«فلسطين تحت حكم الرومان (63 ق.م-324م)»: الفرق بين المراجعتين

من دائرة المعارف الفلسطينية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
(أنشأ الصفحة ب'يتفق العلماء على تقسيم العصر الرّوماني في فلسطين إلى ثلاث مراحل تاريخية مختلفة. إلاّ ‏أنّ عم...')
 
 
(٥ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ٢٠: سطر ٢٠:
 
ومن أهم ما قام به غابينيوس: ‏
 
ومن أهم ما قام به غابينيوس: ‏
 
‏1.‏تقسيم فلسطين إلى خمسة أقضية مسَتقلّة واحدها عن الآخر إدارياً، ولكل قضاء مجلس ‏خاص به يطلق عليه اسم السنهدريم ‏‎(Synedria)‎، وهي: ‏
 
‏1.‏تقسيم فلسطين إلى خمسة أقضية مسَتقلّة واحدها عن الآخر إدارياً، ولكل قضاء مجلس ‏خاص به يطلق عليه اسم السنهدريم ‏‎(Synedria)‎، وهي: ‏
‏  أ- قضاء القدس: وتتبعه جبال القدس والخليل وأدوم (جنوب فلسطين).‏
+
أ- قضاء القدس: وتتبعه جبال القدس والخليل وأدوم (جنوب فلسطين).‏
ب- قضاء أريحا: ويضّم السفوح الشرقيّة لجبال القدس وعقربة (شمال بيت المقدس) وما ‏إليها. ‏
+
ب- قضاء أريحا: ويضّم السفوح الشرقيّة لجبال القدس وعقربة (شمال بيت المقدس) وما ‏إليها. ‏
ج- قضاء جازر: التي كانت تدخل ضمن السفوح الغربيّة لمنطقة القدس ورام الله.‏
+
ج- قضاء جازر: التي كانت تدخل ضمن السفوح الغربيّة لمنطقة القدس ورام الله.‏
د- قضاء صفورس (صفورية): وكان يشمل الجليل الشرقي.‏
+
د- قضاء صفورس (صفورية): وكان يشمل الجليل الشرقي.‏
‏ ه- قضاء أماثوس (عماتا)‏‎:‎‏ البرية ‏‎ Pereaسابقاً (شمال شرق نهر الأردن). ‏
+
هـ- قضاء أماثوس (عماتا)‏‎:‎‏ البرية ‏‎ Pereaسابقاً (شمال شرق نهر الأردن). ‏
 
‏2. إنقاص سلطة الولاية اليهوديّة بتجريد الكاهن هركانوس الثّاني من رتبته الملكية.  ‏
 
‏2. إنقاص سلطة الولاية اليهوديّة بتجريد الكاهن هركانوس الثّاني من رتبته الملكية.  ‏
 
‏3. فرض ضرائب باهظة على السكان. ‏
 
‏3. فرض ضرائب باهظة على السكان. ‏
سطر ٥٤: سطر ٥٤:
  
 
أما بالنسبة إلى فليب فقد توفي عام 34م وأصبحت الأراضي التي يحكمها تحت سيطرة ‏الحاكم الروماني في سوريا، وتوفيت سلومة عام 10م، تاركة ورثتها- عزبتها في فصايل، ومدينتي ‏يبنا، وأسدود- للإمبراطورة الرومانيّة ليفيا ‏Livia‏ زوجة الإمبراطور أغسطس، ومنها لاحقاً  وُرثت ‏إلى طبيريوسTiberius ‎‏ (14-37م).‏
 
أما بالنسبة إلى فليب فقد توفي عام 34م وأصبحت الأراضي التي يحكمها تحت سيطرة ‏الحاكم الروماني في سوريا، وتوفيت سلومة عام 10م، تاركة ورثتها- عزبتها في فصايل، ومدينتي ‏يبنا، وأسدود- للإمبراطورة الرومانيّة ليفيا ‏Livia‏ زوجة الإمبراطور أغسطس، ومنها لاحقاً  وُرثت ‏إلى طبيريوسTiberius ‎‏ (14-37م).‏
+
 
 
في هذا الوقت ولفترة قصيرة من الزمن حكم آخر ملوك اليهود هيرود أغريبا الاول ‏Herod Agrippa I‏ الصديق الشخصي للإمبراطور كلاوديوس ‏Claudius‏ (41-54م)، حيث ‏حصل على الأراضي التي كان يملكها فليب عام 37م، وأضاف إليها أراضي هيرود أنتيباس بعد ‏إبعاد الأخير من منصبه عام 39م. وأخيراً حصل على بقية الأراضي التي كانت تابعة ‏لأرخلاوس في عام 41م.‏
 
في هذا الوقت ولفترة قصيرة من الزمن حكم آخر ملوك اليهود هيرود أغريبا الاول ‏Herod Agrippa I‏ الصديق الشخصي للإمبراطور كلاوديوس ‏Claudius‏ (41-54م)، حيث ‏حصل على الأراضي التي كان يملكها فليب عام 37م، وأضاف إليها أراضي هيرود أنتيباس بعد ‏إبعاد الأخير من منصبه عام 39م. وأخيراً حصل على بقية الأراضي التي كانت تابعة ‏لأرخلاوس في عام 41م.‏
  
سطر ٧٨: سطر ٧٨:
  
  
==العصر الروماني الوسيط والمتأخر (135-250-324م)==
+
==العصر الروماني الوسيط والمتأخر (135-250-324م)==
  
 
تمتاز هذه الفترة الزمنية من التّاريخ الروماني في فلسطين بقلّة البيانات والمعلومات ‏المأخوذة من المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة، بحيث يكون من الصعب إعطاء صورة واضحة عن ‏تطور الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.‏
 
تمتاز هذه الفترة الزمنية من التّاريخ الروماني في فلسطين بقلّة البيانات والمعلومات ‏المأخوذة من المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة، بحيث يكون من الصعب إعطاء صورة واضحة عن ‏تطور الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.‏
سطر ١٢٥: سطر ١٢٥:
  
 
وبعد هذا التاريخ قام هرقل بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس. وكان لابدّ له من ‏التعامل مع اليهود الذين قتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس أنفسهم، فقام بقتل بعضهم ‏وطرد الآخرين منهم ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من ثلاثة أميال من القدس. وفي عام 620م، ‏وقعت معجزة الإسراء والمعراج، فأسري بالنّبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن ‏فوق الصخرة بدأت رحلة الصعود إلى السموات العلى.
 
