«روحي الخالدي»: الفرق بين المراجعتين
سطر ٨٨: | سطر ٨٨: | ||
وواضح أن توسع الخالدي في فيكتور هوغو ليس لأنه مثال خاص للتأثر بل لما يمكن أن يقدمه شعر هوغو من تأكيد على التشابه بين الأدبين العربي والافرنجي وكذلك على اللون الخاص لهذا الشاعر مما يمكن أن يفيد منه القراء العرب ومن هنا كان وعده في المقدمة بترجمة مقطوعات لفيكتور هوغو ومقارنتها بمقطوعات للشعراء العرب، مثل المتنبي والمعري، وكان واضحاً أنه يعتقد أن التجربة الأدبية الغربية وتجربة شاعره المفضل فيكتور هوغو بوجه خاص كفيلة بأن تغني الأدب العربي الحديث وأن تعطيه أنفاساً جديدة، وقد بذل الخالدي جهداً لتقديم ترجمات لمجموعة مختارة من أثار فيكتور هوغو في الشعر والنثر أورد بعضها كاملة وأورد مقاطع مختارة من بعض آخر فكان من أوائل الذين فتحوا النافذة العربية على الآفاق الفرنسية الأدبية. وكانت طريقته أن يستعرض قصائد فيكتور هوغو وأعماله الفنية مستهلاً كل عمل بتعريف عام يتمثله في ظروفه السياسية والاجتماعية ومنتقلاً بعد ذلك إلى التعليق عليه وبسط ما يحويه من الفوائد الفلسفية والأدبية ولا سيما من ناحية ما يوحيه من تشابه وخلاف في الشكل والمضمون بينه وبين بعض الآثار العربية. | وواضح أن توسع الخالدي في فيكتور هوغو ليس لأنه مثال خاص للتأثر بل لما يمكن أن يقدمه شعر هوغو من تأكيد على التشابه بين الأدبين العربي والافرنجي وكذلك على اللون الخاص لهذا الشاعر مما يمكن أن يفيد منه القراء العرب ومن هنا كان وعده في المقدمة بترجمة مقطوعات لفيكتور هوغو ومقارنتها بمقطوعات للشعراء العرب، مثل المتنبي والمعري، وكان واضحاً أنه يعتقد أن التجربة الأدبية الغربية وتجربة شاعره المفضل فيكتور هوغو بوجه خاص كفيلة بأن تغني الأدب العربي الحديث وأن تعطيه أنفاساً جديدة، وقد بذل الخالدي جهداً لتقديم ترجمات لمجموعة مختارة من أثار فيكتور هوغو في الشعر والنثر أورد بعضها كاملة وأورد مقاطع مختارة من بعض آخر فكان من أوائل الذين فتحوا النافذة العربية على الآفاق الفرنسية الأدبية. وكانت طريقته أن يستعرض قصائد فيكتور هوغو وأعماله الفنية مستهلاً كل عمل بتعريف عام يتمثله في ظروفه السياسية والاجتماعية ومنتقلاً بعد ذلك إلى التعليق عليه وبسط ما يحويه من الفوائد الفلسفية والأدبية ولا سيما من ناحية ما يوحيه من تشابه وخلاف في الشكل والمضمون بينه وبين بعض الآثار العربية. | ||
− | وتبدو ترجمته ناجحة لأنها قائمة على التعمق في النص الأصلي وفهم مراميه فهو ليس مترجماً حرفياً بل أديب متذوق ولنا أن نتصور ما عاناه الخالدي في مجال ترجمة المصطلحات الأجنبية الفنية والبلاغية، هذا الجهد الذي قدمه يضعه في مصاف رواد الترجمة ولا سيما من ناحية اصراره على فهم المصطلح الأصلي بلغته وشرح معنى هذا المصطلح جنباً إلى جنب مع اقتراح الترجمة. | + | وتبدو ترجمته ناجحة لأنها قائمة على التعمق في النص الأصلي وفهم مراميه فهو ليس مترجماً حرفياً بل أديب متذوق ولنا أن نتصور ما عاناه الخالدي في مجال ترجمة المصطلحات الأجنبية الفنية والبلاغية، هذا الجهد الذي قدمه يضعه في مصاف رواد الترجمة ولا سيما من ناحية اصراره على فهم المصطلح الأصلي بلغته وشرح معنى هذا المصطلح جنباً إلى جنب مع اقتراح الترجمة. |
+ | ===الخالدي المفكر القومي=== | ||
+ | اتخذ التيار السياسي، ولدى كثير من المفكرين العرب ومنهم روحي الخالدي قبل 1908، شكل حركة اصلاحية دعت إلى تحديث الدولة العثمانية وتعزيز قدراتها كي تمكن من الحفاظ على كيانها ودفع الأطماع الرامية إلى اغتصاب ممتلكاتها، ولم يجد هؤلاء حرجاً في الانضمام إلى الجمعيات الاصلاحية السرية بما فيها جمعية الاتحاد والترقي بعد قيامها 1894(46)، (هذا رغم وجود جمعيات سياسية سرية عربية قبل قيام جمعية الاتحاد والترقي تنادي بنهوض العرب واستعادة أمجادهم ومقاومة الظلم والاستبداد في عهد عبد الحميد)(47)، وقد عبر العرب وخاصة النخبة المثقفة منهم، عن ابتهاجهم باعلان الدستور 1908، وأظهروا تقديرهم للأساليب الديمقراطية في الحكم وظنوا أنهم بواسطتها يحققون جميع الاصلاحات التي كانوا يصبون إليها، للحصول على موقع العرب الصحيح داخل الدولة العثمانية. | ||
+ | |||
+ | وتجلى نشاط هذا الفريق في لقاءات ذات صفة أدبية فكرية وانخراط كثير منهم في صفوف جمعية الاتحاد والترقي وبعضهم انضم إلى جمعية الاخاء العربي العثماني أو مارس نشاطه في لقاءات ذات صفة أدبية فكرية إلا أن هذا النشاط أخذ يتبلور في عددا من الجمعيات والأندية ذات النزعة القزمية العربية من أجل الدفاع عن الوجود العربي في الدولة وضمان قدر من الحكم الذاتي للولايات العربية بعد ازدياد الخلاف مع الاتحاديين(48)، وكانت الكتلة العربية في المبعوثان لها وزنها(49)، وقد استطاع المندوبون العرب من الولايات العربية المختلفة أن يوجدوا روابط فيما بينهم تتجاوز المصالح الأقليمية، ويؤكد عزة دروزة- وهو من المؤرخين القلائل الذين أبرزواأهمية هذا التكتل السياسي- ان النواب سجلوا بهذا تطوراً في الحركة العربية على المسرح السياسي الرسمي أدى إلى تقوية مكانتهم. وقد تصدى هؤلاء النواب لنواب الترك الاتحاديين لاثبات الوجود العربي والدفاع عن حقوق العرب وكان من بينهم روحي الخالدي(50). | ||
+ | |||
+ | وقد أشارت جريدة الأهرام، عددها 10775 في 9/9/1913(51) إلى أن مبعوث القدس روحي الخالدي كان يرى أن يؤلف النواب العرب حزباً برلمانياً عربياً، أو أن يدخل جميع نواب العرب في رفقة الاتحاد والترقي وحزبها البرلماني، إنما كان من الطبيعي أن يرفض معارضو الاتحاديين من نواب العرب، مثل هذه الفكرة، كما رفض النواب الأعضاء من بقية العناصر في تأليف الأحزاب المعارضة (وأهمها حزب الحرية والائتلاف)(52)، وبقي الموالون للحكومة منتسبين إلى حزب الاتحاد والترقي إلا حينما تنشأ ظروف تدعو لخروج الواحد منهم بعد الآخر من هذا الحزب لينضم إلى الأحزاب المعارضة. هذا مع العلم أن نواب العرب، معارضوهم واتحاديوم على السواء كانوا يتكاتفون في كثير من الأحيان عندما تعرض مناقشة بعض الأمور التي تمس كرامة الأمة العربية(53). | ||
+ | |||
+ | وكان الخطر الصهيوني هو أحد العوامل التي زادت في توثيق الروابط بين المندوبين العرب داخل المبعوثان، كما كان مادة للبحث في أوساط المثقفين العرب الذين اطلعوا على الثقافة الغربية وتابعوا نمو الحركة الصهيونية ومؤتمراتها وأقوال زعمائها وعرفوا أهدافها البعيدة ومخططاتها، إلى جانب ما لمسوه من أعمالها مباشرة(54). وكانو في صراعهم من أجل الحقوق القومية يرون في الصهيونية تهديداً خطيراً للفكرة العربية الناشئة. وقد أتيحت فرصة التعبير للمندوبين العرب لشرح أبعاد المسألة الصهيونية للفكرة العربية الناشئة حين طرح الموضوع في اذار(مارس)1911خلال منقشات المبعوثات حول الميزانية(55)، ومع ان النواب العرب لم يأخذو المبادهة هذه المناقشة، وتولى أحد نواب المعارضة، ولم يكن عربياً لفت نظر المجلس الى نمو الدعاية الصهيونية في الدولة، الا أن نائب القدس، روحي الخالدي، قد تولى الرد على مبعوث سلانيك (قره صو)(56) الذي حاول التقليل من أهمية المسألة الصهيونية. وأكد الخالدي بأن مشكلة الصهيونية هي في غاية الأهمية بالنسبة للدولة وأيده في ذلك مبعوث بيروت رضا الصلح. | ||
+ | |||
+ | إلا أن طرح المسألة الصهيونية على بساط المناقشة قد أثار ردود فعل مختلفة في أوساط الصحافة العثمانية والعبرية، وشجع هذا الموقف النواب العرب في المبعوثان على إثارة الموضوع ثانية في جلسة أيار (مايو) 1911 خلال مناقشة الميزانية الخارجية(57). وقد بدأ روحي الخالدي بشن حملة عنيفة على الصهيونية لأنها ضار بمصالح العثمانيين في فلسطين، وحرص على أن يفرق بين اليهود العثمانيين الذين ليس لهم أي صلة بالصهيونية والصهيونيين "كما أنني ضد الصهيوني، ولكنني لست ضد السامية، والدليل هو الرسائل التي بعثها إلى هنا حاخام باشا أزمير وغيره من الحاخاميين الذين يناهضون الصهيونية". | ||
+ | |||
+ | وسرد روحي قصة الهجرة اليهودية الى الدولة العثمانية مبيناً أن الشعب العثماني لم يظهر أبداً العداء لليهود. وحين بدأ الخالدي عرض نظرية الصهيونية احتج بعض النواب على هذه التفاصيل لأنها معروفة من قبل، فردّ بأنه يعرف ذلك لولا أن قره صو أعلان عند مناقشة هذا الموضوع للمرة الأولى أنه لا يعرف ما هية الصهيونية. وقد تابع الخالدي سرده لتطور الحركة الصهيونية على يد هرتزل وسعيه لانشاء دولة وتشكيل لجان في أوروبا وتأسيس مصرف في انجلترا لاستلام اعانات شهرية. كما تناول مسألة مستعمرات اليهود وجمعياتهم وتدريباتهم العسكرية ووجود مكاتب بريد وطوابع تحمل رسوم هرتزل ونوردو ومحاكم وإدارة ذاتية. وفي النهاية طلب روحي أن تبين الحكومة الاجراءات التي اتخذتها ضد هذا الخطر الصهيوني الذي يهدد فلسطين بشكل خاص.. وقد حرص النواب العرب (حافظ السعيد نائب القدس، شكري العسلي نائب دمشق) على تأييد أقوال الخالدي ودحض دعوى نسيم مزلياج (نائب أزمير) من تصوير معاداة الصهيونية بأنه معاداة لليهود(58). وقد اتضح من مناقشات المبعوثان، كما عبر عن ذلك أحد زعماء الصهيونية في استانبول (دكتور جاكوبسون)، إن عرض النواب العرب ولا سيما روحي بك الخالدي، كان شنّ حملة لسن تشريع جديد ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين(59). وقد علقت إحدى الصحف اليهودية (وهي جريدة The Truth) على نتائج الانتخابات الثانية نيسان (أبريل) 1912 في منطقة القدس "إنه رغم جهود اليهود المركزة فإن مرشحاً (معادياً للسامية) قد انتخب"(60)، وتقصد به روحي الخالدي. | ||
+ | |||
+ | ولم يكن الخالدي من أبرز النواب على مسرح المبعوثان الذين أثاروا مع زملاء له المسألة الصهيونية وحذروا من أهدافها وتابعوا أخبارها ونشاطاتها الدبلوماسية بل كان في طليعة المفكرين العرب النابعين المتنبهين الذين عرفوا الصهيونية ومراميها معرفة جيدة ووضع كتاباً حول المسألة الصهيونية (سيونيزم) يقول عنه الدكتور وليد الخالدي(61) بأن كتاب "يتميز بنضوج الرؤية، وتكامل الصورة وترابط الأجزاء وتسلسل الآراء وسعة الالاطلاع ورصانة الأسلوب.. وهو أول دراسة عربية جدية للصهيونية فهو جدير في تقديرنا- مهما نختلف في تقويم أحكامه التي نطق بها قبل استفحال الأمر وسقوط الامبراطورية العثمانية وصدور وعد بلفور – بلقب رائد النهج العلمي في معرفة أخطر وأشرس عدو واجهته هذه الأمة". ويؤكد الدكتور وليد الخالدي(62) أن هناك من الشواهد ما يدل على أن روحي الخالدي بدأ كتابة هذا الكتاب وهو لا يزال في بوردو وإنه استمر في تنقيحه والإضافة إليه إلى ما قبل وفاته ولم يتسنّى له أن يكلمه بل حتى أن يبيّضه (63). | ||
+ | |||
+ | ومحتويات الكتاب تنقسم إلى ستة فصول: مقدمة في الصهيونية- الجذور الدينية اليهودية الصهيونية- لمحة عن تاريخ اليهود من موت الملك سليمان إلى خراب الهيكل الثاني- تشتّت اليهود- ظهور الصهيونية الحديثة- الجمعيات اليهودية الكبرى(64). تشكل المقدمة خلاصة نظرة المؤلف العامة في الصهيونية ولسلسلة الأفكار الرئيسية التي يستفيض في شرحها في الفصول التالية: | ||
