عادل زعيتر

من دائرة المعارف الفلسطينية
نسخة ٠٩:٠٤، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨ للمستخدم Basheer (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

حياته

ولد عادل عمر زعيتر في مدينة نابلس، عام 1897 في بيت علم ودين ورياسة، وتلقى علومه الأولى في مدارس نابلس وبيروت والآستانة، فثقف العربية والتركية والإنجليزية، والتحق عام 1916 بالجيش التركي، وما لبث حتى التحق بالجيش العربي، وبينما هو في الطريق؛ إذ ضلت القافلة، ولما نجوا نذر أن ينقطع لخدمة الأمة ورفعة شأنها.

مثّل نابلس في المؤتمر السوري العربي عام 1920 الذي أعلن استقلال سورية الكبرى بحدودها الطبيعية، ولكن تغلّب الإنجليز والفرنسيين؛ وهيمنتهم على مقدرات الأمة؛ جعله يدرك أن ما بالأمة من جهل هو السبب في تخلفها واحتلال أرضها، فقرر أن يلج باب العلم من جديد، فاتّجه إلى فرنسا حيث درس الحقوق، وتتلمذ على فلاسفتها ومفكريها مباشرة، أو من خلال مؤلفاتهم، كما أتيح له أن يطّلع على آداب الشعوب الغربية، فوقف فيها على آفاق جديدة من المعرفة، مما أغراه من بعد بترجمة روائع ما أّلِّف في أوروبة، إذ ترجم نحوا من أربعين كتابا اختارها بدقة وعناية، وترجمها بوعي وإتقان.

وقد كان لعادل زعيتر ذكر واسع في أرجاء الوطن العربي، ويتجلى ذلك في حفل تأبينه، إذ شارك فيه أعيان السياسة والعلم والأدب في مصر وسورية والسعودية والعراق والأردن وفلسطين، ولا عجب في ذلك، إذ كان عضوا في مجمعي اللغة العربية بدمشق وبغداد، وكان يحج مصر كل شتاء، يشرف بنفسه على طباعة كتبه.

ولم يؤلف زعيتر سوى بعض مقالات نشرتها له الصحف، وبعض أوراق في الحقوق عندما كان يعمل مدرسا في كلية الحقوق في بيت المقدس، ومما يؤثر عنه أنه قال، وقد سئل عن عدم اشتغاله بالتأليف: عندما أشعر ان مؤلفاتي ستكون على مستوى ما أترجمه من أعمال الأوروبيين فأنني سأفعل.

عمل في المحاماة زمنا، ورافع مدافعا على الثوار في محاكم الإنجليز، ولكنه عكف على الترجمة ابتداء من سنة 1946 ، وكانت فرحته أكبر ما تكون يوم ينجز ترجمة كتاب، جاء في رسالة وجهها لشقيقه أكرم في 19/2/1946؛ قال فيها: "يكاد قلبي يتحرق من أنني لم أقم بشيء مما تطمئن له نفسي في عالم العلم والسياسة، فترونني عازما على تطليق المحاماة وسلوك السبيل الذي كتبت لك عنه"؛ يريد الانقطاع للترجمة.

وقد انتهج عادل زعيتر في ترجمته منهجا واضحا لم يحد عنه، واتسمت كل مترجماته بطابع خاص، وأنه لو لم يترجم...تلك المجلدات العديدة من أمهات الكتب...واكتفى بترجمة كتاب حضارة العرب لجوستاف لوبون وحده لكفاه ذلك فخرا وخلودا، ويقيني أن خدمته للأمة العربية تفوق، أضعافا مضاعفة، خدمات رجال السياسة والأدب من أبناء العروبة. (من برقية طه الهاشمي للجنة التأبين).

وكان عادل زعيتر قومي الهوى لا يعترف بالعصبية الوطنية ولا بالإقليمية، فقد وصفه وديع فلسطين مرة بأنه "الأديب النابلسي" فثار غضبا، قال: وأردت تصحيح ما وقعت فيه من خطأ، فقلت عنه إنه "الأديب الفلسطيني" فهاج وماج وأرعد وأزبد، وقال لي: إنني أديب عربي...".(الرسالة بيروت 15/1/1958).

ولا يملك المطلع على جهود عادل زعيتر في مجال الترجمة والخدمة القومية مقارنة بذيوع اسمه في المحافل الثقافية والعلمية؛ إلا أن يؤيد المستشرق الألماني شتفان فلد في ما ذهب إليه من قوله "إن عادل زعيتر واحد من المترجمين المجهولين"(1) الذين لم يُنْصَفوا، ذلك لأن منجزاته تفوق في عظمتها وأهميتها ما أولته إياه المؤسسات الثقافية في الوطن العربي عموما، وفلسطين خصوصا، من الاهتمام وسعة الذكر؛ اللهم إلا ما نجده في مدينة نابلس من مدرسة ابتدائية تحمل اسمه تقع غير بعيد من منزله!!.

ولا يملك من يعرف سيرة عادل زعيتر وآثاره إلا أن تهتز نفسه إعجابا به وبها، ومن هنا فنحن لا نستغرب أن يقول فيه محمد علي الطاهر "لقد كان عادل زعيتر، في اعتقادي، أعظم وأبلغ مترجم في العصر الحاضر للأعاظم من علماء أوروبا ومفكريها " (خمسون عاما ص345) إذ هو عظيم وترجم للعظماء، فكان في عداد عظماء مفكري الأمة في العصر الحديث كشكيب أرسلان ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وغيرهم؛ ذلكم هو عادل زعيتر، ونستعرض في ما يأتي رأيه في فن الترجمة من خلال أعماله، وما قيل فيه.

حركة الترجمة الحديثة

الغالب في المترجمين أن يختص كل منهم بلغة يترجم عنها، فهناك من اختصوا بالترجمة عن الروسية، وأكثرهم من بلاد الشام لاسيما فلسطين، وقد أحصاهم عددا عمر محاميد في كتابه "صفحات من تاريخ مدارس الجمعية الروسية - الفلسطينية في فلسطين" وجلهم نشطوا ما بين عامي 1882-1914 لأن قيام الحرب العالمية الأولى ونتائجها وقيام الثورة الاشتراكية في روسيا أدت إلى جمود الحركة، وانكماش العلاقة الثقافية بين اللغتين العربية والروسية، هذه العلاقة التي لم تتجدد إلا في أعقاب ثورة 1952 بمصر وانفتاح بعض البلدان العربية على الاتحاد السوفيتي، لكنها لم تعد إلى ما كانت عليه، لا في زخمها ولا في الموضوعات التي برزت فيها.

وفي غضون هذه الفترة، كانت الفرنسية والإنجليزية قد احتلتا مواقع الروسية والتركية، وكثر المشتغلون في مجال الترجمة، وتنوعت أغراضهم، وأساليبهم، وما نرى تلك الكثرة إلا نتاجا للأوضاع التي واكبت فترة الاحتلال الأجنبي سواء أكان ذلك بابتعاث أعداد كبيرة "نسبيا" إلى بلاد الغرب، أم بفتح معاهد غربية في بلاد العرب وتطبيق المناهج الغربية فيها وغير ذلك من الوسائل.

ويوما بعد يوم يتواصل المد، وتقع السفينة تحت تأثير موجة أخرى، لسبب أو لآخر، وتزداد اللغات المترجم عنها، وتتنوع الموضوعات التي تسترعي انتباه المترجمين إليها، وتختلف الدوافع المحركة، وتغدو الترجمة مهنة لعدد لا بأس به من العاملين، ويختلط الحابل بالنابل، ويتسلل كثير من الكتب السقيمة إلى الساحة من الأبواب الجانبية، ويشذّ في الآفاق نجوم خافتة لا تكاد تبين. وفي هذا الذي تقدم ما يدعو إلى تقويم حركة الترجمة في العصر الحديث، ونقدها على طريق تخليصها مما يشينها، والارتقاء بمستواها؛ لما تمثله من مظهر حضاري راق، وتسهم به من تقدم وإبداع.

