكاية أسباب لقاء نجم ومنصور الأول ، وفجأة وبلا مقدمات يقع منصور ضحية الحب أو لقصة حب إن هذا الحب والذي نتج من نظرة أولى هو الحب التقليدي في معظم حكايات العاطفة العربية، ومن سمات هذا الحب أنه يملك على الرجل قلبه ، وعقله.. بل حياته . ويقع في حب جنوني لا يتورع عن أي احتمال ، فهو حب بطولي ، وتوفر المرأة كل أسباب هذه البطولة، ومن سماته أيضاً : أنه إذا أحبت المرأة ، ولم يستجب فتاها فإنها تفشل في حبها ، وإذا أحب الرجل فتاته ، فلا بد لها أن تستجيب(25) . | يظهر البطل الفارس ، في البداية ، أمير بلدته ، في مسرح الحكاية ، وتهئ الحكاية أسباب لقاء نجم ومنصور الأول ، وفجأة وبلا مقدمات يقع منصور ضحية الحب أو لقصة حب إن هذا الحب والذي نتج من نظرة أولى هو الحب التقليدي في معظم حكايات العاطفة العربية، ومن سمات هذا الحب أنه يملك على الرجل قلبه ، وعقله.. بل حياته . ويقع في حب جنوني لا يتورع عن أي احتمال ، فهو حب بطولي ، وتوفر المرأة كل أسباب هذه البطولة، ومن سماته أيضاً : أنه إذا أحبت المرأة ، ولم يستجب فتاها فإنها تفشل في حبها ، وإذا أحب الرجل فتاته ، فلا بد لها أن تستجيب(25) . | ||
− | + | ||
+ | وحكاية منصور العاطفية ، تدور في مجتمع ريفي زراعي ، حيث تم اللقاء الأول في البرية، وبين احضان الطبيعة ، وينطلق الحب من امتداد الطبيعة المطلق ، وما يرافق ذلك من اتكاءات على صوت (الشبابه)، أو مواويل العتابا والميجانا … وهذا هونمط الحب (الفلاحي)، -إن دق التعبير-، حيث ارتبطت الأرض والعمل بالزراعه ، بالحب والعاطفة ، عبر الأغاني ، والأهازيج ،والمواويل ، -وتكاد لا تخلو أغنية شعبية فلسطينية ، من ذكر للأرض ، أو ما نتج عنها من ثمر، شجر، زهر، حنون، ورد …… | ||
+ | |||
مرت ما مرت مرت ما مرت ومرواد الكحل في العين جرت | مرت ما مرت مرت ما مرت ومرواد الكحل في العين جرت | ||
− | خبطت عَ العشبه والعشبه اخضرت ومطرح قدمها نبتت حنونا(26) | + | خبطت عَ العشبه والعشبه اخضرت ومطرح قدمها نبتت حنونا(26) |
− | + | وهذا مقطع آخر يقسم الأرض الى قطع مستطيلة (مارس) ، ويتغزل بالمعشوقه : | |
+ | |||
آه يابو ميلوية مر ما سلم عليه ، مر من بين الموارس مر وما أعطاني مارس (27) | آه يابو ميلوية مر ما سلم عليه ، مر من بين الموارس مر وما أعطاني مارس (27) | ||
+ | |||
والحصّاد يبدي فروسيته في الحصاد ، ويغني ، ومنجلة يسانده بالموسيقى :- | والحصّاد يبدي فروسيته في الحصاد ، ويغني ، ومنجلة يسانده بالموسيقى :- | ||
+ | |||
منجلي يا منجلا راح للسايغ جلا | منجلي يا منجلا راح للسايغ جلا | ||
+ | |||
ما جلاه الا بعلبه ريتها العلبة عزاه | ما جلاه الا بعلبه ريتها العلبة عزاه | ||
+ | |||
منجلي يا بو الخراخش يا اللي في الزرع طافش (28) | منجلي يا بو الخراخش يا اللي في الزرع طافش (28) | ||
+ | |||
عَل إحداهن ، تراه ، فتبدي الإعجاب بفعله ، وتحديه للقش ، وغناه على أنغام منجله الذي ربط فيه جرس صغيرة (عباره عن قطعتي حديد ) ، وكلما تحرك المنجل ، صدر صوت عن الجرس الحديدي . | عَل إحداهن ، تراه ، فتبدي الإعجاب بفعله ، وتحديه للقش ، وغناه على أنغام منجله الذي ربط فيه جرس صغيرة (عباره عن قطعتي حديد ) ، وكلما تحرك المنجل ، صدر صوت عن الجرس الحديدي . | ||
والراعي الذي كان "يقلب الأرض بشبابته (29) يردد على مسمع السارحات * (والمروحات)*:- | والراعي الذي كان "يقلب الأرض بشبابته (29) يردد على مسمع السارحات * (والمروحات)*:- | ||
− | + | ||
+ | ياللي مريتي وبيدك لوحتِ بعدك بالسهل والا روحت | ||
+ | |||
وقليبي والله انك سوحت* وطشيت* في الجبل مثل المجنونا | وقليبي والله انك سوحت* وطشيت* في الجبل مثل المجنونا | ||
− | + | ||
− | + | ||
− | + | إن الأرض في الوجدان الشعبي ، مرتبطه بالعاطفه ، والحب ، والجمال ، وحتى مقاييس الجمال في المفهوم الشعبي مرتبطة بالأرض ، فالخصر عود الخيزران ، والخد حب التفاح، والنهد حبة رمان، والشعر حبل الجماّل… ، والحبيب يعمل في الأرض : | |
+ | |||
+ | والزين زين العطّارة والزين ما عليه خسارة | ||
+ | |||
+ | والزين زارعلو شكارة يا لابس لبس الأمارة (30) . | ||
+ | |||
السارحة : المرأة متجهة للعمل بالأرض طشيت : يسير بلا عقل شكارة: زرعة في أرض | السارحة : المرأة متجهة للعمل بالأرض طشيت : يسير بلا عقل شكارة: زرعة في أرض | ||
+ | |||
المروحة : المرأه المتجهة للبيت من العمل الزراعي سوحت : أصبح القلب هيماناً | المروحة : المرأه المتجهة للبيت من العمل الزراعي سوحت : أصبح القلب هيماناً | ||
+ | |||
فلم يمنع الجمال ، وتزيين هذا الجمال (بلبس الأماره) ، من أن يعمل الحبيب بالزراعة ، ويزرع (شكاره) *. | فلم يمنع الجمال ، وتزيين هذا الجمال (بلبس الأماره) ، من أن يعمل الحبيب بالزراعة ، ويزرع (شكاره) *. | ||
− | |||
− | |||
− | |||
− | |||
− | ثانيهما: | + | من هنا ، فانه ليس من باب الغريب ، أن يلتقي العاشقان في البرية، وأن تدور معظم أحداث الحكاية المهمة في البرية، مثل السفر ، والرعي ، والتجاره ، والخطف ، وحرب الفرسان ، وحتى المستشفى الذي صممه منصور في مغارة … |
+ | |||
+ | ويتغير حال العاشق (منصور) نتيجة لأول لقاء ويتحول الأمير منصور، الى عاشق وله ، لا يهتم بمظهره ، وتملأعليه الحبيبة كل حياته ، وتغير الحال هذا نتلمسه في معظم -إن لم نقل في كل الحكايات العاطفية ، رسمية كانت أم شعبية، ونتلمس أيضاً فيها-كما نلمس في حكاية منصور-، ظهور هذا العشق في المجتمع، وقصته تدور على كل لسان ، مما يؤدي الي فضيحة – من وجهة نظر اهل الحبيبة - وتفشل الجاهة -أهل الحل والعقد في القرية -في إقناع أهل نجم من تزويجها لمنصور، (ولا تشرب الجاهة قهوتها) ، كناية عن مدى الفشل الذريع الذي وصل اليه اصحاب الجاهه في مداولاتهم مع أهل نجم ، وتسوء حال منصور أكثر نتيجة لهذا الفشل . ولكن الجاهة تنجح في إخراج أهل نجم من القرية ، وهنا ندرك مصدر قوة الجاهة في القرية، النابع من أمرين : | ||
+ | |||
+ | '''أولاهما:''' | ||
+ | |||
+ | عدم (توجيب) أهل نجم للجاهة ، وعدم إحترام أهل نجم للجاهة ، وذلك برفض طلب الجاهة (تزويج نجم من منصور) . | ||
+ | |||
+ | '''ثانيهما:''' | ||
+ | |||
التعاطف مع منصور، الأمير، صاحب الصيت، والذي بدا محبوباً في مجتمعه . | التعاطف مع منصور، الأمير، صاحب الصيت، والذي بدا محبوباً في مجتمعه . | ||
+ | |||
في هذه المرحلة ، كان البطل ناراً تحت رماد ، ويحاول حبك الحيل، لاجتياز المرحلة ، وإثبات فاعلية البطولة ، وتنجح حيلة خطف نجم، بعد أن تقمص الحبيب صورة شيخ جليل، وتعرفه نجم وحدها ، لدى سماعها صوته الجميل ، وهو يؤذن للصلاه في غير وقتها … وهنا تظهر فاعلية البطلة في مساعدة البطل على اختطافها ، فالبطلة هنا ليست المرأة الجميلة، التي تنتظر قدرها ، وليست كما يقول علي الخليلي " إن جسد المرأة هو المرأه ذاتها في الوجدان الشعبي ، فهي جميلة ، أو بشعه ، طاهرة أو نجسه، بيضاء أو سوداء … (31). | في هذه المرحلة ، كان البطل ناراً تحت رماد ، ويحاول حبك الحيل، لاجتياز المرحلة ، وإثبات فاعلية البطولة ، وتنجح حيلة خطف نجم، بعد أن تقمص الحبيب صورة شيخ جليل، وتعرفه نجم وحدها ، لدى سماعها صوته الجميل ، وهو يؤذن للصلاه في غير وقتها … وهنا تظهر فاعلية البطلة في مساعدة البطل على اختطافها ، فالبطلة هنا ليست المرأة الجميلة، التي تنتظر قدرها ، وليست كما يقول علي الخليلي " إن جسد المرأة هو المرأه ذاتها في الوجدان الشعبي ، فهي جميلة ، أو بشعه ، طاهرة أو نجسه، بيضاء أو سوداء … (31). | ||
+ | |||
بل نرى نجماً تضاهي منصوراً في فروسيته ، وتكمل الحيله ، وتشارك في عملية الخطف . ويتزوج العاشقان على سنة الله ورسوله ، ويقيمان في وضع شبه آمن فتره من الزمن. | بل نرى نجماً تضاهي منصوراً في فروسيته ، وتكمل الحيله ، وتشارك في عملية الخطف . ويتزوج العاشقان على سنة الله ورسوله ، ويقيمان في وضع شبه آمن فتره من الزمن. | ||
+ | |||
وتصبح الكره في ملعب أهل نجم ، وتتوالى الحيل المضادة ، والتي كانت حكاية الإقطاعي مع نجم مقدمة لها ، وهنا نرى كيف حنى منصور رأسه للعاصفة ، وسمح لنجم أن تذهب للإقطاعي برفقة نساء المنطقة ، وهذا الملمح يشير الى كيفية ترتيب الأوراق ، والقوى السياسية في تلك الفتره -فترة الإقطاع- فمهما بلغت فروسية منصور، وقوته، وبطولته ، الإ أنه يقبع في ظل حياة إقطاعية، للإقطاعي فيها الكلمة الأولى والأخيرة ، ولا تجدي مجابهته بأي شكل من الأشكال . | وتصبح الكره في ملعب أهل نجم ، وتتوالى الحيل المضادة ، والتي كانت حكاية الإقطاعي مع نجم مقدمة لها ، وهنا نرى كيف حنى منصور رأسه للعاصفة ، وسمح لنجم أن تذهب للإقطاعي برفقة نساء المنطقة ، وهذا الملمح يشير الى كيفية ترتيب الأوراق ، والقوى السياسية في تلك الفتره -فترة الإقطاع- فمهما بلغت فروسية منصور، وقوته، وبطولته ، الإ أنه يقبع في ظل حياة إقطاعية، للإقطاعي فيها الكلمة الأولى والأخيرة ، ولا تجدي مجابهته بأي شكل من الأشكال . | ||
− | + | ||
+ | ثم تتوسل الحكاية (بحادثة المطحنة) ، لكي تنجح حيلة أهل نجم ، وحيلة الخطف المضاد ، وتدور رحى معركة طاحنة ، فيها الكثير من المبالغة، ويخرج منها منصوراً سالماً معافى ، بينما تكون نجم بين الحياة والموت . وهنا يأتي دور (حكمون) الطبيب ، ويعمل الطبيب المعجزات لشفاء نجم ، وتشفى نجم ، الإ أن الطبيب يشترط على منصور بعدم الاتصال الجنسي معها مدة أربعين يوماً . | ||
إن ظهور الجنس في هذا الجزء من الحكاية ليس بالأمر الغريب، بل أتى وكأنه تتويج لهذا الحب المثالي ، وتتويج لانعدام المسافات بين الحبيبين، " حيث لوحظ أن المسافه التي تفصل بين اثنين تعتمد على مدى العلاقه بينهما ، وكلما زاد التقارب في المشاعر بينهما قلت المسافه التي تفصل أحدهما عن الآخر لتصل الى الصفر (32) إن هذه المشاعر بين الحبيبين لم تكن وليدة لحظتها.. بل تعاظمت ، وتأججت ، وتكاملت عبر صراعات ، وخوارق ، وأحداث اشبه بالمعجزات ، إذن ليس غريباً ان تختصر هذه المشاعر المسافة بين الحبيبين ، بل أن تلغيها تماماً ، وتصبح تلك المسافة صفراً . | إن ظهور الجنس في هذا الجزء من الحكاية ليس بالأمر الغريب، بل أتى وكأنه تتويج لهذا الحب المثالي ، وتتويج لانعدام المسافات بين الحبيبين، " حيث لوحظ أن المسافه التي تفصل بين اثنين تعتمد على مدى العلاقه بينهما ، وكلما زاد التقارب في المشاعر بينهما قلت المسافه التي تفصل أحدهما عن الآخر لتصل الى الصفر (32) إن هذه المشاعر بين الحبيبين لم تكن وليدة لحظتها.. بل تعاظمت ، وتأججت ، وتكاملت عبر صراعات ، وخوارق ، وأحداث اشبه بالمعجزات ، إذن ليس غريباً ان تختصر هذه المشاعر المسافة بين الحبيبين ، بل أن تلغيها تماماً ، وتصبح تلك المسافة صفراً . | ||
− | + | ||
+ | هذه بشكل عام مجمل أحداث الحكاية ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضع هو: كم من الوقت استغرقت هذه الأحداث ؟… الإجابة بالقطع ، ليست قضية ايام، فالحكاية مبنية على مسلسل من الأحداث ، والتي يحتاج كل حدث منها لوحده (أياماً ) ..، وهناك لحظات سكون ايضاً غير محددة بزمن مثل "وتمر الأيام هانئة ، وديعة ، ومنصور في | ||
قصره، ونجمه المتلأليء حوله " … يجيب السارد (33) أن الحكاية استغرقت سنيناً ، قدرها بعشر سنين. ولكن في رأيي-أن التحديد هنا فيه نوع من التعسف والاعتباط، والحكايات الشعبية لم تحفل بتحديد ازمان لأحداثها ، فكثيراً ما نلحظ من الحكايات عبارات غير محددة لزمن مثل : في قديم الزمان ، وتمر الأيام والسنين ، (وابن الخريفيه بسرعه يكبر).. حيث يلد في جمله سردية، ويكبر في التي تليها مباشرة .. | قصره، ونجمه المتلأليء حوله " … يجيب السارد (33) أن الحكاية استغرقت سنيناً ، قدرها بعشر سنين. ولكن في رأيي-أن التحديد هنا فيه نوع من التعسف والاعتباط، والحكايات الشعبية لم تحفل بتحديد ازمان لأحداثها ، فكثيراً ما نلحظ من الحكايات عبارات غير محددة لزمن مثل : في قديم الزمان ، وتمر الأيام والسنين ، (وابن الخريفيه بسرعه يكبر).. حيث يلد في جمله سردية، ويكبر في التي تليها مباشرة .. | ||