+ | |||
+ | (السيوينزم) تدل في اصطلاح الصهيونيين على "نظرية حديثة انتشرت بين أوروبا الشرقية.. يراد بها تأسيس دولة يهودية في فلسطين حيث يهاجر إليها جميع اليهود المتألمين من الاضطهاد المسمى باصطلاح الافرنج (انتي سيمتزم) ليؤسسوا في فلسطين على قواعد ملتهم وطناً خاصاً تعترف الأمم المتمدنة بوجوده". ويستنتج المؤلف أن الصهيونية ظهرت "بعاملين مؤثرين أحدهما اضطهاد اليهود المسمى عند كتبه الافرنج (انتي سيمتزم) وثانيهما انتباه الشعور القومي فيهم". ويعزو المؤلف انتباه الشعور القومي إلى "الانقلاب الكبير الفرنساوي" أي الثورة مما ولد في اليهود شوقاً للاتحاد القومي والحياة المشتركة واعادة مجد بني اسرائيل القديم.. وبظهور هرتسل الذي أصبح في نظر الصهيونيين "كموسى بن عمران لتصديه لجمع شتات اليهود وادخالهم الأرض الموعودة". ووضع الصهيونيون أسس دولتهم في الخارج وعقدوا مؤتمراتهم وتشكلت أحزابهم وفرقهم السياسية والجمعيات والمصارف. ثم انشأوا مستعمرات بأموال أثرياء اليهود (بلغ عددها 28 مستعمرة ومساحتها 279.391 دونم) "اشتروها بثمن بخس بمساعدة ولاة البلد وأغنيائها" وفيها من اليهود المستعمرين 8000 نسمة ويهاجر في السنة نحو 2000 "مع عدم تصريح الدولة لهم بالاقامة.. لكنهم يستعملون أنواع الحيل والدسائس والرشوات ولا يخرجونها منها بعد دخولهم إليها بصفة زائرين". والاستعمار الكبير بنظر المؤلف هو "شراء غوربيسان أو أخذ امتياز باستعمار وادي الأردن.. واستعمار قضاء بئر السبع.. وشراء وادي الحوارث.. والاستيلاء على جميع السواحل من حيفا إلى يافا والحدود المصرية،.. ويلاحظ المؤلف أن "بعض اليهود ينكر على الصهيونيين عملهم.. ويقول بمضرته لعموم اليهود ويطلب من الحكومة العثمانية عدم التساهل، وينقل نص برقيه من كبار الحاخاميين العثمانيين إلى رئيس مجلس المبعوثان ولبعض المبعوثين (ولعل واحدهم) ويعلق روحي الخالدي على البرقية ".. ولا يخفى ما في رأي هؤلاء المعارضين للصهيونية من الاصابة لأن الدولة العثمانية بعد اعلان الدستور.. لا تنتظر من اليهود العثمانيين أن يشتركوا في الصهيونية التي فيها التفرقة..". | ||
+ | |||
+ | الفصل الثاني: يحتوي على جزأين احدهما يتناول التوراة والآخر التلمود ويعطي الشواهد على ما ورد فيهما من الأقوال التي يتخذها الصهيونيون دليلاً على عودتهم إلى فلسطين كما يتطرق إلى الآداب العبرية في القرون الوسطى التي تجلت في الآمال الصهيونية، وينهي الفصل بقوله ان الكثيرين من اليهود يذهبون إلى أن الوعود الدينية "أضاعت معانيها المادية.. واكتسبت معنى تصوفياً". | ||
+ | الفصل الثالث: يعرض تاريخ اليهود من موت سليمان إلى تشتتهم في اثر خراب الهيكل الثاني على يد هدريان، ويتخلل العرض ملاحظات وتحليلات نافذة. والمؤلف يقصد من سرده اعطاء المؤشرات على تصميم اليهود على اعادة ملكهم في فلسطين اتماماً لما كان قد أورده من النصوص الدينية اليهودية في الفصل السابق(65). | ||
+ | |||
+ | الفصل الرابع: يعالج أحوال اليهود في التشتت ما بين خراب الهيكل الثاني في القرن الثاني للميلاد، وبداية (المهاجرة) الصهيونية الحديثة الى فلسطين في القرن التاسع عشر، ويقسم الفصل إلى أربعة أجزاء هي: أوضاع اليهود في الممالك الشرقية قبل ظهور الاسلام وبعده- أوضاع اليهود في الممالك الرومانية لغاية الثورة الفرنسية- بدايات صهيونية مخفقة- وضع اليهود في روسيا القيصرية وانتشار اللاسامية فيها ويلاحظ في الجزء الأخير من الفصل "ان تاريخ الانتي سيمتمزم مطابق لتاريخ الصهيونية أي لظهور الدعوة الأولى إليها والشروع باستعمار فلسطين.. وينتهي إلى القول إن سياسة الحكومة الروسية تجاه اليهود "لم تكن على استقرار وليس لها مقصد معين". ويقابل هذا الارتباك في السياسة الروسية ارتباك أشد لدى اليهود الذين صمم بعضهم على التنصر وصمم البعض الآخر على المهاجرة "ولكن إلى أين"؟ | ||
+ | |||
+ | الفصل الخامس: (ظهور الصهيونية الحديثة) ويتألف الفصل من عنصرين متداخلين أولهما فقرات عديدة مختارة مترجمة من مقال في الموسوعة اليهودية ظهر بالانكليزية في الجزء الثانية عشر (66)، وثانيهما مطالعات وتعقيبات لروحي الخالدي على الفقرات المقتبسة من الموسوعة واحتفظ المؤلف بالعناوين الصهيوني "هاتكوه" هو غير وارد في مقال الموسوعة(67). | ||
+ | |||
+ | ورداً على التساؤل الذي طرحه المؤلف في نهاية الرابع "إلى أين الهجر" يبحث مجرى الهجرة بعد 1881 فهناك تياران سلك الأول طلاب المدارس وأصحاب العلم والفكر (شفوفي زيون Chovovei Zion) والتيار الثاني العمال حيث هاجروا الى أمريكا. ويعتبر المؤلف هرتسل "موجد الصهيونية الحالية وصاحب نظرية" وهو "الذي وضع برنامجاً لتطبيق هذه النظرية". ويلحظ المؤلف ان هرتسل لم يتكلم في رسالته (Judenstaat) أي الدولة اليهودية عن الصهيونية ولا ذكر فيها اسم فلسطين ويتساءل "... فليت شعري ما السبب الذي حمل هرتسل على أن يحول أنظاره نحو فلسطين؟." وللاجابة يقول ان الدافع في نظرة كان رغبة هرتسل في استمالة الجمعيات الصهيونية إليه ولا سيما جمعيات "شفوفي زيون"، ويخلص إلى أن قبول هرتسل يجعل المملكة اليهودية في فلسطين انما "نشأ عن سياسته العملية ارضاء للصهيونيين ولم ينشأ عن نظريته السياسية". والخلاصة أن نظرية هرتسل، يقول روحي الخالدي: "وافقت أصحاب العقول الساذجة التي لم تنسى خاطرتها الدينية التي مضى عليها ألف عام" وهو يقدر الصعوبات لتحقيق الصهيونية "فايجاد وطن صغير لليهود والمحافظة على هذا الوطن من ذوي المطامع الكبيرة ودوام بقائه وارتقائه في الزراعة والصناعة والتجارة وجميع المسائل الاقتصادية بين الدول الكبيرة لم أصعب الأمور". | ||
+ | | ||
+ | ويخصص المؤلف مقطعاً خاصاً بالصحافة الصهيونية ويصف جريدة "أورو" بأنها من أشهر الجرائد الصهيونية الفرنسية في الآستانة كما يشير إلى مساعي الصهيونيين لشراء الجرائد المشهورة في الآستانة (منها جريدة أقدام) واغروا صاحبها لاصدار جريدة أوريان بالفرنسية بقلم البيرفوا وقام الأخير بمراجعة رئيس المبعوثان وغيره لعقد المؤتمر الصهيوني في الآستانة فتدخل روحي الخالدي في الأمر "وبنيت ما ينجم عنه من المحاذير"(68). كما يشير الى استخدام الصهيونية جريدة جون ترك الفرنسية كما استعملو بعض الجرائد الصورية (النصير في بيروت والنفير في القدس والأخبار في يافا). وينتهي الفصل بمقطع عنوانه المارش اليهودي (هاتكوه) ويدّون نص مطلع المارش بالحروف الافرنجية والألفاظ العبرية مع تعريبها "لنكون أمة حرة بأرضنا أرض صهيون والقدس". | ||
+ | الفصل السادس والأخير: "الجمعيات اليهودية الكبرى" وفيه وصف وتحليل للوجود اليهودي الحديث في فلسطين الصهيوني وغير الصهيوني وينقسم إلى أربعة أجزاء: | ||
+ | | ||
+ | - جمعية الأليانس الاسرائيلية Alliance Israelite Universelle | ||
+ | |||
+ | - شركة الاستثمار اليهودية (ايكا) Jewish Coloni Zation Association، ومستعمراتها. | ||
+ | |||
+ | - مستعرات أخرى غيرمستعمرات الايكا- جمعية عزرا (أي جمعية معاونة اليهود الألمان) Hilfsverein der Deut Schen Juden وهو في بحثه عن المستعمرات يورد تفاصيل في تمام الدقة بالنسبة إلى مساحة كل مستعمرة وعدد سكانها من اليهود وحاصلاتها الزراعية كماً ونوعاً والصنائع التي بعضها ووارداتها والخصائص التي تتميز بها، ولا يغفل عن ذكر أسماء بائعي الأرض إلى اليهود عرب فلسطين أو البلاد المجاورة أو الأجانب من سكان البلاد، والأساليب الملتوية التي لجأ اليهود إليها في شراء الأراضي. ومن الواضح أن المؤلف زار العديد من هذه المستعمرات ليتبين بنفسه أحوالها، وانه تنازعته عدة مشاعر عند الكتابة عنها، فمن ناحية أعجب بانجازات المستعمرين اليهود وتدابيرهم العصرية مع شعور بالمرارة لتخلف أوضاع الريف الفلسطيني ومن ناحية أخرى غضب على البائعين من العرب وعلى من سهّل أعمال البيع من السماسرة وموظفي الإدارة العثمانية(69). وينهي كلامه بالإشارة إلى مزاعم الصهيونيين بأنهم اشتروا أكثر هذه الأراضي الجسيمة من "المتنفذين ولم يشتروا من الفلاحين إلا مقدار جزئياً.. وانهم أحسنوا للبلاد بأحداثهم هذه المستعمرات وأغنوا الأهالي عوضاً من أن يفقروهم وأوجدوا أعمالاً للذين يحبون العمل".. ويعلق على ذلك "فسياسة الصهيونة تشويق الحكومة لاضطهاد كبراء البلاد... واذلالهم والتسبب في انقراضهم ثم الاستيلاء على أفكار الفلاحين البسطاء ووضهم تحت سلطتها المالية واستخدامهم في زراعة أراضيهم التي يملكونها قرية بعد قرية". | ||
+ | | ||
+ | - وأخيراً "يمكن القول ان روحي الخالد يعد من الشوامخ في الفكر والتأليف وغزارة الانتاج المتسمم بدقة التقصي العلمي، تضاهي بها فلسطين أرقى بيئات العالم (70)". | ||
+ | |||
+ | ==المراجع== | ||
+ | (1) عمر البرغوثي وخليل طوطح، تاريخ فلسطين، القدس، 1923، ص257 وما بعدها. | ||
+ | وقد اختلفت التقسيمات الإدارية خلال الحكم العثماني كما اختلفت تبعية كل وحدة إدارية باختلاف الولاة وباتساع نفوذهم أو تقلصها إلى أن استقر التوزيع الاداري، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. | ||
+ | (2) أطلق الرومان على فلسطين (والأردن) بحدودها الحالية اسم فلسطين وقسموها إلى مقاطعات ثلاث هي فلسطين الأولى Palestina Prima وفلسطين الثانية Palestina Secunda وفلسطين الثالثة Palestina Tertia. وأثر الفتح العربي الاسلامي قسم العرب جنوبي بلاد الشام إلى جندين هما جند فلسطين ويشمل المنطقة الجنوبية من فلسطين، وعاصمته اللد ثم الرملة فيما بعد وجند الأردن ويشمل المنطقة الشمالية من فلسطين والأردن وقسماً من الجولان وعاصمته طبرية. ولم يحدث التقسيم إلى مناطق عديدة إلا في العهد المملوكي واستمر حتى العهد العثماني. | ||
+ | Y. Porath، the Political awakening of the Palestinian Arabs and their Leaclership towards | ||
+ | The end of the Ottoman Period. | ||
+ | In | ||
+ | M. Mz'oz، (ed)، Stndies on Palestine during the Ottoman Pariod، Jurusalem 1975، PP.355-356. | ||
+ | (3) خيرية قاسمية: النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه 1908- 1918، بيروت 1973، ص9. | ||
+ | (4) Ann Lesch، The Origins of Palestine Arab Nationalism | ||
+ | In | ||
+ | William Haddad and William Ochenwald، Nationalism in a non-national State. The dissolution of the Ottoman Empinr، Ohio State. The dissolution of the Ottoman Empinr، Ohio Start University Press. Colombus،U.S.A.1977،pp. | ||
+ | 267-268 | ||
+ | |||
+ | (5) إسحق موسىالحسيني، مقدمة كتاب "الأدب الفلسطيني" نشرته لجنة الثقافة العربية في فلسطين 1946، بمناسبة معرض الكتاب العربي الفلسطيني الأول بالقدس ص12. | ||