اللغات التي ترجم عنها

يعتبر عادل زعيتر في طليعة المترجمين العرب عن الفرنسية، من حيث عدد الكتب التي ترجمها، والموضوعات التي تناولها مؤلفو تلك الكتب فيها، وسلامة الترجمة. وكان يتقن إلى جانب العربية كلا من اللغة التركية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، غير أن جل ترجماته كانت عن الفرنسية، وبعضها عن الألمانية.يقول صديقه محمد الطاهر:" إن الثقافة العالية الرفيعة التي وصل إليها عادل زعيتر بجدة وسهره ونشأته في المحيط الوطني المجاهد الذي عاش فيه، مع تمكنه من نواصي اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية... جعله يملك زمام موضوعه بهذه الأدوات العلمية التي قل ان يظفر بها احد من المعاصرين، ويبز كل من يتصدى _ويتعدى_ للترجمة ونقل علوم الأمم الغربية وتعريبها بمثل الدقة التي تمكن بها عادل من ترجمة وتدقيق اكثر من ثلاثين كتاباً ضخما من أنفس وأروع ما وصل إليه العقل المعاصر من تفكير..( محمد على الطاهر، مجلة الأديب،.بيروت ك 2/1958). مذكور كتاب الطاهر : خمسون عاما ولكن هذه المجلة غير مذكورة

أجل؛ فعادل زعيتر يعد في مقدمة أعيان التراجمة في هذا العصر، ويمتاز أداؤه عن غيره بعدد كبير من المواصفات القيمة، ونستعرض في ما يأتي جملة ما أسهم في تكوين كفاءته ومُكنته، وما ارتقى به وبعمله إلى هذه المكانة العالية.

علو همته وإصراره وذكاؤه

فقد عرف عنه أنه كان يأخذ نفسه بالعزيمة منذ صغره، وكان متفوقا في دروسه "فلقد كان دوما من الأوائل في دراسته وفي إتقانه لما يتعلم من علوم أو لغات، أو ما يقوم به من عمل وجهد" (الكيلاني ص 3) "وفي عام 1946 وقد اشرف على الخمسين من عمره، أحس بانقضاء أكثر العمر، ومن يدري ما تبقى منه؟ فقرر اعتزال المحاماة والاعتكاف كليا في صومعته مكرسا وقته وجهده وحياته وماله للترجمة، وحين أقول وقته وجهده فلقد كان ذا طاقة جبارة يعمل في مكتبه بين القراءة والكتابة والتنقيب عن الكلمات والمعاني بمعدل اثنتي عشرة ساعة يوميا يكاد خلالها لا يأكل ولا يشرب ولا يقابل أحدا" (الكيلاني 3) وفي هذا ما يشير إلى انه كان طوال عمره على وتيرة واحدة من الجدية والاجتهاد. ويعبر صديقه محمد علي الطاهر عن هذه الروح التي امتاز بها عادل فيقول: "إن عادل حين تبتل للعلم كان قد عزف عن مباهج الدنيا وعن السياسة منذ رأى الدجاجلة يظهرون، وأهل الغوغائية يبرزون، وأهل الحِمى يهملون، فتقززت نفسه من سوء ما رأى، ونأى بخلقه القويم عما يتهافت عليه أبناء جيله... لذلك انصرف عادل عن المحاماة وكان من أعلامها، ونذر نفسه للقيام بمهمة تنوير العقول والارتفاع بالأفهام، فكان عادل بهذه المثابة سراجا لأمته ومنارا لقومه، وسوف يعجز كل من يأتي بعده، وسيحير الذين يتصدون بعده للترجمة ونقل علوم الغير( غيرهم) من لغة إلى لغة، وما مات عادل ولحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن قام بما تعجز المجامع العلمية عن القيام به، وناب عن الجامعات في تقريب العلم إلى الناس، بل قام وحده بما لم تستطع الحكومات أن تقوم به" الطاهر 345، 346.

وفي هذا المعنى يقول محمود الأرناؤوط (23، 24) "واستطاع أن يتحول بدأبه وجهده وصبره وكفاحه إلى علم من أعلام الأمة الخالدين وان ما استطاع أن يقدمه إلى قراء العربية من نفائس الأعمال العلمية الرصينة لجمهرة من عمالقة الثقافة في فرنسا في العصر الحديث، بلغة راقية، وأسلوب عالي المستوى، ليشهد له بالعبقرية والنبوغ".

فهذه شهادات توضح ما كان عليه زعيتر من الإصرار والعزيمة وبعد الهمة، مما أتاح له ما لم يتح لغيره فكان في عصاميته واعتداده نسيج وحده. لا أعرف إن كانت العبارة واضحة أم لا

تبحره في الثقافة الأجنبية

امتاز عادل زعيتر بسعة اطلاعه وإقباله على المعرفة بنهم شديد، فبعد احتلال الفرنسيين لدمشق غادرها إلى باريس ليدرس القانون، "وهناك تشرب الثقافة الفرنسية، وقرأ أعمال المفكرين السياسيين الفرنسيين قراءة مستفيضة" أبو غزالة 43 وقد مكنه من ذلك إتقانه للفرنسية والإنجليزية والتركية، مما أتاح له فرصة الاطلاع على آداب الشعوب الناطقة بها الإحاطة بعلومها وإنجازاتها.

البعد القومي

لم يكن عادل زعيتر ينطلق من فراغ، ولم يقم بما أنجزه دون حافز، بل إنه لم يندفع إلى عمله استجابة لمآرب خاصة، فقد كان حاديه في كل ما فعل هو ما كان عليه وضع الأمة من سوء، وتكالب القوى الاستعمارية عليها، وتردي أحوالها، وتخلفها الثقافي، لقد كان عمله مسيَّسا يهدف به إلى رفع شأن الأمة، ولذلك راح يترجم للأعمال التي أثرت عميقا في المجتمع الأوروبي عموما، والفرنسي خصوصا، أملا في أن تحدث تلك الأعمال في شعبه ما أحدثته في الغرب. "إن الرسالة التي اختارها من أبواب الفكر والفلسفة، وليست من نوع تجاري ليملأ جيبه من ورائها في روايات وأقاصيص أو ما سهل علاجه من الترجمات، بل تعلق بغرض هو أسمى ما تتطاول إليه عقول نَقَله الأفكار من كل حضارة.. ولكنه حدد رسالته وعينها، ووثق من حاجة أمته إليها، وأمن من نفسه الكفاية العلمية لأداء هذا الغرض على أتم وجه وأنفعه وأبدعه. فكان في اختياره كتابا للترجمة يُعنى بأن يكون مما تحتاج إليه الأمة العربية، وإلا و ألا يكون له نظير في لغتها..." الأرناؤوط 28، 29 إنه بذلك يستحق أن يوصف بأنه كان قَيّما على مصلحة الأمة؛ يرعاها بما أوتي من جهد، ويسهر على مصالحها؛ أملا في إصلاح ما يمكن إصلاحه من شأنها.

ويتضح البعد القومي في سيرته بحرصه على ترجمة بعض الكتب التي كان "يعتقد بوجوب نقلها إلى العربية، وكان يرجو أن تتيح له الأقدار عمرا يستطيع فيه أن يتولى هو هذا النقل ككتاب سير الأبطال لبلوتارك.. الذي كان يعجب به كل الإعجاب، ويرى أن ترجمته ضرورية، ويتحسر ألا يقرأ العرب هذا لكتاب لخالد.. ( الخالد ) (الأرناؤوط ص 35 ) وشبيه بذلك ما ورد في مقدمة ترجمته لكتاب بسمارك من قوله (ص 3) "نقدم هذا الكتاب إلى الأمة العربية في وقت هي في اشد الاحتياج إلى مثله، فلعل العرب يبصرون من مطالعته كيف تقام الجامعات، وكيف توحد الشعوب والدول على أسس صحيحة.."

وكان عادل زعيتر حريصا أشد الحرص على ترجمة الكتب التي انصف مؤلفوها الأمة الإسلامية وعلماءها، على طريق بعث أمجاد الأمة، وبيان فضلها بشهادة الأجانب، فقد جاء في مقدمة ترجمته لكتاب حضارة العرب لمؤلفه جوستاف لوبون (ص 7)" أكون قد أدخلت كتب لوبون المهمة الأخذ ( الآخذ) بعضها برقاب بعض إلى العربية إدخالا يخيل إلى الباحث معه أن هذا الحكيم الجليل من العرب، ولا عجب، فلوبون واضع سفر "حضارة العرب" وأكثر من ذلك، فقد كان عادل زعيتر "يعني بالرد على كل خطأ يقع فيه المؤلف خاصة إذا اتصل بتاريخنا" الجندي - تطور الترجمة ص 77 والنثر العربي ص 568.