وبعد هذا التاريخ قام هرقل بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس. وكان لابدّ له من ‏التعامل مع اليهود الذين قتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس أنفسهم، فقام بقتل بعضهم ‏وطرد الآخرين منهم ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من ثلاثة أميال من القدس. وفي عام 620م، ‏وقعت معجزة الإسراء والمعراج، فأسري بالنّبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن ‏فوق الصخرة بدأت رحلة الصعود إلى السموات العلى.
+
 
 
قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي ‏بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ‎ ‎مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". (سورة الإسراء، آية رقم 1) صدق الله ‏العظيم.
 
قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي ‏بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ‎ ‎مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". (سورة الإسراء، آية رقم 1) صدق الله ‏العظيم.
  
سطر ١٣٣: سطر ١٣٣:
 
==المصادر والمراجع==
 
==المصادر والمراجع==
 
‏-‏‎ ‎الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991). ‏
 
‏-‏‎ ‎الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991). ‏
 +
 
‏-‏‎  ‎عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق ‏للنشر والتوزيع، 1987). ‏
 
‏-‏‎  ‎عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق ‏للنشر والتوزيع، 1987). ‏
‏- مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91.
+
 
 +
‏- مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91.
 
‏- الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59.‏
 
‏- الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59.‏
 +
 
‏- الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975). ‏
 
‏- الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975). ‏
 +
 
‏- الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة ‏الدراسات الدولية، 1985). ‏
 
‏- الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة ‏الدراسات الدولية، 1985). ‏
 +
 
‏- العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986).‏
 
‏- العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986).‏
‏-‏‎ ‎العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة ‏والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002).
+
 
‏- الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة ‏تجريبيّة. 34-37.
+
‏-‏‎ ‎العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة ‏والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002).
‏- المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، ‏‏2000).
+
 
 +
‏- الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة ‏تجريبيّة. 34-37.
 +
 
 +
‏- المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، ‏‏2000).
 +
 
 
‏- بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في ‏وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ‏ص43.
 
‏- بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في ‏وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ‏ص43.
 +
 
‏-‏‎ ‎ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128. ‏
 
‏-‏‎ ‎ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128. ‏
 
  
 
[[تصنيف: خزانة فلسطين التاريخية]]
 
[[تصنيف: خزانة فلسطين التاريخية]]
 
[[تصنيف: بنك معلومات القدس]]
 
[[تصنيف: بنك معلومات القدس]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:٤٨، ٢٨ مايو ٢٠١٨

يتفق العلماء على تقسيم العصر الرّوماني في فلسطين إلى ثلاث مراحل تاريخية مختلفة. إلاّ ‏أنّ عملية تحديد بداية ونهاية كل فترة (وهي فترات انتقالية) ما زالت موضع بحث ونقاش. وهذه ‏المراحل هي‎:‎‏

أ‌.‏ العصر الروماني المبكر (63 ق.م-135م)، أي منذ بداية الاحتلال الروماني ‏لفلسطين بقيادة بومبي (الملقب بالكبير) ‏Pompeius Magnus‏ (106-48‏‎ ‎‏ ق.م) ‏وحتى اندلاع ثورة سمعان باركوخبا ‏Simon Bar-Kokhba‏.‏

ب‌.‏ العصر الرّوماني الوسيط (135م-250م). ينتهي ببداية الأزمة الاقتصاديّة التي ‏عصفت بالإمبراطورية الرومانيّة، وما نتج عن ذلك من فوضى في الفترة ما بين ‏‏(235-285م)، إذ توالى على حكمها حوالي ثمانية عشر إمبراطوراً شرعياً، ‏متوسط حكم كل واحدٍ منهم لا‎ ‎يزيد على ثلاث سنوات، إضافة إلى اضطهاد ‏المسيحيّة على يد الأباطرة الرومان الوثنيين أمثال: ‏‎ ‎تراجانوس ديسيوس ‏Trajanus ‎Decius‏ (249-251م)، وديوقليسيانوس ‏‎ Dioclecianus‏(284-305م)…إلخ.‏

ت‌.‏ العصر الروماني المتأخر (250م-324م)، وفي نهاية هذه الفترة أصبحت المسيحية ‏الديّن الرسمي للّدولة البيزنطيّة، غير أن هناك‎ ‎من يعتقد أن نهاية هذا العصر تنتهي ‏بوقوع الهزّة الأرضيّة الشّهيرة التي ضربت المنطقة عام 363م. كما أنّ بعض الباحثين ‏يعدون العصر البيزنطي جزءاً لا يتجزأ من العصر الروماني. كما يطلق على المرحلة ‏المتزامنة للعصر البيزنطي في القسم الغربي من الإمبراطوريّة الرّومانيّة اسم ‏Late ‎Antiquitiy‏ (أي العصر الرّوماني المتأخر أو نهاية العصور القديمة).‏

العصر الروماني المبكر (63 ق.م-135م)

تعود بداية تدخل الدولة الرومانيّة في شؤون المشرق منذ مطلع القرن الثّاني قبل الميلاد؛ ‏لأن ضعف الدولة السلوقية كان بسبب الحروب الخارجيّة (وبخاصة في المناطق الشرقيّة النائية) ‏والداخليّة، وما شهدته منطقة بلاد الشّام من اضطراب بسبب حروب المكابيين كما ذكر آنفاً، كما ‏أن انتصار الرومان على أنطيوخوس الثالث ‏Antiochus III‏ (223-187 ق.م) في معركة ‏مغنيزيا‎ ‎عام (190 ق.م) شجع الرومان على التدخل.‏

وكان المكابيون أقاموا علاقات خاصة مع روما‎ ‎‏ قبل وصول جيوشها إلى فلسطين ‏وسوريا. ومع ما كان لروما‎ ‎من ثقل ونفوذ في حوض البحر المتوسط الشرقي، فقد ظلت تدير ‏الأُمور هناك من بعيد إلى سنة 65 ق.م.

