«عبد الله داوود محمود عبد القادر»: الفرق بين المراجعتين

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
 
(مراجعتان متوسطتان بواسطة نفس المستخدم غير معروضتين)
سطر ٨٦: سطر ٨٦:
  
 
عهدنا أن نصون وصاياك ... أن نحفظ نشيد الثورة ... أن نواصل المشوار... وأن تبقى ‏الراية خفاقة ... راية فلسطين يجب أن تبقى ‏عالية؛ فنم قرير العين يا شهيدنا البطل مع الأنبياء ‏والصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا..‏
 
عهدنا أن نصون وصاياك ... أن نحفظ نشيد الثورة ... أن نواصل المشوار... وأن تبقى ‏الراية خفاقة ... راية فلسطين يجب أن تبقى ‏عالية؛ فنم قرير العين يا شهيدنا البطل مع الأنبياء ‏والصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا..‏
 +
==إعداد==
 +
د. يحيى ندا/ مدير منطقة قلقيلية التعليمية /جامعة القدس المفتوحة
 +
 
[[تصنيف:موسوعة علماء فلسطين وأعيانها]]
 
[[تصنيف:موسوعة علماء فلسطين وأعيانها]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٧:٤١، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨

ولد الشهيد القائد عبد الله داوود محمود عبد القادر " أبو يوسف" في مخيم بلاطة، بتاريخ ‏‏21/2/1962م لأسرة مناضلة، تنحدر أصولها ‏من قرية طيرة دندن التي طرد أهلها بعد حرب عام ‏‏1948م على أيدي العصابات الصهيونية. وتوفي والداه وهو في مرحلة الطفولة، ‏فعاش يتيما، ‏وكان جزءا من عائلة مناضلة عددها سبعة عشر فردا.‏

‏اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أخاه (خالد) عام 1969م، الذي كان قد شكّل ‏مجموعة مسلحة بعد حرب عام 1967م.‏

تذوق عبد الله، منذ صغره، مرارة معاناة أهالي الأسرى عندما كان يزور هو وإخوته ‏وأخواته شقيقه خالد في سجون الاحتلال، في ‏رحلة عذاب تبدأ منذ ساعات الصباح الباكر وتنتهي ‏في ساعات الليل الحالك، حيث تشرّب منه روح العمل الوطني، وحب فلسطين، ‏إلى أن قامت ‏سلطات الاحتلال بإبعاد شقيقه من السجن إلى الأردن عام 1979م.‏

مرحلة الدراسة

درس الشهيد عبد الله داوود في مدارس مخيم بلاطة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ‏وتتلمذ على يد نخبة من الأساتذة الكرام الذين ‏تركوا بصماتهم على عقله وفكره.‏

وانتقل إلى مدارس نابلس لتكملة المرحلة الثانوية ، وكان طالبا مجتهدا، ومتميزا، ذو ‏أخلاق حسنة ، وتربية وطنية سليمة، ودود، ‏حسن المعاشرة، قادر على إقامة علاقات طيبة مع ‏زملائه الطلاب. والتحق بجامعة النجاح الوطنية ليكمل تحصيله العلمي الجامعي ‏عام 1982م.‏

غرفة العمليات الأولى

كان عبد الله يؤمن بالعمل السري منذ صغره، إلا أن العمل الجماهيري كان ملاذه أثناء ‏المظاهرات الطلابية، فأخذ عن أخيه الشهيد ‏خضر حب العمل، وقيادة المظاهرات، وعشق القراءة، ‏فالكتاب بالنسبة إليه أعز صديق... لقد كان عبد الله يشبه الى حد التماثل شقيقه ‏القدوة الشهيد ‏خضر، فهو يليه من حيث الترتيب العددي لأخوته، وهو معلمه الحقيقي في النضال.‏