+ | |||
وهنا أرى ان حكاية منصور حدثت في سنين ، ولكن تحديد عددها في غاية الصعوبة بل الاستحالة. | وهنا أرى ان حكاية منصور حدثت في سنين ، ولكن تحديد عددها في غاية الصعوبة بل الاستحالة. | ||
وكأي حكاية شعبية تقليدية نستطيع أن نقسم أحداثها الى أحداث إيجابية لصالح البطل، وأحداث سلبية ضده . و يمكن تلخيص الأحداث الإيجابية في :- | وكأي حكاية شعبية تقليدية نستطيع أن نقسم أحداثها الى أحداث إيجابية لصالح البطل، وأحداث سلبية ضده . و يمكن تلخيص الأحداث الإيجابية في :- | ||
+ | |||
-أرستقراطية البطل ، واحترام الناس له . | -أرستقراطية البطل ، واحترام الناس له . | ||
+ | |||
-دور الشعار ، واعلامهم منصوراً بمكان وجود الحبيبة المهاجرة . | -دور الشعار ، واعلامهم منصوراً بمكان وجود الحبيبة المهاجرة . | ||
+ | |||
-نجاح حيلة منصور وخطف نجم | -نجاح حيلة منصور وخطف نجم | ||
+ | |||
-الحياة الهانئة نسبياً التي عاشها الحبيبان بعد نجاح حيله الخطف . | -الحياة الهانئة نسبياً التي عاشها الحبيبان بعد نجاح حيله الخطف . | ||
+ | |||
-الخلاص من الإقطاعي . | -الخلاص من الإقطاعي . | ||
+ | |||
-سفر منصور وربحه من تجارته . | -سفر منصور وربحه من تجارته . | ||
+ | |||
-انتصار البطل على المهاجمين (أهل نجم) . | -انتصار البطل على المهاجمين (أهل نجم) . | ||
+ | |||
-نجاح منصور في حيلته على الطبيب . | -نجاح منصور في حيلته على الطبيب . | ||
+ | |||
-شفاء نجم . | -شفاء نجم . | ||
+ | |||
-الحصول على الثوب المختم باللولو . | -الحصول على الثوب المختم باللولو . | ||
+ | '''أما الأحداث السلبية فنجملها في التالي:-''' | ||
− | |||
-رفض أهل نجم تزويج ابنتهم للبطل . | -رفض أهل نجم تزويج ابنتهم للبطل . | ||
+ | |||
-رحيل أهل نجم ، ورحيل قلبه معهم . | -رحيل أهل نجم ، ورحيل قلبه معهم . | ||
+ | |||
-الإقطاعي ، وحكايته مع نجم . | -الإقطاعي ، وحكايته مع نجم . | ||
+ | |||
-رحلته للفارعة لطحن الحبوب . | -رحلته للفارعة لطحن الحبوب . | ||
+ | |||
-نجاح حيلة المهاجمين واختطاف نجم . | -نجاح حيلة المهاجمين واختطاف نجم . | ||
+ | |||
-جرح الحبيبة جروحاً بالغة . | -جرح الحبيبة جروحاً بالغة . | ||
+ | |||
-شرط الطبيب في عدم الاتصال الجنسي بين الحبيبين، وموت نجم . | -شرط الطبيب في عدم الاتصال الجنسي بين الحبيبين، وموت نجم . | ||
+ | |||
-إصرار البطل على الموت بجانب الحبيبه . | -إصرار البطل على الموت بجانب الحبيبه . | ||
− | + | ||
+ | |||
+ | نتيجة لهذا التحليل نرى أن هناك توازن تقريبي بين السلب ، والإيجاب ، ونرى نتيجة لذلك موت البطلين ، في ظروف شبه ماساوية ، لكن هل كانت غاية هذه الحكاية تكمن في موت البطلين بهذه الصورة ، دون تحقيق أي هدف آخر ؟! .. | ||
+ | |||
ان الجواب في رأيي : كلا .. إن غاية الحكاية النهائية تكمن في تخليد صورة من صور الحب الأفلاطوني ، فالحكاية تضحي ببطلين فاعلين، من أجل إحياء جذوة حب ،واشتعالها .. وإبقائها مشتعلة على مر الأيام والسنين ، وتنتقل من جيل لآخر .. إن قيمة هذه الحكاية في الموروث الشعبي ، كقيمة اية أغنية أو مقطوعة شعرية ، تطرب لها وتلتذ حين سماعها .. ، فهي لم تحفل بحياة البطلين ، بقدر ما حفلت بأن تطرب الناس بأحداثها ،وتجعلهم يتعاطفون ،ويتوترون ويلتذون تبعاً لنوعية تلك الأحداث وتسلسلها . | ان الجواب في رأيي : كلا .. إن غاية الحكاية النهائية تكمن في تخليد صورة من صور الحب الأفلاطوني ، فالحكاية تضحي ببطلين فاعلين، من أجل إحياء جذوة حب ،واشتعالها .. وإبقائها مشتعلة على مر الأيام والسنين ، وتنتقل من جيل لآخر .. إن قيمة هذه الحكاية في الموروث الشعبي ، كقيمة اية أغنية أو مقطوعة شعرية ، تطرب لها وتلتذ حين سماعها .. ، فهي لم تحفل بحياة البطلين ، بقدر ما حفلت بأن تطرب الناس بأحداثها ،وتجعلهم يتعاطفون ،ويتوترون ويلتذون تبعاً لنوعية تلك الأحداث وتسلسلها . | ||
− | + | ||
+ | ===الخاتمة=== | ||
الموت في الحكاية هو النهاية الزمنية ، يصل إليها الكائن الحي عند انتهاء الفاعلية، لأن الفاعلية تعني الحركة والاستمرار ، وبالتالي فهي تعني الحياة ، فاذا انتهت وصل الإنسان للجمود ، الذي هو الموت بعينه ، فالموت في الحكاية الشعبية هو السد الذي يمنع الأحداث من الاستمرار ، ويوقفها . | الموت في الحكاية هو النهاية الزمنية ، يصل إليها الكائن الحي عند انتهاء الفاعلية، لأن الفاعلية تعني الحركة والاستمرار ، وبالتالي فهي تعني الحياة ، فاذا انتهت وصل الإنسان للجمود ، الذي هو الموت بعينه ، فالموت في الحكاية الشعبية هو السد الذي يمنع الأحداث من الاستمرار ، ويوقفها . | ||
− | + | ||
+ | هذا هو معنى الموت في بنية الحكاية الشكلية .. لكن الموت في حياة العشاق له معان أعمق ، حيث يمثل الموت الفقدان الأبدي المطلق ، والرحيل الذي لا لقاء بعده .. ومن هنا كان إصرار منصور على الموت بجانب نجم .. لأن حياته لا معنى لها بدون نجم … ونجم هي حياة منصور .. فيسارع منصور للخلاص من (حياة بدون نجم ) علّه يلتقي بها في الحياة الأخرى . | ||
+ | |||
ويصر الموروث الشعبي على لقاء الحبيبين من خلال لقاء الجمجمتين ، وما صورة اللقاء هذه إلا تعبيراً عن لقاء الحبيبين في الدنيا والآخرة ، وتخليداً لقصة الحب بينهما .. | ويصر الموروث الشعبي على لقاء الحبيبين من خلال لقاء الجمجمتين ، وما صورة اللقاء هذه إلا تعبيراً عن لقاء الحبيبين في الدنيا والآخرة ، وتخليداً لقصة الحب بينهما .. | ||
إن حكاية منصور ليست الحكاية الشعبية الوحيدة التي تظهر جمجمتين لعاشقين تلتقيان .. بل يزخر أدبنا الشعبي، والرسمي بمثل هذه الصورة .أو صوراً مشابهة لها. | إن حكاية منصور ليست الحكاية الشعبية الوحيدة التي تظهر جمجمتين لعاشقين تلتقيان .. بل يزخر أدبنا الشعبي، والرسمي بمثل هذه الصورة .أو صوراً مشابهة لها. | ||
− | + | ||
+ | عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال: كنت عند الرشيد ، فدخل العباس بن الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عملت شعراً لم يسبقني الى معناه أحد . فقال : هات ..! فأنشد:(35). | ||
+ | |||
اذا ما شئت ان تبصر شيئاً يعجب الناسا | اذا ما شئت ان تبصر شيئاً يعجب الناسا | ||
+ | |||
فصوّر ها هنا فوزاً وصوّر ثم عباسا | فصوّر ها هنا فوزاً وصوّر ثم عباسا | ||
+ | |||
ودع بينهما شبراً فإن زاد فلا باساً | ودع بينهما شبراً فإن زاد فلا باساً | ||
+ | |||
فإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما راسا | فإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما راسا | ||
+ | |||
فكذبه وكذبها بما قاست وما قاسا | فكذبه وكذبها بما قاست وما قاسا | ||
+ | |||
فنظر إليّ الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين قد سبق إلية فقال : | فنظر إليّ الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين قد سبق إلية فقال : | ||
+ | |||
لو أن صورة من أهوى ممثلة وصورتي لاجتمعنا في الجدار معا | لو أن صورة من أهوى ممثلة وصورتي لاجتمعنا في الجدار معا | ||
+ | |||
إذا تأملتنا ألفيتنا عجبـاً إلفـين مـا افترقنـا ولا اجتمعـا | إذا تأملتنا ألفيتنا عجبـاً إلفـين مـا افترقنـا ولا اجتمعـا | ||
− | + | ||
− | + | فأعرض عنه الرشيد ، فقال والله يا امير المؤمنين ، وحق رأسك ما سمعت بهذين البيتين، فلما خشي الأصمعي أن يحرم الرشيد الرجل قلت: صدق والله يا أمير المؤمنين أنا عملت البيتين الساعة ، فأمر له بجائزة ، ولي بضعفها . | |
+ | |||
+ | |||
+ | وفي رواية أخرى قال الأصمعي(36) وكان بيني وبين عباس شيء ، فقلت : مسترق يا أمير المؤمنين ، فقال : ممن ؟! .. قلت من العرب والعجم . قال : ما كان من العرب ؟! ..قلت : رجل يقال له عمر هوي جارية يقال لها قمر ، فقال : | ||
+ | |||
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب البشرا | إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب البشرا | ||
+ | |||
فصور ها هنا قمرا وصور ها هنا عمرا | فصور ها هنا قمرا وصور ها هنا عمرا | ||
− | فإن لم يدنوا حتى ترى بشريهما بشرا | + | |
+ | فإن لم يدنوا حتى ترى بشريهما بشرا | ||
+ | |||
فكذبها بما ذكرت وكذبه بما ذكرا | فكذبها بما ذكرت وكذبه بما ذكرا | ||
+ | |||
قال: فما كان من العجم ؟ قلت : رجل يقال له فلقاء هوي جارية يقال لها زورى فقال : | قال: فما كان من العجم ؟ قلت : رجل يقال له فلقاء هوي جارية يقال لها زورى فقال : | ||
+ | |||
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب الخلقا | إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب الخلقا | ||
+ | |||
فصور ها هنا زورى وصور ها هنا فلقا | فصور ها هنا زورى وصور ها هنا فلقا | ||
+ | |||
فإن لم يدنوا حتى ترى خلقيهما خلقا | فإن لم يدنوا حتى ترى خلقيهما خلقا | ||
+ | |||
فكذبها بما لاقت وكذبة بما يلقى | فكذبها بما لاقت وكذبة بما يلقى | ||
+ | |||
ويورد صاحب (تزيين الأسواق) (37) أنه لما قضت (عفراء) دفنت الى جانب (عروة بن حزام) فنبتت من القبرين شجرتان ، حتى إذا صارتا على حد قامه التفتا ، فكانت المارة تنظر إليهما ولا يعرفان من أي ضرب من النبات وأنشد فيهما الناس : | ويورد صاحب (تزيين الأسواق) (37) أنه لما قضت (عفراء) دفنت الى جانب (عروة بن حزام) فنبتت من القبرين شجرتان ، حتى إذا صارتا على حد قامه التفتا ، فكانت المارة تنظر إليهما ولا يعرفان من أي ضرب من النبات وأنشد فيهما الناس : | ||
+ | |||
غصنان من دوحة طال ائتلافهما فيها فجالت صروف الدهر فافترقا | غصنان من دوحة طال ائتلافهما فيها فجالت صروف الدهر فافترقا | ||
+ | |||
فصار ذا في يد تحويه ليس لـه منها براح وهذا في الفلاة لقــا | فصار ذا في يد تحويه ليس لـه منها براح وهذا في الفلاة لقــا | ||
+ | |||
حنا إذا ذويا يوماً وضمــهما بعد التفرق بطن الأرض واتفقا | حنا إذا ذويا يوماً وضمــهما بعد التفرق بطن الأرض واتفقا | ||
+ | |||
حنا على الأرض في أرجائها فحنا كل على الفه في التراب واعتنقا | حنا على الأرض في أرجائها فحنا كل على الفه في التراب واعتنقا | ||
+ | |||
إن هذه الصور في اللقاء في عالم الروح والمعنى ، تشير الى سيرورة الحكاية في المطلق ، وكأن الحكاية بلا نهاية ، فإذا انتهت الحكاية في عالم البشر الواقعي ، فانها تكمل المشوار ، ويلتقي البطلان في عالم الأرواح والمعاني . | إن هذه الصور في اللقاء في عالم الروح والمعنى ، تشير الى سيرورة الحكاية في المطلق ، وكأن الحكاية بلا نهاية ، فإذا انتهت الحكاية في عالم البشر الواقعي ، فانها تكمل المشوار ، ويلتقي البطلان في عالم الأرواح والمعاني . | ||
الشعر في حكاية منصور بن ناصر : | الشعر في حكاية منصور بن ناصر : | ||
− | + | ||
+ | يعبر الشعر في هذه الحكاية عن اللحظات الوجدانية التي عاشها البطل ، ويحاول منصور -أو الراوي الذي يصف أحوال منصور -أن يرسم بالشعر أحداث الرواية، فيمثل جزء من هذا الشعر، مناجاة منصور مع نفسه :- | ||
+ | |||
مثل منصور بن ناصر بالهوى ما حدا جابو | مثل منصور بن ناصر بالهوى ما حدا جابو | ||
+ | |||
وآجا على العطاره لقي العطّاره خرابو | وآجا على العطاره لقي العطّاره خرابو | ||
+ | |||
وصف غزالك يا منصور وصف غزالك لا تهابو | وصف غزالك يا منصور وصف غزالك لا تهابو | ||
− | + | ||
+ | وتتطور هذا المناجاة ، لتخرج من مجال النفس ، والشعور الداخلي، الى المجال البيئي الخارجي ، فتتمثل في حوار بين منصور وموجودات الطبيعة ، من طير ، وحجر ، وشجر … الخ . | ||
+ | |||
