فلسطين وأخبارها في الإسلام

من دائرة المعارف الفلسطينية
نسخة ١٠:٢٨، ٨ أكتوبر ٢٠١٨ للمستخدم Basheer (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'==مكانة فلسطين وأخبارها في التصور الإسلامي== فلسطين أرض الرسالات السماوية التي بارك الله عز...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

مكانة فلسطين وأخبارها في التصور الإسلامي

فلسطين أرض الرسالات السماوية التي بارك الله عز وجل فيها؛ بل جعلها مباركة ‏ومطهرة؛ وأكرم أهلها بكرامات أهمها أنهم في رباط إلي يوم القيامة، من مات من أهلها وهو يحمل ‏هذا الفكر في قلبهِ وعقلهِ فلهُ أجر الشهُداء؛ وفلسطين مفتاح الأرض إلي السماء؛ وسرة الأرض؛ ‏وتتمتع أرض فلسطين بمكانة خاصة في التصور الإسلامي ، وهي المكانة التي جعلتها محط ‏أنظار المسلمين ومهوى قلوبهم. ‏

المبحث الأول: مكانة فلسطين والمسجد الأقصى المبارك على ضوء القرآن الكريم والسنة ‏النبوية

تبوأت فلسطين مكانة عالية وغالية وعظيمة وكبيرة في الإسلام؛ فكانت فيها ثاني ‏مسجدين وضع في الأرض بعد المسجد الحرام وضعت الملائكة الكرام أساساتهُ؛ وهو المسجد ‏الأقصى المبارك ، وهو أول قبلة للمسلمين في صلاتهم ، كما يعتبر ثالث المساجد مكانة ومنزلة ‏في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي ، ويسن شد الرحال إليه وزيارته ، والصلاة فيه ‏بخمسمائة صلاة عما سواه من المساجد .فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا ‏تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ، وقال صلى ‏الله عليه وسلم : "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ‏، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"(‏ ‏)، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه "أن النبي ‏صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس. وروى ‏الطبري في تاريخه عن قتادة قال : "كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ‏الهجرة ، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم وجّه بعد ذلك ‏نحو الكعبة البيت الحرام". وعن أبي ذر رضي الله عنه قال "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد ‏وضع في الأرض ؟ ، قال : المسجد الحرام ، قلت: ثم أي؟ ، قال : المسجد الأقصى". وعن ‏ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يا رسول الله ، أفتنا في بيت المقدس؟ ، فقال : "ائتوه فصلوا ‏فيه ، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله"(‏ ‏). وعن أم المؤمنين أم سلمة زوج ‏النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى ‏المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ، أو "وجبت له الجنة" ، ثم قال : يرحم الله ‏وكيعاً أحرم من بيت المقدس (يعني إلى مكة)، ورواه البيهقي وابن حبان في صحيحه ولفظه : ‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أهل من المسجد الأقصى بعمرة غفر له ما تقدم من ذنبه" ، قال: ‏فركبت أم حكيم إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة.‏ ‏- وأرض فلسطين أرض مباركة بنص القرآن الكريم؛ حيث يقول الله عز وجل في سورة الإسراء ‏الجزء الخامس عشر:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي ‏باركنا حوله) ، وقال تعالى : (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها) ، قال ابن كثير : بلاد ‏الشام ، وقوله تعالى : (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) ، قال ‏ابن كثير : بلاد الشام ، وقال تعالى : (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) ، ‏قال ابن عباس : القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس. والبركة هنا حسية ومعنوية لما فيها من ‏ثمار وخيرات ، ولما خصت به من مكانة ، ولكونها مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار.‏

‏- وهي أرض مقدسة بنص القرآن الكريم ، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام : (يا ‏قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) ، قال الزجاج : المقدسة : الطاهرة ، وقيل سماها ‏المقدسة ، لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكناً للأنبياء والمؤمنين، قال الكلبي : الأرض ‏المقدسة هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وقال قتادة : هي الشام كلها(‏ ‏). وفلسطين أرض ‏الأنبياء ومبعثهم عليهم السلام ، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق ويعقوب ويوسف ‏ولوط ، وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ممن ورد ذكرهم في القرآن ‏الكريم ، كما زارها محمد صلى الله عليه وسلم. كما عاش على أرضها الكثير من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا ‏تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي جاءهم نبي ، وممن ورد ذكرهم في الحديث الصحيح نبي الله ‏يوشع عليه السلام. ولذلك فإن المسلمين عندما يقرؤون القرآن الكريم يشعرون بارتباط عظيم بينهم ‏وبين هذه الأرض ، لأن ميدان الصراع بين الحق والباطل تركز على هذه الأرض ، ولأنهم يؤمنون ‏بأنهم حاملو ميراث الأنبياء ورافعو رايتهم، وسيبقي الصراع بين الحق والباطل على أرض فلسطين ‏إلي قيام الساعة بنص القرآن الكريم قال تعالي:( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من ‏يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) (سورة الأعراف - الآية 167) (‏ ‏) ‏‏( تأذن ) تفعل من الإذن أي : أعلم ، قاله مجاهد . وقال وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من ‏هذه اللفظة ، ولهذا تلقيت باللام في قوله : ( ليبعثن عليهم ) أي : على اليهود ( إلى يوم القيامة ‏من يسومهم سوء العذاب ) أي : بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على ‏المحارم . ‏

