«فلسطين تحت حكم الرومان (63 ق.م-324م)»: الفرق بين المراجعتين
سطر ١٣٣: | سطر ١٣٣: | ||
==المصادر والمراجع== | ==المصادر والمراجع== | ||
- الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991). | - الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991). | ||
+ | |||
- عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1987). | - عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1987). | ||
− | - مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91. | + | |
+ | - مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91. | ||
- الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59. | - الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59. | ||
+ | |||
- الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975). | - الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975). | ||
+ | |||
- الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة الدراسات الدولية، 1985). | - الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة الدراسات الدولية، 1985). | ||
+ | |||
- العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986). | - العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986). | ||
− | - العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002). | + | |
− | - الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة تجريبيّة. 34-37. | + | - العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002). |
− | - المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، 2000). | + | |
+ | - الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة تجريبيّة. 34-37. | ||
+ | |||
+ | - المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، 2000). | ||
+ | |||
- بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ص43. | - بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ص43. | ||
+ | |||
- ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128. | - ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128. | ||
[[تصنيف: خزانة فلسطين التاريخية]] | [[تصنيف: خزانة فلسطين التاريخية]] | ||
[[تصنيف: بنك معلومات القدس]] | [[تصنيف: بنك معلومات القدس]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:٤٨، ٢٨ مايو ٢٠١٨
يتفق العلماء على تقسيم العصر الرّوماني في فلسطين إلى ثلاث مراحل تاريخية مختلفة. إلاّ أنّ عملية تحديد بداية ونهاية كل فترة (وهي فترات انتقالية) ما زالت موضع بحث ونقاش. وهذه المراحل هي:
أ. العصر الروماني المبكر (63 ق.م-135م)، أي منذ بداية الاحتلال الروماني لفلسطين بقيادة بومبي (الملقب بالكبير) Pompeius Magnus (106-48 ق.م) وحتى اندلاع ثورة سمعان باركوخبا Simon Bar-Kokhba.
ب. العصر الرّوماني الوسيط (135م-250م). ينتهي ببداية الأزمة الاقتصاديّة التي عصفت بالإمبراطورية الرومانيّة، وما نتج عن ذلك من فوضى في الفترة ما بين (235-285م)، إذ توالى على حكمها حوالي ثمانية عشر إمبراطوراً شرعياً، متوسط حكم كل واحدٍ منهم لا يزيد على ثلاث سنوات، إضافة إلى اضطهاد المسيحيّة على يد الأباطرة الرومان الوثنيين أمثال: تراجانوس ديسيوس Trajanus Decius (249-251م)، وديوقليسيانوس Dioclecianus(284-305م)…إلخ.
ت. العصر الروماني المتأخر (250م-324م)، وفي نهاية هذه الفترة أصبحت المسيحية الديّن الرسمي للّدولة البيزنطيّة، غير أن هناك من يعتقد أن نهاية هذا العصر تنتهي بوقوع الهزّة الأرضيّة الشّهيرة التي ضربت المنطقة عام 363م. كما أنّ بعض الباحثين يعدون العصر البيزنطي جزءاً لا يتجزأ من العصر الروماني. كما يطلق على المرحلة المتزامنة للعصر البيزنطي في القسم الغربي من الإمبراطوريّة الرّومانيّة اسم Late Antiquitiy (أي العصر الرّوماني المتأخر أو نهاية العصور القديمة).
محتويات
العصر الروماني المبكر (63 ق.م-135م)
تعود بداية تدخل الدولة الرومانيّة في شؤون المشرق منذ مطلع القرن الثّاني قبل الميلاد؛ لأن ضعف الدولة السلوقية كان بسبب الحروب الخارجيّة (وبخاصة في المناطق الشرقيّة النائية) والداخليّة، وما شهدته منطقة بلاد الشّام من اضطراب بسبب حروب المكابيين كما ذكر آنفاً، كما أن انتصار الرومان على أنطيوخوس الثالث Antiochus III (223-187 ق.م) في معركة مغنيزيا عام (190 ق.م) شجع الرومان على التدخل.
وكان المكابيون أقاموا علاقات خاصة مع روما قبل وصول جيوشها إلى فلسطين وسوريا. ومع ما كان لروما من ثقل ونفوذ في حوض البحر المتوسط الشرقي، فقد ظلت تدير الأُمور هناك من بعيد إلى سنة 65 ق.م.
ففي تلك السنة دخلت الجيوش الرومانيّة كليكيا Cilicia في طريقها إلى سوريا وفلسطين، وكانت هذه الجيوش تحت سلطة بومبي الذي اعتزم تصفية الدولة السلوقية ونشر الثقافة الرومانيّة في غرب آسيا (رومانيزيشن Romanization).