وتتجسد هذه الموجودات في صور إنسانية تحاور منصوراً .. إن هذه الظاهرة هي ما عبّرت عنها الحركة الرومانسية ، وسمتها ظاهرة التجسيد (الشخصية ) Personification (38) : | وتتجسد هذه الموجودات في صور إنسانية تحاور منصوراً .. إن هذه الظاهرة هي ما عبّرت عنها الحركة الرومانسية ، وسمتها ظاهرة التجسيد (الشخصية ) Personification (38) : | ||
+ | |||
صار يسأل حجار الدار يا يما وين احبابو | صار يسأل حجار الدار يا يما وين احبابو | ||
+ | |||
رد عليه غراب البين يا يما مصعب جوابو | رد عليه غراب البين يا يما مصعب جوابو | ||
+ | |||
وترد الحجارة : امش يا الله يا منصور عَّ السويدا لا تهابوا | وترد الحجارة : امش يا الله يا منصور عَّ السويدا لا تهابوا | ||
+ | |||
ويرد الغراب : شالوا وشيلوا درب السويدا ميلو | ويرد الغراب : شالوا وشيلوا درب السويدا ميلو | ||
ويورد د. عمر والساريسي(39) تجسيداً مشابهاً في حكاية "الرياشي":- | ويورد د. عمر والساريسي(39) تجسيداً مشابهاً في حكاية "الرياشي":- | ||
+ | |||
يقول الرياشي: والرياشي هيثم حيطان قلبي هدد البين سورها | يقول الرياشي: والرياشي هيثم حيطان قلبي هدد البين سورها | ||
+ | |||
سألتك بالله يا دار وين راحو أهلك هم اللي كانوا حماها وسورها . | سألتك بالله يا دار وين راحو أهلك هم اللي كانوا حماها وسورها . | ||
+ | |||
ردت علّي الدار وأثنت اتقوللي هذولاك من تالي الليل حملوا حمل المطايا يا صدورها. | ردت علّي الدار وأثنت اتقوللي هذولاك من تالي الليل حملوا حمل المطايا يا صدورها. | ||
+ | |||
قال: | قال: | ||
− | + | سألتك بالله يا دار ميتا يعاودون أهلك | |
+ | |||
هم اللي كانوا حماها وسوارها | هم اللي كانوا حماها وسوارها | ||
+ | |||
قال: | قال: | ||
− | + | قعدت في شمس مغاريب مادبااحكحك ضلوعي …… | |
− | + | ||
+ | قال : | ||
أيا طير اخضر مغرب على بلاده يزورها | أيا طير اخضر مغرب على بلاده يزورها | ||
قلت وأنا علامي عن بلادي ما زورها.. | قلت وأنا علامي عن بلادي ما زورها.. | ||
سطر ٢٢٤: | سطر ٣٩٠: | ||
أما القسم الأعظم من الشعر فتوظفه الحكاية لبيان سمات نجم الجمالية، وكأن لسان الحكاية يود أن يعبر عن أهلية نجم لكل هذه التضحيات ،والمغامرات ، وأن هذا الجمال يستحق كل فروسية منصور ومخاطراته .. فطولها رمح خيال ، شعرها حبل جمّال ، والوجه هلال ، والخد مرمر.. الى آخر الأوصاف والتشبيهات الملائمة والمنسجمة مع ثقافة مجتمع زراعي ، نشأ فيه البطلان ، وتبادلا حباً بحب ، وماتا فيه . | أما القسم الأعظم من الشعر فتوظفه الحكاية لبيان سمات نجم الجمالية، وكأن لسان الحكاية يود أن يعبر عن أهلية نجم لكل هذه التضحيات ،والمغامرات ، وأن هذا الجمال يستحق كل فروسية منصور ومخاطراته .. فطولها رمح خيال ، شعرها حبل جمّال ، والوجه هلال ، والخد مرمر.. الى آخر الأوصاف والتشبيهات الملائمة والمنسجمة مع ثقافة مجتمع زراعي ، نشأ فيه البطلان ، وتبادلا حباً بحب ، وماتا فيه . | ||
− | + | ==الهوامش== | |
− | الهوامش | ||
1- تيمور ، محمود ، فن القصص -دراسات في القصه والمسرح ، مصر . مكتبة الآداب ومطبعتها ، طبعة بلا تاريخ . | 1- تيمور ، محمود ، فن القصص -دراسات في القصه والمسرح ، مصر . مكتبة الآداب ومطبعتها ، طبعة بلا تاريخ . | ||
+ | |||
2- د.ذهني ، محمود، الأدب الشعبي العربي، مفهومه ، ومضمونه ، مكتبة الأنجلو مصرية ، الطبعة بلا تاريخ . | 2- د.ذهني ، محمود، الأدب الشعبي العربي، مفهومه ، ومضمونه ، مكتبة الأنجلو مصرية ، الطبعة بلا تاريخ . | ||
+ | |||
3- د.ذهني ، محمود ، مصدر سابق . | 3- د.ذهني ، محمود ، مصدر سابق . | ||
+ | |||
4- راجع حكاية منصور في الملحق . | 4- راجع حكاية منصور في الملحق . | ||
+ | |||
5- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطّاره عبد القادر حنتولي ، أحمد رابعه ، محمود ابو حجة . | 5- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطّاره عبد القادر حنتولي ، أحمد رابعه ، محمود ابو حجة . | ||
+ | |||
6- شراب ، محمد محمد ، معجم بلدان فلسطين ، دمشق .دار المامون للتراث ، طبعة بلا تاريخ . | 6- شراب ، محمد محمد ، معجم بلدان فلسطين ، دمشق .دار المامون للتراث ، طبعة بلا تاريخ . | ||
+ | |||
7- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | 7- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | ||
+ | |||
8- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطاره . | 8- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطاره . | ||
+ | |||
9- سرد القصه للباحث عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره . | 9- سرد القصه للباحث عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره . | ||
+ | |||
10- هذه الحكاية سردها للباحث محمد يوسف ناصر من قرية العطاره . | 10- هذه الحكاية سردها للباحث محمد يوسف ناصر من قرية العطاره . | ||
+ | |||
11- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن ، دمشق .دار الجليل للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1988 . | 11- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن ، دمشق .دار الجليل للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1988 . | ||
+ | |||
12- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | 12- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | ||
+ | |||
13- د.كناعنه ، شريف ، الدار دار أبونا ، القدس .مركز القدس العالمي للدراسات الفلسطينية طبعة 1992 . | 13- د.كناعنه ، شريف ، الدار دار أبونا ، القدس .مركز القدس العالمي للدراسات الفلسطينية طبعة 1992 . | ||
+ | |||
14- ما سمعه الباحث من عبد القادر حنتولي من العطّاره . | 14- ما سمعه الباحث من عبد القادر حنتولي من العطّاره . | ||
+ | |||
15- خورشيد ، فاروق ، عالم الأدب الشعبي العجيب . دار الشروق -الطبعة الأولى 1991 | 15- خورشيد ، فاروق ، عالم الأدب الشعبي العجيب . دار الشروق -الطبعة الأولى 1991 | ||
+ | |||
16- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد ، جامعة بيرزيت ، الطبعة الأولى 1979 . | 16- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد ، جامعة بيرزيت ، الطبعة الأولى 1979 . | ||
+ | |||
17- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد -مصدر سابق . | 17- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد -مصدر سابق . | ||
+ | |||
18- إبراهيم ، نبيله ، التراث الشعبي ، بغداد ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، وزارة الإعلام 1972 نقلاً عن حكايات جان من بني زيد . | 18- إبراهيم ، نبيله ، التراث الشعبي ، بغداد ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، وزارة الإعلام 1972 نقلاً عن حكايات جان من بني زيد . | ||
+ | |||
19- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن -مصدر سابق . | 19- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن -مصدر سابق . | ||
+ | |||
20- دير لاين ، فون ، نقلاً عن الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | 20- دير لاين ، فون ، نقلاً عن الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | ||
+ | |||
21- .د. شميدت ، هانس وكاله ، بول ، قصص شعبية فلسطينية ، بيرزيت تعريب موسى علوش الجزء الأول 1990 . | 21- .د. شميدت ، هانس وكاله ، بول ، قصص شعبية فلسطينية ، بيرزيت تعريب موسى علوش الجزء الأول 1990 . | ||
+ | |||
22- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق . | 22- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق . | ||
+ | |||
23- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق . | 23- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق . | ||
+ | |||
24- .د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد - مصدر سابق . | 24- .د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد - مصدر سابق . | ||
+ | |||
25- .الخليلي ، علي. البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، القدس ، مؤسسة ابن رشد للنشر الطبعة الأولى 1979 . | 25- .الخليلي ، علي. البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، القدس ، مؤسسة ابن رشد للنشر الطبعة الأولى 1979 . | ||
+ | |||
26- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | 26- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | ||
+ | |||
27- . ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | 27- . ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | ||
+ | |||
28- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | 28- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | ||
+ | |||
29- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | 29- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره . | ||
+ | |||
30- .راجع الشعر في حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | 30- .راجع الشعر في حكاية منصور بن ناصر في الملحق . | ||
+ | |||
31- .الخليلي ، علي . البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، مصدر سابق . | 31- .الخليلي ، علي . البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، مصدر سابق . | ||
+ | |||
32- .التربية العملية ، منشورات جامعة القدس المفتوحه ، عمان، الأردن . الطبعة الأولى1996 . | 32- .التربية العملية ، منشورات جامعة القدس المفتوحه ، عمان، الأردن . الطبعة الأولى1996 . | ||
+ | |||
33- . ما سمعه الباحث من الراوي عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره . | 33- . ما سمعه الباحث من الراوي عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره . | ||
+ | |||
34- . الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافيه في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | 34- . الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافيه في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | ||
+ | |||
35- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير، مطبعة المعرفة، 1959م. | 35- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير، مطبعة المعرفة، 1959م. | ||
+ | |||
36- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير ، مصدر سابق . | 36- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير ، مصدر سابق . | ||
+ | |||
37- .تزيين الأسواق ، نقلاً عن الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | 37- .تزيين الأسواق ، نقلاً عن الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق . | ||
+ | |||
38- . نصوص شعرية ، العصر الحديث (3) منشورات جامعة القدس المفتوحة ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى 1997 . مقرر رقم 5444 . | 38- . نصوص شعرية ، العصر الحديث (3) منشورات جامعة القدس المفتوحة ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى 1997 . مقرر رقم 5444 . | ||
+ | |||
39- .د. الساريسي ، عمر ، وعبد الهادي ، إبراهيم ، حكايات شعبية من فلسطين والأردن ، عمان ، الأردن . دار النشر، الينابيع للنشر والتوزيع والإعلان ، الجزء الثالث 1992 . | 39- .د. الساريسي ، عمر ، وعبد الهادي ، إبراهيم ، حكايات شعبية من فلسطين والأردن ، عمان ، الأردن . دار النشر، الينابيع للنشر والتوزيع والإعلان ، الجزء الثالث 1992 . | ||
− | |||
==إعداد== | ==إعداد== |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٢:٣٣، ٧ أكتوبر ٢٠١٨
لقد تناول القصص العربي - فيما تناول -عاطفة الحب ، والطابع النفسي لهذا اللون من القصص ، ما برح خاضعاً لمؤثرات في حياة الشرق ، وأوضاع في مجتمعه الخاص هنالك مأساة الفتاة التي يزفها اهلها الى غير من تحب كرها لفقدان حقها في اختيار الزوج ، كما جرت العادات والتقاليد .