كان بيت عائلة الحاج داوود في مخيم بلاطة هو نقطة تجمع الفتحاويين الأوائل في فترة ‏تأسيس الأطر النقابية لحركة فتح في الضفة ‏الغربية، كان البيت عبارة عن غرفة عمليات، يلتقي ‏فيها مجموعة من أبناء فتح الذين تحرروا من سجون الاحتلال حديثاً ، يأتون من ‏جامعات بير ‏زيت، وبيت لحم، والنجاح، ومواقع أخرى ينتظمون في حلقات نقاش طويلة، وعصف فكري، بهدف ‏تشكيل أطر الحركة ‏الطلابية والاجتماعية وغيرها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏

نشأ الشهيد عبد الله في هذه البيئة الوطنية ، وتعرّف على الكثير من قيادات فتح على ‏مستوى الوطن، واستمرت علاقته بهم لسنوات.‏

المجموعة الأولى

شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة غضب عارم عام 1977م، بعد توقيع اتفاقية كامب ‏ديفيد، حيث كان يخشى الفلسطينيون خروج ‏مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، واستفراد ‏اسرائيل بالشعب الفلسطيني، فنظّمت المظاهرات ضد قوات الاحتلال، وتم ‏عقد أول مؤتمر ‏جماهيري حاشد في جامعة النجاح الوطنية عام 1978م، للتأكيد على الثوابت الفلسطينية.‏

لقد عملت المجموعة الصغيرة والتي كان أحد أعضائها عبد الله داوود في تنظيم هذا ‏الحدث الهام في مسيرة الحركة الوطنية ‏الفلسطينية، وكان علامة فارقة في مسيرته الوطنية ‏المنظمة نحو عالم السياسة.‏

مركز شباب بلاطة... مدرسة المناضلين

انضم الشهيد عبد الله داوود، شأنه في ذلك شأن معظم شباب جيله، إلى مركز شباب ‏بلاطة الاجتماعي، حيث كان المركز حاضنة ‏العمل الوطني والاجتماعي والرياضي والسياسي، ‏وكان شعلة في العطاء.. أنه مدرسة بكل ما تعني الكلمة من معنى.. كان عبد الله ‏عضوا في ‏اللجنة الثقافية للمركز، وكان مسؤولا عن تحرير مجلة الحائط، وإقامة الأنشطة الثقافية والفنية في ‏المركز، وفي مناقشة ‏الكتب السياسية ضمن حلقات للتوعية.‏

لقد استفاد من هذه المدرسة نخبة لا بأس بها من شباب المخيم، وشباب آخرين من ‏مختلف المحافظات، وخاصة طلاب جامعة النجاح ‏الوطنية الذين رأوا فيه ملاذا وطنيا لهم، ‏يرتادونه لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من خدماته الجليلة، فكانت سنوات 1979م - 1982م ‏مليئة ‏بالانجازات وإقامة المعارض الكبيرة للكتاب والمصنوعات الوطنية، والتراث، ونشر ثقافة التمسك ‏بالحقوق الثابتة للشعب ‏الفلسطيني، وتم تخريج جيل من الشباب القادر على قيادة المرحلة بكل ‏تفاصيلها الصعبة، فخاض غمار المواجهات مع قوات الاحتلال ‏في كل مناسبة وطنية، وأسس ‏قادة تلك المرحلة لوضع جديد سيكون له أثاره الواضحة على مجمل العمل الوطني الفلسطيني.‏