أرسل بومبي وكيلَه سكاوروس Scaurus إلى سوريا سنة 65 ق.م. وكما ذكر سابقاً، كان الصراع في تلك الأثناء دائراً على السلطة ما بين آخر أبناء ملوك السلالة الحشمونية أرسطوبولس الثّاني Aristobulus II(67-63 ق.م) مدعوماً من قبل الفريسيين ، وهركانوس الثّاني Hyrcanus II (63-40 ق.م) مدعوما من قبل الصدوقيين ، ومن الملك النبطي الحارثة الثالث الذي كاد ان يحتل المدينة ويدمرها لولا تدخل الرومان. لذلك كان الصراع متأججاً عند وفاة سالومة الكسندرا Alexandra Salome(76-67 ق.م)، إذ تعرضت الأُسرة الحاكمة للانحطاط وحتى الانحلال، وبالتّالي إعطاء بومبي الذريعة للسيطرة على القدس (الولاية اليهودية آنذاك) عام 63 ق.م، ووضع المملكة الحشمونية تحت الوصاية الرومانيّة، إذ أُسر أرسطوبولس الثّاني ونفاه إلى روما، فيما منح هركانوس الثّاني رتبة الكاهن الأعظم، دون الحصول على الّلقب الملكي الذي كان يطمح إليه.
ونتيجة للسيطرة على القدس حسب رواية فلافيوس يوسيفوس Flavius Josephus (37؟-101 م) في كتابه آثار اليهود (أقدميات اليهود) (Jewish Antiquities 14. 58-67)، تمّ تدمير المدينة وتخريبها بسبب الحصار الذي فرضه بومبي عليها ومحاولات أرسطوبولس للسيطرة على المدينة، وذلك بعد إطلاق سراحه في روما على يد بعض الرومان المنتفعين من ذلك، كما يروي يوسيفوس في كتابه المذكور سابقاً قيام السناتورSenator (مجلس الشيوخ الروماني) بتعيين غابينيوس Gabinius (55-57 ق.م) حاكماً ومنحه منصب القنصل الروماني العام لسوريا وفلسطين، إذ قدم من أجل مساعدة بومبي في حصار القدس (Ant 14. 82). وعندما ثار ألكسندر Alexander- ابن أرسطوبولس الثاني- ضد روما، اضطر غابينيوس إلى غزو المدينة مرة أخرى. واستولى ألكسندر على ثلاث قلاع (الكسندريوم Alexanderium " قرن صرطبة"، وهركانيوم Hyrcanium "خربة مرد"، وماكاريوس Machaerius " مكاور"). وكان غابينيوس قد حاصر القلاع الثلاث في وقت سابق، فيما طلب الكسندر السلم، لكن غابينويس لم يأخذ بطلبه، فدمر القلاع التي ذكرت آنفاً.
ومن أهم ما قام به غابينيوس: 1.تقسيم فلسطين إلى خمسة أقضية مسَتقلّة واحدها عن الآخر إدارياً، ولكل قضاء مجلس خاص به يطلق عليه اسم السنهدريم (Synedria)، وهي: أ- قضاء القدس: وتتبعه جبال القدس والخليل وأدوم (جنوب فلسطين). ب- قضاء أريحا: ويضّم السفوح الشرقيّة لجبال القدس وعقربة (شمال بيت المقدس) وما إليها. ج- قضاء جازر: التي كانت تدخل ضمن السفوح الغربيّة لمنطقة القدس ورام الله. د- قضاء صفورس (صفورية): وكان يشمل الجليل الشرقي. هـ- قضاء أماثوس (عماتا): البرية Pereaسابقاً (شمال شرق نهر الأردن). 2. إنقاص سلطة الولاية اليهوديّة بتجريد الكاهن هركانوس الثّاني من رتبته الملكية. 3. فرض ضرائب باهظة على السكان. 4. إعادة بناء عدد من المدن الهلنستية التي خربها المكابيون، مثل مدن: السامرة وبيسان وغزة.
وفي أثناء فترة تشكيل الحلف الثلاثي الذي قام في روما وضمّ كلاً من بومبي وقيصر Julius Caesar (100-44 ق.م) وكراسوس Marcus Licinius Crassus (115-53 ق.م)، جاء الأخير والياً على سوريا سنة 54 ق.م. وكان أكثر ما يهمه هو محاربة الفرس؛ ليضمن لنفسه مكاناً مساوياً، ولو نسبياً، لكل من بومبي وقيصر. لذلك نهب ولاية سوريا على أتمّ وجه؛ إذ قاد حملة عسكريّة عام 53 ق.م، لكنّه خسرها وقتل في المعركة التي خاضها مع العدو في كري Carrae أي في حران. وخلال الحرب الأهليّة دي بلو سيفيلي (De Bello Civili) ما بين قيصر وبومبي؛ انتصر الأول على الأخير في معركة فرسالياPharsalia عام 48 ق.م، وهرب بومبي إلى مصر، حيث اغتيل هناك.