ويتصل بذلك إيثار ولاة أمر الزوجة لابن العم ، أو نحوه من ذوي القربى … أو الغني الذي علت به الألسن أو غيره من صنوف الناس ، على غير رضا من الزوجة ولا قبول . وهنالك ضروب من المآسي العاطفية يبدو فيها الحب فوّاراً ، يعبر عن ما في حياة الشرق من كبت وحرمان ، أساسه الحياء الغالب ، وما يسدله المجتمع الشرقي على العلاقات بين الرجال والنساء ، فهو يحد من اشتراك المرأة في الحياة الاجتماعية الا بقدر ، وهو يجعل من حواء شخصية ناعمة ، رقيقة - لم تخلق إلا للحب والهيام . مصداقاً لقول الشاعر العربي :
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
فهذا الطابع من الكبت والحرمان في مجتمعنا الشرقي ، أصار غريزة الحب في أدبنا القصصي لوناً من المناجاة ، والشكوى والعذاب وأجرى فيها منبعاً للمأسي والفاجعات .
واحتبس المرأة في مخبأ عطر وهّاج، تتلهب حوله الأعناق ، وتحترقالأنفاس ، وتذوب القلوب ، فكأنما ما برحت (شهرزاد) بطلة (ألف ليلة وليلة ) ، تتجدد على مسرح الزمن ، في مجتمع الشرق يوماً بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ! (1) .
يرد الدكتور "محمد غنيمي هلال " ، ظاهرة هذا الحب الشرقي المثالي عند العرب الى عاملين اساسيين: (2)
أ- الفروسية التي تمتع بها العرب ، والتي كانت منبعاً للفضائل مثل الكرم ، والشجاعة، وحماية الجار، والصدق ، والنخوة ، والعفة ، والوفاء ، والتضحية ، وهذه دعائم الحب النبيل ، حب يكتنفه الحرمان ، ويطيب للمحب فيها العذاب .
ب- انتشار الإسلام في المجتمع العربي : هذا الدين الذي هذّب العاطفة ، وضرب حولها جداراً من العفة ، وصون العرض ، والشرف .
ولعل حياة العربي في بيئته ، وتفاعله الثقافي ، والاجتماعي ، والاقتصادي في هذه البيئة ، قد حدد نوع الحب الذي يلائم هذه البيئة … فالمجتمع الذي عاشه العرب ، وأثروا ، وتأثروا به ، مجتمع رعوي زراعي بدائي ، يعتمد على عوامل البيئة في الانتاج ، ويبتعد كل البعد عن التكنولوجيا ، والتقنية ، ان هذا المجتمع كفيل بتقوية المعنويات والروحانيات في حياة العربي ، ويجعلة أكثر اهتماماً بالقيم ، والمعايير الاجتماعية ، وبالفضائل ، والحياة العاطفية .
من هنا فقد كان العرب فرساناً ايضاً ، في تجاربهم العاطفية ، وأبطالاً لحكايات الحب ، على مستوى الأدبين الرسمي والشعبي على حد سواء . فقيس وليلى هما أشهر رموز هذا الحب العفيف في صدر الإسلام . ومن قبلهم "ليلى والبّراق"، ثم عنتر وعبله قبل الإسلام . أما بعد هؤلاء فقد ظهر " عمر بن أبي ربيعة " - ملك الغزل -بلا منازع(3) . وقد حوت الكتب الأدبية العربية الكثير من هذه الحكايات ، ولعل أول هذه الكتب : " التيجان في ملوك حمير " وهو مكون من عدة حكايات حب ، أولها وأهمها : حكاية " مضاض الجرهمي ، ومي " وكتاب " الزهرة " لأبي بكر محمد بن داود الأصفهاني . وقد حاكاه ابن حزم الاندلسي في كتابه " طوق الحمامة".
ان حكاية " منصور بن ناصر " واحدة من قوافل هذه الحكايات العاطفية العربية … التي تزخر بالعاطفة والفروسية،وما نجم عنها من قيم وفضائل توجت بالتفاني ، والتضحية ، والفناء في سبيل إبقاء فكرة الحب مشتعله ، وقصصه باقية تنتقل من جيل لآخر، يتوارثها الآباء عن الأجداد ، وينقلونها للأبناء . وسنتناول في هذا الفصل تحليل هذه الحكاية الشعبية بكل ابعادها ، وعناصرها ، وما تمثله في زاوية الحب العاطفي العربي .
==عناصر حكاية منصور بن ناصر== (4)
البيئة
قصة الحب هذه يمكن أن تحدث في اي بيئة عربية بدون تحديد ، ولكن الرواه (5) يصرون أن مسرح هذه الحكاية هو قرية العطّاره (بالفتح مع تشديد الطاء ) بمعنى إكليل ، وكانت تعرف في العهد الروماني باسم (أتاروس) ، تقع في الجنوب من جنين بانحراف نحو الغرب، وتبعد عنها عشرين كيلومتراً ، وترتفع (325 متراً) عن سطح البحر ، بلغ عدد سكانها سنة 1961 حوالي 400 عربي ، يشربون من مياه الأمطار(6) ، ويبلغ عدد سكانها حالياً حوالي 1000 نسمة ، يعملون في الزراعة ، وفي قطاع الوظائف . وإصرار هؤلاء الرواة على تحديد "العطاره " مسرحاً للحكاية، نابع من عدة دلائل ، وقرائن واسباب نوردها على النحو التالي :-
أ- توارث الآباء عن الأجداد هذه الحكاية ، وتبني السارد في كل هذه الأجيال قرية العطّارة ، بيئة لهذه الحكاية .
ب- هناك قرينتان مكانيتان في القرية تشيران الى مكان سكن منصور ، ونجم بطلي الحكاية وهما :-
- قصر منصور : بيت قديم من الطين والحجر على شكل (عقّاد ) وهو نمط معماري ساد فلسطين في القرن الماضي ، وتميز هذا العقد عن أمثاله ، بوحدة (تصريف مائي)، أقيمت كقنوات طينية داخل القصر ، مما ميز صاحب القصر ، وتلاءم مع نمط معيشته ، فمنصور كان يمثل الشخصية الأرستقراطية مقارنة مع مواطنيه(7).
-بير "بحر" : بير روماني كبير لجمع مياه الامطار ، تابع للقصر ، يبلغ عمقه 15 متراً وقطره 14 متراً . وهذا البير الضخم كناية عن امتلاك منصور لوسائل الانتاج الزراعي، حيث امتلك الرجل مالاً ، وحلالاً ، جعله يتسنم الجاه والوجاهة في القرية(8): ويقول الموروث الشعبي في القرية أن هذا البئر قد شكل درع الأمن المائي للقرية في أيام الطوشات الإقطاعية التي كانت تحدث أيام الدولة العثمانية ، حيث كان الإقطاعي يرسل جواسيسه، ليروا مستوى الماء في البئر ، وبناءً على هذا المستوى ، يفكر رجال الإقطاع بتطويق البلده أو تأجيل الطوق فإن كان البئر مليئاً بالماء ، احجم الإقطاعي عن الغزو ، وإلاّ هجم ، وخرب، واخذ اسرى.
3- تبني أهل البلدة للشعر في حكاية منصور ، واستخدام هذا الشعر في الأعراس والأفراح ، يغنون هذا الزجل ، والحدادي ، وهم على قناعه بأنهم يغنون لإبن بلدهم ، ولقريتهم .
4- شيوع المثل الشعبي في المنطقة : " الزين زين العطّارة " وهذا ورد في شعر منصور ، وتتناقله الشفاه ، من خلال الزجليه ، أو على شكل مثل نثري … ومما يدلل على مدى انتشار المثل ، حكى لي السارد (9) : "مر رجل غريب في القرية ، شاف نسوان قاعدات على عتبه دار ، ولا وحدي عليها العيـن ، فقللهن : ولـَوْ بقولـوا الزين زين العطـــّارة ،
قصر منصور : هدم سنة 1980 وبني مكانه بيت جديد . قللهن: قال لهن
شاف : رأى
والله ماني شايف الزين ، في وحده فيكن ، فردت عليه : " عليه الشريف " : يا خوي : إحنا الخَدّامات ، والزين اللي بقولوا عليه مظبوب في الدور ومسكر عليه .. وانطلاق المثل ، وانتشاره جاء من وحي الحكاية ، وتحديداً من جمال نجم، من باب تغليب الجزء على الكل ، أو كأن جمال نجم عطر فوّاح ، انتشر في المكان وعلى كل السكان ، في إطار من الحب العاطفي الملحمي. 5- يطلق اسم " ناصر " على إحدى العائلات في البلدة ، وتشكل هذه العائلة ما نسبته 25% من سكان القرية ، بينما تشكل عائلات : حنتولي ، ورابعه ، ونمر ، وابو دياك ، وخنفر ، وأبو علبه ، النسبة الباقية ، ولعل منصور هو أحد افراد هذه العائلة ، وهذا ما يستدل عليه من التسمية …
6- يقول الموروث الشعبي في القرية(10): في سنة من السنين كانت البلده مدينة ضريبياً ، لأحد الإقطاعيين ، ولم يكن باستطاعة البلده تسديد ما عليها من دين ، ولما كان الإقطاعي قد سمع عن جمال نجم ، اشترط على الناس في القرية ، أن يروه نجماً ويعفيهم من مديونيتهم ، وهكذا كان . رأى الإقطاعي نجماً ، وقد مرت من أمامه ، وأعفى البلده من دينها .
وسواء أصحت هذه الدلائل ، وحددت بيئة الحكاية في قرية العطّاره ، أم لم تصح ، فإننا نستطيع تخيل بيئة الحكاية ، من وحيها ، وهي بالقطع بيئة زراعية بسيطة ، اعتمدت على الرعي بدليل أن البطل كان ماني شايف الزين : اي لا أرى جمالاً
لا وحدي عليها العين : كناية عن بشاعتهن عليه الشريف : مواطنة من القرية توفيت سنة 1979 مظبوب : مخزون
راعياً لحلال القرية ، وهذه البيئة كانت قليلة السكان ، حيث استطاع أربعون فارساً - كما تقول الحكاية _ تنفيذ ما أرادوا في غزو البلده ، وخطف نجم ، دون ان يحرك السكان ساكناً ، ودون أدنى مقاومة منهم .