+ | (6) عبد الرحمن ياغي، حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى النكبة، بيروت، 1968، ص67. | ||
+ | (7) على محافظة، الحركات الفكرية في عصر النهضة في فلسطين والأردن، بيروت 1987، ص32، كتب وصفاً لهذا النوع من المدارس الأولية المسيحية جرجس الخوري المقدسي بعنوان "التعليم قديماً وحديثاً في سورية" المقتطف، مجلد 31، سبتمبر 1906، ص747. | ||
+ | (8) Adnan Abu-Ghazaleh، Arab Cultural Nationalism in Palestione during the British Mandate Beirut 1973،PP.3-4. | ||
+ | (9) ناصر الدين الأسد، محمد روحي الخالدي، رائد البحث التاريخي الحديث في فلسطين، القاهرة 1970م ص13-15 نقلاً عن حولية الثقافة العربية لساطع الحصري السنة الأولى 1949، ص10-12. | ||
+ | (10) Abdel Latif tibawi، arab esucation in Mandatory Palestine، during the British Mandate Beirut 1973،PP.3-4. | ||
+ | (11) محافظة، الحركات الفكرية... ص37-38. | ||
+ | (12) المصدر نفسه، ص 38-42. | ||
+ | (13) المصدر نفسه، ص42. | ||
+ | (14) حول جمعية فلسطين الروسية الامبراطورية ونشاطها في المجال التعليمي، انظر خيرية قاسمية، روسيا القيصرية والمشرق العربي، مجلة دراسات تاريخية، دمشق العددان 9 و 10 تشرين أول/ أكتوبر 1982، ص 55-63. | ||
+ | (15) محافظة، لحركات الفكرية.. ص 52-53. | ||
+ | (16) مقال المقتطف المشار له في حاشية 7 "التعليم قديماً وحديثاً في سورية" ص749. | ||
+ | (17) خليل السكاكيني (يوميات) كذا أنا يا دنيا، أعدتها هالة السكاكيني، القدس 1955، ص61. | ||
+ | (18) Tibawi، Arab education…… P14. | ||
+ | (19) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني ص69-70. | ||
+ | (20) Tibawi، Arab education…. P.20. | ||
+ | (21) Ibid، P20. | ||
+ | (22) الأسد، محمد روحي الخالدي... ص-10-11. | ||
+ | (23) من الأدلة على تردي أحوال التعليم الرسمي ما ورد في: محمد توفيق التميمي، محمد بهجت، ولاية بيروت القسم الجنوبي، بيروت 335هـ 1916م، ص237، 384- 385. وما أورده جرجي زيدان عن "فلسطين، أحوالها التعليمية" في الهلال، عدد أيار/ مايو 1914، 603- 604. | ||
+ | (24) نقل ذلك محافظة الحياة الفكرية... ص67. | ||
+ | (25) السكاكيني يوميات.. ص32- 33 حاشية. | ||
+ | (26) Tibawi، Arab education…P.20. | ||
+ | (27) Ibid، P.54. | ||
+ | (28) السكاكيني يوميات.. ص51-52. | ||
+ | (29) محافظة الحركات الفكرية.. ص36. | ||
+ | (30) جرجي زيدان، مقال الهلال المشار في هامش 24 عن "فلسطين، أحوالها التعليمية" ص604- 605 | ||
+ | (31) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني، ص121- 122. يعدد المؤلف أسماء بعض العلماء المدرسين في حلقات المسجد الأقصى. | ||
+ | (32) مصطفى الدباغ، بلادنا فلسطين، الجزء العاشر، القسم الثاني، في بيت المقدس. يذكر المؤلف بعض تراجم آل الخالدي ص356-357، 359-361. | ||
+ | (33) الأسد، محمد روحي الخالدي، ص16. | ||
+ | (34) محافظة الحركات الفكرية.. ص54. | ||
+ | (35) عرف العارف "تاريخ القدس"، القاهرة 1951، ص200. | ||
+ | (36) الدباغ، بلادنا فلسطين.. ص137. | ||
+ | (37) نقل ذلك الأسد، محمد روحي الخالدي.. ص17. | ||
+ | (38) احسان النمر، تاريخ جبل نابلس والبلقاء، نابلس 1960، ج2، ص66. | ||
+ | (39) الدباغ، بلادنا فلسطين.. المصدر المشار له في هامش (32)، ص 137. | ||
+ | (40) Tibawi، Arab education.. PP20-21 | ||
+ | (41) ياغي حياة الأدب الفلسطيني.. ص73- 75. | ||
+ | (42) الأسد، محمد روحي الخالدي.. ص21. | ||
+ | (43)التميمي، بهجت ، ولاية بيروت.. ص134، 187. | ||
+ | (44) سورية والعهد العثماني، بيروت 1966، ص19. | ||
+ | (45) تأسست أول مطبعة عربية في الآستانة 1816، وأخرى في القاهرة 1822، وطبعت كلتاهما كتباً أدبية وعلمية باللغة العربية ووصل بعض هذه الكتب بلاد الشام.George Antonius، The Arab awakening، 2nd reprint، Beirut 1969،P.38. | ||
+ | (46) محافظة الحركات الفكرية... ص59- 61. | ||
+ | (47) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني.. ص108. | ||
+ | (48) المصدر نفسه ص 109 أول رواية نشرها بيدس في بيروت 1898 هي ابنة القبطان، ونشر هنري الثامن في القدس 1913 كما ترجم الى الروسية رواية المملوك الشارد لجرجي زيدان. | ||
+ | (49) من أوائل الذين ترجموا عن الروسية انطوان بلان، ترجم رواية في سبيل الحب 1912 وخواطر من كتاب (طرييق الحياة) لتولستوي . ومن الذين ترجموا بعض القصص الروسية سلمان بولس، ابراهيم جابر، كلثوم نصر عودة. وكانت طالبات مدرسة المعلمات الروسية في بيت جالا يترجمن حكايات عن الروسية ويرسلنها إلى مجلة النفائس العصرية. | ||
+ | المصدر نفسه ص109- 110. | ||
+ | (50) المصدر نفسه ص112. | ||
+ | (51) كان الاكليروس اليوناني يسيطر على حياة الكنيسة الأرثوذكسية وهذا ما أدى إلى احتدام الصراع بين رجال الدين اليونانيين وأبناء الطائفة الأرثوذكسية من العرب وتحول الصراع إلى حركة وطنية منظمة بعد إعلان الدستور. الحكيم، سورية في العهد العثماني.. ص195- 196. | ||
+ | |||
+ | (52) الدباغ، بلادنا فلسطين.. الجزء المشار إليه في الهامش (32) ص147- 149. | ||
+ | (53) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني، ص113. ترجم ابراهيم حنا حكاية عن حذاقة الفرنساويين وأدراك الانكليز، وترجمت روز حسون حكاية عن زهرة البرتقال. | ||
+ | (54) انظر ما ورد في هذا البحث عن كتاب (علم الأدب) لروحي الخالدي. | ||
+ | (55) حول الصحافة الفلسطينية في الفترة موضع الدراسة يمكن الرجوع إلى بحث الصحافة في الموسوعة الفلسطينية القسم العام دمشق، 1984ج3، ص7-9. وأيضاً يوسف خوري، الصحافة العربية في فلسطين 1876- 1948، بيروت، 1976. | ||
+ | (56) Lesch، The Origins of Palestine Arab Nationalism، PP. 285-86. | ||
+ | (57) محافظة الحركات الفكرية.. ص71- 72. | ||
+ | (58) عجاج نويهض، رجال من فلسطين، بيروت 1981 ص51. | ||
+ | (59) حول الشعر بوجه عام في هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى: ياغي، حياة الأدب الفلسطيني... ص121-174. | ||
+ | (60) حول النثر بوجه عام في هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى المصدر السابق ص 329- 365. | ||
+ | (61) محافظة الحركات الفكرية... ص89- 96. | ||
+ | (62) المصدر نفسه، ص96- 99. وحول الاتجاه التجديدي بين المسلمين أواخر العهد العثماني يمكن الرجوع إلى: Majid Khadduri، Political trends in the Arab World، The John Hopkins Press،U.S.A، 1970PP. 56-69. | ||
+ | (63) الدباغ – بلادنا فلسطين، الجزء المشار إليه في هامش (32) ص 359- 361. | ||
+ | كان يوسف ضياء الدين الخالدي من زعماء المعارضة في المبعوثان الأولى وتولى مناصب إدارية كثيرة، وهو يعد من أوائل المحققين اللغويين وأصبح أستاذاً للغة العربية في جامعة فينا كما كانت له قابلية لتعلم اللغات الأجنبية وهو أول من أدرك من المفكرين العرب نوايا اليهود في اقامة دولة في فلسطين. | ||
+ | (64) انظر القسم الثاني من هذا البحث. | ||
+ | (65) وردت هذه الموضوعات في النفائس العصرية من يوميات السكاكيني. | ||
+ | (66) من الخطباء اسعاف النشاشيبي، روحي الخالدي، خليل بيدس، خليل السكاكيني، راغب الامام، سلمان التاجي الفاروقي، يوسف العيسى وغيرهم وقد وصفتهم النفائس العصرية وصورت أثرهم في النفوس (السنة 4، ج10، 1912، ص460- 486 والسنة 4، ج11، 1912، ص493 – 495). | ||
+ | (67) محافظة الحركات الفكرية.. ص 116- 117. | ||
+ | وحول التطور الذي أخذته الحركة القومية في سوريا بعد 1908 يمكن الرجوع إلى: | ||
+ | Rashid Khalidi، Arab Nationatism in Syria، The Formative Years، 1908، 1918 | ||
+ | In | ||
+ | W. Haddad and W.Ohsen wald،Nationalism- nationd state PP. 207-237 | ||
+ | (68) حول اسهام المفكرين الفلسطينيين في حركة المقاومة العربية الصهيونية يمكن العودة إلى: | ||
+ | A.Abu- Ghazaleh، Arab Cultural Nationalism….. PP.39-40 | ||
[[تصنيف:شخصيات وأعلام]] | [[تصنيف:شخصيات وأعلام]] |
مراجعة ١١:٣٩، ٥ أبريل ٢٠١٨
روحي الخالدي (1864- 1913): في بيت عريق من بيوتات العلم ولد بن ياسين بن محمد علي بن محمد بن خليل بن صنع الله الخالدي المقدسي(1)، وهو لا يعد من أعلام عرب فلسطين بل من أعلام الأمة العربية، ولكنه لم ينل من الاهتمام ما يستحقةه بوصفه من زعماء النهضه الفكرية والأدبية الحديثة.
وقد كتب لنفسه سيرة ذاتية نشرتها 1908 مجلة الأصمعي التي كانت تصدر في يافا... ولخصها جرجي زيدان ونشرها في مجلة الهلال(2)، ونشرت مجلة المنادى التي كانت تصدر في القدس 1908 سيرة مفصلة للخالدين نقلها ناشر كتاب "المقدسة في المسألة الشرقية"(3) وصدّر بها الكتاب(4).
وتنقسم سيرة المترجم إلى مراحل خمسة (5) مرحلة دراسته الابتدائية والثانوية ــ مرحلة دراساته العليا في الأستانة وباريس _ مرحلة عمله الأكاديمي في باريس مرحلة عمله قنصلاً عاماً للدولة العثمانية في مدينة بوردو في فرنسا ـ مرحلة انتخابه نائباً عن القدس في مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني) في الأستانة وانتخابه نائباً لرئيس هذا المجلس.
محتويات
ميلاده ونشأته
ولد روحي الخالدي في مدينة القدس في مجلة باب السلسة (أحد أبواب الحرم الشريف) عام1281هـ/ 1864م. وقد انتخب والده ياسين في عهد ولاية راشد باشا والي سورية وأحد الزعماء الاصلاحيين (بدأت ولايته 1866) لينوب عن أهل القدس في المجلس العمومي ببيروت، ثم تولى نيابة طرابلس الشام، وكان يصطحب أفراد أسرته حيثما اتجه، ولما عزل راشد باشا عن ولاية سورية عاد ياسين إلى القدس والتحق روحي بالكتاب ومدارس الحكومة الابتدائية، وكان عمره حينئذ نحو سبع سنوات.
ولما تولى مدحت باشا ولاية سورية 1878 أخذ يجمع من يثق باخلاصهم ونزاهتهم ويعيدهم إلى مراكزهم، وعين ياسين الخالدي قاضياً شرعياً في مدينة نابلس فالنحق ابنه روحي بالمكتب الرشدي فيها (يعادل الصفوف الثلاثة الأخيرة من المرحلة الابتدائية). وحين نقل قاضياً لطرابلس الشام التحق ابنه بالمدرسة الوطنية(6). وقبل نهاية هذه المرحلة بقليل صحب روحي عمه عبد الرحمن نافذ في زيارة إلى الأستانة حيث عرفه الأخير إلى شرم شيخ الاسلام الذي رغب في تشجيع الفتى على طلب العلم "فانعم عليه برتبة (رؤس بروسة) وهي أول درجة في سلم المراتب العلمية وكسوتها جبة زرقاء مطرزة بالقصب عند القبة وعمار عليها شريط مقصب وبلقب صاحبها ب(قدرة العلماء المحققين) ويعدّ مدرسا في مدرسة رابعة الخير في مدينة بروسة، ولم يكن روحي حينئذ يبلغ السادسة عشر وهو تلميذ وليس مدرساً وكان ذلك في 15 ربيع الأول 1297هـ/ 1880م.