ففي تلك السنة دخلت الجيوش الرومانيّة كليكيا ‏Cilicia‏ في طريقها إلى سوريا وفلسطين، ‏وكانت هذه الجيوش تحت سلطة بومبي الذي اعتزم تصفية الدولة السلوقية ونشر الثقافة الرومانيّة ‏في غرب آسيا (رومانيزيشن ‏Romanization‏).‏

أرسل بومبي وكيلَه سكاوروس ‏Scaurus‏ إلى سوريا سنة 65 ق.م‎.‎‏ وكما ذكر سابقاً، ‏كان الصراع في تلك الأثناء دائراً على السلطة ما بين آخر أبناء ملوك السلالة الحشمونية ‏أرسطوبولس الثّاني ‏‎ Aristobulus II‏(67-63 ق.م) مدعوماً من قبل الفريسيين ، وهركانوس ‏الثّاني ‏‎ Hyrcanus II‏ (63-40 ق.م) مدعوما من قبل الصدوقيين ، ومن الملك النبطي الحارثة ‏الثالث الذي كاد ان يحتل المدينة ويدمرها لولا تدخل الرومان. لذلك كان الصراع متأججاً عند ‏وفاة سالومة الكسندرا ‏Alexandra‏ ‏‎ Salome‏(76-67 ق.م)، إذ تعرضت الأُسرة الحاكمة ‏للانحطاط وحتى الانحلال، وبالتّالي إعطاء‎ ‎بومبي الذريعة للسيطرة على القدس (الولاية اليهودية ‏آنذاك) عام 63 ق.م، ووضع المملكة الحشمونية تحت الوصاية الرومانيّة، إذ أُسر أرسطوبولس ‏الثّاني‎ ‎ونفاه إلى روما، فيما منح هركانوس الثّاني‎ ‎رتبة الكاهن الأعظم، دون الحصول على الّلقب ‏الملكي الذي كان يطمح إليه.

‎ونتيجة للسيطرة على القدس حسب رواية فلافيوس يوسيفوس ‏Flavius Josephus‏ ‏‏(37؟-101 م) في كتابه آثار اليهود (أقدميات اليهود) (‏Jewish Antiquities 14. 58-67‎‏)، ‏تمّ تدمير المدينة وتخريبها بسبب الحصار الذي فرضه بومبي عليها ومحاولات أرسطوبولس ‏للسيطرة على المدينة، وذلك بعد إطلاق سراحه في روما على يد بعض الرومان المنتفعين من ‏ذلك، كما يروي يوسيفوس في كتابه المذكور سابقاً قيام السناتورSenator‏ (مجلس الشيوخ ‏الروماني) بتعيين غابينيوس ‏Gabinius‏ (55-57 ق.م) حاكماً ومنحه منصب القنصل ‏الروماني العام لسوريا وفلسطين، إذ قدم من أجل مساعدة بومبي في حصار القدس (‏Ant 14. ‎‎82‎‏). وعندما ثار ألكسندر ‏Alexander‏- ابن أرسطوبولس الثاني- ضد روما، اضطر‎ ‎غابينيوس ‏إلى غزو المدينة مرة أخرى. واستولى ألكسندر‎ ‎على ثلاث قلاع (الكسندريوم‎ Alexanderium ‎‏" ‏قرن صرطبة"، وهركانيوم‎ Hyrcanium ‎‏"خربة مرد"، وماكاريوس‎ Machaerius ‎‏" مكاور"). وكان ‏غابينيوس قد حاصر القلاع الثلاث في وقت سابق، فيما طلب الكسندر السلم، لكن غابينويس لم ‏يأخذ بطلبه، فدمر القلاع التي ذكرت آنفاً.‏

ومن أهم ما قام به غابينيوس: ‏ ‏1.‏تقسيم فلسطين إلى خمسة أقضية مسَتقلّة واحدها عن الآخر إدارياً، ولكل قضاء مجلس ‏خاص به يطلق عليه اسم السنهدريم ‏‎(Synedria)‎، وهي: ‏ أ- قضاء القدس: وتتبعه جبال القدس والخليل وأدوم (جنوب فلسطين).‏ ب- قضاء أريحا: ويضّم السفوح الشرقيّة لجبال القدس وعقربة (شمال بيت المقدس) وما ‏إليها. ‏ ج- قضاء جازر: التي كانت تدخل ضمن السفوح الغربيّة لمنطقة القدس ورام الله.‏ د- قضاء صفورس (صفورية): وكان يشمل الجليل الشرقي.‏ هـ- قضاء أماثوس (عماتا)‏‎:‎‏ البرية ‏‎ Pereaسابقاً (شمال شرق نهر الأردن). ‏ ‏2. إنقاص سلطة الولاية اليهوديّة بتجريد الكاهن هركانوس الثّاني من رتبته الملكية. ‏ ‏3. فرض ضرائب باهظة على السكان. ‏ ‏4. إعادة بناء عدد من المدن الهلنستية التي خربها المكابيون، مثل مدن: السامرة وبيسان ‏وغزة. ‏

وفي أثناء فترة تشكيل الحلف الثلاثي الذي قام في روما وضمّ كلاً من بومبي‎ ‎وقيصر ‏Julius Caesar‏ (100-44 ق.م) وكراسوس ‏Marcus Licinius Crassus‏ (115-53 ‏ق.م)،‎ ‎جاء الأخير والياً على سوريا سنة 54 ق.م. وكان أكثر ما يهمه هو محاربة الفرس؛ ‏ليضمن لنفسه مكاناً مساوياً، ولو نسبياً، لكل من بومبي وقيصر. لذلك نهب ولاية سوريا ‏على أتمّ وجه؛ إذ قاد حملة عسكريّة عام 53 ق.م، لكنّه خسرها وقتل في المعركة التي خاضها ‏مع العدو في كري ‏Carrae‏ أي في حران. وخلال الحرب الأهليّة دي بلو سيفيلي (‏De ‎Bello Civili‏) ما بين قيصر وبومبي؛ انتصر الأول على الأخير في معركة ‏فرسالياPharsalia ‎‏ عام 48 ق.م، وهرب بومبي إلى مصر، حيث اغتيل هناك.

لقد أعد قيصر ترتيبات إقليمية جديدة في فلسطين، فحسب رواية يوسيفوس في كتابه‎ ‎حروب اليهود ‏‎(Jewish War, 203)‎، عُين انتيباترAntipater ‎‏ الآدومي حاكماً إدارياً على ‏الولاية اليهوديّة ومعه أفراد العائلة الحشمونية أُمراء فيها. فقد أصبح ابنه فصايل ‏Fasael‏ أميراً ‏على مدينة القدس، بينما هيرودس ‏Herod The Great‏ –الملقب بالكبير-أصبح أميراً على ‏منطقة الجليل. ‏ إلا أن ترتيبات قيصر هذه لم تدم طويلاً، فقد اغتيل في منتصف آذار (مارس) سنة ‏‏44 ق.م، فيما قتل أنتيباتر مسموماً على يد منافسيه عام 43 ق.م. وأعقب ذلك في النصف الثّاني ‏من القرن الأوّل قبل الميلاد قيام مملكة الفرس في بلاد ما بين النّهرين وما وراءها باجتياح بلاد ‏الشام وفلسطين (40-37م) خلال الفوضى التي أعقبت اغتيال قيصر في جميع أنحاء ‏الإمبراطورية الرومانية، إذ رحبت الأُسرة الحشمونية بالفرس ورشتهم، ونتيجة لذلك عين القائد ‏الفرثي برزفرناس ‏Barzapharnas‏ أنتيجونوس‎ ‎متثياس‎ Antigonus Mattathias‏ (37-40 ‏ق.م)- آخر ملوك السلالة الحشمونية وابن أرستوبولوس- حاكماً على الولاية اليهودية ومديراً ‏لها باسم الفرس. وكان على هيرودس أن ينجو بنفسه. وأوّل مكان ذهب إليه حسب ما يروي ‏يوسيفوس في كتابه حروب اليهود ‏‎(War, 181) ‎‏ هو البتراء، عاصمة مملكة الأنباط، لأنّ أمّه ‏كفرة ‏Cypros‏ كانت من الأُسرة العربيّة المالكة، ولم يلق ترحيباً من مالك الثّاني ‏Malichus II‏ ‏‏(40-70 ق.م)، وذلك نزولاً على أمر الفرس. فذهب إلى كليوبترة في مصر حيث لقي صّداً ‏للمرة الثّانية. وأخيراً ذهب إلى روما، إذ كسب صداقة ماركوس أنطونيوس ‏Marcus Antonius‏ ‏‏(83-30 ق.م). وهكذا، فإنّ مجلس الشيوخ في روما أعلن الملك هيرودس ملكاً على الولاية ‏اليهوديّة، ثمّ عاد هذا إلى فلسطين؛ ليحارب من أجل لقبه الجديد.