لقد أعد قيصر ترتيبات إقليمية جديدة في فلسطين، فحسب رواية يوسيفوس في كتابه حروب اليهود (Jewish War, 203)، عُين انتيباترAntipater الآدومي حاكماً إدارياً على الولاية اليهوديّة ومعه أفراد العائلة الحشمونية أُمراء فيها. فقد أصبح ابنه فصايل Fasael أميراً على مدينة القدس، بينما هيرودس Herod The Great –الملقب بالكبير-أصبح أميراً على منطقة الجليل. إلا أن ترتيبات قيصر هذه لم تدم طويلاً، فقد اغتيل في منتصف آذار (مارس) سنة 44 ق.م، فيما قتل أنتيباتر مسموماً على يد منافسيه عام 43 ق.م. وأعقب ذلك في النصف الثّاني من القرن الأوّل قبل الميلاد قيام مملكة الفرس في بلاد ما بين النّهرين وما وراءها باجتياح بلاد الشام وفلسطين (40-37م) خلال الفوضى التي أعقبت اغتيال قيصر في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، إذ رحبت الأُسرة الحشمونية بالفرس ورشتهم، ونتيجة لذلك عين القائد الفرثي برزفرناس Barzapharnas أنتيجونوس متثياس Antigonus Mattathias (37-40 ق.م)- آخر ملوك السلالة الحشمونية وابن أرستوبولوس- حاكماً على الولاية اليهودية ومديراً لها باسم الفرس. وكان على هيرودس أن ينجو بنفسه. وأوّل مكان ذهب إليه حسب ما يروي يوسيفوس في كتابه حروب اليهود (War, 181) هو البتراء، عاصمة مملكة الأنباط، لأنّ أمّه كفرة Cypros كانت من الأُسرة العربيّة المالكة، ولم يلق ترحيباً من مالك الثّاني Malichus II (40-70 ق.م)، وذلك نزولاً على أمر الفرس. فذهب إلى كليوبترة في مصر حيث لقي صّداً للمرة الثّانية. وأخيراً ذهب إلى روما، إذ كسب صداقة ماركوس أنطونيوس Marcus Antonius (83-30 ق.م). وهكذا، فإنّ مجلس الشيوخ في روما أعلن الملك هيرودس ملكاً على الولاية اليهوديّة، ثمّ عاد هذا إلى فلسطين؛ ليحارب من أجل لقبه الجديد.
وكما ذكر في السّابق، فقد كان هيرودس قبل هربه يحكم الجليل، إذ بدأ حربه من هناك في سنة 39 ق.م. وبعد سنتين فرض حصاراً ناجحاً على القدس؛ واستمر ماركوس أنطونيوس في مصادقته. وخلال هذه الفترة أنهى هيرودس حكم الحشمونيين، وعندما هزم أنطونيوس في معركة أكتيوم Actium عام 31 ق.م، ذهب هيرودس إلى رودس Rhodes؛ من أجل مقابلة المنتصر أوكتافيوس Octavius (Gaius Julius Caesar Augustus) (27-14 ق.م). واستطاع أنْ يقنعه بأنّه كما كان صديقاً لأنطونيوس يمكنه أن يكون صديقاً لأوكتافيوس أيضاً، إذ أصبح الأخير أول إمبراطور روماني عام 27 ق.م، حيث حصل على لقب أغسطس Augustus (الوقور أو َمهيب، أو ذو الجلال). وهكذا بدأت صداقة استمرت طوال عهد هيرودس، الذي كان حليفه القوي والداعم.
إستطاع هيرودس تأسيس مملكته وتثبيت حكمه في الولاية اليهودية عام 37 ق.م. وذلك بعد هزيمته للحشمونيين، إذ أصبح ملكاً وحاكماً لفلسطين باسم الرومان وتحت سلطة روما مباشرة. ووسع حدود مملكته نحو الجهات الشمالية الشرقيّة في بانياس والجولان وحوران وضواحيها. أما الساحل الفلسطيني الشمالي ودورا والمنحدرات الغربية لجبل الكرمل، فكانت تابعة للفينيقيين، بينما منطقة النقب وشرقي الأردن كانت من نصيب الأنباط، وفي الشمال من شرق الأردن فقد حافظت بعض المدن العشر وعسقلان على حريتها ومكانتها.
تمتّع هيرودس الكبير بسلطة نافذة وثروة باهظة مكّنته من تحقيق رغبته في تبديل وجه الولاية اليهوديّة تبديلاً كاملاً وجعلها من الفخامة والجمال شبه مملكة هلنستية. وكان اليهود يكرهون هيرودس بالرّغم من أنه أمدهم بالمال والحبوب أثناء المجاعة التي أصابتهم عام 22 ق.م، كما أنه رمم بناء الهيكل في القدس عام 18 ق.م!! كما شيّد في القدس القصر الملكي، وحدائق متصلة بالقصر، كما أقام مسارح وملاعب ليس فقط في القدس وإنّما في مدن فلسطينية أُخرى مثل: سبسطية وقيسارية. ورغم كل ذلك، فقد كان اليهود يعتبرونه أجنبياً، ذلك لأنه كان يحب التقاليد الرومانيّة.
وفي آخر سنة من سني حكمه، ولد السيد المسيح في بيت لحم. ولما كان هيرودس قد أمر بقتل كل طفل يولد في بيت لحم؛ فقد هربت به أمه، وهرب معها يوسف النجار إلى مصر، خشية أن يبطش به ذلك الملك. وفي السّنة التي تلتها مات هيرودس بعد أن عاش في دست الحكم أربعين عاماً. وبعد وفاته عام 4 ق.م، قسمت مملكته ما بين أبنائه الثلاثة وشقيقته:
1. (أرخلاوس Archelaus (4 ق.م-6م) وحصل على لقب أُثنارخا ethnarch(المعني الحرفي: حاكم ألامة). وقد حاز على القسم الأكبر من فلسطين، والذي شمل: غرب نهر الاردن أي ولاية اليهوديّة، والسامرة (منطقة القدس، ونابلس)، وأرض الأدوميين.