تعليمه وعمله
وحين عاد روحي إلى القدس أخذ يحضر دروس المسجد الأقصى ويتلقى فيه علوم الفقه والتوحيد والحديث والنحو والصرف والمنطق والبيان والبديع، ويتردد على مدرسة الأليانس(7)، ومدرسة الرهبان البيض (الصلاحية)(8)، ليتقن اللغة الفرنسية وليطلع عن بعض جوانب الثقافات الدينية والأجنبية المختلفة. وأخذ يتصل بالمفكرين من سياح الفرنجة الوافدين على بيت المقدس ويلاحظ أمورهم "وسمع من بعضهم خطباً في تاريخ الأرض المقدسة وما كانت عليه من العمران فأدرك الفرق بين الشرق والغرب"(9)، ثم التحق بالمدرسة السلطانية في بيروت (تعادل الثانوية) وظل فيها إلى حين انحلالها(10)، فعاد إلى القدس وواصل حضور حلقات الدرس في المسجد الأقصى. وفي نهاية هذه المرحلة انتظم روحي في (سلك خدّام الحكومة في الدوائر العدلية)، وكان ذلك كما يبدو، بضغط من والديه، بينما كان روحي شديد الرغبة في متابعة دراساته في الأستانة عن طريق البحر، لكنه أرغم على العودة إلى القدس بعد أن وصل إلى ظهر الباخرة في يافا(11).
وعيّن روحي، بعيد عودته إلى القدس، "باش كاتب" لمحكمة غزة، وبدل أن يذهب إلى مقر عمله لجديد تمكن من الافلات والسفر إلى الأستانة حيث بدأ المرحلة الثانية من سيرته فدخل المكتب المُلْكي الشاهاني (وكان معهداً عالياً للعلوم السياسية والإدارة). ولم يقتصر على الكتب المقررة، بل أن نهمه إلى المعرفة دفعه إلى قراءة كتب سياسية تمنعها إدارة المدرسة، فناله العقاب المدرسي. وبقي في المكتب المُلْكي ستة أعوام 1887/1983، أخذ في نهايتها الشهادة العالية، وعند عودته إلى القدس عُيّن معلماً في "المكتب الإعدادي" فيها، لكنه "رأى في نفسه أنه أجدر بان يتولى وظيفة أعلى من هذه"، فرجع إلى الأستانة وطلب أن يعين "قائم مقاماً" لأحد الأقضية، ولكن عيل صبره وهو ينتظر صدورالأمر بتعيينه، وساءه ما لقي من مساعي المفسدين والجواسيس، فسافر إلى باريس وهو "لا يعرف أحداً فيها". ثم عاد إلى الأستانة وأخذ يتردد على مجالس السيد جمال الدين الأفغاني، وكان الأفغاني تحت رقابة مشددة من قبل أجهزة الأمن العثماني واشتدت المراقبة على الذين يحضرون مجلسه. فاضطر روحي نفسه إلى "هجر البلاد العثمانية" لفرنسا، ودخل مدرسة العلوم السياسية في باريس، وأتم دروسه في ثلاثة أعوام ثم التحق بدار الفنون العالية (السوربون) ودرس فيها فلسفة العلوم الاسلامية والاداب الشرقية، فاطلع على ضروب مختلفة من الثقافة الحديثة والمعارف العصرية، أما أهم الأستاذة الفرنسيين الذين يذكر فضلهم عليه في فهم "البيرفراندال" المتخصص والمحاضر في المسألة الشرقية، وشيخ التاريخ السياسي "البيرسورل Albert Sorel"" والمؤرخ ووزير المعارف السيد الفرد رامبو Alfred Rambaud والمستشرق اللغوي المتخصص في اللغة الحميرية هارتويغ ديرا بنورغ Hartwig Derenbourg والعالم الشهير بعلم الإحصاء ليفاسور Levasseur.
وعند نهاية دراساته الجامعية بدأت المرحلة الثالثة من سيرة الخالدي وهي مرحلة عمله الأكاديمي، فقد عين مدرساً في جمعية اللغات الاجنبية في باريس(12). وأخذ يعقد الندوات العلمية "قونفرانس"، وصار يدعي إلى إلقاء المحاضرات بالعربية وشرح المسائل الشرقية والاسلامية والعربية، ولعله أول من فعل ذلك في الجمعية من العرب، ودخل المسائل الشرقية والاسلامية والعربية، ودخل عضواً في مؤتمر المستشرقين المنعقد في باريس 1897 (كان قد بدا تعرّفه بالمستشرقين وهو طالب في السوربون وأصبح له بينهم نشاط علمي)، وأخذت الصحف تنشر مادة محاضراته، وقبلاً كانت تنشر مثل هذا لجمال الدين الأفغاني(13)، كما نشرت الصحف العربية مقتطفات من محاضراته وعدداً من مقالاته.
وتبدأ المرحلة الرابعة من سيرة الخالدي بعودته إلى الأستانة 1316/1989 حيث صدرت الإرادة السنية بتعيينه قنصلاً عاماً في مدينة بوردو وتوابعها، فرحبت به حكومة الجمهورية الفرنساوية ووضعت ثقتها فيه وكانت قد رفضت الكثيرين من الذين عينوا قبله لتلك القنصلية. وانتخب رئيساً لجمعية القناصل في تلك المدينة وعددهم ستو وأربعون فكان ينوب عنهم في الاحتفالات التي يتعذر وجودهم جميعاً ويستقبل رئيس الجمهورية وكبار الوزراء والعلماء عند مرورهم ببوردو. ولما أقيم المعرض البحري العام في بوردو 1907 لانقضاء مئة سنة لايجاد البواخر كان روحي بك من المشاركين في إقامته، وأهدته بلدية بوردو وإدارة المعهد تذكاراً جميلاً، ومنحته الحكومة الفرنساوية نيشان (نحلة المعارف) الذهبية ووسام فرقة الشرف (لجيون دونور) وكان في أثناء ذلك ينشر المقالات الوافية في بعض المجلات العلمية ويعقل امضاءه فيها أو يذكر فيها اسم (المقدسي) أما أهم الصحف والمجلات العربية التي نشرت له في لبنان ومصر فهي الأهرام والمؤيد وطرابلس الشام ومجلة الهلال ومجلة المنار(14)
بقي الخالدي في منصبه قنصلاً عاماً في بوردو نحو عشر سنوات (15) إلى حين إعلان الدستور 24 تموز 1908 فرجع إلى القدس ليبدأ المرحلة الخامسة والأخيرة من سيرته، وانتخبه أهل القدس نائباً عنهم في البرلمان العثماني (المبعوثان) في نوفمبر/ تشرين ثاني ثم أعادو انتخابه ثاني مرة نيسان (ابريل) 1912(17)، وفي مجلس النواب (المبعوثان) انتخب نائباً للرئيس، ولما حُلّ المجلس صيف 1912م، رجع الخالدي إلى القدس، ولكنه ما لبث بعد حين أن سافر مرة أخرى إلى الأستانة وكان سفره الأخير فقد توفي فيها 16 أغسطس آب 1913/1331هـ على أثر حمى تيفوئيد أصابته ولم تمهله إلا أربع أيام وقد بلغ من العمر خمسين عاماً.
كتب الخالدي ومقالاته
تميزت كتابات الخالدي بالتنوع واختلاف العناوين وتعدد الموضوعات:(18)
المنشورة
- الرسالة في سرعة انتشار الدين المحمدي وفي أقسام العالم الاسلامي": وهي محاضرة ألقاها عام 189/1314هـ في دار الجمعيات العلمية في باريس ونشرتها جريدة طرابلس الشام، ثم أصدرتها في كتاب (65) صفحة، مطبعة البلاغة في طرابلس الشام 1314هـ عني بطبعه مدير جريدة طرابلس الشام صاحب امتيازها محمد كامل البحيري..
- "المقدمة في المسألة الشرقية منذ نشأتها الأولى إلى الربع الثاني من القرن الثامن عشر محاضرة ألقاها في 1897/1315هـ في كتاب من 77 صفحة بمطبعة الأيتام بالقدس بنفقة محمود ثريا الخالدي، وليس على الكتاب ما يدل على سنة الطبع.
- "برتلو، العالم الكيماوي الشهير": مقالة قصيرة من 6 صفحات نشرتها مجلة الهلال سنة 10، 15 يناير 1902، ص 233- 238) بمناسبة احتفال فرنسا 24/11/1901 بمرور خمسين سنة على أول تأليف ألفه برتلو، ولم يذكر اسم كاتب المقالة، ثم ذكرت الهلال بعد بضعة أعداد جـ14 سنة 10، 15 أبريل 190 ص 421 في مطلع مقالة عن فكتور هوغو أن كاتبها وجيه مقيم في فرنسا وله اطلاع واسع على تاريخها وتراجم رجالها، وهو صاحب مقالة "برتلو" وقد عرف فيما بعد أن المقصود بالحديث روحي الخالدي.
"فيكتور هوغو" مقالة من عشرين صفحة نشرتها مجلة الهلال حـ14 سنة 10، 15 ابريل 1902 ص421_440.
- "فكتور هوغو وعلم الأدب عند الافرنج والعرب" سلسلة مقالات نشرتها مجلة الهلال ابتداء من جـ4 من سنة 11، 15 نوفمبر 1902، ص 103_108، وفيها يشار إلى أنه كاتب فاضل عرف قراء الهلال علمه وفضله مما قرأوه له عن فيكتور هوغو والمقالات التالية فذ وبرتلو في السنة الماضية ولو لم يعرفوا اسمه، ثم جمعت المقالة الأول عن فيكتور هوغو والمقالات التالية في كتاب بعنوان "تاريخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب وفيكتور هوغو" في 272 صفحة نشرته الهلال سنة 1904م، ولم يصرح عليه باسم المؤلف باسم المؤلف بل اكتفى بالنص على أنه من تأليف "المقدسي" ثم أعيد طبع الكتاب 1912، وعليه اسم مؤلفه ورسمه.
- "الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة" مقالتان نشرتهما الهلا. الأولى في حـ2ف سنة 17 بوردو)، والثانية في العدد التالي ديسمبر 1908 ص 131- 171، ذكر فيها أنها لروحي بك الخالدي المقدسي نائب القدس الشريف في مجلس المبعوثان. ثم جمعت المقالتان وصدرتا في كتاب طبع بمطبعة دار الهلال في عام 1909.
* "الكيمياء عند العرب" كتاب في 85 صفحة طبعته دار المعارف بمصر 1953.
المخطوط
- رحلة إلى جزيرة الأندلس: يشير روحي إلى هذا الكتاب الذ يصف فيه آثار تلك الجزيرة العربية النادرة في معرض تعداد كتبه في "المقدمة في المسألة الشرقية".
- كتاب علم الألسنة أو مقابلة اللغات: ورد ذكر هذا الكتاب في معرض تعداد كتبه في "المقدمة المسألة الشرقية"(19).
- المسألة الصهيونية (السيونيزم)(20).
- تاريخ الأمة الاسرائيلية وعلاقتها بغيرها من الأمم.
- كتاب في تراجم العائلة الخالدية.
- ورد في "المقدمة المسألة الشرقية ان الكتابين الأخيرين هما من الكتب التي عاجل الأجل روحي الخالدي قبل اتمامها".
- "الحبس في التهمة"(21)، ورد ذكره في الكتاب العربي الفلسطيني (الصادر عن لجنة الثقافة العربية في فلسطين في القدس عام 1946).
- تاريخ الشرق وامراءه(22).
* مجموعة من الرسائل بين الخالدي وعدد من أقرانه ومعاصريه.
شخصية الخالدي الثقافية
من خلال تتبع سيرة الخالدي والنتف اليسيرة المتفرقة التي وردت في بعض كتبه ومن تتبع تأليفه ومقالاته ودراستها وتحليلها تبرز عدة أمور تدل على شخصيته الثقافية وعوامل تكوينها، فقد تميز بحبه للمعرفة وحرصه على اغتراف العلم من مناهل متعددة، ثم هو لا يكفّ عن كتابة المقالات والبحوث والقاء المحاضرات والتردد على المكتبات ومجالسة العلماء من العرب والمستشرقين، ومن يتصفح كتبه يعجب لكثرة اشاراته واقتباساته من الكتب العربية الأصيلة قديمها وحديثها، وبين الثقافة الأوروبية العصرية، ويحيط بجوانبها المتعددة ويتسلح لهاتين الثقافتين بسلاحهما فيتجه إلى اتقان اللغتين التركية والفرنسية، فضلاً عن اتقانه للغته العربية، وهو لا يحصر نفسه في باب واحد من الثقافة فهو يجمع بين التاريخ والسياسة والاجتماع واللغة والنقد والأدب، يعرضها في مقالاته وكتبه فينم عن سعة ثقافته وشمولها.
لا بد من التنويه بسبقه إلى الكتابة في موضوعات متعددة، فهو أول من كتب كتاباً في اللغة العربية عن المسألة الشرقية، وهو أول من استقصى أحوال العالم الاسلامي وجمع مادة احصائية مستوفاة عن أقطاره، وهو من أوائل الأدباء العرب الذين كتبوا في الأدب المقارن، ومن أوائل الذين كتبوا في النقد الأدبي واستعمل هذا المصطلح ليقابل المصطلح الأجنبي. ومن أوائل كتاب العربية الذين عنوا بإظهار فضل العرب على الحضارة الأوروبية.
