«سجل محكمة القدس الشرعية»: الفرق بين المراجعتين

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
 
سطر ٣٨: سطر ٣٨:
  
 
[[تصنيف: بنك معلومات القدس]]
 
[[تصنيف: بنك معلومات القدس]]
 +
[[تصنيف: خزانة فلسطين التاريخية]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٢:٥٣، ٣ أكتوبر ٢٠١٨

ازداد الاهتمام منذ سبعينيات القرن الماضي بسجلات المحاكم الشرعية ‏باعتبارها مصدراً أولياً غنياً بالمعلومات عن أحوال المجتمع في المدن العربية الإسلامية ‏التي يوثق لها، إذ أنها تزوّد الباحث بأسماء المحلات والشوارع والأزقة والخطط ‏والأسواق وأسماء السلع والمدارس والتكايا والخوانق والمساجد، وأسماء أعضاء ‏الجهاز الإداري وألقابهم والقضاة ونواب القضاة وأهل الإفتاء وشيوخ الطرق الصوفية ‏وأصحاب الحرف وأهل الأصناف.‏


ويعكس السجل ظاهرة التنوع والتعدد في النسيج السكاني والاجتماعي لأبناء ‏المدينة الواحدة ، ونجد في قراءة ألقاب السكان التعدد في المنابت والأصول لسكان ‏المدينة الواحدة، فالمدينة العربية الإسلامية كانت تستقطب سكّانها من مختلف أقاليم ‏العالم الإسلامي وبخاصة الحواضر الكبرى مثل القاهرة، ودمشق، وحلب وبغداد ...الخ. ‏أمّا المدن التي تُشد لمساجدها الرحال، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس ‏الشريف ، فإن الإقبال عليها والسكن فيها كان مقروناً عادةً بحب السكن والمجاورة في ‏مدن لها أفضليتها على بقية المدن الإسلامية .‏


ويلاحظ الدّارس أن معظم المدن العربية الإسلامية آوت سكّاناً من غير ‏المسلمين؛ من المسيحيين على اختلاف كنائسهم، ومن اليهود من مختلف مذاهبهم ‏والبلدان التي هاجروا منها، وبذلك عرفت المدينة العربية الإسلامية التنوع والتعدد، ونجد ‏إثباتاً لذلك في العديد من القضايا الواردة في سجلات المحاكم الشرعية. وعلى الرغم ‏من أهمية السجل الشرعي، وإقبال الباحثين عليه من أساتذة وطلاب للإفادة منه، فإن ‏أهل الاختصاص لم يبلوروا إلى الآن منهجاً بحثياً يعتمد على التحليل الإحصائي ‏للتعامل مع البيانات التي يمكن استخراجها من المعلومات التي توفرها القضايا المدوّنة ‏في السجل الشرعي، ولا بد من التدريب الجيد للطّلاب على قراءة خطوط السجل وفهم ‏المصطلحات الشرعية والتشريعية الواردة في كل قضية، وهذا يستوجب أيضاً الفهم ‏السليم لهيكليّة المحكمة وكيفيّة تشكيلها، وعدد العاملين فيها من القاضي أو نائبه ‏والمترجم والمُحضر وشهود الحال وكاتب المحكمة وما إلى ذلك .‏

ونلحظ أن السجل يتضمّن مادة غنية عن قوى المجتمع المدني مثل الأصناف ‏والحرف وأسماء أصحابها، وأسماء أصحاب الطرق الصوفية التي انتشرت في أرجاء ‏الدولة العثمانية ، وحظيت بدعم الدولة، فعمّرت لها الخوانق والزوايا و حبّست عليها ‏الأوقاف لإدامتها وضمان استمراريتها .‏

تلقّى الدكتور إبراهيم تدريباً علمياً متميّزاً عندما درس مع الزميل المرحوم ‏محمود عطا الله بجامعة النجاح بنابلس، وحقّق سنة 1999م مخطوط النصيحة السنيّة ‏في معرفة آداب كسوة الخلوتيّة للشيخ مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي ( ‏‏1099هـ / 1687م-1162هـ / 1748م ). ومن حُسن الحظ أنه قدّم لنا في مؤتمر بلاد ‏الشام السابع سنة 2006م ، بحثاً متميّزاً بعنوان : " وثيقة في السّجل الشرعي لمدينة ‏القدس لسنة 1054هـ /1644م " ، اشتملت على توضيح وافٍ لأوقاف الخليل ورام الله ‏وطولكرم و القدس والرملة وغزّة ، وعزّز دراسته بخارطة توضّح مواقع المدن والقُرى ‏والخرب التي ذُكرت في الوثيقة على مستوى فلسطين، بالإضافة إلى عدد من القُرى ‏بالجمهوريّة العربية السوريّة ، ولقد حلّل النص وعرف المصطلحات و المواقع، وأتبع بحثه ‏هذا ببحث ثانٍ قدّمه للمجلة الأردنية للتاريخ والآثار في العام نفسه، ونشـرناه له ‏في العـام التـالي بعنـوان: " طائفة اليهود في مدينة القدس من بداية الحكم العثماني ‏إلى قٌبيل الحركة الصّهيونية "، اعتمد في إعداده على سـجلات المحكمـة الشـرعية ‏بشـكل كبير، وتناول دور القنصليّـات الأجنبيّــة في تسهيل هجرة اليهـود إلى فلسطين .‏