2. فليب Philippus (4 ق.م-34م) وحصل على تترارخيا tetrarch البثنية، والجولان، وجزء من حوران، أي حكم المناطق والأقاليم الشماليّة الشرقيّة من فلسطين.
3. هيرود أنتيباس Herod Antipas (4 ق.م-39 م) وأصبح حاكماً (تترارخا) على منطقة البرية Perea (منطقة تقع في شمال شرق البحر الميت)، والجليل، وبنى مدينة طبريا واتّخذها عاصمة له بعد أن كانت في السابق عاصمته مدينة صفورية.
4. سلومة Salome- أخت هيرودس الكبير- حصلت على عزبة فصايل في الغور الأردني وأراضي مدينتي كل من يبنا Jamnia وأسدود Azotus على الساحل الجنوبي الفلسطيني. أما بالنسبة إلى المدن الهلنستية في فلسطين كمدينة غزة وكل من مدينتي جدارا (أم قيس) Gadara وتل الحصن Hippos التي كانت تشكل جزءاً من المدن العشر Decapolis، فقد حكمت بشكل مباشر من قبل الحاكم الروماني في سوريا Procurator (انظر خارطة رقم 4).
إلا أن هذا التقسيم ما بين أبناء هيرودس لم يدم طويلاً، ففي عام 6م أُبعد أرخلاوس عن الحكم؛ بسبب سوء حكمه وسياسته فنفته روما إلى بلاد الغال (فرنسا) بعد حكم دام عشر سنوات. واصبحت منطقة يهودا تحكم مباشرة من قبل الحاكم الروماني في سورية. وأسست ولاية اليهوديّة بروفينسيا جوديا Provincia Iudea، وأصبحت القدس في هذه الفترة العاصمة بدلاً من قيسارية، عاصمة أرخلاوس.
أما بالنسبة إلى فليب فقد توفي عام 34م وأصبحت الأراضي التي يحكمها تحت سيطرة الحاكم الروماني في سوريا، وتوفيت سلومة عام 10م، تاركة ورثتها- عزبتها في فصايل، ومدينتي يبنا، وأسدود- للإمبراطورة الرومانيّة ليفيا Livia زوجة الإمبراطور أغسطس، ومنها لاحقاً وُرثت إلى طبيريوسTiberius (14-37م).
في هذا الوقت ولفترة قصيرة من الزمن حكم آخر ملوك اليهود هيرود أغريبا الاول Herod Agrippa I الصديق الشخصي للإمبراطور كلاوديوس Claudius (41-54م)، حيث حصل على الأراضي التي كان يملكها فليب عام 37م، وأضاف إليها أراضي هيرود أنتيباس بعد إبعاد الأخير من منصبه عام 39م. وأخيراً حصل على بقية الأراضي التي كانت تابعة لأرخلاوس في عام 41م.
وبعد وفاة هيرود أغريبا الأول عام 44م، عادت الولاية اليهودية من جديد مباشرة لحكم الولاة الرومان؛ الذين تولوا إدارتها حتى قيام الثورة ضد الاحتلال الرّوماني في الأعوام ما بين 66-70م، إلا أنّ أجزاء من مملكة هيرود أغريبا الأوّل في الشمال والشمال الشرقي منحت لابنه أغريبا الثّاني Agrippa II. وأضيفت في وقت لاحق إلى مناطق حكمه في شمال البرية، وشرق الجليل، ومدينة طبريا، عام 54م.
وقد قسمت هذه المنطقة إدارياً إلى أحد عشر قضاءً منذ أيام هيرودس، ولعل التقسيم أهمل في أيام أرخلاوس، فأعيد في هذه الفترة. ولتسهيل العمل الإداري جمعت هذه فيما يمكن أن يسمى ألوية. وظلت التقسيمات معمولاً بها مع تعديلات طفيفة هنا وهناك في فترة الحكم الرّوماني المباشر. أما الأقضية الأحد عشر، فهي: بيت المقدس، وبيت صور (خربة الطبيقة)، وأريحا، وبلا Pella (بيت نتيف الأردنية وليست طبقة فحل)، وعمواس Nicopolis، والّلد Diospolis، وتما (خربة تبنة)، وجفنة، وعقربة، ويافا، ويبنا (يمنيا). وبعد ذلك، أصبحت فلسطين بكاملها ولاية رومانيّة Provincia Romana.
شهد بداية القرن الأوّل الميلادي وقوع عدة حوادث هامّة، ومن أهم هذه الأحداث ولادة السّيد المسيح عليه السلام، ورحلاته فيها في النّصف الأوّل من القرن المذكور، إذ كان عمره 12 عاماً عندما زار مدينة القدس (إنجيل لوقا، الإصحاح الثاني من العدد 41-50). وحسب التّقليد الدّيني المسيحي، فقد صلب وأُعدم عيسى عليه السلام فيها زمن الحاكم أو الوالي الروماني لفلسطين بيلاطس البنطي Pontius Pilate (36-26م). هذا وقد كانت المدينة في تلك الفترة، كما وصفها المؤرخ الروماني بلني الكبير Pliny The Elder (23-79م)، المدينة الأكثر شهرة من بين مدن الشّرق القديم Historia Natural, 5.70)).