لقد آمن عادل زعيتر بأن تحرر الأمة رهين بقيادة سليمة، وبتنظيم دقيق لحركة وطنية بين العرب، "فقرر أن يضع تحت تصرف الزعماء الوطنيين الفلسطينيين خلاصة الأفكار الأوروبية في القومية، ولذلك فقد خصص جل وقته للترجمة، ولكونه متشربا الثقافة الفرنسية ومؤمنا بان فكرة القومية الحديثة نشأت في فرنسا، فقد ترجم للكتاب الفرنسيين المشهورين بشكل خاص" أبو غزالة ص 44. وقد عبر أبو غزالة عن هذا التوجه لدى عادل زعيتر في موضع آخر من كتابه "الثقافة القومية في فلسطين" بقوله "ولا يزال هناك مظهر آخر للنهضة الأدبية في فلسطين تحت حكم الانتداب، هو ترجمة المؤلفات الغربية من الإنجليزية والفرنسية غالبا، وتعكس هذه المترجمات الوعي الوطني لدى المترجمين، لقد حاول بعض هؤلاء الرجال، مثل عادل زعيتر، أن يعرفوا أبناء بلدهم (وأمتهم) على الفكر السياسي في الغربي في الحكم الشعبي وأفكار أخرى حول الحكومة" (ص 92).

أجل، لقد كانت الترجمة عينا أخرى على الغرب، وكانت أعمال عادل زعيتر أجلّ ما وقعت عليه تلك العين، وما نرى إميل توما إلا قاصدا أعمال عادل زعيتر في مقالته "مدخل البحث في الثقافة العربية" (الجديد ص 6) حيث قوله "كما أن هذه الثقافة لم تتقوقع في التراث القديم على الرغم من ظهور دعاة إلى ذلك، بل آثرت الانفتاح على الثقافة الأوروبية، واستوعبت مبادئ الثورة الفرنسية وأقبلت على نتاج الأدباء والمفكرين وبخاصة الفرنسيين والروس".

ولم يكن عادل زعيتر يرى فاصلا بين الدين والقومية، بل كان في توجهه القومي مسلما شديد التمسك بتعاليم دينه والمبادئ التي يقوم عليها. ويتضح ذلك في كثير من مواقفه وملامح سيرته، ومن ذلك ما واجهه في ترجمة ابن الانسان السيد المسيح عليه السلام، من تردد طويل توّجه بقوله : إنني كمسلم لا أوافق المؤلف على ما ذهب إليه في أمر السيد المسيح " الجندي - المحافظة والتجديد ص 571.

الدقة

تتصف مترجمات عادل زعيتر بدقة بالغة، وكان يذهب بعيدا في ترجمته فيغير على المفردات الرصينة، وقد لا نعجب من ذلك، إذ عاش زعيتر في فترة شهدت توجها عاما نحو إحياء التراث واللغة بوجه خاص. وتظهر دقته في انتقاء مفرداته، واختيار معانيه، وضبطه الألفاظ بالشكل، وشرح غامضها، وتنوير بالنص بما يجلو مبهمة، ويفسر غريبه، ناهيك عن تأنقه في كل عمله. ويتضح هذا المنهج في سيرته وعمله في قول محمد الحلبي صاحب دار إحياء الكتب العربية في القاهرة في حينه "إنني أدير مطبعتنا منذ اثنين وثلاثين عاما، وقد تعاملنا في أثناء ذلك مع عدد كبير جدا من المؤلفين والمترجمين والمحققين من مصر وسائر البلاد العربية والإسلامية، فلم أجد أدق من الأستاذ عادل زعيتر في عنايته بتصحيح كتبه وسهره عليها وحرصه على إتقانها" الأرناؤوط ص 30 هـ1.

ويتفق مع الدقة فهم النص والتعمق في ذلك بسبر غوره، والنفاذ إلى روح الكاتب، ومما أثِر عن عادل زعيتر قوله بهذا الصدد " إن مهمة المترجم ليست نقل العبارة الأجنبية إلى العربية، بل إن هناك ما هو أهم وأعظم من هذا بمراحل كثيرة، وهو أن ينفذ المترجم إلى روح الكاتب، وأن يفهم شخصية المؤلف تمام الفهم" خورشيد ص 57.

ولكي ينفذ المترجم إلى روح الكاتب يقتضي ألا تكون الترجمة حرفية، ذلك لما بين اللغات من تفاوت في مناهج التعبير وطرق النظم، ولكن عادل زعيتر "كان يلتزم بحرفية النص مع التصرف في حدود الخير بعد قراءة كل المراجع كلها التي تتصل بالكتاب الذي يترجمه" الجندي - تطور 77، حتى لكأنها وضعت أصلا بالعربية "والمترجم البارع هو من ينقل الكتاب إلى لغته وكأنه هو المؤلف " الجندي - تطور 79.

وكان من تمام الدقة في أعماله أنه لم يكن يركن في تدقيق مسوداتها وتجارب طبعها إلى أي أحد كان، وإنما كان يقوم بذلك بنفسه، يقول صديقه محمد علي الطاهر (ص 348) في هذا الصدد "وإن سألني سائل أين المال الذي قبضه عادل من دور الطبع والنشر مقابل ترجمته تلك المكتبة التي قدمها لأمته، فأني مخبر السائل بأن عادلا كان يدفع قيمة أتعابه إلى شركات الطيران وفنادق القاهرة حين كان يأتيها ويقيم فيها ثلاثة أشهر في كل عام لتصحيح (بروفات) هذه الكتب.. لأن إتقان مترجماته لا يتم في نظره إلا إذا طبعت صحيحة، وأن تطبع أتقن وأجمل طبع".

ولا شك في أن ذلك كله قد اضطره إلى بذل جهود مضنية، وكبده مشقات جساما، لأن الترجمة المحكمة إبداع وأمانة، ناهيك عما كان يقتضيه حرصه على العربية وبعث ألفاظها مع مراعاة موافقتها للذوق والسلاسة، وعما كان يتجشمه جراء ذلك من نفقات إذ يقول:" لم نتوخ الربح المادي، وكانت وجهتنا خالصة لوجه الثقافة والأدب وخدمة العرب مع ما كابدنا من جهود عنيفة مضاعفة في سبك عبارتها وجعلها بعيدة عن العُجمة والألفاظ الحوشية، ومع ما زهدنا عنه في أثنائها من كسب مناله نناله من مهنة المحاماة وغيرها " الجندي - المحافظة والتجديد ص 568. وكان يتصل بأصدقائه وغيرهم؛ يستشيرهم ويتحرى بعض المعلومات، فكان بذلك لا يخرج بترجمته على الناس إلا قد أوسعها تمحيصا، وأشبعها مراجعة وتدقيقا، كأنه قرأ على ابن أبي سُلمى فن الحوليات.

التخصص

يعد التخصص سِمَة العصر الحديث، وهو مُفضٍ إلى الدقة والإتقان لا محالة، ذلك بما يتيحه للمرء من تمكّن في سبر غور الموضوع. وقد كان عادل زعيتر متخصصا إلى حد كبير في مترجماته، فقد ترجم عن الفرنسية، وفي مجالات متداخلة متناصية أم متناصة في موضوعاتها. يقول حسام الخطيب (ص 71، 116) "...سجلت الفرنسية وجودا خاصا عن طريق عادل زعيتر الذي أغنى المكتبة العربية بترجمات من عباقرة المؤلفين الفرنسيين وإذا كانت الترجمات العلمية والوظيفية قد سجلت طغيانا فائقا للغة الإنجليزية فان الترجمات الفكرية والأدبية ظلت تجنح باتجاه اللغتين الروسية والفرنسية"، ويقول في موضع آخر (ص 83، 139، 140) "ولا بد من ختام هذا البند حول ظاهرة التخصص الايجابية (في الترجمة) من التذكير بان لهذه الظاهرة جذورا في تاريخ الترجمة الفلسطينية بدأها المترجم الفلسطيني الأول خليل بيدس وتابعها بجدية مثيرة للإعجاب عدد من رجال الرعيل الأول أبرزهم عادل زعيتر (في مجال التاريخ والسياسة والمجتمع) ونجاتي صدقي (في المجال الأدبي)".