وهو في تحصيل المعرفة لا يكتفي بالدراسة النظرية والرجوع إلى الكتب وإنما يجالس الرجال ويستمع معهم ويحضر الاجتماعات والمهرجانات ويشارك فيها ويحاضر، ويبدو أن صلته بالعلماء بدأت في سن مبكرة وهو صغير وكان والده يهيء له سبل هذا الاتصال(23). وكان متفتح الذهن ثوي الملاحظة منذ صغره تمر به المشاهد والأحد فيطيل التأمل فيها ويستخرج منها دلالاتها، فكثرت نظراته الناقدة وآراؤه الذاتية(24). وكثيراً ما كان يعقب على ما يورد من أحكام أو أحداث بمشاهداته وتجاربه الشخصية(25)، إلا أن الخالدي لم يتميز بمقدرته الخطابية فقد كان ضعيف الصوت "وهو كاتباً أكثر منه خطيباً (26)".
تميز أسلوب الخالدي بسهولة العبارة وتناسقها، تبعث في القارئ لذة وشوقاً للمطالعة، وهو يتوخى الدقة العلمية في استعمال ألفاظه ولا يقر الزخرف والتكلّف ويرجح المعنى على اللفظ ويجعل من الألفاظ خدم للمعاني وأكثر ما تظهر قدرته على التعبير حتى يكتب عن معان نفسية دقيقة أو موضوعات لم تكن مصطلحاتها استقرت على أقلام الكتاب في زمنه(27)، ومع ذلك نلاحظ أن الخالدي يسجّع أحياناً ولكن في مقدمات بعض كتبه، دون أن يظهر عليه، التكلّف والافتعال(28). وهو مغرم بالستشهاد بالشعر، لا تكاد تسنح له مناسبة وإلا وذكر ما خطر له عندها من تلك الأبيات.
الخالدي ذو الوجوه الفكرية المتعددة
المدافع عن الحرية
كان الخالدي من الطبقة العليا، القنصل العثماني في بوردو، الوكيل الأول لمجلس المبعوثان ونائب القدس الشريف فيه، أي أن موقعه الاجتماعي كان إلى جانب المحافظة والتقليد مع ذلك فقد قدم في كتبه أمثلة من الآراء الحديثة والتفتح العقلي(29)، وكان يهيم بالحرية ويدعو إليها، وينافح في سبيلها بقلمه وكان حبه للحرية يشمل جميع جوانبها سواء كانت حرية فكرية أم سياسية أم اجتماعية أم دينية فهو لا يكاد يترك مناسبة يرد ذكرها في كتاباته دون أن يغتنمها للتعقيب عليها مشيداً بالحرية داعياً إليها ذاكراً فضائلها، وندّد بالاستبداد الذي اتسم به عهد السلطان عبد الحميد 1876- 1908 وجعله "منبع الشرور وسبب التأخر والانحطاط"(30)، وانتقد ما كان منتشراً في أجهزة الحكم من فساد وانحلال داخلي وخاصة في القصر(31)، وتحدث عما أصاب أحرار العثمانيين من اضطهاد وتحقير وعذاب حتى صار "أرباب الدناءة والفساد يتقربون (للمابين) بالتملق والتجسس على اخوانهم وأعمامهم وآبائهم"(32). وتأثر في آرائه ودعوته إلى الاصلاح والحرية بالفكر السياسي الفرنسي و بخاصة بمفكري الثورة الفرنسية مثل ديدرو ومنتسكيو وروسو فهو يعالج قضية الحرية مستشهداً بآرائهم ويسوق ما قاله مونتسكيو في أثر الحرية على الانتاج "ومن القواعد التي قررها الفيلسوف الشهير مونتسكيو مؤلف روح القوانين إن الأراضي تقل غلتها بالنسبة لحرية سكانها لا بالنسبة لخصبها فإذا كان الفلاح حراً عمّر الأرض الموات وجعلها مخصبة بعمله وحراثته، وإذا فقد الحرية أصبحت أرضه المخصبة مواتاً بسبب الظلم والاستبدداد(33).
وقد وصفه جرجي زيدان، وهو يقدم مقالته الأولى عن الانقلاب العثماني، بأنه "أحد كبار الأحرار العثمانيين" وأنه من "جملة الذين جاهدوا في سبيل الحرية"(34)، ولكنه كان مضطراً إلى كتمان اسمه أو التوقيع باسم مستعار (المقدسي) في كل ما كتب خلال عشر سنوات حين كان قنصلا عاماً للدولة العثمانية في بوردو 1898- 1908. وفسر جرجي زيدان (35)كتمان الخالدي اسمه "... ومع اعتدال لهجته وتجنبه الطعن والقرص فقد كان يخاف تأويل أقواله ولا تطاوعه حميته على السكوت ففضل كتمان اسمه". وكانت الآراء التجديدية في تلك الفترة تجلب النقمة الرسمية على صاحبها حتى لو ظلت في اطار الثقافة و"الأدب"(36)، وشرح جرجي زيدان بمناسبة اصدار الهلال الطبعة الثانية لكتاب الخالدي "تاريخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب"(37)، أسباب عدم نشر توقيع الخالدي على الطبعة الأولى من الكتاب الصادرة 1904 "المؤلف يومئذ قنصل جنرال الدولة العثمانية في بوردو وقد نال الاستبداد من نفوس العثمانيين وقيد أقلام أحرارهم فلم نعد نسمع غير أصوات المتزلفين أو المتملقين وإذا تكلم الحرّ تكلم همساً وإذا كتب أخفى اسمه ولا سيما اذا كان من موظفي الحكومة،ولو كان موضوعه في الأدب أو الطب، لأن الجواسيس يحولون كل معنى إلى المكايد والدسائس".
وحين أعلن الدستور 1908 بكل ما حمل من معاني الحرية والمساواة "صار الخالدي من أعظم أركانه".
الباحث في التاريخ
يرد د، ناصر الأسد في كتابه عن روحي الخالدي(38) ان كتاباته رغم تنوعها واختلاف عناوينها وتعدد موضوعاتها يلفّها اطارعام هو اطار البحث التاريخي، فهو يبدي جهداً وصبراً على البحث والتقصي وحرصاً على الدقة ويتقيد بالأمانة العلمية من حيث الرجوع إلى المصادر المطبوعة والمخطوطة والمعاجم والأطالس من موسوعات واحصاءات واستخلاص ما يناسب موضوعاته من مادتها مع الاشارة إليها في حواشيه مع ذكر اسم المؤلف وعنوان الكتاب وسنة الطبع ومكانه. ويلحظ د. الأسد الصفة التاريخية في جميع ما كتبه فهو يرجع بكل موضوع إلى مقدماته وإلى أقدم ما يستطيع الرجوع إليه من تاريخ الموضوع، ففي كتابه "رسالة في سرعة انتشار الدين المحمدي وفي أقسام العالم الاسلامي" يبدأ بمقدمة تاريخية عن سيرة الرسوم ثم عرض سريع لانتشار الدين الاسلامي منذ بدء الدعوة ويعيد وسائل هذا الانتشار إلى الفتح، والدعوة والارشاد، التجارة والاتصال المباشر، بساطة الدين نفسه وقربه من طبائع النفس الانسانية وفطرتها، وتغلب على حديثه الثقة بأن الدين الاسلامي هو دين المستقبل. وفي القسم الثاني من الكتاب "نظرة عامة إلى العالم الاسلامي" تتبع الأقطار التي فيها مسلمون مع نبذة موجزة عن كل قطر من حيث موقعه الجغرافي وحدوده، ووضعه السياسي وأحواله العامة وأصل سكانه وتقسيماته الداخلية وانتهى من تتبعه إلى أن عدد المسلمين كان حينئذ عام (1896) 286.859.000 أي أن عدد المسلمين في العالم يتجاوز خمس مجموع النفوس البشرية، وقد استفاد الخالدي في كتابه من دراسته الحديثة في مدرسة العلوم السياسية بباريس وفي السوربون فاستعان ببعض العلوم التي جدّت حديثاً وفي ارسائه لأصول مصطلحاتها باللغة العربية (علم الاحصاء ستاتسيق) وعلم الاقتصاد السياسي (علم الثروة).
وفي بداية كتابه "المقدمة في المسألة الشرقية منذ نشأتها الأولى إلى الربع الثاني من القرن الثامن عشر"، يذكر بدء اتصاله بموضوع المسألة الشرقية منذ ان كان طالباً في الاستانة(39)، إلى أن استكمل عنده الجمع والبحث، فبعث بما كتبه إلى الأهرام كي يطلع عليه قراءة العربية فيستفيدوا منه ويعلقوا عليه بآرائهم، وبعد أن يطرح الخالدي السؤال التالي "هل تحافظ أوروبا على بقاء المملكة العثمانية أو تتركها تنقرض وتزول؟". يعرف المسألة الشرقية بأنها "جدال سياسي على استبقاء الممالك المحرومة أو تقسيمها، وربما أفضى ذلك الجدال إلى قتال بين الدولة العثمانية لسعيها في المحافظة على بقائها- ودول انكلترة وفرنسا واستراليا وإيطاليا العاملين على حمايتها والمحافظة على كيانها لمنافعهم التجارية ولمنع توسع الدولة الروسية أو على أخذ كل نصيب منها عند حصول الاتفاق بينهم". أما عن أساس المسألة الشرقية فيعود إلى الأزمنة المتوسطة "عن منافسة الشرق للغرب وطمع سكان كل منهما في الاستيلاء على الآخر وكان الدين أعظم مروّج لهذه المناسبة. ثم تسلسل في تتبع تاريخي للأحداث إلى أن قال: فمنذ أوجدت الأتراك في أوروبا أو بعبارة أخرى منذ دخل الاسلام أوروبا من الشرق، وجدت مسألتنا الشرقية"، وانتقل إلى الحديث عن مواقع المسألة الشرقية أي "المواقع التي تسبب حدوث ارتباكاتها السياسية (البلقان والشرق الأوسط وساحل افريقيا الشمالي)، وتحدث عن قيمة هذه البلاد وأثرها في ميدان الحضارة ثم دخل مداخل تاريخية متشعبة فتحدث عن تاريخ الدولة العثمانية وتاريخ روسيا وعن "المحرك لطمع روسيا"، فأرجعه إلى سبين مادي وهو الافتقار إلى الثغور البحرية والثاني معنوي حسي وهو "الادعاء بميراث قياصرة الروم". ثم فصّل الحديث عن العلاقات الودية بين فرنسا والبلاد الإسلامية وختمه بموضوع "التجارة الفرنساوية في الشرق" ويقصد من ذلك بيان الأسباب التي دعت فرنسا لأن تقف مع الدولة العثمانية ضد روسيا، وقد حاول في كتابه أن يفسر مواقف الدول تفسيراً علمياً يوضح المصالح والمنافع التي تتحكم في توجيه سياستها ويبرز العوامل الاقتصادية التي كانت وراء تطور المسألة.
وفي كتابه "الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة" ثم موضوعه على فصول قصيرة لها عناوين (29 فصلاً) بحث في الأول تحديد المصطلح فقال: ".. الانقلاب في اصطلاح المؤرخين تغير مهم في حكومة الدولة وقلب في قوانينها وهو غير الثورة التي بمعنى العصيان والخروج عن الطاعة والقيام على الحكومة المشروعة، والفرق بين الانقلاب Revolution والثورة Revote كبير، فإن الثورة كثيراً ما تضر بمنافع الأمة ومصالحها بخلاف الانقلاب فإنه مهما آلم الأمة ورضرضها فهو يخطو بها خطوة في التقدم". ثم قدّم ثلاثة فصول عن الاستبداد "يتولد الانقلاب من الاستبداد، والاستبداد أسيوي وليس اسلامياً ومنبع الاستبداد قصر الملك أو الخلافة" وبرأ الاسلام من الوصمة التي حاول بعض الأجانب الصاقها به، ووضح أن الاسلام دين الحرية والمساواة والديمقراطية وأن الاستبداد طارئ دحيل على الاسلام، ثم أدار فصلاً خاصاً عن الفساد في القصر العثماني، عنوانه "قصر السلطة العثمانية وتربية ولي العهد والكامريلا Camarilla" وهي كلمة اسبانية معناها جماعة المتنفذين في قصر الملك.وتتابعت الفصول عن التذمر الذي بدأ ينتشر بين بعض كبار رجال الدولة من الأحرار، وعن مشروعات الاصلاحات التي تعاقبت منذ صدارة مصطفى رشيد باشا حتى الحرب بين المابين وتركيا الفتاة، ثم عقد فصلاً عنوانه "ظهور المابين وتفشي الفساد والاختلال"، وأورد كثيراً من الأمثلة، ثم جاءت أربعة فصول عن "اتحاد الأرمن والأتراك في طلب الحرية"، "ونهضة جمعية الاتحاد والترقي وانتشارها"، "ونهاية الفساد والخراب في أحوال الدولة" و "انفجار بركان الحرية وحصول الانقلاب في 24 تموز". وختم البحث بخلاصة قال في آخرها: "فالفضل في حدوث الانقلاب العثماني بغير سفك دم ولا حصول اضطراب وقلاقل في المملكة انما هو للشريعة الاسلامية وما في أحكامها من العدالة الانسانية والمساواة في الحقوق".