وكما ذكر في السّابق، فقد كان هيرودس قبل هربه يحكم الجليل، إذ بدأ حربه من هناك ‏في سنة 39 ق.م. وبعد سنتين فرض حصاراً ناجحاً على القدس؛ واستمر ماركوس أنطونيوس ‏في مصادقته. وخلال هذه الفترة أنهى هيرودس حكم الحشمونيين، وعندما هزم أنطونيوس في ‏معركة أكتيوم ‏Actium‏ عام 31 ق.م، ذهب هيرودس إلى رودس ‏Rhodes؛ من أجل مقابلة ‏المنتصر أوكتافيوس ‏Octavius‏ ‏‎(Gaius Julius Caesar Augustus)‎‏ (27-14 ق.م). ‏واستطاع أنْ يقنعه بأنّه كما كان صديقاً لأنطونيوس يمكنه أن يكون صديقاً لأوكتافيوس ‏أيضاً، إذ أصبح الأخير أول إمبراطور روماني عام 27 ق.م، حيث حصل على لقب أغسطس ‏Augustus‏ (الوقور أو َمهيب، أو ذو الجلال). وهكذا بدأت صداقة استمرت طوال عهد ‏هيرودس، الذي كان حليفه القوي والداعم. ‏

إستطاع هيرودس تأسيس مملكته وتثبيت حكمه في الولاية اليهودية عام 37 ق.م. وذلك ‏بعد هزيمته للحشمونيين، إذ أصبح ملكاً وحاكماً لفلسطين باسم الرومان وتحت سلطة روما ‏مباشرة. ووسع حدود مملكته نحو الجهات الشمالية الشرقيّة في بانياس والجولان وحوران ‏وضواحيها. أما الساحل الفلسطيني الشمالي ودورا والمنحدرات الغربية لجبل الكرمل، فكانت تابعة ‏للفينيقيين، بينما منطقة النقب وشرقي الأردن كانت من نصيب الأنباط، وفي الشمال من شرق ‏الأردن فقد حافظت بعض المدن العشر وعسقلان على حريتها ومكانتها. ‏

تمتّع هيرودس الكبير بسلطة نافذة وثروة باهظة مكّنته من تحقيق رغبته في تبديل وجه ‏الولاية اليهوديّة تبديلاً كاملاً وجعلها من الفخامة والجمال شبه مملكة هلنستية. وكان اليهود ‏يكرهون هيرودس بالرّغم من أنه أمدهم بالمال والحبوب أثناء المجاعة التي أصابتهم عام 22 ‏ق.م، كما أنه رمم بناء الهيكل في القدس عام 18 ق.م!! كما شيّد في القدس القصر الملكي، ‏وحدائق متصلة بالقصر، كما أقام مسارح وملاعب ليس فقط في القدس وإنّما في مدن فلسطينية ‏أُخرى مثل: سبسطية وقيسارية. ورغم كل ذلك، فقد كان اليهود يعتبرونه أجنبياً، ذلك لأنه كان ‏يحب التقاليد الرومانيّة.‏

وفي آخر سنة من سني حكمه، ولد السيد المسيح في بيت لحم. ولما كان هيرودس قد أمر ‏بقتل كل طفل يولد في بيت لحم؛ فقد هربت به أمه، وهرب معها يوسف النجار إلى مصر، خشية ‏أن يبطش به ذلك الملك. وفي السّنة التي تلتها مات هيرودس بعد أن عاش في دست الحكم ‏أربعين عاماً. وبعد وفاته عام 4 ق.م، قسمت مملكته ما بين أبنائه الثلاثة وشقيقته: ‏

1. ‏(أرخلاوس ‏Archelaus‏ (4 ق.م-6م) وحصل على لقب أُثنارخا ‏‎ ethnarch‏(المعني ‏الحرفي: حاكم ألامة). وقد حاز على‎ ‎القسم الأكبر من فلسطين، والذي شمل: غرب نهر ‏الاردن أي ولاية اليهوديّة، والسامرة (منطقة القدس، ونابلس)، وأرض الأدوميين. ‏

‏2.‏ فليب ‏Philippus‏ (4 ق.م-34م) وحصل على تترارخيا ‏tetrarch‏ البثنية، والجولان، ‏وجزء من حوران، أي حكم المناطق والأقاليم الشماليّة الشرقيّة من فلسطين.‏

‏3.‏ هيرود أنتيباس ‏Herod Antipas‏ (4 ق.م-39 م) وأصبح حاكماً (تترارخا) على ‏منطقة البرية ‏Perea‏ (منطقة تقع في شمال شرق البحر الميت)، والجليل، وبنى مدينة ‏طبريا واتّخذها عاصمة له بعد أن كانت في السابق عاصمته مدينة صفورية.