وكان لسعة ثقافته لا يترجم وحسب، وإنما كان يبدي رأيه مؤيدا أو معارضا بين حين وآخر، فجاءت مترجماته حافلة بآرائه النقدية وبتعليقاته وتصويباته. "إن المتتبع للآثار التي خلفها الأستاذ عادل زعيتر في حقل الترجمة يجد له فيها دورا لا يقل أهمية عن دور الترجمة، ألا وهو دور الناقد النافذ البصيرة، حيث يتصدى للجوانب التي جانب الصواب فيها المؤلف، ناقداً، معلقا، معيداً الكاتب والكتاب والقارئ إلى الرأي القوي السديد " (الأرناؤوط ص 36).

الكثرة

يمتاز عادل زعيتر عن غيره من المترجمين بكثرة ما ترجمه من الكتب، ولا نعرف من ترجم أكثر مما ترجم عادل سوى خيري حماد، الذي بلغت عدة مترجماته نحوا من مائة كتاب (الخطيب ص 71)، غير أن في ضخامة الكتب التي ترجمها زعيتر ما يرقى بجهوده إلى مرتبة عالية، إذ يقع كثير من كتبه في عدة مجلدات.

وكان عادل زعيتر يأخذ نفسه بالعزيمة، ويكلفها فوق طاقتها في ما يحملها عليه، فقد صدف أن اعتراه الإجهاد المشفي على الموت غير مرة، ولكنه لم يكن يبالي، فأمامه غاية نبيلة بينه وبينها شأو بعيد، ولولا تلك النفس العنيدة في إصرارها، الطموح في تطلعاتها، المحبة لأمتها، المخلصة لدينها وربها، لما أفلح عادل زعيتر في مهمته التي وقف نفسه عليها، ولما نجح في بناء ذلك الهرم من الكتب المترجمة.

وبلغ من حرصه على الإكثار أنه قال مرة لأخيه أكرم "حين يبلغ ارتفاع كتبي مرصوصة بعضها إلى بعض طول قامتي ينتهي أجلي" فأجابه الأستاذ أكرم" على أن تطبع على ورق رقيق رقة ورق السيجارة، فسره الجواب" الأرناؤوط ص 35، لقد بلغت كتبه ومحبّراته أضعاف طوله، وكان مع كثرة إنتاجه مجيدا أيما إجادة. ونورد في ما يلي ثبتا بمترجماته مقرونة بأسماء مؤلفيها، وسني نشرها، مذكّرين بأن منها ما نشر بعد رحيله.

المؤلف

كتبه التي ترجمها عادل زعيتر

جان جاك روسو

1. العقد الاجتماعي أو مبادئ الحقوق الأساسية 1945.

2. أميل أو التربية 1956. 3. أصل التفاوت بين الناس 1945

جوستاف لوبون

1. حضارة العرب 1945.

2. روح الثورات والثورة الفرنسية 1946.

3. روح الجماعات 1950.

4.السنن النفسية لتطور الأمم 1950.

5. روح التربية 1949

6. روح السياسة 1947.

7. فلسفة التاريخ 1954.

8. اليهود في تاريخ الحضارات 1945.

9. حياة الحقائق 1949.

10. الآراء والمعتقدات 1946.

11 .حضارة الهند 1948.

12 . روح الاشتراكية 1948.

إميل لودفيج

1. الحياة والحب 1959.

2 .البحر المتوسط 1951.

3. كليوباترا 1953.

4. بسمارك 1952.

5. النيل 1951.

6 . نابليون 1946.

7. ابن الانسان 1947.

آرنست رينان

1. آرنست رينان

فولتير

1. كنديد (التفاؤل) 1955.

2. الرسائل الفلسفية 1959

أناتول فرانس

1. حديقة أبيقور 1955.

2. الالهة عطاش 1957.

مونتسكيو

1. روح الشرائع 1953 بتكليف من اليونسكو

فنلون

1. تلماك 1957

حيدر بامّات

1. مجالي الإسلام 1956

إميل درمنغم

1. حياة محمد 1956

سيديو

1. تاريخ العرب العام 1948

غاستون بوتول

1. ابن خلدون وفلسفته الاجتماعية 1955

ايسمن

1. أصول الفقه الدستوري 1955

البارون كرادوفو

1. الغزالي 1959 .

2. ابن سينا 1959.

3. مفكرو الإسلام 1959 ويقع في جزأين لم ينشرا.

وكان عادل زعيتر يخطط لترجمة عدد من الكتب نذكر منها:

المؤلف

الكتاب

شاتـو بريان

أخر ملوك بني سراج، والشهداء

بلوتارك

وسيرة الإبطال

شبينجلر

وتدهور الغرب

برتراند دوجوفنيل

والسلطة

بروفنسال

وتاريخ الأندلس؛ لولا أن هذا طلب مبلغا كبيرا لقاء ذلك

نيتشه

وهو ذا الانسان سنة 1938، ثم عدل عنه لمرضه

دوزي

وتاريخ الأندلس، ترجم فصلا منه ثم عدل عنه

غيــر أن الأجل عاجله دون أن ينهض بها، وظل بعض أعماله مخطوطا لم ينشر بعد، وهي في مجال الحقوق، حقل تخصصه الأساسي. "وكان عادل يرجو ان يختم حياته بتأليف تاريخ عام للعرب يكتبه بأسلوب علمي، وعلى ضوء النظريات الاجتماعية والفلسفية التي يعتنقها... على أنه كان واثقا بأن الأدوات اللازمة لتحقيق أمنيته في تاريخ أمته لا تتوافر في نابلس، فكان يطمع في أن تتاح له سكنى القاهرة من أجل ذلك (أكرم تأبين 207).

نهجه في الترجمة

درج عادل زعيتر على منهج متميز في جل ترجماته، ويسهل على المطالع استظهار ذلك المنهج في الكتب التي ترجمها بشكل واضح، ويمكن ان نرصد أبرز معالمه في النقاط التالية:

- يعّرف زعيتر بمؤلف الكتاب المترجم بتقديم نبذة قصيرة عن حياته.

- يعقب ذلك بتعريف بالكتاب المترجم والدوافع التي حدت بمؤلفه إلى وضعه، وقد يطول ذلك فيأتي به كأنه يحكى حكاية.

- ويردف ببيان الدوافع التي حملته على ترجمته، وهي غالبا ما تتضمن الإشارة إلى حرصه على ألا تخلو المكتبة العربية من مثله، والاهتمام بنشر الوعي على طريق النهوض بالأمة. جاء في تقديمه لكتاب بوتول عن ابن خلدون " وفي الكتاب يرى ما يعز وجوده عند غيره من النزاهة والاعتدال، فحملنا هنا على نقله إلى العربية ردا للتحية، واطلاعا على ما يحتويه من فوائد " ومن الطرائف التي تقفنا على سبب ترجمته بعض الكتب ما حكاه لإخوانه من سبب ترجمته لكتاب روح التربية لجوستاف لوبون في ما رواه محمد على الطاهر في مقالته التي نشرتها الأديب البيروتية (كانون الثاني 1958) جاء فيها:

" أما قصة عادل القديمة مع طه حسين كما حكاها لي عادل، فقد وقعت في باريس حوالي 1922 - 1924، وخلاصتها انه لما ظهرت ترجمة "روح التربية"، أخذها عادل وبعض الطلاب العرب وذهبوا إلى مؤلفها الدكتور جوستاف لوبون، وكان شيخا كبيرا، وطلب منه السماح له بترجمة كتابه الشهير "حضارة العرب" وقدم إليه ترجمة كتاب روح التربية معتزا بالدكتور طه حسين (مترجمها) الأديب العربي، وكأنه يقول لجوستاف لوبون مباهيا" انظر كيف ان كتبك تنقل إلى لغتنا".