جامعة النجاح الوطنية .. الحصن المنيع

التحق شهيدنا البطل في جامعة النجاح الوطنية عام 1982م. وكان أحد قادة حركة ‏الشبيبة الطلابية الذراع الطلابي النقابي لحركة ‏فتح، وبسبب نشاطه الدؤوب في الجامعة اعتقل ‏عدة مرات من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فكان اعتقاله الأول عام 1978م أي ‏في السادسة ‏عشر من عمره، وتعرض للضرب المبرح من قبل جنود الاحتلال، وللتحقيق القاسي من قبل ‏المخابرات الإسرائيلية، ولم ‏يثنه ذلك عن استكمال مشواره الوطني الذي كان على حساب تحصيله ‏العلمي، وعدم تمكنه من التخرج من الجامعة في السنوات ‏المحددة لذلك، ففرضت سلطات ‏الاحتلال الإقامة الجبرية عام 1985م عليه، واعتقل إداريا أثناء تطبيق سياسة القبضة الحديدية ‏من ‏قبل وزير جيش الاحتلال آنذاك اسحق رابين قبيل اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني عام ‏‏1987م، وفي عام 1985م أغارت ‏الطائرات الحربية الإسرائيلية على مواقع منظمة التحرير ‏الفلسطينية في حمام الشط بتونس حيث استشهد العشرات من أبناء حركة ‏فتح، كان أحدهم الشقيق ‏الأكبر للشهيد عبد الله، معلمة الأول خضر، وكان لهذا الحدث أثرا كبيرا على نفسيته خاصة وهو ‏قابع في ‏سجون الاحتلال.‏


انتفاضة عام 1982م

شهدت سنوات دراسته الجامعية عدة أحداث مهمة كان دائما فاعلا فيها، بل أحد المبادرين ‏لها، كمواجهة روابط القرى العميلة عام ‏‏1982، وهي احدى المشاريع الإسرائيلية الهادفة للنيل من ‏وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني ، والحرب ‏الإسرائيلية على لبنان في ‏نفس العام، والصمود الأسطوري الذي حققته قوات الثورة الفلسطينية في بيروت، ومن ثم الخروج ‏‏الإجباري إلى العديد من الدول العربية، وبعد ذلك حادثة الانشقاق عن حركة فتح عام 1983م، ‏وما كان لهذه الحادثة المؤامرة من اثر ‏سلبي على معنويات أبناء الحركة، وكيف تم معالجتها داخل ‏الأراضي الفلسطينية المختلة.‏

كان كل ذلك يتم وقوة لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي تتعاظم، هذه اللجان التي دخلت ‏كل حارة، ومدينة، وقرية ومخيم، كان عبد الله ‏أحد مؤسسيها الأوائل وقادتها، فلم يترك نشاطا ‏تطوعيا أو اجتماعيا لها إلا وشارك فيه، فزار مختلف القرى والمخيمات والمدن مبشرا ‏بعهد الشبيبة ‏ومستقبلها الآتي.‏

هذه الأحداث أدت إلى تفجّر الأوضاع بوجه قوات الاحتلال الاسرائيلي، والاعلان عن ‏اضرابات شلّت الحركة التجارية، وعمت ‏المظاهرات مختلف الاراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت ‏نابلس بؤرة هذه الاحداث، وكان الشهيد عبد الله قائداً فيها، لا يعرف معنى ‏للخوف، فكان نموذجاً ‏للرجولة.‏

مرحلة السجن

اعتقل الشهيد عبد الله أول مرة في سجون الاحتلال الاسرائيلي وهو في السادسة عشر من ‏عمره، حيث أمضى ثمانية عشر يوما فيها، ‏ثم أزدادت ملاحقة قوات الاحتلال له فاعتقل عدة ‏مرات في سجون الخليل، ونابلس، ورام الله، والفارعة. ولم تستطع مخابرات ‏الاحتلال اثبات أية ‏تهمة ضده بسبب صموده داخل أقبية التحقيق، حيث كان يؤمن أن الاعتراف جريمة كبرى.‏

وفي عام 1986م قامت قوات الاحتلال بمحاصرة مخيم بلاطة حصارا مشددا بحثاً عن السلاح ‏والخلايا المسلحة، فاعتقلت المئات من ‏سكانه، وزجت بهم في اقبية التحقيق بهدف الوصول الى ‏اعترافات تدين عبد الله ورفاق دربه في العمل، لأنها كانت تدرك ان هذه ‏النواة الصلبة لا يمكن لها ‏أن تعترف، فلقد جربتها مراراً وتكراراً بدون فائدة، فاعتقل عبد الله وحكم ثلاث سنوات بتهمة قيادة ‏مجموعة ‏مسلحة.‏