وجاء في كتابه "الكيمياء عند العرب" من وحي مقالته في الهلال عن "برتلو" العالم الكيميائي الفرنسي التي لعلها أثارته إلى مواصلة البحث في تاريخ الكيمياء لمعرفة ما كان أحدثه العرب في هذا الميدان وما كان لهم من فضل في نقله إلى أوروبا. وهو يبدأ بتمهيد يبين أن غرضه من الكتاب بيان ما كان لععرب من أثر حقيقي في خدمة العلم وكشف الحقائق للوصل بالبشرية إلى درجة الكمال". وأقتبس أقوال بعض العلماء الافرنج الذين يقرون بفضل العرب في العلوم عامة، ثم عقد فصلاً عنوانه "جابر" ويقصد به الكيمياء لأن جابر بن حيان "إمام المدونين فيها" وقد بحث في معنى كلمة (الكيمياء) واشتقاقاتها وأصلها وتبين موضوعات علم الكيمياء وتتبع تاريخياً نشأة هذا العلم عند الأمم المختلفة. ثم عقد فصولاً متتالية عن عدد من العلماء المسلمين كان لهم فضل مشهود به على الكيمياء فتتبع حياتهم وجهودهم وتأليفهم وما ذكرته عنهم الكتب العربية والكتب الأجنبية مشيدة بفضلهم. ثم عقد فصولاً عن انتقال الكيمياء من العرب إلى الافرنج وعن علماء الأفرنج الذين أخذوا الكيمياء عن العرب في القرون الوسطى، وتحدث في فصول أخرى غن أمور شتى من الكيمياء مثلاً عن "الأكسير وانقلاب المعادل بعضها لبعض" وعلم "العناصر وعالم الأفلاك" ومذهبا ابن سينا والفارابي في الكيمياء، وفي كتابه يشرح الخالدي موضوعاته شرح المتصل بها العرف للبعض جوانبها ويستشهد بأقوال العلماء المسلمين ويتقبس من أقوال العلماء الأجانب. ومع غلبة السرد التاريخي على كتب الخالدي، فإنه لم يكتفي بمجرد السرد وذكر الأحداث المتعاقبة بل كثيراً ما كان يتوقف ليستخرج منها مدلولاتها الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية ليتخذ كل ذلك أساساً لتفسير الأحداث وليربط المظاهر بأسبابها والنتائج بمقدماتها.
رائد الأدب المقارن
في دراسة قيمة قام بها د. حسام الخطيب(40) يعتبر أن دور الخالدي الأول والأساسي هو في حقل معرفي مهم جداً هو الأدب المقارن ويعد كتابه "تاريخ علم الأدب عند الأفرنج والعرب وفيكتور هوغو" هو كتاب في الأدب المقارن الصميم Propre دون أن يقلل هذا من قيمة الدراسات التي تتبعت أراء الخالدي من أوائل الذين استعملوا النقد الأدبي ووضع في الهامش مرادفها الفرنسي Critique Litteraires. وبرأي د. حسام الخطيب أن الخالدي كان مؤهلاً تأهيلاً معقولاً لأن يكون باحثاً مقارنياً، فقد كان يقول: "أنا أذوق أدبي حسن واطلاع جيد على الآداب العربية والأجنبية وكانت معرفته باللغات وافية وساعدته كذلك ظروفه الشخصية من خلال اقامته في فرنسا آواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين أي خلال الفترة التي بلغ فيها تألق فرنسا الأدبي قمة من قممه العديدة. وفي خلال اقامته تعرف على عدد من المستشرقين الأوروبيين وذكرهم وذكر آرائهم في كتبه وربما كان لانتماء الخالدي إلى القدس أثر في تطلعه الواسع ونزعته المقارنية العالمية"(42)، هذا الحكم، يقول د. حسام الخطيب(43) لا يجوز أن يعني اطلاقاً انكار الجهود المشرفة لكتاب سبقوا الخالدي إلى الاتصال بالثقافة الأجنبية ومحاولة تقريبها إلى القارئ العربي مستعينين أحياناً بعقد المقارنات والموازنات الفكرية والأدبية والفنية مما قربهم كثيراً من حق الأدب المقارن.
ولكن من خلال المقياس الخاص بالأدب المقارن يظهر روحي الخالدي في كتابه (تاريخ علم الأدب) وعياً نظرياً لمفهومات التأثر والتأثير وتبادل الأفكار والتقنيات مما لا نراه عند الكثيرين من معاصريه، وبذلك يقترب من المفهوم الأصلي للأدب المقارن بوصفه (تاريخ العلاقات الأدبية الدولية) على نحو ما أكده أساتذة المدرسة الفرنسية الأوائل.
كان السبب الذي دعا الخالدي إلى تأليف كتابه وما رآه من احتفال الفرنسيين في 26 شباط (فبراير) 1902 (باليوبيل القرني) أي مرور قرن على ميلاد هوغو، فأراد التعريف بحياة الشاعر وأدبه وتأليفه لما رأى من منزله لدى الأمم المختلفة فكتب مقالة هي أصل الكتاب وهي التي أوحت بفكرته، لأن حديثه عن فيكتور هوغو وطريقته الأدبية وتأثره بمن سبقه وتأثيره في غيره، كل ذلك أوحى للخالدي بالتوسع في الحديث عن الأساليب الأدبية المختلفة عند العرب وغيرهم من الأمم وعن تأثير الأمم بعضها في بعض وخاصة تأثير العرب عند الإفرنج.
ويشير تصدير الكتاب أي الشرح المثبت على الغلاف بعد العنوان، إلى أن الكتاب يعتمد على المقابلة والمقارنة القائمة على التأثر والتأثير ]وهو يشمل على مقدمات تاريخية واجتماعية في علم الأدب عند الافرنج ما يقابله من ذلك عند العرب ابان تمدنهم إلى عصورهم الوسطى وما اقتبسه الافرنج عنهم من الأدب والشعر في نهضتهم الأخيرة وخصوصاً على يد فيكتور هوغو[ والخالدي ينظر إلى الأدب بمعناه الواسع العام ولا يقصره على النثر الفني والشعر كما قصره القدماء "فقد اشتمل على ضروب لم يعدها النقاد القدامى أدباً كالأغاني والروايات والقصص والتاريخ والسياسة والرحلة وهذا التعريف مأخوذ من التعاريف الغربية"(44)، ولا دراكه إن البلاغة لا تختص باللسان العربي وحده كما يؤمن بأن على الأدب "لا يكمل للمتبحر فيه إلا بعد أن ينظر في أدب الأمم المتمدنة ولو نظرة عامة يطلع بها على مجمل تاريخ أدبهم وعلى بعض ما ترجم من مؤلفات المشاهير من كتبهم"، ولذا فقد حرص الخالدي في كتابه على شرح المذاهب في الأدب العربي، مع المقارنة باستمرار بين الأفكار والتقنيات والأساليب العربية والافرنجية، وتتوفر في كتاب تاريخ علم الأدب سلسلة غنية من المقابلات العربية والافرنجية الفكرية والأدبية وأحياناً المعتقدية تدل على توفر حسن البحث المقارني والذوق النقدي، ومن الأمثلة "ما اقتبسه الافرنج من قواعد الشعر العربي" في الفصل الرابع عشر، ويؤكد على أن الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية أتاحت الفرصة لانتقال الأفكار والأساليب والتقنيات إلى الفرنجة في القرن الحادي عشر من خلال الاتصال العربي الفرنسي الحربي وغير الحربي، في شمال اسبانيا وجنوب فرنسا، وهو يحرص على رسم خارطة للجو السياسي والاجتماعي الذي دارت فيه المبادلات الأدبية في تلك الفترة ويؤكد باستمرار على تأثير المعتقدات الدينية من الأساطير والأغاني والتصرفات الاجتماعية في الأفكار والأساليب الأدبية. وهكذا نجح في رسم خطوط كبرى لنواحي التماثل والاختلاف من شأنها أن توحي بأن التجربة التاريخية الاجتماعية المتشابهة تنتج أفكاراً وآداباً متشابهة(45)، كما استطاع أن يربط بين المستوى اللغوي وبين المستوى الحضاري للأمة فالأمة كلما ارتفعت في سلم الحضارة كان لسانها أبلغ وأدبها أوسع وأكمل.
وواضح أن توسع الخالدي في فيكتور هوغو ليس لأنه مثال خاص للتأثر بل لما يمكن أن يقدمه شعر هوغو من تأكيد على التشابه بين الأدبين العربي والافرنجي وكذلك على اللون الخاص لهذا الشاعر مما يمكن أن يفيد منه القراء العرب ومن هنا كان وعده في المقدمة بترجمة مقطوعات لفيكتور هوغو ومقارنتها بمقطوعات للشعراء العرب، مثل المتنبي والمعري، وكان واضحاً أنه يعتقد أن التجربة الأدبية الغربية وتجربة شاعره المفضل فيكتور هوغو بوجه خاص كفيلة بأن تغني الأدب العربي الحديث وأن تعطيه أنفاساً جديدة، وقد بذل الخالدي جهداً لتقديم ترجمات لمجموعة مختارة من أثار فيكتور هوغو في الشعر والنثر أورد بعضها كاملة وأورد مقاطع مختارة من بعض آخر فكان من أوائل الذين فتحوا النافذة العربية على الآفاق الفرنسية الأدبية. وكانت طريقته أن يستعرض قصائد فيكتور هوغو وأعماله الفنية مستهلاً كل عمل بتعريف عام يتمثله في ظروفه السياسية والاجتماعية ومنتقلاً بعد ذلك إلى التعليق عليه وبسط ما يحويه من الفوائد الفلسفية والأدبية ولا سيما من ناحية ما يوحيه من تشابه وخلاف في الشكل والمضمون بينه وبين بعض الآثار العربية.
وتبدو ترجمته ناجحة لأنها قائمة على التعمق في النص الأصلي وفهم مراميه فهو ليس مترجماً حرفياً بل أديب متذوق ولنا أن نتصور ما عاناه الخالدي في مجال ترجمة المصطلحات الأجنبية الفنية والبلاغية، هذا الجهد الذي قدمه يضعه في مصاف رواد الترجمة ولا سيما من ناحية اصراره على فهم المصطلح الأصلي بلغته وشرح معنى هذا المصطلح جنباً إلى جنب مع اقتراح الترجمة.
الخالدي المفكر القومي
اتخذ التيار السياسي، ولدى كثير من المفكرين العرب ومنهم روحي الخالدي قبل 1908، شكل حركة اصلاحية دعت إلى تحديث الدولة العثمانية وتعزيز قدراتها كي تمكن من الحفاظ على كيانها ودفع الأطماع الرامية إلى اغتصاب ممتلكاتها، ولم يجد هؤلاء حرجاً في الانضمام إلى الجمعيات الاصلاحية السرية بما فيها جمعية الاتحاد والترقي بعد قيامها 1894(46)، (هذا رغم وجود جمعيات سياسية سرية عربية قبل قيام جمعية الاتحاد والترقي تنادي بنهوض العرب واستعادة أمجادهم ومقاومة الظلم والاستبداد في عهد عبد الحميد)(47)، وقد عبر العرب وخاصة النخبة المثقفة منهم، عن ابتهاجهم باعلان الدستور 1908، وأظهروا تقديرهم للأساليب الديمقراطية في الحكم وظنوا أنهم بواسطتها يحققون جميع الاصلاحات التي كانوا يصبون إليها، للحصول على موقع العرب الصحيح داخل الدولة العثمانية.
وتجلى نشاط هذا الفريق في لقاءات ذات صفة أدبية فكرية وانخراط كثير منهم في صفوف جمعية الاتحاد والترقي وبعضهم انضم إلى جمعية الاخاء العربي العثماني أو مارس نشاطه في لقاءات ذات صفة أدبية فكرية إلا أن هذا النشاط أخذ يتبلور في عددا من الجمعيات والأندية ذات النزعة القزمية العربية من أجل الدفاع عن الوجود العربي في الدولة وضمان قدر من الحكم الذاتي للولايات العربية بعد ازدياد الخلاف مع الاتحاديين(48)، وكانت الكتلة العربية في المبعوثان لها وزنها(49)، وقد استطاع المندوبون العرب من الولايات العربية المختلفة أن يوجدوا روابط فيما بينهم تتجاوز المصالح الأقليمية، ويؤكد عزة دروزة- وهو من المؤرخين القلائل الذين أبرزواأهمية هذا التكتل السياسي- ان النواب سجلوا بهذا تطوراً في الحركة العربية على المسرح السياسي الرسمي أدى إلى تقوية مكانتهم. وقد تصدى هؤلاء النواب لنواب الترك الاتحاديين لاثبات الوجود العربي والدفاع عن حقوق العرب وكان من بينهم روحي الخالدي(50).
وقد أشارت جريدة الأهرام، عددها 10775 في 9/9/1913(51) إلى أن مبعوث القدس روحي الخالدي كان يرى أن يؤلف النواب العرب حزباً برلمانياً عربياً، أو أن يدخل جميع نواب العرب في رفقة الاتحاد والترقي وحزبها البرلماني، إنما كان من الطبيعي أن يرفض معارضو الاتحاديين من نواب العرب، مثل هذه الفكرة، كما رفض النواب الأعضاء من بقية العناصر في تأليف الأحزاب المعارضة (وأهمها حزب الحرية والائتلاف)(52)، وبقي الموالون للحكومة منتسبين إلى حزب الاتحاد والترقي إلا حينما تنشأ ظروف تدعو لخروج الواحد منهم بعد الآخر من هذا الحزب لينضم إلى الأحزاب المعارضة. هذا مع العلم أن نواب العرب، معارضوهم واتحاديوم على السواء كانوا يتكاتفون في كثير من الأحيان عندما تعرض مناقشة بعض الأمور التي تمس كرامة الأمة العربية(53).