‏4.‏ سلومة ‏Salome‏- أخت هيرودس الكبير- حصلت على عزبة فصايل في الغور الأردني ‏وأراضي مدينتي كل من يبنا ‏Jamnia‏ وأسدود ‏Azotus‏ على الساحل الجنوبي ‏الفلسطيني. أما بالنسبة إلى المدن الهلنستية في فلسطين كمدينة غزة وكل من مدينتي ‏جدارا (أم قيس) ‏Gadara‏ وتل الحصن ‏Hippos‏ التي كانت تشكل جزءاً من المدن ‏العشر ‏Decapolis، فقد حكمت بشكل مباشر من قبل الحاكم الروماني في سوريا ‏Procurator‏ (انظر خارطة رقم 4). ‏

إلا أن هذا التقسيم ما بين أبناء هيرودس لم يدم طويلاً، ففي عام 6م أُبعد أرخلاوس عن ‏الحكم؛ بسبب سوء حكمه وسياسته فنفته روما إلى بلاد الغال (فرنسا) بعد حكم دام عشر سنوات. ‏واصبحت منطقة يهودا تحكم مباشرة من قبل الحاكم الروماني في سورية. وأسست ولاية اليهوديّة‎ ‎بروفينسيا جوديا ‏Provincia Iudea، وأصبحت القدس في هذه الفترة العاصمة بدلاً من ‏قيسارية، عاصمة أرخلاوس. ‏

أما بالنسبة إلى فليب فقد توفي عام 34م وأصبحت الأراضي التي يحكمها تحت سيطرة ‏الحاكم الروماني في سوريا، وتوفيت سلومة عام 10م، تاركة ورثتها- عزبتها في فصايل، ومدينتي ‏يبنا، وأسدود- للإمبراطورة الرومانيّة ليفيا ‏Livia‏ زوجة الإمبراطور أغسطس، ومنها لاحقاً وُرثت ‏إلى طبيريوسTiberius ‎‏ (14-37م).‏

في هذا الوقت ولفترة قصيرة من الزمن حكم آخر ملوك اليهود هيرود أغريبا الاول ‏Herod Agrippa I‏ الصديق الشخصي للإمبراطور كلاوديوس ‏Claudius‏ (41-54م)، حيث ‏حصل على الأراضي التي كان يملكها فليب عام 37م، وأضاف إليها أراضي هيرود أنتيباس بعد ‏إبعاد الأخير من منصبه عام 39م. وأخيراً حصل على بقية الأراضي التي كانت تابعة ‏لأرخلاوس في عام 41م.‏

وبعد وفاة هيرود أغريبا الأول عام 44م، عادت الولاية اليهودية من جديد مباشرة لحكم ‏الولاة الرومان؛ الذين تولوا إدارتها حتى قيام الثورة ضد الاحتلال الرّوماني في الأعوام ما بين ‏‏66-70م، إلا أنّ أجزاء من مملكة هيرود أغريبا الأوّل في الشمال والشمال الشرقي منحت لابنه ‏أغريبا الثّاني ‏Agrippa II‏. وأضيفت في وقت لاحق إلى مناطق حكمه في شمال البرية، وشرق ‏الجليل، ومدينة طبريا، عام 54م‎.‎‏ ‏

وقد قسمت هذه المنطقة إدارياً إلى أحد عشر قضاءً منذ أيام هيرودس، ولعل التقسيم ‏أهمل في أيام أرخلاوس، فأعيد في هذه الفترة. ولتسهيل العمل الإداري جمعت هذه فيما يمكن أن ‏يسمى ألوية. وظلت التقسيمات معمولاً بها مع تعديلات طفيفة هنا وهناك في فترة الحكم ‏الرّوماني المباشر. أما الأقضية الأحد عشر، فهي: بيت المقدس، وبيت صور (خربة الطبيقة)، ‏وأريحا، وبلا ‏Pella‏ (بيت نتيف الأردنية وليست طبقة فحل)، وعمواس ‏Nicopolis، والّلد ‏Diospolis، وتما (خربة تبنة)، وجفنة، وعقربة، ويافا، ويبنا (يمنيا). وبعد ذلك، أصبحت فلسطين ‏بكاملها ولاية رومانيّة ‏Provincia Romana‏. ‏

شهد بداية القرن الأوّل الميلادي وقوع عدة حوادث هامّة، ومن أهم هذه الأحداث ولادة ‏السّيد المسيح عليه السلام، ورحلاته فيها في النّصف الأوّل من القرن المذكور، إذ كان عمره 12 ‏عاماً عندما زار مدينة القدس (إنجيل لوقا، الإصحاح الثاني من العدد 41-50). وحسب التّقليد ‏الدّيني المسيحي، فقد صلب وأُعدم عيسى عليه السلام فيها زمن الحاكم أو الوالي الروماني ‏لفلسطين بيلاطس البنطي ‏Pontius Pilate‏ (36-26م). هذا وقد كانت المدينة في تلك الفترة، ‏كما وصفها المؤرخ الروماني بلني الكبير ‏Pliny The Elder‏ (23-79م)، المدينة الأكثر شهرة ‏من بين مدن الشّرق القديم ‏Historia Natural, 5.70)‎‏). ‏

ومن الأحداث المهمة التي شهدتها فلسطين في القرن الأول ميلادي كانت عندما أرسل ‏الإمبراطور فسبسيانوس ‏Vespasianus‏ (69-79م) ابنه تيتس ‏Titus‏ الذي كان آنذاك قائداً ‏عسكرياً- إمبراطوراً في السنوات (79-81)- على رأس جيش كبير إلى بلاد الشّام ليقوم ‏بتحرير مدينة القدس التي لا يزال اليهود يقومون فيها بأعمال الفساد ومناوأة الحكم الروماني، ‏فدخل المدينة ودمّر مبانيها وخاصة الهيكل!، وقتل عدداً كبيراً منهم، ونفى عدداً آخر خارج ‏المدينة وخارج فلسطين كلّها، وباع الأسرى اليهود بأثمانٍ زهيدة.‏

إلاّ أن تغييرات كبيرة طرأت على الحدود الإداريّة لفلسطين، في الجهات الجنوبية والشرقيّة ‏منها عندما تمّ القضاء على مملكة الأنباط على يد الإمبراطور الرّوماني تراجان ‏Trajan‏ (98-‏‏117م) عام 106م، إذ بنى ذلك الإمبراطور طريقاً يصل العقبة ببصرى، سميت فيا نوفا ‏Via ‎Nova ‏ (الطريق الجديدة). هذا بالإضافة إلى تشييد طرق أخرى تربط القدس مع بقية المدن ‏الفلسطينيّة، مثل: (الخليل في الجنوب، ومن الشمال ابتداءً من عكا، والّلجون ‏Legio‏ أو ‏‏(‏Maximianopolis‏) وسبسطية، وحتّى نيابولس ‏Neapolis‏ والقدس؛ وبين حسبان (في شرقي ‏الأردن)، وأريحا، وبيت المقدس، وبيت جبرين ‏Eleutheropolis، والطريق الساحلي فيا ماريسا ‏Via Marisa، وغيرها من الطرق العسكرية التي ارتبطت بالطرق الأخرى في الحدود الشرقيّة ‏ليميس اورينتاليس ‏Limes orientalis‏ للإمبراطوريّة الرومانيّة والتي كان لها بعض الأثر في ‏تنشيط التجارة. إلاّ أنّ أهمّ عمل قام به تراجان هو تأسيس المقاطعة العربيّة ‏Provincia Arabia‏ ‏وعاصمتها البتراء. غير أنها استبدلت- فيما بعد- بالعاصمة بصرى الّتي أصبحت بدورها قاعدة ‏عسكريّة للفرقة الرومانيّة الثّالثة القورينية ‏Third Legion Cyrenaica‏ التي جاءت من ليبيا.‏