وفي السجن كان صلباً، وقائداً، ومسؤولاً تنظيمياً، حيث تقلّد العديد من المراتب التنظيمية ‏الاولى في السجن، من لجنة مركزية، الى ‏ممثل معتقل، وكان على علاقة جيدة مع مختلف ‏المعتقلين بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمية. ‏

انتفاضة عام 1987م.. ومطاردة الاحتلال

اندلعت انتفاضة عام 1987م والشهيد عبد الله داوود في سجون الاحتلال، رغم أنه كان ‏يدرك أن المقدمات التي قامت بها فصائل ‏العمل الوطني الفلسطيني، والانتشار الواسع للجان ‏الشبيبة للعمل الاجتماعي، وحركات الشبيبة الطلابية، والمجموعات المسلحة ‏لحركة فتح التي كان ‏عبد الله رائدا فيها، هذه المقدمات وغيرها هي التي أسست لاندلاع انتفاضة شارك بها الرجل ‏والمرأة، الشيخ ‏والعجوز، الطفل والشاب، في وحدة وطنية عز مثيلها، فما أن أفرج عنه من قبل ‏سلطات الاحتلال بعد أن أمضى مدة حكوميته ‏البالغة ثلاث سنوات حتى انخرط في صفوف ‏الانتفاضة، قائدا من قادتها، ومطاردا من مطارديها الذين يطاردون الاحتلال، ، ‏ويدافعون عن ‏القضية الفلسطينية في داخل الأرض المحتلة إلى جاني قائد الثورة الشهيد الراحل ياسر عرفات.‏

الإبعاد الأول

وذات يوم من عام 1992م استطاعت قوات الاحتلال الغاشمة من حصار جامعة النجاح ‏الوطنية، حيث كان يتواجد فيها مع مجموعه ‏من قادة الانتفاضة الميدانيين، وطال الحصار عدة ‏أيام، والمفاوضات مستمرة لتأمين عملية خروجهم من الجامعة، أو اقتحامها، حيث ‏الطلاب ‏والطالبات محاصرون في ظروف تزداد صعوبة يوما بعد يوم، فكان القرار الصعب: الموافقة على ‏الإبعاد عن أرض ‏الوطن.. والى أين .. الى الأردن عبر الجسر .. من هنا بدأت رحلة الإبعاد .. ‏المعاناة الجديدة، حيث البعد عن الأصدقاء، والآهل، ‏والزوجة المناضلة التي كان زواجه منها ‏حديث العهد ... كفاح حرب ... الطالبة الجامعية المتميزة، اول امرأة عضو في مجلس طلبة ‏‏جامعة النجاح ... رفيقة دربه ... وكاتمة أسراره، ونصفه الآخر في تحمل صنوف المعاناة ‏والعذاب والقهر...‏

تونس المحطة الجديدة

وبعد أن إستقرّت به رحلة الإبعاد في الأردن بين اهله واخوته، مضى عبد الله بعيدا في ‏الوصول إلى ابعد من ذلك، حيث كان يدرك ‏أن القرب من القيادة، وخاصة القائد المؤسس الشهيد ‏ياسر عرفات، سيساعده في تنفيذ واستكمال برامجه الكفاحية التي أدت به إلى ‏المكوث في تونس.