وكان الخطر الصهيوني هو أحد العوامل التي زادت في توثيق الروابط بين المندوبين العرب داخل المبعوثان، كما كان مادة للبحث في أوساط المثقفين العرب الذين اطلعوا على الثقافة الغربية وتابعوا نمو الحركة الصهيونية ومؤتمراتها وأقوال زعمائها وعرفوا أهدافها البعيدة ومخططاتها، إلى جانب ما لمسوه من أعمالها مباشرة(54). وكانو في صراعهم من أجل الحقوق القومية يرون في الصهيونية تهديداً خطيراً للفكرة العربية الناشئة. وقد أتيحت فرصة التعبير للمندوبين العرب لشرح أبعاد المسألة الصهيونية للفكرة العربية الناشئة حين طرح الموضوع في اذار(مارس)1911خلال منقشات المبعوثات حول الميزانية(55)، ومع ان النواب العرب لم يأخذو المبادهة هذه المناقشة، وتولى أحد نواب المعارضة، ولم يكن عربياً لفت نظر المجلس الى نمو الدعاية الصهيونية في الدولة، الا أن نائب القدس، روحي الخالدي، قد تولى الرد على مبعوث سلانيك (قره صو)(56) الذي حاول التقليل من أهمية المسألة الصهيونية. وأكد الخالدي بأن مشكلة الصهيونية هي في غاية الأهمية بالنسبة للدولة وأيده في ذلك مبعوث بيروت رضا الصلح.
إلا أن طرح المسألة الصهيونية على بساط المناقشة قد أثار ردود فعل مختلفة في أوساط الصحافة العثمانية والعبرية، وشجع هذا الموقف النواب العرب في المبعوثان على إثارة الموضوع ثانية في جلسة أيار (مايو) 1911 خلال مناقشة الميزانية الخارجية(57). وقد بدأ روحي الخالدي بشن حملة عنيفة على الصهيونية لأنها ضار بمصالح العثمانيين في فلسطين، وحرص على أن يفرق بين اليهود العثمانيين الذين ليس لهم أي صلة بالصهيونية والصهيونيين "كما أنني ضد الصهيوني، ولكنني لست ضد السامية، والدليل هو الرسائل التي بعثها إلى هنا حاخام باشا أزمير وغيره من الحاخاميين الذين يناهضون الصهيونية".
وسرد روحي قصة الهجرة اليهودية الى الدولة العثمانية مبيناً أن الشعب العثماني لم يظهر أبداً العداء لليهود. وحين بدأ الخالدي عرض نظرية الصهيونية احتج بعض النواب على هذه التفاصيل لأنها معروفة من قبل، فردّ بأنه يعرف ذلك لولا أن قره صو أعلان عند مناقشة هذا الموضوع للمرة الأولى أنه لا يعرف ما هية الصهيونية. وقد تابع الخالدي سرده لتطور الحركة الصهيونية على يد هرتزل وسعيه لانشاء دولة وتشكيل لجان في أوروبا وتأسيس مصرف في انجلترا لاستلام اعانات شهرية. كما تناول مسألة مستعمرات اليهود وجمعياتهم وتدريباتهم العسكرية ووجود مكاتب بريد وطوابع تحمل رسوم هرتزل ونوردو ومحاكم وإدارة ذاتية. وفي النهاية طلب روحي أن تبين الحكومة الاجراءات التي اتخذتها ضد هذا الخطر الصهيوني الذي يهدد فلسطين بشكل خاص.. وقد حرص النواب العرب (حافظ السعيد نائب القدس، شكري العسلي نائب دمشق) على تأييد أقوال الخالدي ودحض دعوى نسيم مزلياج (نائب أزمير) من تصوير معاداة الصهيونية بأنه معاداة لليهود(58). وقد اتضح من مناقشات المبعوثان، كما عبر عن ذلك أحد زعماء الصهيونية في استانبول (دكتور جاكوبسون)، إن عرض النواب العرب ولا سيما روحي بك الخالدي، كان شنّ حملة لسن تشريع جديد ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين(59). وقد علقت إحدى الصحف اليهودية (وهي جريدة The Truth) على نتائج الانتخابات الثانية نيسان (أبريل) 1912 في منطقة القدس "إنه رغم جهود اليهود المركزة فإن مرشحاً (معادياً للسامية) قد انتخب"(60)، وتقصد به روحي الخالدي.
ولم يكن الخالدي من أبرز النواب على مسرح المبعوثان الذين أثاروا مع زملاء له المسألة الصهيونية وحذروا من أهدافها وتابعوا أخبارها ونشاطاتها الدبلوماسية بل كان في طليعة المفكرين العرب النابعين المتنبهين الذين عرفوا الصهيونية ومراميها معرفة جيدة ووضع كتاباً حول المسألة الصهيونية (سيونيزم) يقول عنه الدكتور وليد الخالدي(61) بأن كتاب "يتميز بنضوج الرؤية، وتكامل الصورة وترابط الأجزاء وتسلسل الآراء وسعة الالاطلاع ورصانة الأسلوب.. وهو أول دراسة عربية جدية للصهيونية فهو جدير في تقديرنا- مهما نختلف في تقويم أحكامه التي نطق بها قبل استفحال الأمر وسقوط الامبراطورية العثمانية وصدور وعد بلفور – بلقب رائد النهج العلمي في معرفة أخطر وأشرس عدو واجهته هذه الأمة". ويؤكد الدكتور وليد الخالدي(62) أن هناك من الشواهد ما يدل على أن روحي الخالدي بدأ كتابة هذا الكتاب وهو لا يزال في بوردو وإنه استمر في تنقيحه والإضافة إليه إلى ما قبل وفاته ولم يتسنّى له أن يكلمه بل حتى أن يبيّضه (63).
ومحتويات الكتاب تنقسم إلى ستة فصول: مقدمة في الصهيونية- الجذور الدينية اليهودية الصهيونية- لمحة عن تاريخ اليهود من موت الملك سليمان إلى خراب الهيكل الثاني- تشتّت اليهود- ظهور الصهيونية الحديثة- الجمعيات اليهودية الكبرى(64). تشكل المقدمة خلاصة نظرة المؤلف العامة في الصهيونية ولسلسلة الأفكار الرئيسية التي يستفيض في شرحها في الفصول التالية:
(السيوينزم) تدل في اصطلاح الصهيونيين على "نظرية حديثة انتشرت بين أوروبا الشرقية.. يراد بها تأسيس دولة يهودية في فلسطين حيث يهاجر إليها جميع اليهود المتألمين من الاضطهاد المسمى باصطلاح الافرنج (انتي سيمتزم) ليؤسسوا في فلسطين على قواعد ملتهم وطناً خاصاً تعترف الأمم المتمدنة بوجوده". ويستنتج المؤلف أن الصهيونية ظهرت "بعاملين مؤثرين أحدهما اضطهاد اليهود المسمى عند كتبه الافرنج (انتي سيمتزم) وثانيهما انتباه الشعور القومي فيهم". ويعزو المؤلف انتباه الشعور القومي إلى "الانقلاب الكبير الفرنساوي" أي الثورة مما ولد في اليهود شوقاً للاتحاد القومي والحياة المشتركة واعادة مجد بني اسرائيل القديم.. وبظهور هرتسل الذي أصبح في نظر الصهيونيين "كموسى بن عمران لتصديه لجمع شتات اليهود وادخالهم الأرض الموعودة". ووضع الصهيونيون أسس دولتهم في الخارج وعقدوا مؤتمراتهم وتشكلت أحزابهم وفرقهم السياسية والجمعيات والمصارف. ثم انشأوا مستعمرات بأموال أثرياء اليهود (بلغ عددها 28 مستعمرة ومساحتها 279.391 دونم) "اشتروها بثمن بخس بمساعدة ولاة البلد وأغنيائها" وفيها من اليهود المستعمرين 8000 نسمة ويهاجر في السنة نحو 2000 "مع عدم تصريح الدولة لهم بالاقامة.. لكنهم يستعملون أنواع الحيل والدسائس والرشوات ولا يخرجونها منها بعد دخولهم إليها بصفة زائرين". والاستعمار الكبير بنظر المؤلف هو "شراء غوربيسان أو أخذ امتياز باستعمار وادي الأردن.. واستعمار قضاء بئر السبع.. وشراء وادي الحوارث.. والاستيلاء على جميع السواحل من حيفا إلى يافا والحدود المصرية،.. ويلاحظ المؤلف أن "بعض اليهود ينكر على الصهيونيين عملهم.. ويقول بمضرته لعموم اليهود ويطلب من الحكومة العثمانية عدم التساهل، وينقل نص برقيه من كبار الحاخاميين العثمانيين إلى رئيس مجلس المبعوثان ولبعض المبعوثين (ولعل واحدهم) ويعلق روحي الخالدي على البرقية ".. ولا يخفى ما في رأي هؤلاء المعارضين للصهيونية من الاصابة لأن الدولة العثمانية بعد اعلان الدستور.. لا تنتظر من اليهود العثمانيين أن يشتركوا في الصهيونية التي فيها التفرقة..".
الفصل الثاني: يحتوي على جزأين احدهما يتناول التوراة والآخر التلمود ويعطي الشواهد على ما ورد فيهما من الأقوال التي يتخذها الصهيونيون دليلاً على عودتهم إلى فلسطين كما يتطرق إلى الآداب العبرية في القرون الوسطى التي تجلت في الآمال الصهيونية، وينهي الفصل بقوله ان الكثيرين من اليهود يذهبون إلى أن الوعود الدينية "أضاعت معانيها المادية.. واكتسبت معنى تصوفياً". الفصل الثالث: يعرض تاريخ اليهود من موت سليمان إلى تشتتهم في اثر خراب الهيكل الثاني على يد هدريان، ويتخلل العرض ملاحظات وتحليلات نافذة. والمؤلف يقصد من سرده اعطاء المؤشرات على تصميم اليهود على اعادة ملكهم في فلسطين اتماماً لما كان قد أورده من النصوص الدينية اليهودية في الفصل السابق(65).
الفصل الرابع: يعالج أحوال اليهود في التشتت ما بين خراب الهيكل الثاني في القرن الثاني للميلاد، وبداية (المهاجرة) الصهيونية الحديثة الى فلسطين في القرن التاسع عشر، ويقسم الفصل إلى أربعة أجزاء هي: أوضاع اليهود في الممالك الشرقية قبل ظهور الاسلام وبعده- أوضاع اليهود في الممالك الرومانية لغاية الثورة الفرنسية- بدايات صهيونية مخفقة- وضع اليهود في روسيا القيصرية وانتشار اللاسامية فيها ويلاحظ في الجزء الأخير من الفصل "ان تاريخ الانتي سيمتمزم مطابق لتاريخ الصهيونية أي لظهور الدعوة الأولى إليها والشروع باستعمار فلسطين.. وينتهي إلى القول إن سياسة الحكومة الروسية تجاه اليهود "لم تكن على استقرار وليس لها مقصد معين". ويقابل هذا الارتباك في السياسة الروسية ارتباك أشد لدى اليهود الذين صمم بعضهم على التنصر وصمم البعض الآخر على المهاجرة "ولكن إلى أين"؟
الفصل الخامس: (ظهور الصهيونية الحديثة) ويتألف الفصل من عنصرين متداخلين أولهما فقرات عديدة مختارة مترجمة من مقال في الموسوعة اليهودية ظهر بالانكليزية في الجزء الثانية عشر (66)، وثانيهما مطالعات وتعقيبات لروحي الخالدي على الفقرات المقتبسة من الموسوعة واحتفظ المؤلف بالعناوين الصهيوني "هاتكوه" هو غير وارد في مقال الموسوعة(67).
ورداً على التساؤل الذي طرحه المؤلف في نهاية الرابع "إلى أين الهجر" يبحث مجرى الهجرة بعد 1881 فهناك تياران سلك الأول طلاب المدارس وأصحاب العلم والفكر (شفوفي زيون Chovovei Zion) والتيار الثاني العمال حيث هاجروا الى أمريكا. ويعتبر المؤلف هرتسل "موجد الصهيونية الحالية وصاحب نظرية" وهو "الذي وضع برنامجاً لتطبيق هذه النظرية". ويلحظ المؤلف ان هرتسل لم يتكلم في رسالته (Judenstaat) أي الدولة اليهودية عن الصهيونية ولا ذكر فيها اسم فلسطين ويتساءل "... فليت شعري ما السبب الذي حمل هرتسل على أن يحول أنظاره نحو فلسطين؟." وللاجابة يقول ان الدافع في نظرة كان رغبة هرتسل في استمالة الجمعيات الصهيونية إليه ولا سيما جمعيات "شفوفي زيون"، ويخلص إلى أن قبول هرتسل يجعل المملكة اليهودية في فلسطين انما "نشأ عن سياسته العملية ارضاء للصهيونيين ولم ينشأ عن نظريته السياسية". والخلاصة أن نظرية هرتسل، يقول روحي الخالدي: "وافقت أصحاب العقول الساذجة التي لم تنسى خاطرتها الدينية التي مضى عليها ألف عام" وهو يقدر الصعوبات لتحقيق الصهيونية "فايجاد وطن صغير لليهود والمحافظة على هذا الوطن من ذوي المطامع الكبيرة ودوام بقائه وارتقائه في الزراعة والصناعة والتجارة وجميع المسائل الاقتصادية بين الدول الكبيرة لم أصعب الأمور".
ويخصص المؤلف مقطعاً خاصاً بالصحافة الصهيونية ويصف جريدة "أورو" بأنها من أشهر الجرائد الصهيونية الفرنسية في الآستانة كما يشير إلى مساعي الصهيونيين لشراء الجرائد المشهورة في الآستانة (منها جريدة أقدام) واغروا صاحبها لاصدار جريدة أوريان بالفرنسية بقلم البيرفوا وقام الأخير بمراجعة رئيس المبعوثان وغيره لعقد المؤتمر الصهيوني في الآستانة فتدخل روحي الخالدي في الأمر "وبنيت ما ينجم عنه من المحاذير"(68). كما يشير الى استخدام الصهيونية جريدة جون ترك الفرنسية كما استعملو بعض الجرائد الصورية (النصير في بيروت والنفير في القدس والأخبار في يافا). وينتهي الفصل بمقطع عنوانه المارش اليهودي (هاتكوه) ويدّون نص مطلع المارش بالحروف الافرنجية والألفاظ العبرية مع تعريبها "لنكون أمة حرة بأرضنا أرض صهيون والقدس". الفصل السادس والأخير: "الجمعيات اليهودية الكبرى" وفيه وصف وتحليل للوجود اليهودي الحديث في فلسطين الصهيوني وغير الصهيوني وينقسم إلى أربعة أجزاء: - جمعية الأليانس الاسرائيلية Alliance Israelite Universelle
- شركة الاستثمار اليهودية (ايكا) Jewish Coloni Zation Association، ومستعمراتها.