ولما أمسك لوبون بالنسخة العربية، وفحصها ووزنها بيده، قال لهم: يظهر ان لغتكم مختزلة ومختصرة كثيرا، وإلا فهذا تلخيص لكتابي إذن، وهذا لا يجوز ولا يليق بأهل العلم. قال عادل: وخرجنا من عنده نتعثر بتلك العلقة التي أكلناها بسبب الدكتور طه، ونويت ان أترجم أنا في مستقبل الأيام كتاب "روح التربية" كما هو النص والأصل، ولكني شغلت عنه في ترجمة حضارة العرب وحضارات الهند والكتب الأخرى، فلما ظهرت ترجمتي لكتاب نابليون وانتقصها طه بدون حق، متحيزا لصديقه (محمود إبراهيم الدسوقي تلميذ طه حسين والذي ترجم الكتاب نفسه) فطنت إلى ما كان بالأمس البعيد، وقررت الانتقام منه.. وظهر كتاب "روح التربية" الضخم للدكتور جوستاف لوبون مترجما بقلم عادل زعيتر في اكثر من 800 صفحة... "

وهذا يوضح ان السبب كان ثأرا، وتصحيحا لترجمة مختزلة، ويقف المطالع والمتمعن في موضوعات كتبه ان الرجل كان يترجم الكتب التي تعالج قضايا المجتمع وحركته، والتي تبسط فيها آراء المتمردين على الظلم والمكافحين، وأصحاب المعاناة من المؤلفين، قال عادل الغضبان في تقديمه لآخر كتاب ترجمه عادل زعيتر، وهو الرسائل الفلسفية لفولتير (ط دار المعارف 1959): وكان آخر تلك الروائع هذا الكتاب الذي تصدى فيه مؤلفه لمحاربة الاستبداد في بلده على متباين صوره، فصادف موضوع الكتاب هوى من نفس فقيدنا المتألم لفلسطين المنكوبة الشهيدة، فنقله إلى العربية "

- وينهي تقديمه ببعض الملحوظات التي تختلف من كتاب لآخر، كأن يحقق في نسبة الكتاب لصاحبه، " يقول في معرض تقديمه لكتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو (دار المعارف 1954 ص 15): "وفي سنة 1755 نشر روسو رسالة " الاقتصاد السياسي "، وهنالك شك في كونها وضعت قبل رسالة " أصل التفاوت" أو بعدها، فالذي يظهر أول وهلة كون رسالة "الاقتصاد السياسي" على نمط "العقد الاجتماعي" وهذا يدل على أنها الفت بعد "أصل التفاوت" ونحن نقول بدورنا: وهذا منهج من التحقيق دقيق تفرد به عادل زعيتر، ويقوم دليلا على أمانته وتبحره.

وقد فعل مثل ذلك في تقديمه لكتاب فوليتر " كنديد " أو التفاؤل (دار المعارف سنة 1955 ص 15-16) إذ قال: وكتاب كنديد مؤلف من جزأين، فأما الجزء الأول فيوجد إجماع على انه وضع بقلم فولتير، وأما الجزء الثاني فقد ذهب كثير من النقاد إلى انه من وضع كاتب آخر، ولذا يرى اقتصار بعض الطبعات وبعض الترجمات على الجزء الأول منه، كما يرى اشتمال طبعات أخرى وبعض ترجمات على الجزأين معا، وذلك مع إشارة قسم منها إلى هذا الأمر، ومهما يكن من أمر فان الجزء الثاني وضع على نحو الجزء الأول وروحه، ولا يكاد الناقد النفاذ يلمس فرقا بينهما، وكيف يدرك هذا والجزء الثاني ينمّ عن براعة ولباقة كالأول، وقد حفزنا هذا إلى ترجمة الجزء الثاني أيضا إتماما للفائدة وإمتاعا للقارئ العربي" وهذا يذكرنا بما كان من أمر الحمادين الثلاثة وغيرهم من منتحلي الشعر وناحليه سواهم، إذ كانوا يأتون به على غرار الشعر الجاهلي، فلا يختلف في شيء إلا عند بعض النابهين.

وكان من عادته - رحمه الله - أن يقرأ كثيرا في موضوع الكتاب الذي يتصدى لترجمته، وذلك شأن العلماء، كيما تنحكم له الصنعة، ويلم بأطراف الموضوع. قال في تقديمه لكتاب غاستون بوتول " ابن خلدون - فلسفته الاجتماعية".. ألفه سنة 1930، وقد قرأناه، غير مرة، فوجدناه ينطوي على عناية عظيمة بابن خلدون..."

ولم يكن عادل يقرأ وحسب، ولكنه كان يسأل أهل الاختصاص دون أن يجد في ذلك حرجا، فهو يعلم أن المعرفة لا تكتمل لإنسان، ويتضح ذلك في بعض الشهادات نوردها في ما يلي:

1- عندما ترجم كتاب حضارات الهند بعث إلى أصدقائه في الهند يستفتيهم في نطق الأسماء الأدبية، فجاء النطق الصواب الذي التزم في السفر جميعا مثل بدهة بدلا من بوذا، وهمالية بدلا من هيمالايا، ودهلى بدلا من دلهي (وديع فلسطين - الرسالة - بيروت 15/1/ 1958).

2- عندما ترجم كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لسيديو، عرض له فيه طرف من تاريخ القبط في مصر فأراد أن يتحرى بعض حقائق ذلك التاريخ، فاستعان بوديع فلسطين في الظفر بكتاب عن تاريخ الكنيسة القبطية لجلاء حقيقة الأمر (المصدر السابق نفسه).

3- استعان في ترجمة كتاب النيل لإميل لودفيع بوديع فلسطين ليدله على أسماء أصناف قديمة من القطن المصري، فاستعان وديع بالدكتور يوسف نحاس للغرض نفسه، واستعان بوديع في معرفة نص أغنية دارجة كان أبناء النوبة يرددونها، لان إميل لودفيغ ترجمها في كتابه، وكان عادل حريصا على أدراجها في ترجمته الضادية بنصها الشائع. (المصدر السابق نفسه)

4- يحرص عادل على إيراد النصوص الأصلية للمقتبسات ويبذل في هذا جهودا عظيمة وقد يقتضي أياما في البحث عن نص أصلي، وتحقيق حادث أو اسم، ولا يفتأ يكاتب الثقاة والمختصين في مواضعهم، فيتصل بالعلامة الهندي المرحوم عبد الرحمن صديقي للاتفاق على الصورة الصحيحة لكتابه الأسماء الهندية. ويكاتب العلامة الأب قنواتي الدومينكاني للتحقق من صحة بعض الأسماء، ويكون صديقه شوقي أمين واسطة الوقوف من ناحوم أفندي عضو المجمع اللغوي على صحة بعض أسماء فلاسفة اليهود في أسبانية، ويكاتب الأستاذ احمد شاكر لتحقيق أحاديث نبوية، ويتصل بأئمة الأديان لتحقيق نصوص فقهية، ويزور الأديرة والكنائس.. ويزور سفير إيران بالقاهرة لتحقيق لفظة فارسية.. وما أكثر ما كان يشتري من الكتاب الواحد طبعات متعددة ليلحظ التفاوت بين تلك الطبعات (من ذكريات أكرم زعيتر - كتاب التأبين ص 204، 205).

- كما كان يقف عند حد النص، ويتقفاه حرفا بحرف، وبهذا الصدد يقول في مقدمته لكتاب إميل لودفيع "الحياة والحب " ط دار المعارف 1959 ص 7”.. وهذا ما أردنا جلاءه بالصقل جهد المستطيع مع المحافظة على حرفية الترجمة ".