البطل
أول ما يلفت الإنتباه ، هو الإيحاء المنبعث من إسمي بطلي الحكاية . الا يوحي اسم البطل منصور بن ناصر ، بالفوز والنصر ، ومهما خاض هذا البطل من صراعات ؟! كذلك الأمْر في اسم البطلة نجم : يوحي بالجمال المتلآليء ، والعلو ، والسمو ، والتميز ، فعنوان الحكاية ينبي بموضوعها ولا يعطي مجالاً للشك في ان هذا العنوان هو مقدمة قصة حب عاطفية . أمر ثانٍ يثير مزيداً من الانتباه ، وهو خروج بداية الحكاية عن المنحى التقليدي للحكايات الشعبية، -خصوصاً الريفي منها - حيث لم نجد بطلاً فقيراً، أو مظلوماً(11) ، وانما وجدنا منصوراً ، صاحب عز وجاه ، يملك مالاً، وحلالاً ، وجدنا أميراً غير متوج . يتمتع بمستوى اجتماعي رفيع ، ومستوى اقتصادي ارفع ، يدعم هذين المستويين ، فروسيته ، وشهامته ، وكرمه ، فالبطل يتطوع أن يرعى "عجّال* " القرية مجاناً ، وهذه شهادة تؤهله أن يكون الأقوى في مجتمعه ، حيث حماية العجّال زمن " الحرمنه " واللصوصية تستدعي فارساً قوياً مثل منصور ، كريماً خيّراً يعمل بلا مقابل، في زمنٍ " عز فيه القرش " ، يفتح ديوانه،ومضافته للناس وللشعاّر يسهرون ، ويسمرون ، ويغنون فيها ، تحت عباءة البطل . ولعل كل هذه المؤهلات هي التي دفعت الناس لمحبة البطل ، والتعاطف معه في كل محنة - كما نلحظ من مجمل الحكاية - فالبطل ليس فقيراً -أو عادياً - كما هي غالب الحكايات الشعبية - يصارع من أجل الوصول، بل تبدأ الحكاية ببطل مميز ومع تميز هذا البطل ، الإّ أن الحكاية لا تحكي قصة اصله ، وفصله ، وإنما أجملت ذلك، ببطل غني ، نشأ يتيماً في كنف أمَّ ارملة . وشب فارساً ، ومن خلال الحكاية نستقرئ صفات أخرى لمنصور ، كالذكاء، والدهاء والمهارة في التجارة .
ويتقاسم بطولة الحكاية مع منصور مناصفة البطلة " نجم" ونجم في الحكاية تظهر ايضاً بشكل غير تقليدي ، فهي ليست " سندريلا " جميلة مدلله ، تنتظر " الخطاب" ، ويجبرها أهلها على الزواج حسب أهوائهم : بل "نجم " في الحكاية ، بطلة جميلة ، تحب ، وتكره ، وتستطيع تحديد مستقبلها مع من تحب ، وتناضل بطريقتها لكي تصل للحبيب ، ولا تنتظر الأقدار تلعب بها ، انها تختلف مثلاً عن بطلات حب كثيرات ، مثل " ليلى قيس " ، التي أبعدها أهلها عن الحبيب ، وزوجوها على أهوائهم - خوف الفضيحة - ، ولم تملك "ليلى" غير دموعها ، وتوسلاتها الصامته ، سلاحاً للقرب من الحبيب ، وهذه الطريقة السلبية لم تجد نفعاً أما القيم والمعايير العربية ، ومفاهيم القبيلة أو العشيرة .
تشير الحكاية الى فاعلية نجم ، في عرضها عاطفتها على منصور ، في أول لقاء ، وتلك الحيلة التي ابتدعتها نجم للوصول الى قلب منصور ، من أول لقاء (حيلة حمل الغداء له)-(12) ، كذلك تفاعلها بإيجابية مع حيلة منصور (الشيخ ) ، ومساعدته على خطفها ، ونرى كيف خرجت من ورطتها مع الإقطاعي بشكل يصون عفتها ، وشرفها ، وتزداد هذه الفاعلية باشتراكها بالسيف في معركة مرج ابن عامر ، بين منصور والفرسان ، من هنا فنحن أمام بطلين ، واقعيين ، غير تقليديين ، يستطيعان أن يسطرا لا حكاية حب مسطحة فحسب ، بل رواية حب ، أو ملحمة عاطفية تدور دوران الأجيال ، والسنين ، والأيام.
وكما أن الحكاية لم تهتم ، بمولد ، ونشأة البطلين ، وإنما انصب اهتمامها على فترة البلوغ والعبور الى النضج والزواج ، كذلك فإنها لم تهتم بالأبطال الآخرين ، واعتبرتهم هامشيين ، وظفوا فقط كديكور للحكاية ، أو لوصل بعض الأحداث ببعضها، وتسير القصة على امتداد زمانها ، لبلوغ غايتها ، فأم منصور مثلاً : تطل علينا في حزنها على ولدها العاشق ، حين رحل عنه المحبوب ، ونراها في إطلاله ثانية تكرم ضيوف منصور (الشعار).
وثالثة كجزء هامشي مكمل في قضية (نجم وحاكم كفر راعي ) ، ولا يعود لها فاعية او ذكر بعد ذلك ، بل تغيب أو تغيب ، فلم نراها تتفاعل التفاعل المناسب ، أثناء خطف نجم من بيت زوجها ، ولم نراها مثلاً تسأل عن نتيجة معركة خاضها ولدها مع اربعين فارساً ، فلم تسافر مثلاً ، ولم تعمل اي حيلة لتعرف ، هل ما زال ابنها حياً أم لا .
كذلك الأمر بالنسبة للأبطال الآخرين ، فسكان قرية ، لا نرى فاعليتهم إلاّ في تهجير أهل القرية . وبعد ذلك يغيبوا ، أو يقفوا سلبيين . ولا يختلف الوضع بالنسبة ، لأهل نجم ، او الفرسان الأربعين ، أو البراك، أو حتى الحاكم الإقطاعي ، فكل بطل من هؤلاء ، يرسم له أن يري وجهه وفاعلية محدودة ، وبعدها ينتهي دوره ، وتكمل الحكاية مسيرتها .
يعلل د. شريف كناعنه (13) ظاهرة ظهور الأبطال واختفائهم في الحكاية الشعبية بقوله: " في الأساطير الشعبية ، كما في معظم الحكايات الشعبية ، هناك دائماً ميل لوضع شخصيتين فقط على المسرح ، في وقت واحد . وفي أحيان كثيرة ، لا يكون في الحكاية كلها أكثر من شخصيتين ، والسبب هو أن الحكاية الشعبية تنقل عادة ، أو تصور صراعاً ، أو نزاعاً بين طرفين ، أو قوتين ، يمثل كل منهما شخص في وقت واحد " وتكون الشخصيات الأخرى في هذا الوضع هامشية ، أو ثانوية . ويكون حل النزاع - عادة - لصالح الطرف الذي خلق الحكاية ، أو ينتمي للوسط الذي أوجدها ، وفي هذا الحال يكون الحل أشبه بتحقيق أمنية .
إن هذا التعليل يتلاءم مع حكايتنا، فالهدف منها الوصول لغاية " لحمة قلبين " والقوة الأخرى التي تجابه هذه الغاية هي : مفاهيم العرب ، واستجابة هذه المفاهيم لمواقف العاطفة ، وقصص العشاق ، تحت راية القاعدة التي كانت تقول : " أن العاشقة يجب أن تتزوج إنساناً آخر ، غير عاشقها " تحت ذريعة الخوف من الفضيحة ، وصون الشرف ، والعفة ، لهذا كان وضع الحكاية ملائماً لظهور بطلين اثنين رئيسيين ، بينما يطل الأبطال الآخرين لحدث هامشي ما وينتهون او يغيبون .
الزمان
يتمثل عنصر الزمان في الحكاية في مفهومين :-
الأول : زمن حدوث الحكاية . في اي عصر سياسي ، أو تاريخي .
الثاني : كم من الزمن استغرقت هذه الحكاية ، أي الفترة الزمنية التي استغرقتها - كما يقول المثل الشعبي - " من طقطق للسلام عليكم " ، وهذا ما نعالجه في عنصر الأحداث ، لأنها القرينة الدالة على الزمن لمحاولة تحديد المفهوم الأول ، أي عصر حدوث الحكاية ، نحتكم لمعيارين اثنين :
المعيار الأول :
تحديد راوي ، أو سارد الحكاية(14)، حيث اشار صراحة أن الحكاية دارت أواخر العهد العثماني ، حيث سادت عمليات السرقة ، واللصوصية وكانت " الحرمنة " في تلك الفترة تعتبر نوعاً من الفروسية ، والمراجل . واذا أردنا ان نغامر أكثر ونحدد عبارة " أواخر العهد العثماني " فاننا نعتبر أن آخر قرنين من زمان الإمبراطورية العثمانية حيث ساد الإقطاع ، والفقر ، والجهل ،والقيم الاجتماعية السلبية ومنها مرجلة السرقة ، وظهور التعصب للعائلة ونفوذ الإقطاعي ، - هما زمن حدوث الحكاية وتداولها بين الناس ، وانتشارها . وبهذا يحتمل أن تكون احداث الحكاية قد دارت في أي وقت بين 1700-1900 .
أما المعيار الثاني :
فهو الاحتكام لنظرية الجزيء (Motif ) (15) :-
وتتلخص هذه النظرية في أن الموروث الشعبي صيغ بواسطة أجيال عديدة متلاحقه كتعبير عن تفاعل الإنسان مع الطبيعة ، من جهة ، ومن تعامل الإنسان مع اخية الإنسان ،من جهة أخرى . * من طقطق للسلام عليكم : أي من البداية للنهاية وما الحكاية - كفرع من هذا الموروث - إلاّ بناء مكون من جزيئات (Motifs ) ولكل جيل من الأجيال ، جزيئاته المميزه له ، وتفاعل هذه الجزيئات ، والتي تمثل مراحل حضارية مختلفة ، وتشكيل علاقة بينها هو ما يسمى بالنمط . فلا عجب إذن أن نسمع في قصة واحدة : صورة للغول ، وصورة للعبادة والتدين ، (صوم ، صلاة ) مثلاً ، وصورة المدرسة والمعلم . وكل صورة من هذه الصور تنتمي لعصر حضاري معين ، يمكننا من تخمين الزمان التي سادت فيه هذه الصور . فالحكاية تبعاً لهذه النظرية عبارة عن منظومة من الاحداث ، صاغها أو قام بأحداثها بطل فرد واحد في زمان ومكان معينين ، ولكن الجماهير شاركت فيما بعد بصياغة الحكاية ، من خلال قبولها للحكاية ، وتعديل صورتها ، وتهذيب صياغتها لتناسب الذوق الشعبي ، قبل ان تتداولها الجماعة ،واثناء تداولها .
وقد تبدو هذه النظرية عاملاً من عوامل التشتيت في تحديد زمان الحكاية ، ولكنها أكثر ملاءمة لمفهوم الحكاية ، وتكونها، وانتشارها ، وسيرورتها . بالاضافة لذلك فإنها تتلاءم مع المنهج الاجتماعي في تحليل الحكاية ، ذلك المنهج الذي يعتبر الحكاية مرآة للمجتمع الذي انتجها ، ويهدف بالتالي للكشف عن صورة المجتمع صاحب الحكاية ، والوقوف على العوامل التي اثرت في تشكيل حياته(16) . ويظهر التحليل بهذا المنهج ، مفاهيم المجتمع، وقيمه ، وعاداته وتقاليده ، ومثله ومعاييره ، وعند استعراض جزيئات الحكاية ، ومحاولة تطبيق هذا المنهج عليها تتضح لنا الملامح التالية :
- سرقه العجّال : كما اسلفنا ، فإن السرقه انتشرت في فترة انحطاط الدولة العثمانية ، وتغيرت قيمة السرقه الرذيلة ، الى قيم من الرجولة ، والفروسية ، وذلك في ظل الفقر ، والقحط ، وفرض الضرائب ، والأتاوات على المزارعين ، وتحت نفوذ خيمة العائلية والاقطاع.
-الشعّار (القصّاد) ، أو المداحون : ملمح من بقايا ملامح البداوة ، وظف في بيئة زراعية مستقرة ، واستخدمت " الربابة " كآلة موسيقية وترية شعبية لتساند الغناء الشعري ،ولعل ظاهرة (الحدّا ) ، أو الزجال ، وما يقوم به في الأعراس ، هو صورة أو امتداد لتلك الظاهرة والتي درست معالمها نتيجة لتطور حياة الناس وثقافتهم .
- المطحنة المائية : (بابور الطحين ) : آلات بدائية بسيطة ، تدار بواسطة الحيوان ، وبقوة الماء ، حيث يدور حجر كبير يؤدي دورانه الى طحن الحبوب المتواجدة تحته .. ظلت هذه الطريقة في طحن الحبوب مستمرة الى منتصف القرن الحالي تقريباً ، وهناك شواهد ما زالت ماثلة للعيان في منطقة الفارعة ، والباذان ، على هذه الأنواع من المطاحن ، فهناك بقايا المطحنة الميثلونية ، والياصيدية ، والطلوّزية وكثيراً ما وردت المطحنة(17) كمسرح لجزء من أحداث الحكاية الشعبية . والسبب في ذلك -في رأيي- لأنها كانت تمثل وسيلة إنتاج ضخمة، مقارنه مع وسائل الإنتاج البدائية في القرون التي سبقت القرن العشرين ، ونتيجة لإرتباط رغيف الخبز ، بالأمن الغذائي في تلك الحقب التاريخية ، وخصوصاً في ظل عهد العثمانيين، حيث فقد هذا الخبز والتقط الناس الحبوب من روث البهائم ايام " سفربرلك " وحروب الدولة العثمانية .