كان عبد الله يعشق ياسر عرفات، وقوة شخصيه، وقيادته الفذة، وكوفيته السوداء المخططة... فأخذ ‏عنه البساطة في المظهر، ‏والتواضع مع الناس، وحسن الإصغاء لهم... لأجل ذلك أحبه ‏التونسيون، وربطته بهم علاقات مميزة، وحافظ عبد الله من خلال ‏وجوده في تونس على علاقة ‏طيبة مع إخوته في الداخل، ورفاق دربه الذين ابعدوا معه إلى الأردن، وظل الشهيد البطل يعاني ‏من ‏الغربة والإبعاد القسري حتى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن.‏

كان عبد الله عنيداً في قناعاته ... مدافعاً عن أفكاره التي يؤمن بها حتى لو عارضوه ‏الآخرون، كان يؤمن أن اوسلو ستعيده إلى حيث ‏ذكريات الطفولة ، والى زقاق الاشتباك، وإلى ‏الدولة الحلم، فالعودة قد بدأت بالنسبة إليه... والصراع سينتقل من جديد إلى حيث ‏مركز الفعل... ‏فلسطين.. لذلك كان مع قرار العودة.‏

العودة والعمل في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية

وفعلا تحققت نبوءته، فكانت عودته في أواخر عام 1995م هو وزوجته وطفليه هبه ‏ويوسف... كانت فرحته لا توصف عندما عانق ‏تراب بلاده من جديد.. فالتحق مباشرة للعمل في ‏جهاز المخابرات العامة ن حيث شغل عام 1995م منصب مدير مخابرات محافظة ‏سلفيت، ثم ‏قلقيلية عام 1996م، ثم طولكرم عام 2000م، وأخيرا وفي عام 2001م شغل منصب مدير ‏مخابرات بيت لحم والتي كانت ‏محطته الأخيرة داخل الوطن المحتل. وكان الشهيد من القادة ‏المميزين في الجهاز، وشارك في العديد من الدورات المتقدمة، وكان ‏مثالاً في الأخلاق والالتزام ‏والانضباط، مما ترك سمعة طيبة للشهيد بين جميع زملائه.‏

انتفاضة الأقصى وحصار كنيسة المهد

كانت انتفاضة الأقصى قد اندلعت عام 2000م، واختلطت فيها الأوراق، فلبى الشهيد ‏نداء الواجب كقائد في حركة فتح أولاً، وكمدير ‏للمخابرات دفاعا عن تراب فلسطين، فإمتشق بندقيته ‏التي لم تفارقه طيلة مرحلة نضاله الوطني، امتثالا لتوجهات القيادة الفلسطينية . ‏فكان احد قادة ‏المقاومة في محافظة بيت لحم. فلم يبخل في تقديم وقته وجهده، وحتى دمه في سبيل انتصار ‏الانتفاضة وتحقيق أهدافها ‏الوطنية... وعند بدء تنفيذ ما سمي آنذاك " عملية السور الواقي " عام ‏‏2002م، وقيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بإعادة احتلال مدن ‏الضفة الغربية الواحدة تلو الأخرى، ‏وفصلها عن بعضها البعض من خلال إقامة الحواجز العسكرية في مداخل المدن والقرى لشل ‏‏حركة المرور، وتدمير مقرات الأجهزة الأمنية والوزارات، وارتكاب المجازر بحق أبناء شعبنا، ‏واغتيال القيادات والكوادر، وحصار ‏الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولم تسلم الأماكن المقدسة التي ‏ظن البعض أنها محصنة وبعيدة عن الاستهداف والعدوان والتدمير، ‏فحوصرت كنيسة المهد ‏حصارا شاملا، وأطلقت عليها القذائف، وكان شهيدنا البطل أحد أشد المقاتلين المحاصرين داخل ‏الكنيسة.‏

رحلة الإبعاد الثانية

وبعد عملية مفاوضات شاقة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبعد تدخل العديد من ‏دول العالم وافقت حكومة الاحتلال على إبعاد ‏المناضلين المحتجزين في الكنيسة مقابل فك ‏الحصار عنها بعد 42 يوماً من الحصار، وما سببّه ذلك من معاناة إنسانية للمحتجزين ‏‏وعائلاتهم... فكان الإبعاد بتاريخ 10/5/2002م الى دول أوروبية مختلفة، وقطاع غزة، أما ‏شهيدنا عبد الله فكان هناك رفض دولي ‏لاستقباله، وبعد مفاوضات شاقة وافقت جمهورية موريتانيا ‏على استقباله والإقامة فيها.‏