ويقول وديع فلسطين بهذا الصدد (الرسالة، بيروت 15/1/1958) وهو في الترجمة حرفــي لا يتصرف مالم تكن هناك ضــرورة لا مفر منها، ولكنه يطبع أسلوبه بطابع عربي بالــــغ الإبانة، لا يتأتى إلا للبلغاء المؤثلين في اللغة، ولا يسهل فهمه ان كان القارئ عجلان أو ناقص ثقافة: وكان يقول دائما ان بغيته العليا في الترجمة ان يحاكي الأصل الإفرنجي متانة أسلوب وروعة أداء ودقة تحرٍ وسلامة من العيوب "

وكانت هذه واحدة من خصال عادل زعيتر، إذ كتبت جريدة الاثنين القاهرية في 24/3/1958 أن" عادل زعيتر واحد من القليلين الذين حافظوا في نقل كتب الغرب إلى لغة العرب، على حرفية الترجمة بدون ان يمسوا المعنى أو يشوهوه أو ينقلوه ناقصا أو زائدا. وعادل زعيتر واحد من الذين اثبتوا ان التوفيق يبين الترجمة الحرفية وصيانة المعنى أمر ممكن، بخلاف ما يدعي "العاجزون" عن تحقيق هذه المعجزة، الذين لم يحققوا هذا من المترجمين كانوا يبحثون عن العمل السهل، ويستعجلون الربح المادي، ويتسابقون مع الوقت فيسلُقون الترجمة كما يسلقون البيض".

وكان من دقته يشرف على طباعة كتبه بنفسه (انظر مقدمة أكرم - شقيقيه - لترجمته لكتاب البارون كارادوفو "الغزالي" ولم يكن ليتجاوز خطأ في الكتاب دون تصحيحه ولو بإلحاق ثبت بالكتاب يرصد فيه الأخطاء وتصويباتها. ويتضح ذلك في ما كتبه الأديب العربي الكبير وديع فلسطين بعنوان (عادل زعيتر - تعريب مؤلفات الغرب - جريدة الحياة - لندن، 24 شباط 1995) إذ قال : وعندما طبعت له دار المعارف كتاب "البحر المتوسط" لإميل لودفيغ اكتشف بعد مراجعة تجاربه عدة مرات وقوع أخطاء مطبعية يسيرة، وفي وسع القارئ ان يستدركها دون عناء، لكن عادلا غضب اشد الغضب، وأصر على ان يزين الكتاب بلائحة بهذه الأغاليط، في حين أصر شفيق متري صاحب الدار على رفض إدراج هذه اللائحة قائلا : ان الدار عرفت بدقتها، ولا نريد ان تسيء إلى سمعتها بإدراج لائحة فيها اعتراف بوجود أخطاء مطبعية في كبتها، وأصر كل طرف على رأيه، وعندئذ أبدى عادل زعيتر استعداده للإقرار على نفسه بمسؤولية هذه الأخطاء، وللاعتذار لدار المعارف، وعلى هذا ذيل الكتاب بلائحة التصويبات مع عبارة نصها : "ظهرت الأغاليط القليلة آلاتية تصويباتها في هذا الكتاب الضخم (وقوامه 905 صفحة) الذي طبع بإشرافي في خمسة أسابيع، فأنشر هذه التصويبات مع الاعتذار لدار المعارف التي أسجل لها شكري"، لقد كان كل من الطرفين حريصا على الكمال، فجاءت هذه العبارة لتسجل ذلك" .

- وكان لفرط تدقيقه، وحرصه على إخراج الترجمة في أبهى صورة وأدق معنى - يطالع الكتاب الذي يتصدى لترجمته في اكثر من لغة ، ان كان مما ترجم إلى غير لغته الأصلية، فقد اعتمد في ترجمته الكتاب السابق للودفيغ على أصله الإنجليزي وترجمته الفرنسية وقد نرى مرد ذلك إلى انه كان يتقن الفرنسية اكثر، وفي الاطلاع على المعنى بلغتين إسعاف وتمكين من الترجمة بشكل دقيق .

- ولعادل زعيتر مذهب في هذا الفن؛ إذ يرى جواز الترجمة عن ترجمة أخرى إلى غير لغة الكاتب الأصلي، ويرى ان الترجمة عن الأصل أولى عندما يكون الموضوع علميا، توخيا للدقة ونقل المعنى الصحيح للاصطلاحات. وفي هذا الصدد ننقل ما أورده صاحب المقال السابق، وقد أورد أحوالا أدت بعادل زعيتر إلى إظهار سخطه وتبرمه، فقال "ومرة ثالثة انفجر فيّ عادل زعيتر عندما كتبت كلمة عن ترجمتين لكتاب "نابليون" لإميل لودفيغ اتفق صدورهما في وقت واحد : ترجمة عادل زعيتر المنقولة عن النص الفرنسي مع الاسترشاد بالترجمة التركية لأنه كان يجيد هاتين اللغتين، وترجمة محمود إبراهيم الدسوقي المنقولة عن النص الألماني، وهو النص الأصلي للكتاب، وانتهيت في كلمتي إلى ان النقل المباشر عن لغة الكاتب الأصلي أدق من النقل غير المباشر عن لغة أخرى ترجم إليها الكتاب، ولم يوافقني عادل زعيتر على هذا الرأي قائلا: ان الكتب الأدبية يجوز ترجمتها من نص مترجم، أما الكتب العلمية أو الفنية فيحسن ان تترجم عن النص الأصلي للتأكد من الترجمة الدقيقة للمصطلحات والتعبيرات، وكتاب نابليون هو كتاب أدبي في المقام الأول.

قلت : نوافق وديع فلسطين، ونخالف المرحوم زعيتر، إذ ربما كانت ترجمة النصوص العلمية عن لغتها الأصلية أو عن لغات أخرى ترجمت إليها - مقبولة اكثر وأدق ، لأن العلم واحدة معانيه ومفهوماته ونظرياته في كل اللغات والبلدان، على العكس من لغة الأدب .

- ومن مظاهر الدقة في ترجمات عادل زعيتر - رحمه الله- انه كان يضبط الألفاظ بالشكل الدقيق، لاسيما الألفاظ الملبسة التي تحتمل غير وجه واحد، والغريبة التي يستنبطها من معجمه وسنزين البحث بنماذج من ترجماته توضح ذلك .

وقد اعتمدت اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية المنبثقة عن اليونسكو ترجمات عادل زعيتر وأجازتها ، وكانت تكلف من يراجعها والنظر فيها، وقد نجد إشارة لذلك على بعض الكتب ككتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، إذ حمل الكتاب اسم اللجنة، وعلى صفحته الداخلية عبارة " قرأ هذه الترجمة وفق أحكام منظمة الاونسكو : توفيق الصباغ، كمال الحاج" وانظر كلمة الدكتور مصطفى جواد : كلمة المجمع العلمي العراقي ، كتاب التأبين ص 26 .

وكتب محمد عبد الغني حسن (بريد المطبوعات الحديثة - مصر، ديسمبر كانون الأول 1957) مقالة بعنوان عادل زعيتــر جاء فيها : وكان في عادل دقة في الترجمة، إلا ما تحدثه الترجمة عن لغة ثانية من فروق - كما كان فيه أصالة في التعبير، وفحولة في التركيب، وضلاعة في اللغة وميل إلى إحياء اللفظة الغريبة لا استكراها في جلبها ولكن إشاعة لاستعمالها. وجاء في نعي مجمع اللغة العربية بدمشق له (مجلة المجمع عدد 33 سنة 1977 ص 66) ما نصه : كان الفقيد في طليعة المترجمين، أمينا في نقله سليما في أسلوب إنشائه" . ويقف المطالع في مترجماته على هذه الحقيقة بسهولة ويسر. ونشرت مجلة الحياة البيروتية (12/1/1957) مقالة بعنوان "اكبر المنتجين العرب" تعني عادلا، جاء فيها " ولغته في الترجمة هي النقية العالية الطبقة، وقد رسخت قدمه في هذا الفن رسوخا يجعل القارئ يؤمن بأنه إنما يقرأ عبارة عربية كأنها خلقت عربية، ولم تنقل ترجمة بحال ... وكثيرا ما رأينا ان فردا من الكتاب تخير لفظا أو مصطلحا فوفق فيه اكثر مما يوفق المجمع العلمي بأسره، وأحيانا يثبت في الحاشية اللفظية الأجنبية التي أتاك بتعريب مختار لها" قلت : وهذا منهج غدا اليوم متبعا على نطاق واسع، ومطلب يقتضيه البحث العلمي، أي ان يثبت الاصطلاح الأعجمي إلى جانب الاصطلاح العربي المترجم أو موازيا له في الهامش، إمعانا في الدقة والاحتياط .