-الحياة الدينية : تشي هذه الحكاية ، بملامح حياة إسلامية ، تظهر بطلب منصور يد نجم من أهلها على سنة الله ورسوله ، وتظهر ايضاً في تقمص منصور شخصية "خطيب" أو إمام ، يؤذن للصلاة في غير وقتها .. نستطيع بسهولة تبرير هذا (الموتيف) في حكاية منصور ، وذلك نظراً لشيوع الدين الإسلامي في شرقنا العربي ، ولكن العنصر الذي لا نستطيع تبريره بسهولة في الحكاية ، هو مسالة الخطف ، وتناقض * خطف الرجل لزوجته رغماً عن اهلها - مع مفاهيم وقيم الإسلام .ونجد كذلك أن أهل العطّارة ، (المجتمع الذي عاش فيه منصور)، لم يستنكر قضية الاختطاف هذه ، ولم يشجبها ، بل كان متعاطفاً مع البطل، فهل تلاءمت مسألة الخطف أيضاً مع المفاهيم والعادات والقيم العربية ؟…
لالقاء مزيد من الضوء على مسألة الخطف هذه نضعها في مجال احتمالين :- الأول : ان هذا الجزيء (الخطف) هو من مخلفات المعتقدات الأسطورية الأولى ، فكما تقول الدكتورة نبيلة ابراهيم " لم تكن الأسطورة - في الحقيقة - سوى وسيلة للتعبير عن صراع الإنسان مع نفسه ، ومع عالمه الخارجي في الوقت نفسه ، فلما مر الإنسان بعد ذلك بمرحلة حضارية تالية للمرحلة الأسطورية ، وانشغل بعالمه الأرضي الى حد كبير ، ظل الإنسان يعبر عن تجاربه الداخلية في شكل يتفق مع مزاجه الحضاري الجديد(18) إن عالم الغول ، والجن ، في الحكاية الشعبية زاخر باحداث الخطف، وإذا رجعنا إلى عالم الأساطير الأول حيث الماء ، والنار، والهواء، والتراب ، كانت أبطالاً فإننا نجد أيضاً أن عملية الاختطاف كانت تتم ببساطة - تمشياً مع سرد حكاية ، أو ربطاً لأحداثها ، أو حلاً لعقدة ما في الأسطورة… وحسب هذا التحليل نجد مسألة (الخطف) في حكاية منصور ، قد حدثت بمنأى عن القيم الإسلامية ، أو العادات العربية ، وحدثت بشكل طبيعي غير مستهجن ، لأنها وليدة حقبة تاريخية لم تكن مستهجنة فيها.
الثاني : " الخطف ليس عادة عربية ، ولكن قضية اختطاف الفتاة ، كانت عادة درجت عليها بعض الشعوب في الزواج ، أما بالاختطاف الفعلي ، وإما باجراء طقوس الزواج بتمثيل الاختطاف، كما هو الحال عند الجالية الشركسية في بلاد الشام(19) . وهذا يبين أن هذا العنصر ليس عربياً ، وإنما هو وليد ثقافات غير عربية ، وتمازج مع الثقافه العربية نتيجة التاثر والتأثير . وهذا الاحتمال يتساوق مع قصصنا وحكاياتنا العاطفية العربية ، حيث لم نر اي ذكر للخطف في قصص قيس وليلى ، عروة وعفراء ، وعنتره وعبله …. الخ ولم يلجأ البطل لهذه الأداة ، وقد يكون قادراً عليها كما في حكاية عنترة مثلاً .
يدرس "فون ديرلاين(20) " الاحتمال الأول في تحديد هذا الجزيء ، حيث يشير الى عادة (الخطف) بقولة : وكثيراً ما يختطف أبطال الحكاية الشعبية والخرافية الفتيات اللائي يتزوجون منهن ، ويقودونهن بعيداً عن اسرهن ، ولهذا يخفي الاباء بناتهم ، أو يكلفون خطابهن الذين يرغبون في الزواج منهن بواجبات تبدو غير ممكنة التحقيق وليس هذا مجرد خيال ، فعادة اختطاف العروس ترجع في الحقيقة الى عصر مبكر" . ولربما هذا العصر المبكر ، هو العصر الذي حددته الدكتورة نبيلة ابراهيم ، وهو العصر الأسطوري ، ومهما يكن من أمر ، فإن أحد الاحتمالين ، أو الاثنين مجتمعين قد يبرران هذه المسألة.
-ماء الحياة : ينبي الايحاء الأولي لهذا الدواء ، على أنه نقيض الموت ، وتركز الحكاية الشعبية على فاعلية بطلها ، والفاعلية ايضاً هي نقيض الموت ، حيث يعني الموت في الحكاية الشعبية نهايتها . إن هذا الدواء الأسطوري الذي يعالج البطل ، وينقذه عادة من الموت ، نجده في مغامرات ابن الملك(21) . حيث الملك يقتل كل طبيب يعالج ابنته ، ولا يتحقق الشفاء على يديه ، إلى أن تأتي الحكاية بطبيب متصل (بنسر غول) ، فيأتي بهذا الدواء ويعطيه للطبيب الأخير ، وتشفى بنت الملك .
ان كل شبر في جسد نجم ، فيه ضربة سيف ، وجرح ينزف ، ولم يتركها المهاجمون إلاّ وقد ظنوا أنها ميته . وهنا تقف كل الأدوية عاجزة عن شفائها ، إلاّ دواء أسطوري واحد ، ألا وهو "دوامية الحياة " فيتوسل به السارد ، لكي تتناوله نجم بواسطة الطبيب (حكمون) ، وتشفى نجم ، وتعود لها فاعليتها ، لتستمر الحكاية .. وتربط الحكاية هذا الدواء الخرافي ، بحكمون ، وتميزه بأنه يهودي ، الا نلمح هنا تسلل الدهاء اليهودي ، الى مخيلة الموروث الشعبي ، ربما نلمح ذلك ، وربما لمحنا أيضاً ارتباط هذا الدواء السحري، بالخزعبلات ، وأدوات السحر، (والحجابات) التي تميز بها اليهود ، أو هكذا بدت في مخيلة الموروث الشعبي .
-الثوب المختم باللولو: إذا كان العاشق يضحي بحياته من أجل معشوقته، فمن باب أولى أن يضحي بكل ما يملك في سبيلها ، إن الثوب المختم يضعنا أمام عنوانين الأول : مدى حب منصور لنجم ، وثانيهما وهو الأهم المستوى الاقتصادي الذي نعم به بطل الحكاية منصور ، في ظل مجتمع زراعي رعوي فقير ، ولرفع قيمة هذا الثوب - في الحكاية - إتصل بعنصرين مكاني ، وبشري غريبين عن بيئة البطل .
فالثوب النفيس لم يكن ابن بيئته ، بل سافر منصور لجلبه من (مصرالعديه ) ، وهذا في رأيي - رمز لمكانة مصر الرفيعة في البلاد العربية ، ولكن الغريب ، أن الثوب لم يكن من صناعة مصرية عربية ، بل كان صناعة أجنبية ، صنعه الخواجا ، وهذا في رأيي -رمز لمكانة الصناعة الأجنبية الرفيعة في عقلية العربي ، والتي ما زلنا نعاني منها حتى في وقتنا الحاضر .
راح عَ مصر العديه تا يجيب الثوب لحبابو
ما خللا ولا دكــان إلا وقف عَ بابو
إلاَ دكــان المتيم من العجل خلعلو بوابو
قام الخواجا مرتث محروق عظام الي جابو
شو بتؤمر يا منصور شو بدك لحبابو
قللو بدي الثوب المختم باللولو لحد كعابو
قال الخواجا : تفضل يا منصور ريته مبارك ع صحابو
والخواجا متيم في حكاية منصور ، ليس بدعة جديدة ، بل نجد انواعا مختلفة من هذه العناصر غير العربية في ثنايا حكاياتنا ، والخواجا في الحكاية الشعبية ، غالباً ما ينظر اليه نظرة المغضوب عليه، لأنه يرمز إلى الإنسان المستغل ، المحتكر ، الذي يتاجر بكل شيء حتى بشرفه ، من أجل كسب المال ، وهذه النظرة (الميكيافيلية) هي التي جعلت منصوراً يشتمه مثلاً : "محروق عظام اللي جابو " .. ، والخواجا (مرتث) أي خائف لا يحرك ساكناً ، نتلمس هنا أن لسان حال منصور يقول : خذ غايتك من المال -يا من تحب المال حباً جماً -وأعطني حاجتي ..
ويبدو (خواجا) آخر ، في حكاية أم المصائب(22) ، تستخدمة البطله مطية ، كي تبرهن لابليس أنها أقوى منه ، وملخص الحكاية : أن امرأة تحدت إبليس في قوتها ، وادعت أنها أقوى منه .. فقام ابليس لتوه وفتن زوجين سعيدين بحياتهما ، وأدت الفتنة الى طلاق .. وعاد ابليس الى المرأة مفتخراً بعمله ، وحيلته ، التي اودت الى طلاق الزوجين . واعتقد أنه منتصر لا محاله . وما كان من المرأة إلاَ ان ذهبت الى الخواجا التاجر الداهية ، (الذي أكل البلد وشربها) وادعت ان ابنها يحب فتاة ، وأنها تريد شراء منديل لها من دكانه ، لكي يهديه ابنها لفتاته، وهنا يشعر الخواجا بمدى حاجة المرأة للمنديل ، فيبالغ في ثمنه ، تدفع المرأة ثمن المنديل، وتضع عليه علامة على مرآى من الخواجا ، ثم تذهب الى بيت الخواجا ، وتطلب من زوجته ماءً كي تشرب ، وتستريح من عناء السفر ، وتذهب الزوجة لاحضار الماء، فتضع المحتاله المنديل تحت وسادة الخواجا ، تخرج المرأه من البيت ، ويرجع الخواجا، ويجد المنديل الذي باعه تحت وسادته ، فيطلق زوجته ، ويقعد مهموماً حزيناً ، وفي اليوم التالي ترجع المرأة لبيت الخواجا ، مدعية ، أنها مرت بالبيت ، واستراحت فيه ، ونسيت منديلها ، فيعرف الخواجا أنه أخطأ في حق زوجتة ، وتتطوع المرأة بإرجاع الزوجة لبيت الزوجية من بيت أهلها ، وهكذا كان ، وفازت المرأة على ابليس ، حيث دمّر ابليس بيتاً ، بينما هي دمرت بيتاً وكانت قادرة على إصلاحه مرة ثانية .
" وخواجا حكاية بائع الماء" مظهر آخر من مظاهر الطمع ، والجشع ، والاستغلال وحب المال ، فالسقا عزم الأمير عَ جوز حمام ، وقبل تناول الطعام سأل الأمير : أي جزء من الحمام ألذ ؟.. أجاب السقا : الجلد ، فأكل الأمير جلد الحمام ، وطاب له المذاق ، فأنعم على السقا ، واصبح السقا غنياً ..
ويسمع الخواجا التاجر ، القصة ، فيعزم الامير على جاموس ، وذلك لمزيد من الكسب المالي ، وهنا يسأل الأمير قبل تناول الطعام : أي جزء من الجاموس الذ ؟.. فيسارع الجشع ، وكل تفكيره وهمه بالمصاري ، الجلد .. ويحاول الأمير أكل الجلد ، ولكن لا يستطيع ذلك ، فيأمر بمصادرة أملاك الخواجا ، وسجنه ..
ان هذا الجزيء في الحكاية، ينبي - بلا أدنى شك - عن نوع من العنصرية والاستعلاء العربيين ، مقابل العناصر غير العربية ، فخواجا منصور خائف ، (ومحروق عظام اللي جابو) ، بينما نرى الخواجا بلهجة التذلل ، يسأل شو بتؤمر يا منصور، ويجامل منصوراً (تفضل يا منصور)، فيجيب منصور : (بدي) بلهجة الأمر ، المرتكزة على ما يريده الخواجا من مال .
السقا: بائع الماء. عزم: دعا عَ: على جوز: زوج مصاري: مال
ونرى (الخواجا) في غالب الحكايات الشعبية ، صاحب صنعة ، وهذا ما يسقط نفسه على طبيعة مجتمع منصور ، والذي خلا من وسيلة الانتاج الصناعية هذه ، وظل يسير في بوتقة المجتمع الزراعي العاجز عن صناعة ثوب مختم باللولو .
-المغارة (الكهف): توحي فكرة سكن الكهوف بأيام ، الرومان ، والفرس ، فكثير من الكهوف التي وجدت في فلسطين ، تبين أنها تنتمي لأحد هذين العصرين ، والمغاره في حكاية منصور ، لا تعني سكناً ، بقدر ما تمثل تكيف الإنسان وتأقلمه مع وضع جديد ، فاذا خرج من بيته ، ونتيجة لظرف ما فإنه يسكن في أي مكان ، تحت صخره ، أو في مغاره ، أو حتى في الفلاه ، وإقامة منصور في المغاره كان نتيجة لمعركة كادت تودي بحياة حبيبته ، فأنسب مكان لعلاجها ، بعيداً عن الأعين ، هو هذه المغاره .