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المعلومات التاريخيّة المتوفرة حول فلسطين في العصر ‏الروماني، وبخاصة منذ تدمير المدينة على يد القائد الروماني تيتس سنة 70م وحتّى العصر ‏البيزنطي في بداية القرن الرابع الميلادي، نادرة وقليلة. ولا توجد معلومات كافية وروايات تاريخية ‏معاصرة لهذه الفترة. ‏

يروي المؤرخ يوسيفوس في كتابه "حروب اليهود" أنّ الفرقة الرومانيّة العاشرة ‏Legion X ‎fretensis‏ كانت قد أقامت لها قاعدة عسكريّة براييتوريوم ‏Praetorium‏ على أنقاض مدينة ‏القدس بعد تدميرها على يد القائد العسكري الرّوماني آنذاك تيتس عام 70م. وإذ بناها بالقرب من ‏ثلاثة أبراج سميت بأسماء: أخيه وصديقه (المجهول الهوية) وزوجته على التّوالي (فصايل ‏Phasael، هيبيكوس ‏Hippicus، ومريمنا ‏Mariamne‏) في جدار المدينة الغربي والذي لم ‏يدمر في تلك الفترة (‏War, VII, 2-5‎‏). هذا بالإضافة إلى تأسيس قاعدة عسكريّة أخرى للفرقة ‏الرومانيّة السّادسة ‏Legio VI Farrata‏ بالقرب من تل المتسلم (مجدو) أو الّلجون الحديثة. ‏

وفي القرن الثّاني الميلادي زار الإمبراطور هدريان ‏Hadrian‏ (117-138 م) ولاية ‏اليهوديّة عام 130م، وقرر بناء مستعمرة رومانيّة على أنقاض المدينة التي دمرت في عام 70م. ‏ومن خلال دراسة الكتابات الكلاسيكيّة القديمة، يتبيّن أنّ هناك آراء مختلفة حول تحديد تاريخ بناء ‏المدينة. فحسب مايروي ديو كاسيوس ‏Dio Cassius‏ (155-229م)، فإن بناء المستعمرة ‏الرومانيّة في القدس كان السّبب الرئيس في اندلاع حركة باركوخبا عام 132م.‏

أما يوسيفيوس ‏Eusebius‏ (263-339 م)، فيؤرخ بناء المستعمرة الرومانيّة إلى عام ‏‏136م، وذلك بعد إخماد تحرك باركوخبا، ومما يدعم هذه الآراء اكتشاف عدد كبير من النّقود التي ‏تعود إلى هذه الفترة (132-135م)، وتحمل اسم المستعمرة الرومانية كولونيا ايليا كابيتولينا ‏Colonia Aelia Capitolina، إذ امتد هذا الاسم ليشمل تسميات أخرى في القرن الثّالث ‏الميلادي، بحيث تكون من عناصر وألقاب أخرى مثل: كوموديانا ‏Commodiana، وبيا فليكس ‏Pia Felix، وانتونينيانا ‏Antoniniana‏. كما أصبح استخدام اسم إيليا ‏Aelia‏ دارجاً خلال ‏العصر البيزنطي والعصر الإسلامي المبكر.‏

أمّا بالنّسبة للّسياسة التي انتهجها هدريان تجاه سكان المدينة اليهود، فقد تمثلت بمنع ‏اليهود من الإقامة في المدينة، ومن زيارتها، بالإضافة إلى استبدال اسم الولاية اليهوديّة باسم ‏بروفينسيا سيريا بالايستينا ‏Provincia Syria Palaestina‏ (ولاية سوريا وفلسطين). وبكل ‏بساطة كان استخدام اسم فلسطين باليستينا ‏Palestina‏ دارجاً كما كان في العصور السّابقة. ‏ونتيجة لسياسة هدريان، حصل تغير ديمغرافي على المدينة، تمثّل بتضاؤل عدد سكانها من اليهود ‏بسبب قتل الكثير منهم وتهجيرهم ومنعهم من دخولها وبيعهم كعبيد. لذلك، بقيت المدينة خالية من ‏السّكان اليهود، وأصبحت تدريجياً مدينة وثنيّة للسّكان القادمين من باقي أنحاء الإمبراطوريّة ‏الرّومانيّة. ‏


العصر الروماني الوسيط والمتأخر (135-250-324م)

تمتاز هذه الفترة الزمنية من التّاريخ الروماني في فلسطين بقلّة البيانات والمعلومات ‏المأخوذة من المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة، بحيث يكون من الصعب إعطاء صورة واضحة عن ‏تطور الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.‏

لكن، وبشكل عام، شهد القرن الثّاني وبداية القرن الثّالث الميلادي ازدهاراً، حيث عمّ ‏السلام والأمن الروماني في المنطقة باكس رومانا ‏Pax Romana‏. إذ أنشأت مدن رومانية ‏جديدة (مثل: بيت جبرين وعمواس ‏Nicopolis‏ والّلد ورأس العين ‏Antipatris‏ ومدينة اللجون ‏في نهاية القرن الثّالث) (انظر خارطة رقم 5). إضافة إلى ذلك، فقد شيدت الكثير من قنوات المياه، ‏وفتح عدد كبير من الطرق الجديدة ما بين المدن الفلسطينيّة الرومانيّة وفي شرق الأردن، بحيث ‏استكمل بناء المدن وتعمير البلاد على طول العصر الروماني الوسيط والمتأخر في فلسطين. ‏

لقد زار الإمبراطور سبتيموس سبفيروس ‏Septimius Severus‏ (193-211م) مدينة ‏القدس، وأكّد أهميّة المدينة ومكانة سكانها، إذ خلدت هذه الزيارة عن طريق إصدار نقود رومانية ‏خاصة. هذا بالإضافة إلى وضع قوانين صارمة تمنع اليهود من دخول القدس والإقامة فيها كما ‏فعل من قبله هدريان، ولم تقم لهم قائمة بعد هذا التاريخ.‏