ومن شأنه رحمه الله انه كان يتخير فصيح الألفاظ لا رغبة في التقعر ولا تحذلقا، ولكن إحياء لتلك الألفاظ وإدراجا لها على الأقلام، لأن الألفاظ تتأبد ما لم تؤنسـها أم تأنسها الألسن بتداولها، والآذان باستماعها .

وفي هذا الصدد يقول عبد الله المشنوق في مقالة بعنوان "الوسيط الأول" نشرتها بيروت المساء (بيروت 12 كانون الأول سنة 1957) : "ولم تعرف العربية مدققا في اختيار الألفاظ الفصيحة كالمرحوم عادل زعيتر ... وقد حدثني شقيقه الأستاذ الكبير أكرم زعيتر - رحمه الله - عن غلطة اكتشفها أكرم في إحدى ترجمات عادل إذ استعمل عادل كلمة الماس – الجوهر الثمين المشهور معرفا مرتين بالألف واللام (الألماس) فكتب له يقول له : الصواب ان تقول الماس، وبعد عام التقيا على التلفون، وكان أولى كلماته لأخيه أكرم بعد تبادل السلامات: الصحيح الألماس، وأنا على صواب ... والحقيقة ان عادلا هو المصيب" .

وفي هذا المعنى قال مصطفى جواد ممثل المجمع العلمي العراقي يؤبنه في أربعينه (كتاب التأبين ص 126) : "ولقد كان - رحمه الله - ينتقي الكلمات العربية انتقاء ليعبر بها عن كلمات فرنسية يعز على غيره الاهتداء إلى ما يقابلها في العربية حق المقابلة، انه كان عدا لإخصاب اللغة العربية، ولكن هذا العد قد انقطع" وجاء في ذكريات شقيقه المرحوم أكرم (كتاب التأبين ص 205) انه كان يدخل في ما يكتب كلمات غير مألوفة، ولكنها ليست نابية، وهي تأتيه عفوا من دون تكلـف.

وكان هذا مثار جدل بينه وبين بعض أصدقائه من الأدباء والعلماء، وأن صديقه الأستاذ نصوح الأيوبي كتب إليه من دمشق مثنيا على احد كتبه، وقد اعترض على إيراده في الكتاب كلمة "الخنراونة"(1) بمعنى الكبر، وداعبه قائلا: "وليس من المفجع يا سيدي ان تموت كلمة الخنزاونة -من اللغة العربية" فتلقى عادل تلك الدعابة ضاحكا وأجابه بضرورة تطعيم اللغة بكلمات على ألا تكون نابية. ومما قاله ان كلمة عنجهية تفيد المعنى ذاته، ولم تكن تستعمل حتى رددها الأمير شكيب أرسلان فغدت مألوفة سائغة" قلت : ولعل هذا التعلق الشديد بالعربية، والحرص عليها هو القاســـم المشترك بين كل من زعيتر وأرسلان الذي أغرى محمد على الطاهر بمقالته التي نشرتها له الأديب البيروتية (عدد كانون الثاني 1958) بعنوان" الشبه بين عادل وشكيب" .

ويتوالى شريط الذكريات، فيقول أكرم (ص 206) كان عادل يحرص على صحة لغته حديثا وكتابه، ويعني بتشكيل كثير من الكلمات التي يحتمل الالتباس في صحة لفظها، فكم من فائدة لغوية يجتنيها قارئ كتبه، وقد تعلمت منه مثلا ان أقول "المُتحف" بضم الميم لا بفتحها، لأنها مشتقة من أتحف لا من تحف .. .

ومن الشهادات التي تؤكد مذهب عادل زعيتر في تخير ألفاظه ولو كانت من الغريب ما نشرته مجلة الثقافة في عدديها الصادرين في 2/3/1948، 20/4/1948 من نقاش بين الدكتور احمد فؤاد الأهواني أستإذ الفلسفة في جامعة القاهرة آنذاك، وعادل زعيتر بعد صدور

ترجمته لكتاب حضارات الهند، إذ كتب الأهواني "ان المترجم في سبيل الارتفاع بالأسلوب جعل ينقب الألفاظ الغريبة يضعها في مكان الألفاظ الفرنسية كاتخاذه كلمة "العرق" بدلا من

الجنس ، وكاتخاذه كلمة "شماريخ الجبال" بدلا من "رؤوس الجبال" ... ويرد عادل رد لغوي أديب، يصدر عن قلب مفعم بحب اللغة والحرص عليها، وبتمثل رده في :

1- أن ما ورد من غريب لم يأت تكلفا وإنما جاء عفوا .

2- أن إدراج هذا الغريب مفيد نافع لما يؤدي إليه من تطعيم للغة الدارجة والنهوض بها .

3- أنه لا يضير كتابا ضخما كحضارات الهند ان يشتمل على بضعة ألفاظ من هذا النوع لا سيما أنه كتاب أدب .

4- أن هذه الألفاظ ليست نابية، وانه استخدم إلى جانب الشماريخ الرؤوس والذرى، ولكنه يرى أن "شماريخ" في موقعها الذي استخدمت فيه " أوقع في النفس من كلمة رؤوس" ويؤكد وديع فلسطين ذلك المنحى في ترجمات عادل زعيتر (الحياة - لندن24 شباط

1995) قائلا: كان عادل زعيتر يتأنق في ترجماته تأنقا شديدا، وصفه بعض نقاده بالتقعر والتفاصح إذ لم يكن يستخدم اللفظة السهلة القريبة المنال، بل كان يؤثر عليها

1_ انظر كتاب العشرات في غريب اللغة لأبي عمر الزاهد، تحقيق يحيى جبر، ط عمان 1984 ص 86 وهـ 14 ص87.

اللفظة المعجمية غير الدارجة ثم يشرحها في هامش الصفحة، ومن ذلك مثلا قوله: ان زيدا من الناس تزوج فتاة صغيرة بعدما "آم". ويشير في هامش الصفحة إلى ان لفظة (آم) معناها فَقَد الزوجة. وكان يصف الصورة التي تعبد بالنصمة، ويترجم لفظة Puritan بالحنبلي، فــي حين يرى ناقدوه ان الحنابلة فرقة إسلامية، أما البيوريتان فهم فرقة مسيحية.(1) .. وهو يستخدم عبارة "يكردح الحمار" ثم يشرحها في الهامش بقوله : ان كردح تعني ان الحمار عدا عدوا قصيرا .. ومن هذا القبيل استخدامه لعبارة "ارتعج البرق" بمعنى تتابع البرق، واستخدامه كلمة الأضوار بمعنى السحب السود، والطاخية بمعنى المظلمة ، والأضواج بمعنى منعطفات الوادي، والمراتج بمعنى الطرق الضيقة ، واستغدر المكان بمعنى صار فيه غدران، والجذول بمعنى الأصول الباقية للأشجار بعد ذهاب فروعها، والثول بمعنى الحماقة.. وهلم جرا، ورأى النقاد أن هذه الهوامش، اقتضاها تقعره في اللغة دون مسوغ .

إن من هذه الألفاظ ما يستخدم في اللهجات الدارجة في جنوب الجزيرة العربية إلى اليوم، وما هي بالغريبة إلا عند من تغرّب عن أرومته وصدف عن نهج الأصالة . وعادل زعيتر عروبي الهوى والنزعة، يترجم روائع الأدب والفكر العالميين ليسد ثغرة في المكتبة العربية، وليقدم للقارئ العربي تلك الروائع لتسهم في صقل فكره، وحفزه على المضي قدما على طريق الرقي والتحضر، ومن هنا كان يعف عن ترجمة الكتب الهزيلة، التي تدر مالا كثيرا على مترجميها، لأنه لم يكن طالب مال ولا جاه، وإنما كان يتحرق لما آل إليه أمر الأمة، وهو بذلك قد رد للترجمة اعتبارها، وهذا هو عنوان مقالة الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في تأبينه، والتي جاء فيها (كتاب التأبين ص 119، 120) "وكم حاول بعض الناشرين ان يغروه بالنزول عن مستواه ليكسب مزيدا من القراء، لكن المحاولة ضاعت سدى، وبقي حيث هو مصعدا، .. وكما عصي قلمه عن الإسفاف والهبوط، عصي منهجه في اختيار المترجمات علـى الانحراف والزيغ والضلال، فأبى أن يستجيب لتجار التموين العقلي، أو يأجر قلمـه لمن أرادوا ان يجعلوا الترجمة أداة غزو مقنع، يدمر معنوياتنا، ويسمم عقولنا ووجداننا، كما أبى ان يتملق أهواء العوام وميول المراهقين، ولم يحد قط عما رسمه لنفسه من نهج كريم الهدف، نبيل المقصد، رفيع المستوى. فما نقل أثرا 1- في اللهجات الدارجة في بلاد الشام يكثر استخدام كلمة حنبلي للمتشدد، لما عرف عن الإمام أحمد بن حنبل من تشدده.