وردت المغارة في كثير من الحكايات الشعبية التي تظهر التحدي والقوة ، والحكاية التي وردت في (قصص شعبية فلسطينية ) (23) ، وحكايات جان من بني زيد(24) ، والتي تدور حول رهان بين الشباب الاقوياء ومن باستطاعته منهم دقّ وتد ليلاً في مغارة معروفة لهم، فيسرع أكثرهم شجاعة حاملاً وتده ، ليدقه في المغارة ، وهناك يدق الشجاع الوتد في جزء من ثيابه وفي الأرض ، فيثبت الوتد الرجل عندما ينوي الانصراف ، وقد أنهى مهمته ، وعندها يظن الرجل ان الجن امسكت به .. وينهار من الخوف ….. وتظهر هذه الشجاعة بشكل آخر، في قدره منصور على التاقلم في هذه المغاره ، وتعزز صورة الشجاعة هذه قوة منصور بإغلاق باب المغارة ، بالصخرة الكبيرة ، التي لا يستطيع رفعها إلا البطل ولم تكن المغاره والسكن بها ، والتكيف بهذا السكن ، المكان الوحيد ، لتحدي قدرة أبطال الحكايات الشعبية ، ولنسمع ما قاله صاحب الجفرا:
جفرا ويا للربع اتحط التبن في الخيش واللي جوزها نذل ترخي السوالف ليش
لهجر بيوت الحجر وسكن بيوت الخيش ودور مع البدو ووخذ بدويا
فتحدي فارسنا هنا ، هو في هجرة للسكن في بيوت الحجر ، ومقدرته على التكيف في بيت الخيش (الخربوش) ، وأن يرجع حضارياً للوراء ، ليعيش عيشة البداوة ، - على حد تعبيره. -مسك الختام في هذه (الموتيفات) هو ذكر الخابية في حكاية منصور ، نقول مسك الختام ، لأن الخابية ، ظهرت في الحكاية من أقدم العصور ، وحتى عصرنا الحالي ، والخابية هي مستودع الفلاح من الغلات ، حيث يحفظ غلاته فيها ، كانت قديماً طينية ، ثم تطورت ، وأصبحت تصمم من الخشب .
فالخابية موجودة في حكاية (نص انصيص والغول ) الأسطورية ، وما زال التداول بها في أيامنا هذه في بعض قرانا الفلسطينية .
إن تعبير منصور ، وهو يذرو طحينه - على خابيتنا الوسطى ، لدليل آخر على غنى الرجل ، وامتلاكه أكثر من خابية .
الأحداث
تتسلسل أحداث الحكاية -وكما هي الحكايات الشعبية-، في مقدمة ، وعرض ، وخاتمة.
يظهر البطل الفارس ، في البداية ، أمير بلدته ، في مسرح الحكاية ، وتهئ الحكاية أسباب لقاء نجم ومنصور الأول ، وفجأة وبلا مقدمات يقع منصور ضحية الحب أو لقصة حب إن هذا الحب والذي نتج من نظرة أولى هو الحب التقليدي في معظم حكايات العاطفة العربية، ومن سمات هذا الحب أنه يملك على الرجل قلبه ، وعقله.. بل حياته . ويقع في حب جنوني لا يتورع عن أي احتمال ، فهو حب بطولي ، وتوفر المرأة كل أسباب هذه البطولة، ومن سماته أيضاً : أنه إذا أحبت المرأة ، ولم يستجب فتاها فإنها تفشل في حبها ، وإذا أحب الرجل فتاته ، فلا بد لها أن تستجيب(25) .
وحكاية منصور العاطفية ، تدور في مجتمع ريفي زراعي ، حيث تم اللقاء الأول في البرية، وبين احضان الطبيعة ، وينطلق الحب من امتداد الطبيعة المطلق ، وما يرافق ذلك من اتكاءات على صوت (الشبابه)، أو مواويل العتابا والميجانا … وهذا هونمط الحب (الفلاحي)، -إن دق التعبير-، حيث ارتبطت الأرض والعمل بالزراعه ، بالحب والعاطفة ، عبر الأغاني ، والأهازيج ،والمواويل ، -وتكاد لا تخلو أغنية شعبية فلسطينية ، من ذكر للأرض ، أو ما نتج عنها من ثمر، شجر، زهر، حنون، ورد ……
مرت ما مرت مرت ما مرت ومرواد الكحل في العين جرت خبطت عَ العشبه والعشبه اخضرت ومطرح قدمها نبتت حنونا(26) وهذا مقطع آخر يقسم الأرض الى قطع مستطيلة (مارس) ، ويتغزل بالمعشوقه :
آه يابو ميلوية مر ما سلم عليه ، مر من بين الموارس مر وما أعطاني مارس (27)
والحصّاد يبدي فروسيته في الحصاد ، ويغني ، ومنجلة يسانده بالموسيقى :-
منجلي يا منجلا راح للسايغ جلا
ما جلاه الا بعلبه ريتها العلبة عزاه
منجلي يا بو الخراخش يا اللي في الزرع طافش (28)
عَل إحداهن ، تراه ، فتبدي الإعجاب بفعله ، وتحديه للقش ، وغناه على أنغام منجله الذي ربط فيه جرس صغيرة (عباره عن قطعتي حديد ) ، وكلما تحرك المنجل ، صدر صوت عن الجرس الحديدي . والراعي الذي كان "يقلب الأرض بشبابته (29) يردد على مسمع السارحات * (والمروحات)*:-
ياللي مريتي وبيدك لوحتِ بعدك بالسهل والا روحت
وقليبي والله انك سوحت* وطشيت* في الجبل مثل المجنونا
إن الأرض في الوجدان الشعبي ، مرتبطه بالعاطفه ، والحب ، والجمال ، وحتى مقاييس الجمال في المفهوم الشعبي مرتبطة بالأرض ، فالخصر عود الخيزران ، والخد حب التفاح، والنهد حبة رمان، والشعر حبل الجماّل… ، والحبيب يعمل في الأرض :
والزين زين العطّارة والزين ما عليه خسارة
والزين زارعلو شكارة يا لابس لبس الأمارة (30) .
السارحة : المرأة متجهة للعمل بالأرض طشيت : يسير بلا عقل شكارة: زرعة في أرض
المروحة : المرأه المتجهة للبيت من العمل الزراعي سوحت : أصبح القلب هيماناً
فلم يمنع الجمال ، وتزيين هذا الجمال (بلبس الأماره) ، من أن يعمل الحبيب بالزراعة ، ويزرع (شكاره) *.
من هنا ، فانه ليس من باب الغريب ، أن يلتقي العاشقان في البرية، وأن تدور معظم أحداث الحكاية المهمة في البرية، مثل السفر ، والرعي ، والتجاره ، والخطف ، وحرب الفرسان ، وحتى المستشفى الذي صممه منصور في مغارة …
ويتغير حال العاشق (منصور) نتيجة لأول لقاء ويتحول الأمير منصور، الى عاشق وله ، لا يهتم بمظهره ، وتملأعليه الحبيبة كل حياته ، وتغير الحال هذا نتلمسه في معظم -إن لم نقل في كل الحكايات العاطفية ، رسمية كانت أم شعبية، ونتلمس أيضاً فيها-كما نلمس في حكاية منصور-، ظهور هذا العشق في المجتمع، وقصته تدور على كل لسان ، مما يؤدي الي فضيحة – من وجهة نظر اهل الحبيبة - وتفشل الجاهة -أهل الحل والعقد في القرية -في إقناع أهل نجم من تزويجها لمنصور، (ولا تشرب الجاهة قهوتها) ، كناية عن مدى الفشل الذريع الذي وصل اليه اصحاب الجاهه في مداولاتهم مع أهل نجم ، وتسوء حال منصور أكثر نتيجة لهذا الفشل . ولكن الجاهة تنجح في إخراج أهل نجم من القرية ، وهنا ندرك مصدر قوة الجاهة في القرية، النابع من أمرين :
أولاهما:
عدم (توجيب) أهل نجم للجاهة ، وعدم إحترام أهل نجم للجاهة ، وذلك برفض طلب الجاهة (تزويج نجم من منصور) .
ثانيهما:
التعاطف مع منصور، الأمير، صاحب الصيت، والذي بدا محبوباً في مجتمعه .
في هذه المرحلة ، كان البطل ناراً تحت رماد ، ويحاول حبك الحيل، لاجتياز المرحلة ، وإثبات فاعلية البطولة ، وتنجح حيلة خطف نجم، بعد أن تقمص الحبيب صورة شيخ جليل، وتعرفه نجم وحدها ، لدى سماعها صوته الجميل ، وهو يؤذن للصلاه في غير وقتها … وهنا تظهر فاعلية البطلة في مساعدة البطل على اختطافها ، فالبطلة هنا ليست المرأة الجميلة، التي تنتظر قدرها ، وليست كما يقول علي الخليلي " إن جسد المرأة هو المرأه ذاتها في الوجدان الشعبي ، فهي جميلة ، أو بشعه ، طاهرة أو نجسه، بيضاء أو سوداء … (31).
بل نرى نجماً تضاهي منصوراً في فروسيته ، وتكمل الحيله ، وتشارك في عملية الخطف . ويتزوج العاشقان على سنة الله ورسوله ، ويقيمان في وضع شبه آمن فتره من الزمن.
وتصبح الكره في ملعب أهل نجم ، وتتوالى الحيل المضادة ، والتي كانت حكاية الإقطاعي مع نجم مقدمة لها ، وهنا نرى كيف حنى منصور رأسه للعاصفة ، وسمح لنجم أن تذهب للإقطاعي برفقة نساء المنطقة ، وهذا الملمح يشير الى كيفية ترتيب الأوراق ، والقوى السياسية في تلك الفتره -فترة الإقطاع- فمهما بلغت فروسية منصور، وقوته، وبطولته ، الإ أنه يقبع في ظل حياة إقطاعية، للإقطاعي فيها الكلمة الأولى والأخيرة ، ولا تجدي مجابهته بأي شكل من الأشكال .
ثم تتوسل الحكاية (بحادثة المطحنة) ، لكي تنجح حيلة أهل نجم ، وحيلة الخطف المضاد ، وتدور رحى معركة طاحنة ، فيها الكثير من المبالغة، ويخرج منها منصوراً سالماً معافى ، بينما تكون نجم بين الحياة والموت . وهنا يأتي دور (حكمون) الطبيب ، ويعمل الطبيب المعجزات لشفاء نجم ، وتشفى نجم ، الإ أن الطبيب يشترط على منصور بعدم الاتصال الجنسي معها مدة أربعين يوماً . إن ظهور الجنس في هذا الجزء من الحكاية ليس بالأمر الغريب، بل أتى وكأنه تتويج لهذا الحب المثالي ، وتتويج لانعدام المسافات بين الحبيبين، " حيث لوحظ أن المسافه التي تفصل بين اثنين تعتمد على مدى العلاقه بينهما ، وكلما زاد التقارب في المشاعر بينهما قلت المسافه التي تفصل أحدهما عن الآخر لتصل الى الصفر (32) إن هذه المشاعر بين الحبيبين لم تكن وليدة لحظتها.. بل تعاظمت ، وتأججت ، وتكاملت عبر صراعات ، وخوارق ، وأحداث اشبه بالمعجزات ، إذن ليس غريباً ان تختصر هذه المشاعر المسافة بين الحبيبين ، بل أن تلغيها تماماً ، وتصبح تلك المسافة صفراً .
هذه بشكل عام مجمل أحداث الحكاية ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضع هو: كم من الوقت استغرقت هذه الأحداث ؟… الإجابة بالقطع ، ليست قضية ايام، فالحكاية مبنية على مسلسل من الأحداث ، والتي يحتاج كل حدث منها لوحده (أياماً ) ..، وهناك لحظات سكون ايضاً غير محددة بزمن مثل "وتمر الأيام هانئة ، وديعة ، ومنصور في قصره، ونجمه المتلأليء حوله " … يجيب السارد (33) أن الحكاية استغرقت سنيناً ، قدرها بعشر سنين. ولكن في رأيي-أن التحديد هنا فيه نوع من التعسف والاعتباط، والحكايات الشعبية لم تحفل بتحديد ازمان لأحداثها ، فكثيراً ما نلحظ من الحكايات عبارات غير محددة لزمن مثل : في قديم الزمان ، وتمر الأيام والسنين ، (وابن الخريفيه بسرعه يكبر).. حيث يلد في جمله سردية، ويكبر في التي تليها مباشرة ..
وهنا أرى ان حكاية منصور حدثت في سنين ، ولكن تحديد عددها في غاية الصعوبة بل الاستحالة. وكأي حكاية شعبية تقليدية نستطيع أن نقسم أحداثها الى أحداث إيجابية لصالح البطل، وأحداث سلبية ضده . و يمكن تلخيص الأحداث الإيجابية في :-
-أرستقراطية البطل ، واحترام الناس له .
-دور الشعار ، واعلامهم منصوراً بمكان وجود الحبيبة المهاجرة .