وفي عام 212 م أصدر كاراكالا ‏Caracalla‏ (211-217م) قانوناً (مرسوماً) ‏بموجبه منح جميع السكان الأحرار الخاضعين لحكمه وسيطرته الجنسّية الرومانيّة (المواطنة). ‏وعرف هذا القانون (المرسوم) باسم كونستيتوتيو انطونينيانا ‏Constitutio Antoniniana‏ ‏وبالتّالي حصل سكان المدن الفلسطينية بموجب هذا القانون على المواطنة والجنسّية الرّومانيّة. ‏والسّبب الرئيس من وراء إصدار مثل هذا النوع من القوانين زيادة عدد الأفراد الذين يدفعون ‏الضّرائب لخزينة الدّولة، بالإضافة إلى الحاجة إلى عدد كبير من النّاس، لكي يخدموا في فرق ‏الجيش الروماني، بعد أن كانت الخدمة في السابق مقتصرة على الذين يحملون المواطنة الكاملة. ‏

وقد بدأت القدس تفقد من أهميّتها ومكانتها كمدينة رئيسية من بين المدن الفلسطينية ‏الرومانية في القرن الثالث الميلادي؛ بسبب الأزمة التي مرت بها الإمبراطوريّة الرومانيّة منذ تسلم ‏ماكسيمينيوس ‏Maximinius‏ الحكم عام (235-238م) وحتى موت كارينوس ‏Carinus‏ ‏‏(283-285م)‏‎.‎‏ عمت الفوضى واضطرابات متزامنة، وكانت الإمبراطورية تتعرض لهجمات عنيفة ‏من الخارج على أيدي القبائل الجرمانية والسلافية المختلفة في الغرب وعلى أيدي الدولة ‏الساسانية التي خلفت الدوّلة الفارسية سنة 226م في الشّرق. أمّا من الداخل، فقد هزتها ثورة مملكة ‏تدمر، والجيش الذي كان عليه أن يدافع عن الإمبراطورية كان يشغل بين الحين والآخر في تولية ‏إمبراطور أو خلع إمبراطور آخر. ‏

أمّا بالنسبة لمدينة القدس في هذه الفترة، فقد أخذت الفرقة الرومانيّة العاشرة بالانسحاب ‏تدريّجياً من المعسكر الذي كان يخيّم به في الجهة الجنوبيّة الغربيّة منها ومن مواقع‎ ‎‏ أخرى. فقد ‏توجه إلى مدينة العقبة ‏Aila‏ التي كانت تشكّل الحدود الجنوبيّة للمقاطعة العربيّة، من أجل حماية ‏الحدود من غزوات القبائل العربيّة في بادية الشام ‏ Saracens، إذ اكتملت عملية الانسحاب هذه ‏نهاية القرن الثّالث، ولكن من المحتمل أنّها حصلت في فترة حكم الإمبراطور ديوقليسيانوس.‏

لكنَّ الاهتمام بالمدينة بدأ في بداية العصر البيزنطي، خاصّة في فترة حكم الإمبراطور ‏قسطنطين الأوّل ‏Constantinus I‏ (306-337م)، بحيث أصبحت من أهم المدن الفلسطينيّة ‏وذات مركز ديني هام ليس فقط على مستوى فلسطين فحسب، وإنما جميع أنحاء الإمبراطوريّة ‏البيزنطيّة. ومن الجدير ذكره أنّ الّلغات التي كانت مستعملة في القدس في العصر الرّوماني هي: ‏الآراميّة، وكانت يومئذ لغة التّخاطب العامة، والعبريّة تقتصر على اليهود من السكان، واليونانية ‏للمثقفين من السكان على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم، والّلاتينية لموظفي الرومان وعمالهم. وقد ‏بلغت ذروة استخدام الأخيرة خلال الاحتلال الرّوماني لفلسطين. ‏

فلسطين تحت الحكم البيزنطي (324 م-638م)‏

يعدّ العصر البيزنطي في فلسطين‎ ‎امتداداً لفترة الحكم الرّوماني التي سبقته (63ق.م-‏‏324م). ولكن الإدارة الجديدة اتخذت الدّين المسيحي منذ بدايتها العقيدة الرسميّة لها. ‏ ونظراً لأهميّة فلسطين بصفتها الأرض التي نشأ بها عيسى عليه السلام وأُمّه مريم ‏العذراء، وأدى رسالته. فقد صار لها مركز متميز وأهمية خاصة في هذا العهد الجديد. فقد اعتنق ‏قسطنطين الأوّل مؤسس الدّولة البيزنطية الديّن المسيحي، وجعله دين الدّولة الرسمي. كما اعتنق ‏الدين الجديد والدته هيلينا ‏Helena، الّتي أولت فلسطين اهتماماً خاصّاً، إذ زارت فلسطين سنة ‏‏336م للتبرك بزيارة أماكنها المقدسة، واختارت مواقع كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة ‏في القدس، وكنيسة إيليونا على جبل الزيتون. وربما شيّدت هذه الكنائس من أجل تخليد ذكريات ‏الولادة، والقيامة، والمعراج من حياة المسيح.

وبنى قسطنطين كنيسة محل دفن المسيح وهي كنيسة القيامة، وثانية على جبل الزّيتون ‏بالقدس وهي كنيسة العروج. إلى جانب كنيسة المهد في بيت لحم وتلك عند ممرٍ في الخليل. ‏ ‏ لقد أدى تشييد الكنائس في فلسطين من قبل الإمبراطور وأمه هيلينا إلى تحويل فلسطين ‏إلى مركز فني هام.‏

أما سياسياً فقد وقعت اضطرابات في فلسطين في عام 343م ضّد أفراد الجالية ‏اليهودية ُقتل خلالها الكثير من اليهود والسّامريين واليونانيّين. فقد حذا قسطنطين حذو الأباطرة ‏الرومان امثال: هدريانوس، وسبتميوس سيفيروس، فمنع اليهود سنة 335م من التبشير بينهم، ‏وذلك بسبب الفساد الذي كانوا يعيثون به. ‏

وقد منع قسطنطين اليهود من العيش في القدس أو المرور بها، وهو تأكيد لقرار هدريان ‏السّابق، يظهر أنّه سمح لهم بزيارة موقع المعبد ليوم واحد من كل سنة وهو التّاسع من آب (يوم ‏تدمير المعبد). وقد أُلغى التحريم هذا في القرن التّالي وذلك بتوسط الإمبراطورة ايدوكية ‏Eudocia‏ ‏أرملة الإمبراطور ثيودوسيوس الثّاني ‏Theodosius II‏ (408-450م) واستطاع اليهود من ‏السكن في المدينة مرة أخرى. ‏ ‏ كما حصل اليهود على دعم آخر في الفترة ما بين (361-363م). عندما خطط ‏الإمبراطور البيزنطي جوليان الجاحد ‏Julian the Apostate‏ إعادة بناء المعبد اليهودي في ‏مدينة القدس، وعهد بهذه المهمة إلى البيوس ‏Alypius‏. ‏