ومن الأحداث المهمة التي شهدتها فلسطين في القرن الأول ميلادي كانت عندما أرسل الإمبراطور فسبسيانوس Vespasianus (69-79م) ابنه تيتس Titus الذي كان آنذاك قائداً عسكرياً- إمبراطوراً في السنوات (79-81)- على رأس جيش كبير إلى بلاد الشّام ليقوم بتحرير مدينة القدس التي لا يزال اليهود يقومون فيها بأعمال الفساد ومناوأة الحكم الروماني، فدخل المدينة ودمّر مبانيها وخاصة الهيكل!، وقتل عدداً كبيراً منهم، ونفى عدداً آخر خارج المدينة وخارج فلسطين كلّها، وباع الأسرى اليهود بأثمانٍ زهيدة.
إلاّ أن تغييرات كبيرة طرأت على الحدود الإداريّة لفلسطين، في الجهات الجنوبية والشرقيّة منها عندما تمّ القضاء على مملكة الأنباط على يد الإمبراطور الرّوماني تراجان Trajan (98-117م) عام 106م، إذ بنى ذلك الإمبراطور طريقاً يصل العقبة ببصرى، سميت فيا نوفا Via Nova (الطريق الجديدة). هذا بالإضافة إلى تشييد طرق أخرى تربط القدس مع بقية المدن الفلسطينيّة، مثل: (الخليل في الجنوب، ومن الشمال ابتداءً من عكا، والّلجون Legio أو (Maximianopolis) وسبسطية، وحتّى نيابولس Neapolis والقدس؛ وبين حسبان (في شرقي الأردن)، وأريحا، وبيت المقدس، وبيت جبرين Eleutheropolis، والطريق الساحلي فيا ماريسا Via Marisa، وغيرها من الطرق العسكرية التي ارتبطت بالطرق الأخرى في الحدود الشرقيّة ليميس اورينتاليس Limes orientalis للإمبراطوريّة الرومانيّة والتي كان لها بعض الأثر في تنشيط التجارة. إلاّ أنّ أهمّ عمل قام به تراجان هو تأسيس المقاطعة العربيّة Provincia Arabia وعاصمتها البتراء. غير أنها استبدلت- فيما بعد- بالعاصمة بصرى الّتي أصبحت بدورها قاعدة عسكريّة للفرقة الرومانيّة الثّالثة القورينية Third Legion Cyrenaica التي جاءت من ليبيا.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المعلومات التاريخيّة المتوفرة حول فلسطين في العصر الروماني، وبخاصة منذ تدمير المدينة على يد القائد الروماني تيتس سنة 70م وحتّى العصر البيزنطي في بداية القرن الرابع الميلادي، نادرة وقليلة. ولا توجد معلومات كافية وروايات تاريخية معاصرة لهذه الفترة.
يروي المؤرخ يوسيفوس في كتابه "حروب اليهود" أنّ الفرقة الرومانيّة العاشرة Legion X fretensis كانت قد أقامت لها قاعدة عسكريّة براييتوريوم Praetorium على أنقاض مدينة القدس بعد تدميرها على يد القائد العسكري الرّوماني آنذاك تيتس عام 70م. وإذ بناها بالقرب من ثلاثة أبراج سميت بأسماء: أخيه وصديقه (المجهول الهوية) وزوجته على التّوالي (فصايل Phasael، هيبيكوس Hippicus، ومريمنا Mariamne) في جدار المدينة الغربي والذي لم يدمر في تلك الفترة (War, VII, 2-5). هذا بالإضافة إلى تأسيس قاعدة عسكريّة أخرى للفرقة الرومانيّة السّادسة Legio VI Farrata بالقرب من تل المتسلم (مجدو) أو الّلجون الحديثة.
وفي القرن الثّاني الميلادي زار الإمبراطور هدريان Hadrian (117-138 م) ولاية اليهوديّة عام 130م، وقرر بناء مستعمرة رومانيّة على أنقاض المدينة التي دمرت في عام 70م. ومن خلال دراسة الكتابات الكلاسيكيّة القديمة، يتبيّن أنّ هناك آراء مختلفة حول تحديد تاريخ بناء المدينة. فحسب مايروي ديو كاسيوس Dio Cassius (155-229م)، فإن بناء المستعمرة الرومانيّة في القدس كان السّبب الرئيس في اندلاع حركة باركوخبا عام 132م.
أما يوسيفيوس Eusebius (263-339 م)، فيؤرخ بناء المستعمرة الرومانيّة إلى عام 136م، وذلك بعد إخماد تحرك باركوخبا، ومما يدعم هذه الآراء اكتشاف عدد كبير من النّقود التي تعود إلى هذه الفترة (132-135م)، وتحمل اسم المستعمرة الرومانية كولونيا ايليا كابيتولينا Colonia Aelia Capitolina، إذ امتد هذا الاسم ليشمل تسميات أخرى في القرن الثّالث الميلادي، بحيث تكون من عناصر وألقاب أخرى مثل: كوموديانا Commodiana، وبيا فليكس Pia Felix، وانتونينيانا Antoniniana. كما أصبح استخدام اسم إيليا Aelia دارجاً خلال العصر البيزنطي والعصر الإسلامي المبكر.