لكاتب غربي إلا بعد أن اطمأن إلى جدواه على قومه العرب، ولا اهتم بمفكر غربي إلا إذا رآه أهلا لان يهتم بمثله.

ومما يؤكد ترفعه ونزاهته أنه ترجم فصولا من كتاب "الاعترافات" لجان جاك روسو، ثم كف عن الترجمة لأن مزاجه لا يسيغ أن ينقل قلمه الاعترافات المكشوفة (كتاب التأبين ص 209).

ويؤكد أكرم زعيتر شقيق عادل - رحمهما الله- أن عادلا كتب إليه في10/8/1953 يقول : أخذت في ترجمة " هو ذا الانسان" لنيتشه، وبعد أن قطعت شوطا بعيداً في أسبوع، أصبت بمرض الروماتزم في ظهري، فأقعدني عن العمل، وطرحني في الفراش، ثم شفيت منه منذ يومين، فرأيت ألا أستأنف العمل في ذات الكتاب لإفراط المؤلف في اللادينية، وتهجمه على الأنبياء، وحملته الشديدة على المبادئ الإنسانية، أي، لأمور لا أقر نيتشه عليها لا في قليل ولا في كثير. (المصدر السابق ص 209).

وهذا يعكس، بجلاء ووضوح، أن عادل زعيتر كان يتوخى النزاهة والاستقامة، ويأخذ بأسباب الأدب في اختيار مترجماته، لأن حرصه إنما كان على تزويد المكتبة العربية بأمهات الأسفار التي ضمنها مفكرو الغرب آراءهم ومعارفهم؛ التي تبلورت في أعقاب مخاضات عسيرة مرت بها ديارهم، وكــانت مشاعل أضاءت دروبهم في اتجاه الحضارة التي تنعم بها أوروبة اليوم، لو لم تكن مادية وحسب. وقد أكد هذه الحقيقة محمود سيف الدين الإيراني في مقالته التي نشرتها له جريدة الدفاع المقدسية في 14/3/1958 إذ قال "وانه ليبدو لي أن عادل زعيتر ما نقل كتابا إلا بعد أناة وتدبر وتساؤل طويل عن فائدته وقيمته، وعن مدى انتفاعنا به، وما يمكن أن يضيفه إلى ثقافتنا من رفد ومدد، حتى إذا رجح الكتاب في كفة البحث والتمحيص والتحقيق والتدقيق والنظر السديد في قيمته وفائدته أكب على ترجمته ... فيجيء النقل على هذا النسق الرفيع من الأحكام والدقة والأمانة والبلاغة المعجزة .

وخلاصــة لهذا البحث يمكن القول إن عادل زعيتر قدم للقراء خلاصة الفكر الغربي ممثلا في عيون المراجع التي ترجمها لأعلام المفكرين والكتاب الغربيين، وبذلك يكون قد جمع بين الكم والكيف، مما أغنى المكتبة العربية وأمدها بتلك الروائع، وفتح بابا على الثقافة الغربية الرصينــة.ولم يكن عادل حاطب ليل، بل كان ينتقي ويختار، ولم يكن يتعجل أمره، بل كان يتأنـــى في عمله، وبحكمـه، كما انه لم يكن طالب شهرة ولا مال ولا مجد رخيص، إذ كان يتعفف عن ذلك كله، ويأخذ نفسه بالعزيمة، يشهد له بذلك كل من عرفه إلا أولئك الذين رأوا في عمله تعرية لنكوصهم وتقصيرهم.

وكان أمينا في عمله، ويعتني به اعتناء منقطع النظير، وهو يصدر في كل ما قدمه عن عروبية فاعلة، تحتدم في وجدانه، وغيرة على أمته وتراثها قّل أن نجدهما عند غيره.

وأخيرا، لقد كان عادل زعيتر ظاهرة نادرة، وعلامة بارزة على طريق التحضر العربي المعاصر، عمل في مجالات مختلفة، في المحاماة والسياسة والترجمة، ولم يكن في فكره مقلدا، بل كان مبدعا مجددا وقد وجد في الفكر الغربي المعاصر، لاسيما أعمال جان جاك روسو وفولتير ما رسّخ لديه هو وجيله الأفكار القومية والثورة الاجتماعية والتحرر، مما أدى إلى تكوّن تيار فكري جديد يقوم على أساس من الرابطة القومية، ولعل هذه الحقيقة هي التي جعلت شتفان فلد (ص 388) يقول في عادل زعيتر وترجماته "إنه مع روسو وفولتير يكون قد اختار خصمين رئيسيين لجمال الدين الأفغاني".

باختصار، إن عادل زعيتر يمثل بجهوده وتطلعاته مرحلة متميزة من مراحل التحضر العربي في العصر الحديث، ويضاهي في أعماله وآثارها ما أحدثته الترجمة عن اليونانية واللاتينية في العصر العباسي، وما أحدثته حركة الترجمة عن العربية إلى اللغات الأوروبية في الحقبة الأندلسية من أثر في التحضر الأوروبي في العصور الوسطى مما ترك بعض ظلاله على العصر الحديث، هذا العصر الذي نقل أوروبة وامتداداتها الحضارية نقلة جبارة في المجالات العلمية والاجتماعية والتقنية، ولما كانت حال الأمة الإسلامية على ما هي عليه من التخلف، فقد رأى عادل زعيتر في الفكر الذي أحدث في الغرب تلك الثورة الاجتماعية وذلك التقدم العلمي، رأى فيه فكرا صالحا لأن يحدث في أمته ما يفجر كوامنها، ويعجل مسلسل التفاعلات الاجتماعية المفضي إلى تبدل الحال إلى ما هو أفضل، ولذلك فقد بادر إلى نقل أمهات الكتب الفرنسية عن قصد وإصرار، هادفا إلى تنوير العقل العربي ورفد المكتبة العربية بما يثريها، وقد فعل ذلك كله منطلقا من علم جم، ودراية باللغات بلغات واسعة. فاستحق بذلك أن يتبوأ مكانة خاصة يمتاز بها عن سائر مترجمي العصر نظرا للدوافع السامية التي كانت تحركه، وللمواصفات الرفيعة التي اتصفت بها أعماله.


المراجع

1- الثقافة المصرية العدد الصادر في 2/3/1948.

2- زهرات الياسمين، محمود الأرناؤوط. مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى. الكويت 1409/1988.

3- حركة الترجمة لدى أبناء فلسطين. حسام الخطيب، المجلة الثقافية (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، عدد أيلول سبتمبر 1986).

4- حركة الترجمة الفلسطينية. حسام الخطيب. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. الطبعة الأولى سنة 1995.

5- الثقافة القومية في فلسطين، عدنان أبو غزالة، ترجمة حسني محمود، دار الأسوار، عكا، د.ت.

6- الأستاذ الكبير عادل زعيتر، شوكة زيد الكيلاني. كلمة في ذكراه.

7- الترجمة. إبراهيم زكي خورشيد، مجلة الفيصل، الرياض، عدد تشرين الثاني، نوفمبر 1984.

8- تطور الترجمة، أنور الجندي. مطبعة الرسالة بمصر 1963.

9- خسمون عاما في القضايا العربية، محمد علي الطاهر، مؤسسة دار الريحاني، بيروت 1974.

10- المحافظة والتجديد في النثر العربي المعاصر في مائة عام. أنور الجندي، مكتبة الأنجلو مصرية 1961.

Wild, Stefan. Islamic Enlightment and the Paradox of aver roes, Die welt Des Islam. Band xxx v1, 3. 1996.

إعداد

أ.د. يحيى جبر

أ. عبير حمد