«سجل محكمة القدس الشرعية»: الفرق بين المراجعتين
سطر ٢٣: | سطر ٢٣: | ||
ويسعدني، ونحن أمام هذا العمل الكبير، أن أهنئ الزميل الدكتور إبراهيم حسني ربايعة، على حُسن أدائه وإنجازه، والتهنئة موصولة للباحثين من الأساتذة وطلاب الدراسات العليا والمعنيين بتاريخ مدينة القدس الشريف الذين سيستفيدون منه بكل تأكيد . | ويسعدني، ونحن أمام هذا العمل الكبير، أن أهنئ الزميل الدكتور إبراهيم حسني ربايعة، على حُسن أدائه وإنجازه، والتهنئة موصولة للباحثين من الأساتذة وطلاب الدراسات العليا والمعنيين بتاريخ مدينة القدس الشريف الذين سيستفيدون منه بكل تأكيد . | ||
− | + | وخير ما اختتم به كلمتي الموجزة هذه قوله سبحانه وتعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون " ( صدق الله العظيم ) . | |
[https://ency.najah.edu/sites/default/files/%2520%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9%2520%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3150%2520-7-10%5B1%5D_0.doc للإطلاع على سجل محكمة القدس الشرعية] | [https://ency.najah.edu/sites/default/files/%2520%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9%2520%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3150%2520-7-10%5B1%5D_0.doc للإطلاع على سجل محكمة القدس الشرعية] |
مراجعة ١٣:٥٢، ٣ أكتوبر ٢٠١٨
ازداد الاهتمام منذ سبعينيات القرن الماضي بسجلات المحاكم الشرعية باعتبارها مصدراً أولياً غنياً بالمعلومات عن أحوال المجتمع في المدن العربية الإسلامية التي يوثق لها، إذ أنها تزوّد الباحث بأسماء المحلات والشوارع والأزقة والخطط والأسواق وأسماء السلع والمدارس والتكايا والخوانق والمساجد، وأسماء أعضاء الجهاز الإداري وألقابهم والقضاة ونواب القضاة وأهل الإفتاء وشيوخ الطرق الصوفية وأصحاب الحرف وأهل الأصناف.
ويعكس السجل ظاهرة التنوع والتعدد في النسيج السكاني والاجتماعي لأبناء المدينة الواحدة ، ونجد في قراءة ألقاب السكان التعدد في المنابت والأصول لسكان المدينة الواحدة، فالمدينة العربية الإسلامية كانت تستقطب سكّانها من مختلف أقاليم العالم الإسلامي وبخاصة الحواضر الكبرى مثل القاهرة، ودمشق، وحلب وبغداد ...الخ. أمّا المدن التي تُشد لمساجدها الرحال، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف ، فإن الإقبال عليها والسكن فيها كان مقروناً عادةً بحب السكن والمجاورة في مدن لها أفضليتها على بقية المدن الإسلامية .
ويلاحظ الدّارس أن معظم المدن العربية الإسلامية آوت سكّاناً من غير المسلمين؛ من المسيحيين على اختلاف كنائسهم، ومن اليهود من مختلف مذاهبهم والبلدان التي هاجروا منها، وبذلك عرفت المدينة العربية الإسلامية التنوع والتعدد، ونجد إثباتاً لذلك في العديد من القضايا الواردة في سجلات المحاكم الشرعية. وعلى الرغم من أهمية السجل الشرعي، وإقبال الباحثين عليه من أساتذة وطلاب للإفادة منه، فإن أهل الاختصاص لم يبلوروا إلى الآن منهجاً بحثياً يعتمد على التحليل الإحصائي للتعامل مع البيانات التي يمكن استخراجها من المعلومات التي توفرها القضايا المدوّنة في السجل الشرعي، ولا بد من التدريب الجيد للطّلاب على قراءة خطوط السجل وفهم المصطلحات الشرعية والتشريعية الواردة في كل قضية، وهذا يستوجب أيضاً الفهم السليم لهيكليّة المحكمة وكيفيّة تشكيلها، وعدد العاملين فيها من القاضي أو نائبه والمترجم والمُحضر وشهود الحال وكاتب المحكمة وما إلى ذلك .
ونلحظ أن السجل يتضمّن مادة غنية عن قوى المجتمع المدني مثل الأصناف والحرف وأسماء أصحابها، وأسماء أصحاب الطرق الصوفية التي انتشرت في أرجاء الدولة العثمانية ، وحظيت بدعم الدولة، فعمّرت لها الخوانق والزوايا و حبّست عليها الأوقاف لإدامتها وضمان استمراريتها .