أمّا بالنّسبة للّسياسة التي انتهجها هدريان تجاه سكان المدينة اليهود، فقد تمثلت بمنع اليهود من الإقامة في المدينة، ومن زيارتها، بالإضافة إلى استبدال اسم الولاية اليهوديّة باسم بروفينسيا سيريا بالايستينا Provincia Syria Palaestina (ولاية سوريا وفلسطين). وبكل بساطة كان استخدام اسم فلسطين باليستينا Palestina دارجاً كما كان في العصور السّابقة. ونتيجة لسياسة هدريان، حصل تغير ديمغرافي على المدينة، تمثّل بتضاؤل عدد سكانها من اليهود بسبب قتل الكثير منهم وتهجيرهم ومنعهم من دخولها وبيعهم كعبيد. لذلك، بقيت المدينة خالية من السّكان اليهود، وأصبحت تدريجياً مدينة وثنيّة للسّكان القادمين من باقي أنحاء الإمبراطوريّة الرّومانيّة.
العصر الروماني الوسيط والمتأخر (135-250-324م)
تمتاز هذه الفترة الزمنية من التّاريخ الروماني في فلسطين بقلّة البيانات والمعلومات المأخوذة من المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة، بحيث يكون من الصعب إعطاء صورة واضحة عن تطور الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.
لكن، وبشكل عام، شهد القرن الثّاني وبداية القرن الثّالث الميلادي ازدهاراً، حيث عمّ السلام والأمن الروماني في المنطقة باكس رومانا Pax Romana. إذ أنشأت مدن رومانية جديدة (مثل: بيت جبرين وعمواس Nicopolis والّلد ورأس العين Antipatris ومدينة اللجون في نهاية القرن الثّالث) (انظر خارطة رقم 5). إضافة إلى ذلك، فقد شيدت الكثير من قنوات المياه، وفتح عدد كبير من الطرق الجديدة ما بين المدن الفلسطينيّة الرومانيّة وفي شرق الأردن، بحيث استكمل بناء المدن وتعمير البلاد على طول العصر الروماني الوسيط والمتأخر في فلسطين.
لقد زار الإمبراطور سبتيموس سبفيروس Septimius Severus (193-211م) مدينة القدس، وأكّد أهميّة المدينة ومكانة سكانها، إذ خلدت هذه الزيارة عن طريق إصدار نقود رومانية خاصة. هذا بالإضافة إلى وضع قوانين صارمة تمنع اليهود من دخول القدس والإقامة فيها كما فعل من قبله هدريان، ولم تقم لهم قائمة بعد هذا التاريخ.
وفي عام 212 م أصدر كاراكالا Caracalla (211-217م) قانوناً (مرسوماً) بموجبه منح جميع السكان الأحرار الخاضعين لحكمه وسيطرته الجنسّية الرومانيّة (المواطنة). وعرف هذا القانون (المرسوم) باسم كونستيتوتيو انطونينيانا Constitutio Antoniniana وبالتّالي حصل سكان المدن الفلسطينية بموجب هذا القانون على المواطنة والجنسّية الرّومانيّة. والسّبب الرئيس من وراء إصدار مثل هذا النوع من القوانين زيادة عدد الأفراد الذين يدفعون الضّرائب لخزينة الدّولة، بالإضافة إلى الحاجة إلى عدد كبير من النّاس، لكي يخدموا في فرق الجيش الروماني، بعد أن كانت الخدمة في السابق مقتصرة على الذين يحملون المواطنة الكاملة.
وقد بدأت القدس تفقد من أهميّتها ومكانتها كمدينة رئيسية من بين المدن الفلسطينية الرومانية في القرن الثالث الميلادي؛ بسبب الأزمة التي مرت بها الإمبراطوريّة الرومانيّة منذ تسلم ماكسيمينيوس Maximinius الحكم عام (235-238م) وحتى موت كارينوس Carinus (283-285م). عمت الفوضى واضطرابات متزامنة، وكانت الإمبراطورية تتعرض لهجمات عنيفة من الخارج على أيدي القبائل الجرمانية والسلافية المختلفة في الغرب وعلى أيدي الدولة الساسانية التي خلفت الدوّلة الفارسية سنة 226م في الشّرق. أمّا من الداخل، فقد هزتها ثورة مملكة تدمر، والجيش الذي كان عليه أن يدافع عن الإمبراطورية كان يشغل بين الحين والآخر في تولية إمبراطور أو خلع إمبراطور آخر.
أمّا بالنسبة لمدينة القدس في هذه الفترة، فقد أخذت الفرقة الرومانيّة العاشرة بالانسحاب تدريّجياً من المعسكر الذي كان يخيّم به في الجهة الجنوبيّة الغربيّة منها ومن مواقع أخرى. فقد توجه إلى مدينة العقبة Aila التي كانت تشكّل الحدود الجنوبيّة للمقاطعة العربيّة، من أجل حماية الحدود من غزوات القبائل العربيّة في بادية الشام Saracens، إذ اكتملت عملية الانسحاب هذه نهاية القرن الثّالث، ولكن من المحتمل أنّها حصلت في فترة حكم الإمبراطور ديوقليسيانوس.