إلاّ أنّ فكرته هذه لم تلق نجاحاً بسبب الحروب وموت الإمبراطور صاحب الفكرة. ‏وبالتّالي تجديد القانون-فيما بعد- الذي يمنع اليهود بموجبه من دخول القدس، وبخاصّة بعد ‏التسّاهل معهم من قبل الإمبراطور المذكور سابقاً. ‏

وفي سنة 395م وبعد وفاة الإمبراطور ثيوديسيوس الاول ‏Theodosius I‏ (379-‏‏395م) انقسمت الإمبراطورية الرومانية بين ولديه هونوريوس ‏Honorius‏ (395-423م) ‏وأركاديوس ‏Arcadius‏ (395-408م) فتولّى الأول الإمبراطورية الرومانيّة الغربيّة وعاصمتها ‏روما، وأما أركاديوس فقد تولّى حكم الإمبراطورية الرومانيّة الشرقيّة (الدولة البيزنطية) وعاصمتها ‏بيزنطة (القسطنطينية)، وتضمّ بلاد الشّام بما فيها فلسطين. ‏

وبعد ذلك بسنوات، أي في الفترة ما بين 397-400م قسمت فلسطين إلى ثلاث مناطق ‏ادراية، وهي:‏‎ ‎فلسطين الأولى ‏Palaestina Prima‏ وعاصمتها قيسارية ‏Caesarea ‎Maritim‏.‏‎ ‎وفلسطين الثانية ‏Palaestina Secunda‏ وعاصمتها بيسان ‏Scythopolis، ‏وفلسطين الثالثة ‏Palaestina Tertia‏ وعاصمتها البتراءPetra ‎‏. ‏ وفي عام 484م ثار السامريون في عهد زينو ‏Zeno‏ (474-491م)، حيث نصبوا ‏يوستوس ‏Justus‏ ملكاً عليهم. وفي النهاية، ألحق بهم زينو هزيمة قاسية؛ واتخذ إجراءات قاسية ‏ضدهم، وبنى كنيسة فوق مذبحهم على قمة جبل جرزيم في مدينة نابلس.

إلاّ أنّهم عادوا ثانية بالثّورة على البيزنطيين عام 529م في عهد جستنيانس الأول. وكانت ‏ثورتهم هذه المرة بقيادة ملك يدعى يوليانوس ‏Julianus‏ إذ الحقوا أضراراً بالغة بالكنائس. وفي ‏منطقة القدس دمّروا الكنائس في عمواس (اللّطرون حالياً)، وبيت لحم؛ وقتلوا عدداً كبيراً ‏منهم في أحيائهم. واستطاع أخيراً جستنيانس إخماد ثورتهم فاستتب الأمن. ‏ وخلال أهم المراحل التاريخية التي مرت بها فلسطين، فقد اجتاحت الدولة الفارسية ‏لفلسطين عام 614م، قاد ذلك الاجتياح كسرى الثّاني ملك الفرس ‏Chosroes II‏ (590-‏‏628م)، حيث تعرضت مدينة القدس لحصار استمر لمدة 20 يوماً.

هذا وقد ساعد يهود منطقة الجليل الفرس في احتلال فلسطين، بحيث يقال أنّهم قد أمدّوا ‏الفرس 20 ألف جندي وقيل 26 ألف جندي. ‏ ويبدو أنّ البطريريك زكريا ‏Zachary‏ (609-632م) أراد أن يقبل بشروط الاستسلام ‏التي عرضت عليه من قبل الفرس، إلاّ أنّ بعض سكان المدينة أصرّوا على المقاومة، وأسفرت ‏عن احتلال المدينة بقوة السلاح، وحرق عدد كبير من الكنائس والأديرة، وقتل الآلاف من السّكان ‏المسيحيين وقادتهم. ‏

وبعد ذلك بوقت قصير، باشر البطريرك موديستوس ‏Modestus‏ (632-634م) من ‏ترميم بعض الكنائس المهدّمة، وبخاصة كنسية القبر المقدّس. إلا أنه وبعد مرور أربعة عشر ‏عاماً استطاع الإمبراطور البيزنطي هرقل‎ Heraclius ‎‏(610-636م) أن ينتصر على الفرس ‏في معركة حاسمة بالقرب من نينوى بالعراق عام 628م ويستعيد القدس. ‏ قال تعالى: غُلِبَتِ‎ ‎الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ‏‎ ‎‏﴿3﴾فِي ‏بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ‎ ‎وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‎ ‎‏. (سورة الروم، الآيات من 1-3). ‏صدق الله العظيم.

وبعد هذا التاريخ قام هرقل بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس. وكان لابدّ له من ‏التعامل مع اليهود الذين قتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس أنفسهم، فقام بقتل بعضهم ‏وطرد الآخرين منهم ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من ثلاثة أميال من القدس. وفي عام 620م، ‏وقعت معجزة الإسراء والمعراج، فأسري بالنّبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن ‏فوق الصخرة بدأت رحلة الصعود إلى السموات العلى.

قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي ‏بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ‎ ‎مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". (سورة الإسراء، آية رقم 1) صدق الله ‏العظيم.

لم يستمر الحكم البيزنطي لفلسطين طويلاً‎.‎‏ إذ التقت القوّات العربيّة الإسلاميّة مع ‏البيزنطيّة في معركة اليرموك عام 636م، وكانت نتيجتها هزيمة القوّات البيزنطيّة.‏ وأخيراً، ينتهي هذا العصر في فلسطين عام 16ه/638م عندما فتح الخليفة عمر بن ‏الخطاب مدينة القدس وتسلم مفاتيحها من بطريركها آنذاك‎ ‎صفرونيوس ‏Sofronius‏ (634-‏‏638م)، وبعد ذلك تبدأ صفحة مجيدة من تاريخ القدس الشريف بدخول العرب والمسلمين إليها ‏ونشر الدين الإسلامي فيها الذي أصبح فيما بعد وحتى الوقت الحاضر ثقافة ودين الغالبية ‏العظمى من سكان فلسطين.

المصادر والمراجع

‏-‏‎ ‎الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991). ‏

‏-‏‎ ‎عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق ‏للنشر والتوزيع، 1987). ‏

‏- مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91. ‏- الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59.‏

‏- الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975). ‏

‏- الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة ‏الدراسات الدولية، 1985). ‏

‏- العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986).‏

‏-‏‎ ‎العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة ‏والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002).

‏- الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة ‏تجريبيّة. 34-37.

‏- المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، ‏‏2000).

‏- بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في ‏وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ‏ص43.

‏-‏‎ ‎ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. ‏‏(عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128.‏