تلقّى الدكتور إبراهيم تدريباً علمياً متميّزاً عندما درس مع الزميل المرحوم محمود عطا الله بجامعة النجاح بنابلس، وحقّق سنة 1999م مخطوط النصيحة السنيّة في معرفة آداب كسوة الخلوتيّة للشيخ مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي ( 1099هـ / 1687م-1162هـ / 1748م ). ومن حُسن الحظ أنه قدّم لنا في مؤتمر بلاد الشام السابع سنة 2006م ، بحثاً متميّزاً بعنوان : " وثيقة في السّجل الشرعي لمدينة القدس لسنة 1054هـ /1644م " ، اشتملت على توضيح وافٍ لأوقاف الخليل ورام الله وطولكرم و القدس والرملة وغزّة ، وعزّز دراسته بخارطة توضّح مواقع المدن والقُرى والخرب التي ذُكرت في الوثيقة على مستوى فلسطين، بالإضافة إلى عدد من القُرى بالجمهوريّة العربية السوريّة ، ولقد حلّل النص وعرف المصطلحات و المواقع، وأتبع بحثه هذا ببحث ثانٍ قدّمه للمجلة الأردنية للتاريخ والآثار في العام نفسه، ونشـرناه له في العـام التـالي بعنـوان: " طائفة اليهود في مدينة القدس من بداية الحكم العثماني إلى قٌبيل الحركة الصّهيونية "، اعتمد في إعداده على سـجلات المحكمـة الشـرعية بشـكل كبير، وتناول دور القنصليّـات الأجنبيّــة في تسهيل هجرة اليهـود إلى فلسطين .
وطلع علينا هذا العام بعملٍ كبير ، يتمثّل في فهرسة سجل المحكمة الشرعية للقدس رقم (152) 1067-1068هـ /1656-1657م ، فقرأه بشكل دقيق، وفهرس كل القضايا الواردة فيه مع تاريخ كل قضيّة واسم القاضي و قدّم ملخّصاً لفحوى القضيّة. وهو بعمله هذا وفّر لنا صورة وافية وشاملة عن مجريات الحياة اليوميّة في القدس من خلال القضايا الواردة في السّجل. وأكمل عمله بفهرس بأسماء الأماكن والمواقع مثل أبواب القدس وحاراتها وخطوطها و بركها وعيونها وتربها وحمّاماتها ومدارسها وأوديتها و أربطتها وزواياها وأسواقها وقراها أي قدّم لنا فهرساً لكل شاردة وواردة. إن مجرد قراءة أسماء القرى يدلّنا على أن ريف القدس في أواخر القرن السابع عشر الميلادي كان عامراً بسكّانه، ويأتي السّجل على ذكر أسماء المقاهي التي انتشرت في تلك المرحلة الزمنيّة، ومما يُحمد للباحث أنه فهرس لنا أسماء أصحاب الطوائف والمصطلحات الواردة في السجل، وتتبّع الأوقاف؛ ففهرس لها وختم عمله بأن زوّد الكتاب بصور نماذج من القضايا الواردة في هذا السّجل .
وثابر الدكتور إبراهيم على العمل المضني فأعدّ فهرسة تحليلية موضوعية وزمانيّة لسجل محكمة القدس الشرعية رقم 150، خلال عقد من الزمان 1054هـ/1654م-هـ1065- 1655م ، على الأسس نفسها التي انطلق منها في معالجة السّجل السابق ، فقد قدّم لكل قضيّة مع تاريخها وبيّن موضوعها، وأفرد عموداً خاصاً للخلاصة والملاحظات التي لو جمعت لشكّلت السّجل من جديد ،وتدلّنا مضامين القضايا على صورة الحياة اليوميّة في مدينة القدس وجوارها، شاملةً أيضاً الإشارة للوافدين على المدينة من أبناء القُرى المجاورة ، أو من بقيّة ولايات الدولة العثمانية ، هذا بجانب بيان عدد أهالي الذّمة من التجّار والحجّاج الذين كانوا يزورون الأماكن الدينيّة من مسيحيّة ويهودية الواقعة في القدس خاصةً وفي فلسطين عامّة ، وإذا أخذنا بالاعتبار أن هذه المادة وما سبقها ستخزّن حاسوبياً فإنه يمكن للباحث أن يطلب أي معلومة عن أي موضوع من السجلات التي فُهرست وسيحصل عليها في زمن وجيز جداً .
لذا يسرّني أن أذكر هنا أننا بادرنا منذ زمن إلى مثل هذا العمل من فهرسة سجلات المحكمة الشرعية للقدس، وأوكلنا المهمّة إلى السيدة عبلة المهتدي في مركز الوثائق والمخطوطات، وقطعت شوطاً في هذا المضمار وأصدرنا عدداّ من المجلدات منذ عام 1427هـ / 2006م.
وأكرر هنا دعوة كنت قد أطلقتها سابقاً ، وتتلخّص في دعوة أقسام التاريخ وكليّات الشريعة في العالم العربي للمباشرة إلى فهرسة السّجلات الشرعية في كل المدن والحواضر العربية ، وإذا ما تمّ ذلك ، فإننا نضمن مادة أصيلة للباحثين ترتقي بمستوى بحوثهم .
ويسعدني، ونحن أمام هذا العمل الكبير، أن أهنئ الزميل الدكتور إبراهيم حسني ربايعة، على حُسن أدائه وإنجازه، والتهنئة موصولة للباحثين من الأساتذة وطلاب الدراسات العليا والمعنيين بتاريخ مدينة القدس الشريف الذين سيستفيدون منه بكل تأكيد .
وخير ما اختتم به كلمتي الموجزة هذه قوله سبحانه وتعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون " ( صدق الله العظيم ) .
للإطلاع على سجل محكمة القدس الشرعية
رئيس لجنة تاريخ بلاد الشام (أ.د محمد عدنان البخيت ) لجنة تاريخ بلاد الشام الجامعة الأردنية 20 محرّم 1432هـ / 26 كانون الأول 2010م.