لكنَّ الاهتمام بالمدينة بدأ في بداية العصر البيزنطي، خاصّة في فترة حكم الإمبراطور قسطنطين الأوّل Constantinus I (306-337م)، بحيث أصبحت من أهم المدن الفلسطينيّة وذات مركز ديني هام ليس فقط على مستوى فلسطين فحسب، وإنما جميع أنحاء الإمبراطوريّة البيزنطيّة. ومن الجدير ذكره أنّ الّلغات التي كانت مستعملة في القدس في العصر الرّوماني هي: الآراميّة، وكانت يومئذ لغة التّخاطب العامة، والعبريّة تقتصر على اليهود من السكان، واليونانية للمثقفين من السكان على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم، والّلاتينية لموظفي الرومان وعمالهم. وقد بلغت ذروة استخدام الأخيرة خلال الاحتلال الرّوماني لفلسطين.
فلسطين تحت الحكم البيزنطي (324 م-638م)
يعدّ العصر البيزنطي في فلسطين امتداداً لفترة الحكم الرّوماني التي سبقته (63ق.م-324م). ولكن الإدارة الجديدة اتخذت الدّين المسيحي منذ بدايتها العقيدة الرسميّة لها. ونظراً لأهميّة فلسطين بصفتها الأرض التي نشأ بها عيسى عليه السلام وأُمّه مريم العذراء، وأدى رسالته. فقد صار لها مركز متميز وأهمية خاصة في هذا العهد الجديد. فقد اعتنق قسطنطين الأوّل مؤسس الدّولة البيزنطية الديّن المسيحي، وجعله دين الدّولة الرسمي. كما اعتنق الدين الجديد والدته هيلينا Helena، الّتي أولت فلسطين اهتماماً خاصّاً، إذ زارت فلسطين سنة 336م للتبرك بزيارة أماكنها المقدسة، واختارت مواقع كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس، وكنيسة إيليونا على جبل الزيتون. وربما شيّدت هذه الكنائس من أجل تخليد ذكريات الولادة، والقيامة، والمعراج من حياة المسيح.
وبنى قسطنطين كنيسة محل دفن المسيح وهي كنيسة القيامة، وثانية على جبل الزّيتون بالقدس وهي كنيسة العروج. إلى جانب كنيسة المهد في بيت لحم وتلك عند ممرٍ في الخليل. لقد أدى تشييد الكنائس في فلسطين من قبل الإمبراطور وأمه هيلينا إلى تحويل فلسطين إلى مركز فني هام.
أما سياسياً فقد وقعت اضطرابات في فلسطين في عام 343م ضّد أفراد الجالية اليهودية ُقتل خلالها الكثير من اليهود والسّامريين واليونانيّين. فقد حذا قسطنطين حذو الأباطرة الرومان امثال: هدريانوس، وسبتميوس سيفيروس، فمنع اليهود سنة 335م من التبشير بينهم، وذلك بسبب الفساد الذي كانوا يعيثون به.
وقد منع قسطنطين اليهود من العيش في القدس أو المرور بها، وهو تأكيد لقرار هدريان السّابق، يظهر أنّه سمح لهم بزيارة موقع المعبد ليوم واحد من كل سنة وهو التّاسع من آب (يوم تدمير المعبد). وقد أُلغى التحريم هذا في القرن التّالي وذلك بتوسط الإمبراطورة ايدوكية Eudocia أرملة الإمبراطور ثيودوسيوس الثّاني Theodosius II (408-450م) واستطاع اليهود من السكن في المدينة مرة أخرى. كما حصل اليهود على دعم آخر في الفترة ما بين (361-363م). عندما خطط الإمبراطور البيزنطي جوليان الجاحد Julian the Apostate إعادة بناء المعبد اليهودي في مدينة القدس، وعهد بهذه المهمة إلى البيوس Alypius.
إلاّ أنّ فكرته هذه لم تلق نجاحاً بسبب الحروب وموت الإمبراطور صاحب الفكرة. وبالتّالي تجديد القانون-فيما بعد- الذي يمنع اليهود بموجبه من دخول القدس، وبخاصّة بعد التسّاهل معهم من قبل الإمبراطور المذكور سابقاً.
وفي سنة 395م وبعد وفاة الإمبراطور ثيوديسيوس الاول Theodosius I (379-395م) انقسمت الإمبراطورية الرومانية بين ولديه هونوريوس Honorius (395-423م) وأركاديوس Arcadius (395-408م) فتولّى الأول الإمبراطورية الرومانيّة الغربيّة وعاصمتها روما، وأما أركاديوس فقد تولّى حكم الإمبراطورية الرومانيّة الشرقيّة (الدولة البيزنطية) وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية)، وتضمّ بلاد الشّام بما فيها فلسطين.
وبعد ذلك بسنوات، أي في الفترة ما بين 397-400م قسمت فلسطين إلى ثلاث مناطق ادراية، وهي: فلسطين الأولى Palaestina Prima وعاصمتها قيسارية Caesarea Maritim. وفلسطين الثانية Palaestina Secunda وعاصمتها بيسان Scythopolis، وفلسطين الثالثة Palaestina Tertia وعاصمتها البتراءPetra . وفي عام 484م ثار السامريون في عهد زينو Zeno (474-491م)، حيث نصبوا يوستوس Justus ملكاً عليهم. وفي النهاية، ألحق بهم زينو هزيمة قاسية؛ واتخذ إجراءات قاسية ضدهم، وبنى كنيسة فوق مذبحهم على قمة جبل جرزيم في مدينة نابلس.