الجزائر... المنفى المميت

بعد فترة من مكوث شهيدنا في موريتانيا انتقل إلى المملكة المغربية، ومنها إلى الجزائر، ‏وكان هذا عام 2005م، حيث أصرّ على أن ‏يقدّم خدمته الوطنية لفلسطين أينما وجد، فعمل في ‏عام 2006م مستشارا امنيا في السفارة الفلسطينية في الجزائر برتبة عميد ، وكرس ‏وقته لخدمة ‏أبناء شعبه وواصل رحلة عطائه الوطني، ولم يسمح للمكان أن يترك بصماته على أدائه، ‏فالمناضل يوظف الزمان ‏والمكان في سبيل قضيته الوطنية.‏

كان عبد الله يقاتل مع رفاقه المبعدين لطرح قضية إبعادهم على أعلى مستوى سياسي ‏فلسطيني، والضغط باتجاه إقفال هذا الملف ‏الإنساني المؤلم... هذا الجرح النازف في خاصرة ‏الوطنيين، وذلك بعودتهم الى وطنهم من جديد.‏

لقد شكّل ملف الإبعاد لمناضلي كنيسة المهد درساً قاسياً لكل الفلسطينيين، ولن يدمل هذا ‏الجرح إلاّ بعودتهم إلى وطنهم من جديد.‏

وبتاريخ 24/3/2010م أعلن عن استشهاد عبد الله داوود اثر نوبة قلبية حادة بعد انفجار ‏الشريان التاجي في المستشفى العسكري ‏بالجزائر.‏

وبهذا يكون شهيدنا قد ختم رحلة عطائه التي بدأها بفلسطين، وختمها في المنفى ليعود ‏جثمانه الطاهر محملاً على الأكتاف ليعانق ‏تراب وطنه في مثواه الأخير.‏

عودة جسد

وأخيراً، كان الرحيل المبكر، بعد فشل كل جهود الوساطة لعودة مبعدي كنيسة المهد الى ‏وطنهم، لم يستطع عبد الله الانتظار أكثر من ‏ذلك، كان حنينه لمعانقة تراب وطنه الذي أحب ‏يزداد يوماً بعد يوم، إنه التلاحم بين الجسد والتراب.‏

لماذا الاستعجال في الرحيل يا عبد الله... هل اشتقت لمعانقة خضر... وكل الشهداء، هل ‏اشتقت للقاء المناضلة المرحومة شقيقتك ‏حسنيه التي رحلت هي الأخرى مبكرا بعد حياة حافلة ‏بالعطاء... لماذا هذا الاستعجال؟؟ فما زال لديك ما تعطيه... ما زال المشوار لم ‏يكتمل.‏

ها هم أبناء شعبك الذين احبوك ينتظرون عودة جسدك الطاهر، وهم في امس الحاجة اليك فكراً ‏وعقلاً ومدرسة.. سنفتقدك في كل ‏خطوة نخطوها... وفي كل موقع نضالي سرنا فيه... في السر ‏والعلن، في الصراء والضراء، وكلما اشتدت المحن، وزادت وعورة ‏الطريق سنحنّ الى ايامك ‏الجميلة.

عهدنا أن نصون وصاياك ... أن نحفظ نشيد الثورة ... أن نواصل المشوار... وأن تبقى ‏الراية خفاقة ... راية فلسطين يجب أن تبقى ‏عالية؛ فنم قرير العين يا شهيدنا البطل مع الأنبياء ‏والصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا..‏

إعداد

د. يحيى ندا/ مدير منطقة قلقيلية التعليمية /جامعة القدس المفتوحة