وطلع علينا هذا العام بعملٍ كبير ، يتمثّل في فهرسة سجل المحكمة الشرعية ‏للقدس رقم (152) 1067-1068هـ /1656-1657م ، فقرأه بشكل دقيق، وفهرس كل ‏القضايا الواردة فيه مع تاريخ كل قضيّة واسم القاضي و قدّم ملخّصاً لفحوى القضيّة. ‏وهو بعمله هذا وفّر لنا صورة وافية وشاملة عن مجريات الحياة اليوميّة في القدس ‏من خلال القضايا الواردة في السّجل. وأكمل عمله بفهرس بأسماء الأماكن والمواقع ‏مثل أبواب القدس وحاراتها وخطوطها و بركها وعيونها وتربها وحمّاماتها ومدارسها ‏وأوديتها و أربطتها وزواياها وأسواقها وقراها أي قدّم لنا فهرساً لكل شاردة وواردة.‏ ‏ ‏ إن مجرد قراءة أسماء القرى يدلّنا على أن ريف القدس في أواخر القرن ‏السابع عشر الميلادي كان عامراً بسكّانه، ويأتي السّجل على ذكر أسماء المقاهي ‏التي انتشرت في تلك المرحلة الزمنيّة، ومما يُحمد للباحث أنه فهرس لنا أسماء ‏أصحاب الطوائف والمصطلحات الواردة في السجل، وتتبّع الأوقاف؛ ففهرس لها وختم ‏عمله بأن زوّد الكتاب بصور نماذج من القضايا الواردة في هذا السّجل . ‏

وثابر الدكتور إبراهيم على العمل المضني فأعدّ فهرسة تحليلية موضوعية ‏وزمانيّة لسجل محكمة القدس الشرعية رقم 150، خلال عقد من الزمان ‏‏1054هـ/1654م-هـ1065- 1655م ، على الأسس نفسها التي انطلق منها في معالجة ‏السّجل السابق ، فقد قدّم لكل قضيّة مع تاريخها وبيّن موضوعها، وأفرد عموداً خاصاً ‏للخلاصة والملاحظات التي لو جمعت لشكّلت السّجل من جديد ،وتدلّنا مضامين القضايا ‏على صورة الحياة اليوميّة في مدينة القدس وجوارها، شاملةً أيضاً الإشارة للوافدين ‏على المدينة من أبناء القُرى المجاورة ، أو من بقيّة ولايات الدولة العثمانية ، هذا ‏بجانب بيان عدد أهالي الذّمة من التجّار والحجّاج الذين كانوا يزورون الأماكن الدينيّة ‏من مسيحيّة ويهودية الواقعة في القدس خاصةً وفي فلسطين عامّة ، وإذا أخذنا ‏بالاعتبار أن هذه المادة وما سبقها ستخزّن حاسوبياً فإنه يمكن للباحث أن يطلب أي ‏معلومة عن أي موضوع من السجلات التي فُهرست وسيحصل عليها في زمن وجيز ‏جداً .‏

لذا يسرّني أن أذكر هنا أننا بادرنا منذ زمن إلى مثل هذا العمل من فهرسة ‏سجلات المحكمة الشرعية للقدس، وأوكلنا المهمّة إلى السيدة عبلة المهتدي في مركز ‏الوثائق والمخطوطات، وقطعت شوطاً في هذا المضمار وأصدرنا عدداّ من المجلدات منذ ‏عام 1427هـ / 2006م.‏

وأكرر هنا دعوة كنت قد أطلقتها سابقاً ، وتتلخّص في دعوة أقسام التاريخ ‏وكليّات الشريعة في العالم العربي للمباشرة إلى فهرسة السّجلات الشرعية في كل المدن ‏والحواضر العربية ، وإذا ما تمّ ذلك ، فإننا نضمن مادة أصيلة للباحثين ترتقي بمستوى ‏بحوثهم .‏

ويسعدني، ونحن أمام هذا العمل الكبير، أن أهنئ الزميل الدكتور إبراهيم حسني ‏ربايعة، على حُسن أدائه وإنجازه، والتهنئة موصولة للباحثين من الأساتذة وطلاب ‏الدراسات العليا والمعنيين بتاريخ مدينة القدس الشريف الذين سيستفيدون منه بكل ‏تأكيد .‏

وخير ما اختتم به كلمتي الموجزة هذه قوله سبحانه وتعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى ‏اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون " ( صدق الله العظيم ) .‏

للإطلاع على سجل محكمة القدس الشرعية

رئيس لجنة تاريخ بلاد الشام

‏(أ.د محمد عدنان البخيت )‏

لجنة تاريخ بلاد الشام

الجامعة الأردنية

‏20 محرّم 1432هـ / 26 كانون الأول 2010م.‏