- مستعرات أخرى غيرمستعمرات الايكا- جمعية عزرا (أي جمعية معاونة اليهود الألمان) Hilfsverein der Deut Schen Juden وهو في بحثه عن المستعمرات يورد تفاصيل في تمام الدقة بالنسبة إلى مساحة كل مستعمرة وعدد سكانها من اليهود وحاصلاتها الزراعية كماً ونوعاً والصنائع التي بعضها ووارداتها والخصائص التي تتميز بها، ولا يغفل عن ذكر أسماء بائعي الأرض إلى اليهود عرب فلسطين أو البلاد المجاورة أو الأجانب من سكان البلاد، والأساليب الملتوية التي لجأ اليهود إليها في شراء الأراضي. ومن الواضح أن المؤلف زار العديد من هذه المستعمرات ليتبين بنفسه أحوالها، وانه تنازعته عدة مشاعر عند الكتابة عنها، فمن ناحية أعجب بانجازات المستعمرين اليهود وتدابيرهم العصرية مع شعور بالمرارة لتخلف أوضاع الريف الفلسطيني ومن ناحية أخرى غضب على البائعين من العرب وعلى من سهّل أعمال البيع من السماسرة وموظفي الإدارة العثمانية(69). وينهي كلامه بالإشارة إلى مزاعم الصهيونيين بأنهم اشتروا أكثر هذه الأراضي الجسيمة من "المتنفذين ولم يشتروا من الفلاحين إلا مقدار جزئياً.. وانهم أحسنوا للبلاد بأحداثهم هذه المستعمرات وأغنوا الأهالي عوضاً من أن يفقروهم وأوجدوا أعمالاً للذين يحبون العمل".. ويعلق على ذلك "فسياسة الصهيونة تشويق الحكومة لاضطهاد كبراء البلاد... واذلالهم والتسبب في انقراضهم ثم الاستيلاء على أفكار الفلاحين البسطاء ووضهم تحت سلطتها المالية واستخدامهم في زراعة أراضيهم التي يملكونها قرية بعد قرية". - وأخيراً "يمكن القول ان روحي الخالد يعد من الشوامخ في الفكر والتأليف وغزارة الانتاج المتسمم بدقة التقصي العلمي، تضاهي بها فلسطين أرقى بيئات العالم (70)".
المراجع
(1) عمر البرغوثي وخليل طوطح، تاريخ فلسطين، القدس، 1923، ص257 وما بعدها. وقد اختلفت التقسيمات الإدارية خلال الحكم العثماني كما اختلفت تبعية كل وحدة إدارية باختلاف الولاة وباتساع نفوذهم أو تقلصها إلى أن استقر التوزيع الاداري، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. (2) أطلق الرومان على فلسطين (والأردن) بحدودها الحالية اسم فلسطين وقسموها إلى مقاطعات ثلاث هي فلسطين الأولى Palestina Prima وفلسطين الثانية Palestina Secunda وفلسطين الثالثة Palestina Tertia. وأثر الفتح العربي الاسلامي قسم العرب جنوبي بلاد الشام إلى جندين هما جند فلسطين ويشمل المنطقة الجنوبية من فلسطين، وعاصمته اللد ثم الرملة فيما بعد وجند الأردن ويشمل المنطقة الشمالية من فلسطين والأردن وقسماً من الجولان وعاصمته طبرية. ولم يحدث التقسيم إلى مناطق عديدة إلا في العهد المملوكي واستمر حتى العهد العثماني. Y. Porath، the Political awakening of the Palestinian Arabs and their Leaclership towards The end of the Ottoman Period. In M. Mz'oz، (ed)، Stndies on Palestine during the Ottoman Pariod، Jurusalem 1975، PP.355-356. (3) خيرية قاسمية: النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه 1908- 1918، بيروت 1973، ص9. (4) Ann Lesch، The Origins of Palestine Arab Nationalism In William Haddad and William Ochenwald، Nationalism in a non-national State. The dissolution of the Ottoman Empinr، Ohio State. The dissolution of the Ottoman Empinr، Ohio Start University Press. Colombus،U.S.A.1977،pp. 267-268
(5) إسحق موسىالحسيني، مقدمة كتاب "الأدب الفلسطيني" نشرته لجنة الثقافة العربية في فلسطين 1946، بمناسبة معرض الكتاب العربي الفلسطيني الأول بالقدس ص12. (6) عبد الرحمن ياغي، حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى النكبة، بيروت، 1968، ص67. (7) على محافظة، الحركات الفكرية في عصر النهضة في فلسطين والأردن، بيروت 1987، ص32، كتب وصفاً لهذا النوع من المدارس الأولية المسيحية جرجس الخوري المقدسي بعنوان "التعليم قديماً وحديثاً في سورية" المقتطف، مجلد 31، سبتمبر 1906، ص747. (8) Adnan Abu-Ghazaleh، Arab Cultural Nationalism in Palestione during the British Mandate Beirut 1973،PP.3-4. (9) ناصر الدين الأسد، محمد روحي الخالدي، رائد البحث التاريخي الحديث في فلسطين، القاهرة 1970م ص13-15 نقلاً عن حولية الثقافة العربية لساطع الحصري السنة الأولى 1949، ص10-12. (10) Abdel Latif tibawi، arab esucation in Mandatory Palestine، during the British Mandate Beirut 1973،PP.3-4. (11) محافظة، الحركات الفكرية... ص37-38. (12) المصدر نفسه، ص 38-42. (13) المصدر نفسه، ص42. (14) حول جمعية فلسطين الروسية الامبراطورية ونشاطها في المجال التعليمي، انظر خيرية قاسمية، روسيا القيصرية والمشرق العربي، مجلة دراسات تاريخية، دمشق العددان 9 و 10 تشرين أول/ أكتوبر 1982، ص 55-63. (15) محافظة، لحركات الفكرية.. ص 52-53. (16) مقال المقتطف المشار له في حاشية 7 "التعليم قديماً وحديثاً في سورية" ص749. (17) خليل السكاكيني (يوميات) كذا أنا يا دنيا، أعدتها هالة السكاكيني، القدس 1955، ص61. (18) Tibawi، Arab education…… P14. (19) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني ص69-70. (20) Tibawi، Arab education…. P.20. (21) Ibid، P20. (22) الأسد، محمد روحي الخالدي... ص-10-11. (23) من الأدلة على تردي أحوال التعليم الرسمي ما ورد في: محمد توفيق التميمي، محمد بهجت، ولاية بيروت القسم الجنوبي، بيروت 335هـ 1916م، ص237، 384- 385. وما أورده جرجي زيدان عن "فلسطين، أحوالها التعليمية" في الهلال، عدد أيار/ مايو 1914، 603- 604. (24) نقل ذلك محافظة الحياة الفكرية... ص67. (25) السكاكيني يوميات.. ص32- 33 حاشية. (26) Tibawi، Arab education…P.20. (27) Ibid، P.54. (28) السكاكيني يوميات.. ص51-52. (29) محافظة الحركات الفكرية.. ص36. (30) جرجي زيدان، مقال الهلال المشار في هامش 24 عن "فلسطين، أحوالها التعليمية" ص604- 605 (31) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني، ص121- 122. يعدد المؤلف أسماء بعض العلماء المدرسين في حلقات المسجد الأقصى. (32) مصطفى الدباغ، بلادنا فلسطين، الجزء العاشر، القسم الثاني، في بيت المقدس. يذكر المؤلف بعض تراجم آل الخالدي ص356-357، 359-361. (33) الأسد، محمد روحي الخالدي، ص16. (34) محافظة الحركات الفكرية.. ص54. (35) عرف العارف "تاريخ القدس"، القاهرة 1951، ص200. (36) الدباغ، بلادنا فلسطين.. ص137. (37) نقل ذلك الأسد، محمد روحي الخالدي.. ص17. (38) احسان النمر، تاريخ جبل نابلس والبلقاء، نابلس 1960، ج2، ص66. (39) الدباغ، بلادنا فلسطين.. المصدر المشار له في هامش (32)، ص 137. (40) Tibawi، Arab education.. PP20-21 (41) ياغي حياة الأدب الفلسطيني.. ص73- 75. (42) الأسد، محمد روحي الخالدي.. ص21. (43)التميمي، بهجت ، ولاية بيروت.. ص134، 187. (44) سورية والعهد العثماني، بيروت 1966، ص19. (45) تأسست أول مطبعة عربية في الآستانة 1816، وأخرى في القاهرة 1822، وطبعت كلتاهما كتباً أدبية وعلمية باللغة العربية ووصل بعض هذه الكتب بلاد الشام.George Antonius، The Arab awakening، 2nd reprint، Beirut 1969،P.38. (46) محافظة الحركات الفكرية... ص59- 61. (47) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني.. ص108. (48) المصدر نفسه ص 109 أول رواية نشرها بيدس في بيروت 1898 هي ابنة القبطان، ونشر هنري الثامن في القدس 1913 كما ترجم الى الروسية رواية المملوك الشارد لجرجي زيدان. (49) من أوائل الذين ترجموا عن الروسية انطوان بلان، ترجم رواية في سبيل الحب 1912 وخواطر من كتاب (طرييق الحياة) لتولستوي . ومن الذين ترجموا بعض القصص الروسية سلمان بولس، ابراهيم جابر، كلثوم نصر عودة. وكانت طالبات مدرسة المعلمات الروسية في بيت جالا يترجمن حكايات عن الروسية ويرسلنها إلى مجلة النفائس العصرية. المصدر نفسه ص109- 110. (50) المصدر نفسه ص112. (51) كان الاكليروس اليوناني يسيطر على حياة الكنيسة الأرثوذكسية وهذا ما أدى إلى احتدام الصراع بين رجال الدين اليونانيين وأبناء الطائفة الأرثوذكسية من العرب وتحول الصراع إلى حركة وطنية منظمة بعد إعلان الدستور. الحكيم، سورية في العهد العثماني.. ص195- 196.
(52) الدباغ، بلادنا فلسطين.. الجزء المشار إليه في الهامش (32) ص147- 149. (53) ياغي، حياة الأدب الفلسطيني، ص113. ترجم ابراهيم حنا حكاية عن حذاقة الفرنساويين وأدراك الانكليز، وترجمت روز حسون حكاية عن زهرة البرتقال. (54) انظر ما ورد في هذا البحث عن كتاب (علم الأدب) لروحي الخالدي. (55) حول الصحافة الفلسطينية في الفترة موضع الدراسة يمكن الرجوع إلى بحث الصحافة في الموسوعة الفلسطينية القسم العام دمشق، 1984ج3، ص7-9. وأيضاً يوسف خوري، الصحافة العربية في فلسطين 1876- 1948، بيروت، 1976. (56) Lesch، The Origins of Palestine Arab Nationalism، PP. 285-86. (57) محافظة الحركات الفكرية.. ص71- 72. (58) عجاج نويهض، رجال من فلسطين، بيروت 1981 ص51. (59) حول الشعر بوجه عام في هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى: ياغي، حياة الأدب الفلسطيني... ص121-174. (60) حول النثر بوجه عام في هذه المرحلة يمكن الرجوع إلى المصدر السابق ص 329- 365. (61) محافظة الحركات الفكرية... ص89- 96. (62) المصدر نفسه، ص96- 99. وحول الاتجاه التجديدي بين المسلمين أواخر العهد العثماني يمكن الرجوع إلى: Majid Khadduri، Political trends in the Arab World، The John Hopkins Press،U.S.A، 1970PP. 56-69. (63) الدباغ – بلادنا فلسطين، الجزء المشار إليه في هامش (32) ص 359- 361. كان يوسف ضياء الدين الخالدي من زعماء المعارضة في المبعوثان الأولى وتولى مناصب إدارية كثيرة، وهو يعد من أوائل المحققين اللغويين وأصبح أستاذاً للغة العربية في جامعة فينا كما كانت له قابلية لتعلم اللغات الأجنبية وهو أول من أدرك من المفكرين العرب نوايا اليهود في اقامة دولة في فلسطين. (64) انظر القسم الثاني من هذا البحث. (65) وردت هذه الموضوعات في النفائس العصرية من يوميات السكاكيني. (66) من الخطباء اسعاف النشاشيبي، روحي الخالدي، خليل بيدس، خليل السكاكيني، راغب الامام، سلمان التاجي الفاروقي، يوسف العيسى وغيرهم وقد وصفتهم النفائس العصرية وصورت أثرهم في النفوس (السنة 4، ج10، 1912، ص460- 486 والسنة 4، ج11، 1912، ص493 – 495). (67) محافظة الحركات الفكرية.. ص 116- 117. وحول التطور الذي أخذته الحركة القومية في سوريا بعد 1908 يمكن الرجوع إلى: Rashid Khalidi، Arab Nationatism in Syria، The Formative Years، 1908، 1918 In W. Haddad and W.Ohsen wald،Nationalism- nationd state PP. 207-237 (68) حول اسهام المفكرين الفلسطينيين في حركة المقاومة العربية الصهيونية يمكن العودة إلى: A.Abu- Ghazaleh، Arab Cultural Nationalism….. PP.39-40