إلاّ أنّهم عادوا ثانية بالثّورة على البيزنطيين عام 529م في عهد جستنيانس الأول. وكانت ثورتهم هذه المرة بقيادة ملك يدعى يوليانوس Julianus إذ الحقوا أضراراً بالغة بالكنائس. وفي منطقة القدس دمّروا الكنائس في عمواس (اللّطرون حالياً)، وبيت لحم؛ وقتلوا عدداً كبيراً منهم في أحيائهم. واستطاع أخيراً جستنيانس إخماد ثورتهم فاستتب الأمن. وخلال أهم المراحل التاريخية التي مرت بها فلسطين، فقد اجتاحت الدولة الفارسية لفلسطين عام 614م، قاد ذلك الاجتياح كسرى الثّاني ملك الفرس Chosroes II (590-628م)، حيث تعرضت مدينة القدس لحصار استمر لمدة 20 يوماً.
هذا وقد ساعد يهود منطقة الجليل الفرس في احتلال فلسطين، بحيث يقال أنّهم قد أمدّوا الفرس 20 ألف جندي وقيل 26 ألف جندي. ويبدو أنّ البطريريك زكريا Zachary (609-632م) أراد أن يقبل بشروط الاستسلام التي عرضت عليه من قبل الفرس، إلاّ أنّ بعض سكان المدينة أصرّوا على المقاومة، وأسفرت عن احتلال المدينة بقوة السلاح، وحرق عدد كبير من الكنائس والأديرة، وقتل الآلاف من السّكان المسيحيين وقادتهم.
وبعد ذلك بوقت قصير، باشر البطريرك موديستوس Modestus (632-634م) من ترميم بعض الكنائس المهدّمة، وبخاصة كنسية القبر المقدّس. إلا أنه وبعد مرور أربعة عشر عاماً استطاع الإمبراطور البيزنطي هرقل Heraclius (610-636م) أن ينتصر على الفرس في معركة حاسمة بالقرب من نينوى بالعراق عام 628م ويستعيد القدس. قال تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . (سورة الروم، الآيات من 1-3). صدق الله العظيم.
وبعد هذا التاريخ قام هرقل بإعادة بناء الكنائس الّتي خرّبها الفرس. وكان لابدّ له من التعامل مع اليهود الذين قتلوا من مسيحيي القدس أكثر مما قتل الفرس أنفسهم، فقام بقتل بعضهم وطرد الآخرين منهم ولم يسمح لهم بالاقتراب لأكثر من ثلاثة أميال من القدس. وفي عام 620م، وقعت معجزة الإسراء والمعراج، فأسري بالنّبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن فوق الصخرة بدأت رحلة الصعود إلى السموات العلى.
قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ". (سورة الإسراء، آية رقم 1) صدق الله العظيم.
لم يستمر الحكم البيزنطي لفلسطين طويلاً. إذ التقت القوّات العربيّة الإسلاميّة مع البيزنطيّة في معركة اليرموك عام 636م، وكانت نتيجتها هزيمة القوّات البيزنطيّة. وأخيراً، ينتهي هذا العصر في فلسطين عام 16ه/638م عندما فتح الخليفة عمر بن الخطاب مدينة القدس وتسلم مفاتيحها من بطريركها آنذاك صفرونيوس Sofronius (634-638م)، وبعد ذلك تبدأ صفحة مجيدة من تاريخ القدس الشريف بدخول العرب والمسلمين إليها ونشر الدين الإسلامي فيها الذي أصبح فيما بعد وحتى الوقت الحاضر ثقافة ودين الغالبية العظمى من سكان فلسطين.
المصادر والمراجع
- الكتاب المقدس، ط2 (بيروت: دار المشرق ش م م، 1991).
- عباس، إحسان، تاريخ دولة الأنباط: بحوث في تاريخ بلاد الشام، ط1. (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1987).
- مننهول، جورج، "القدس من 1000-63 ق.م". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الاردنيّة، 1992).53-91. - الحوت، د.بيان، فلسطين: القضة والشعب والحضارة. (دار الإستقلال، 1991). ص 59.
- الدباغ، مصطفى مراد، بلادنا فلسطين، ج9، ق2. (الخليل: رابطة الجامعيين، 1975).
- الشريقي، إبراهيم، أورشليم وأرض كنعان: حوار مع أنبياء وملوك إسرائيل. (لندن: مؤسسة الدراسات الدولية، 1985).
- العارف، عارف، المفصل في تاريخ القدس، ط2. (القدس: مطبعة المعارف، 1986).
- العك، خالد عبد الرحمن، تاريخ القدس العربي القديم، ط2. (دمشق: مؤسّسة النّوري للطّباعة والنّشر والتّوزيع، الطبعة الثانية، 2002).
- الكفافي، زيدان، وآخرون، القدس عبر العصور. (إربد: جامعة اليرموك، 2001). طبعة تجريبيّة. 34-37.
- المهتدي، عبلة، القدس تاريخ وحضارة (3000ق.م-1917م). (بيروت: دار نعمة للطباعة، 2000).
- بل، سيرهارولد إدريس، الهيلينية في مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي: بحث في وسائل انتشارها وعوامل اضمحلالها. (جامعة القاهرة: مكتبة الدراسات التاريخية، 1948). ص43.
- ولكسون، جون، "القدس تحت حكم روما وبيزنطة". القدس في التاريخ، ترجمة كامل العسلي. (عمان: منشورات الجامعة الأردنيّة، 1992).93-128.