-نجاح حيلة منصور وخطف نجم
-الحياة الهانئة نسبياً التي عاشها الحبيبان بعد نجاح حيله الخطف .
-الخلاص من الإقطاعي .
-سفر منصور وربحه من تجارته .
-انتصار البطل على المهاجمين (أهل نجم) .
-نجاح منصور في حيلته على الطبيب .
-شفاء نجم .
-الحصول على الثوب المختم باللولو .
أما الأحداث السلبية فنجملها في التالي:-
-رفض أهل نجم تزويج ابنتهم للبطل .
-رحيل أهل نجم ، ورحيل قلبه معهم .
-الإقطاعي ، وحكايته مع نجم .
-رحلته للفارعة لطحن الحبوب .
-نجاح حيلة المهاجمين واختطاف نجم .
-جرح الحبيبة جروحاً بالغة .
-شرط الطبيب في عدم الاتصال الجنسي بين الحبيبين، وموت نجم .
-إصرار البطل على الموت بجانب الحبيبه .
نتيجة لهذا التحليل نرى أن هناك توازن تقريبي بين السلب ، والإيجاب ، ونرى نتيجة لذلك موت البطلين ، في ظروف شبه ماساوية ، لكن هل كانت غاية هذه الحكاية تكمن في موت البطلين بهذه الصورة ، دون تحقيق أي هدف آخر ؟! ..
ان الجواب في رأيي : كلا .. إن غاية الحكاية النهائية تكمن في تخليد صورة من صور الحب الأفلاطوني ، فالحكاية تضحي ببطلين فاعلين، من أجل إحياء جذوة حب ،واشتعالها .. وإبقائها مشتعلة على مر الأيام والسنين ، وتنتقل من جيل لآخر .. إن قيمة هذه الحكاية في الموروث الشعبي ، كقيمة اية أغنية أو مقطوعة شعرية ، تطرب لها وتلتذ حين سماعها .. ، فهي لم تحفل بحياة البطلين ، بقدر ما حفلت بأن تطرب الناس بأحداثها ،وتجعلهم يتعاطفون ،ويتوترون ويلتذون تبعاً لنوعية تلك الأحداث وتسلسلها .
الخاتمة
الموت في الحكاية هو النهاية الزمنية ، يصل إليها الكائن الحي عند انتهاء الفاعلية، لأن الفاعلية تعني الحركة والاستمرار ، وبالتالي فهي تعني الحياة ، فاذا انتهت وصل الإنسان للجمود ، الذي هو الموت بعينه ، فالموت في الحكاية الشعبية هو السد الذي يمنع الأحداث من الاستمرار ، ويوقفها .
هذا هو معنى الموت في بنية الحكاية الشكلية .. لكن الموت في حياة العشاق له معان أعمق ، حيث يمثل الموت الفقدان الأبدي المطلق ، والرحيل الذي لا لقاء بعده .. ومن هنا كان إصرار منصور على الموت بجانب نجم .. لأن حياته لا معنى لها بدون نجم … ونجم هي حياة منصور .. فيسارع منصور للخلاص من (حياة بدون نجم ) علّه يلتقي بها في الحياة الأخرى .
ويصر الموروث الشعبي على لقاء الحبيبين من خلال لقاء الجمجمتين ، وما صورة اللقاء هذه إلا تعبيراً عن لقاء الحبيبين في الدنيا والآخرة ، وتخليداً لقصة الحب بينهما .. إن حكاية منصور ليست الحكاية الشعبية الوحيدة التي تظهر جمجمتين لعاشقين تلتقيان .. بل يزخر أدبنا الشعبي، والرسمي بمثل هذه الصورة .أو صوراً مشابهة لها.
عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال: كنت عند الرشيد ، فدخل العباس بن الأحنف ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد عملت شعراً لم يسبقني الى معناه أحد . فقال : هات ..! فأنشد:(35).
اذا ما شئت ان تبصر شيئاً يعجب الناسا
فصوّر ها هنا فوزاً وصوّر ثم عباسا
ودع بينهما شبراً فإن زاد فلا باساً
فإن لم يدنوا حتى ترى رأسيهما راسا
فكذبه وكذبها بما قاست وما قاسا
فنظر إليّ الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين قد سبق إلية فقال :
لو أن صورة من أهوى ممثلة وصورتي لاجتمعنا في الجدار معا
إذا تأملتنا ألفيتنا عجبـاً إلفـين مـا افترقنـا ولا اجتمعـا
فأعرض عنه الرشيد ، فقال والله يا امير المؤمنين ، وحق رأسك ما سمعت بهذين البيتين، فلما خشي الأصمعي أن يحرم الرشيد الرجل قلت: صدق والله يا أمير المؤمنين أنا عملت البيتين الساعة ، فأمر له بجائزة ، ولي بضعفها .
وفي رواية أخرى قال الأصمعي(36) وكان بيني وبين عباس شيء ، فقلت : مسترق يا أمير المؤمنين ، فقال : ممن ؟! .. قلت من العرب والعجم . قال : ما كان من العرب ؟! ..قلت : رجل يقال له عمر هوي جارية يقال لها قمر ، فقال :
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب البشرا
فصور ها هنا قمرا وصور ها هنا عمرا
فإن لم يدنوا حتى ترى بشريهما بشرا
فكذبها بما ذكرت وكذبه بما ذكرا
قال: فما كان من العجم ؟ قلت : رجل يقال له فلقاء هوي جارية يقال لها زورى فقال :
إذا ما شئت أن تصنع شيئاً يعجب الخلقا
فصور ها هنا زورى وصور ها هنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى ترى خلقيهما خلقا
فكذبها بما لاقت وكذبة بما يلقى
ويورد صاحب (تزيين الأسواق) (37) أنه لما قضت (عفراء) دفنت الى جانب (عروة بن حزام) فنبتت من القبرين شجرتان ، حتى إذا صارتا على حد قامه التفتا ، فكانت المارة تنظر إليهما ولا يعرفان من أي ضرب من النبات وأنشد فيهما الناس :
غصنان من دوحة طال ائتلافهما فيها فجالت صروف الدهر فافترقا
فصار ذا في يد تحويه ليس لـه منها براح وهذا في الفلاة لقــا
حنا إذا ذويا يوماً وضمــهما بعد التفرق بطن الأرض واتفقا
حنا على الأرض في أرجائها فحنا كل على الفه في التراب واعتنقا
إن هذه الصور في اللقاء في عالم الروح والمعنى ، تشير الى سيرورة الحكاية في المطلق ، وكأن الحكاية بلا نهاية ، فإذا انتهت الحكاية في عالم البشر الواقعي ، فانها تكمل المشوار ، ويلتقي البطلان في عالم الأرواح والمعاني .
الشعر في حكاية منصور بن ناصر :
يعبر الشعر في هذه الحكاية عن اللحظات الوجدانية التي عاشها البطل ، ويحاول منصور -أو الراوي الذي يصف أحوال منصور -أن يرسم بالشعر أحداث الرواية، فيمثل جزء من هذا الشعر، مناجاة منصور مع نفسه :-
مثل منصور بن ناصر بالهوى ما حدا جابو
وآجا على العطاره لقي العطّاره خرابو
وصف غزالك يا منصور وصف غزالك لا تهابو
وتتطور هذا المناجاة ، لتخرج من مجال النفس ، والشعور الداخلي، الى المجال البيئي الخارجي ، فتتمثل في حوار بين منصور وموجودات الطبيعة ، من طير ، وحجر ، وشجر … الخ .
وتتجسد هذه الموجودات في صور إنسانية تحاور منصوراً .. إن هذه الظاهرة هي ما عبّرت عنها الحركة الرومانسية ، وسمتها ظاهرة التجسيد (الشخصية ) Personification (38) :
صار يسأل حجار الدار يا يما وين احبابو
رد عليه غراب البين يا يما مصعب جوابو
وترد الحجارة : امش يا الله يا منصور عَّ السويدا لا تهابوا
ويرد الغراب : شالوا وشيلوا درب السويدا ميلو
ويورد د. عمر والساريسي(39) تجسيداً مشابهاً في حكاية "الرياشي":-
يقول الرياشي: والرياشي هيثم حيطان قلبي هدد البين سورها
سألتك بالله يا دار وين راحو أهلك هم اللي كانوا حماها وسورها .
ردت علّي الدار وأثنت اتقوللي هذولاك من تالي الليل حملوا حمل المطايا يا صدورها.
قال: سألتك بالله يا دار ميتا يعاودون أهلك
هم اللي كانوا حماها وسوارها
قال: قعدت في شمس مغاريب مادبااحكحك ضلوعي ……
قال : أيا طير اخضر مغرب على بلاده يزورها قلت وأنا علامي عن بلادي ما زورها..
ثم توظف الحكاية جزءاً آخر من الشعر لبيان حال منصور في مصر لدى بحثه وشرائه لثوب نجم (المختم باللولو) وحواره مع الخواجا . أما القسم الأعظم من الشعر فتوظفه الحكاية لبيان سمات نجم الجمالية، وكأن لسان الحكاية يود أن يعبر عن أهلية نجم لكل هذه التضحيات ،والمغامرات ، وأن هذا الجمال يستحق كل فروسية منصور ومخاطراته .. فطولها رمح خيال ، شعرها حبل جمّال ، والوجه هلال ، والخد مرمر.. الى آخر الأوصاف والتشبيهات الملائمة والمنسجمة مع ثقافة مجتمع زراعي ، نشأ فيه البطلان ، وتبادلا حباً بحب ، وماتا فيه .
الهوامش
1- تيمور ، محمود ، فن القصص -دراسات في القصه والمسرح ، مصر . مكتبة الآداب ومطبعتها ، طبعة بلا تاريخ .
2- د.ذهني ، محمود، الأدب الشعبي العربي، مفهومه ، ومضمونه ، مكتبة الأنجلو مصرية ، الطبعة بلا تاريخ .
3- د.ذهني ، محمود ، مصدر سابق .
4- راجع حكاية منصور في الملحق .
5- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطّاره عبد القادر حنتولي ، أحمد رابعه ، محمود ابو حجة .
6- شراب ، محمد محمد ، معجم بلدان فلسطين ، دمشق .دار المامون للتراث ، طبعة بلا تاريخ .
7- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق .
8- ما سمعه الباحث من الرواة من قرية العطاره .
9- سرد القصه للباحث عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره .
10- هذه الحكاية سردها للباحث محمد يوسف ناصر من قرية العطاره .
11- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن ، دمشق .دار الجليل للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1988 .
12- راجع حكاية منصور بن ناصر في الملحق .
13- د.كناعنه ، شريف ، الدار دار أبونا ، القدس .مركز القدس العالمي للدراسات الفلسطينية طبعة 1992 .
14- ما سمعه الباحث من عبد القادر حنتولي من العطّاره .
15- خورشيد ، فاروق ، عالم الأدب الشعبي العجيب . دار الشروق -الطبعة الأولى 1991
16- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد ، جامعة بيرزيت ، الطبعة الأولى 1979 .
17- د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد -مصدر سابق .
18- إبراهيم ، نبيله ، التراث الشعبي ، بغداد ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، وزارة الإعلام 1972 نقلاً عن حكايات جان من بني زيد .
19- الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن -مصدر سابق .
20- دير لاين ، فون ، نقلاً عن الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق .
21- .د. شميدت ، هانس وكاله ، بول ، قصص شعبية فلسطينية ، بيرزيت تعريب موسى علوش الجزء الأول 1990 .
22- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق .
23- .د. شميدت ، هانس ، وكاله بول ، قصص شعبية فلسطينية - مصدر سابق .
24- .د. البرغوثي ، عبد اللطيف ، حكايات جان من بني زيد - مصدر سابق .
25- .الخليلي ، علي. البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، القدس ، مؤسسة ابن رشد للنشر الطبعة الأولى 1979 .
26- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره .
27- . ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره .
28- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره .
29- .ما سمعه الباحث من البيئة المحلية /قرية العطّاره .
30- .راجع الشعر في حكاية منصور بن ناصر في الملحق .
31- .الخليلي ، علي . البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ، مصدر سابق .
32- .التربية العملية ، منشورات جامعة القدس المفتوحه ، عمان، الأردن . الطبعة الأولى1996 .
33- . ما سمعه الباحث من الراوي عبد القادر حنتولي من قرية العطّاره .
34- . الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافيه في ضفتي الأردن - مصدر سابق .
35- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير، مطبعة المعرفة، 1959م.
36- .عيّاد ، شكري ، البطل في الأدب والأساطير ، مصدر سابق .
37- .تزيين الأسواق ، نقلاً عن الحسن ، غسان ، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن - مصدر سابق .
38- . نصوص شعرية ، العصر الحديث (3) منشورات جامعة القدس المفتوحة ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى 1997 . مقرر رقم 5444 .
39- .د. الساريسي ، عمر ، وعبد الهادي ، إبراهيم ، حكايات شعبية من فلسطين والأردن ، عمان ، الأردن . دار النشر، الينابيع للنشر والتوزيع والإعلان ، الجزء الثالث 1992 .
إعداد
أ.عمر عبد الرحمن نمر
الحكاية الشعبية : منصور بن ناصر/ الفصل الثالث