‏- وتكثر في فلسطين أضرحة ومقامات ومزارات الأنبياء ، وهي تخلد ذكرى استقرارهم أو مرورهم ‏في هذه الأماكن ، فأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام سميت باسمه إحدى أهم مدن فلسطين ، وهي ‏مدينة الخليل ويقع ضريحه في هذه المدينة داخل الحرم الإبراهيمي. وللنبي صالح عليه السلام ‏سبعة أماكن على الأقل تخلد ذكرى نزوله في فلسطين أحدها في الرملة ، وله فيها موسم زيارة ‏سنوي مشهور، في شهر إبريل من كل عام ، وهناك قرية من قوى قضاء طولكرم اسمها "ارتاح" ‏تناقل الناس جيلاً بعد جيل أن يعقوب عليه السلام قد ارتاح فيها. وفي فلسطين أكثر من مقام ‏للنبي شعيب عليه السلام. وهناك مقام مشهور للنبي موسى عليه السلام قرب أريحا ، كما أن في ‏القدس ضريح داود عليه السلام ، أما المسيح عيسى عليه السلام فهناك العديد من الأماكن التي ‏تخلد ذكراه في القدس وبيت لحم والناصرة وغيرها.‏

‏- وفلسطين أرض الإسراء ، فقد اختار الله سبحانه المسجد الأقصى ليكون مسرى رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ومنه كان معراجه على السماء ، فشرف الله بذلك ‏هذا المسجد وأرض فلسطين تشريفاً عظيماً ، وجعلت بيت المقدس بذلك بوابة الأرض إلى السماء ‏، وهناك في المسجد الأقصى جمع الله سبحانه لرسوله الأنبياء من قبله فأمهم في الصلاة ، دلالة ‏على استمرار رسالة التوحيد التي جاء بها الأنبياء ، وعلى انتقال الإمامة والريادة وأعباء الرسالة ‏إلى الأمة الإسلامية.‏

‏ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالبراق فركبته ، حتى أتيت ‏بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد ، فصليت فيه ركعتين ، ‏ثم عرج بنا إلى السماء.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن ‏مسراي ، فسألتني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط ، فرفعه الله لي (أي بيت ‏المقدس) أنظر إليه ما يسألونني عن شيء إلا أنبأتهم به. قد رأيتني في جماعة من الأنبياء (يعني ‏في بيت المقدس) فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة. وإذا ‏عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا ‏إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه صلى الله عليه وسلم - فحانت الصلاة ‏فأممتهم ، فلما فرغت من الصلاة قال قائل : يا محمد هذا مالك صاحب النار ، فسلم عليه ، فالتفت ‏إليه ، فبدأني بالسلام.‏

‏- وتبسط الملائكة أجنحتها على أرض فلسطين ، التي هي جزء من بلاد الشام ، ففي الحديث ‏الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : :"يا طوبى للشام ، يا ‏طوبى للشام ، قالوا : يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال : تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام".‏ ‏- وهي أرض المحشر والمنشر ، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي ‏صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس ؟ ، فقال : "أرض المحشر والمنشر".‏

‏- وهي عقر دار الإسلام ، وقت اشتداد المحن والفتن ، فعن سلمة بن نفيل قال : قال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم : "عقر دار الإسلام بالشام" ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم : "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام ‏، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".‏

‏- والمقيم المحتسب فيها كالمجاهد والمرابط في سبيل الله ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه ‏قال : قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم  : "أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة ‏مرابطون في سبيل الله ، فمن احتل مدينة من المدائن فهو في رباط ، ومن احتل منها ثغراً فهو في ‏جهاد".‏

‏- وفي أحاديث يفسر ويقوي بعضها بعضاً أن الطائفة المنصورة الثابتة على الحق تسكن ‏الشام وخصوصاً بيت المقدس وأكنافها ، فعن أبي أمامه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تزال ‏طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين ، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قيل : يا ‏رسول الله أين هم ؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".‏‎ وفي نقاط محددة نبين أهمية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك على ضوء القرآن والسنة:‏‎

أولا : هي أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم نحو ما يزيد عن ستة عشر شهرا ‏بإمامة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا : فيها ‏ثالث الحرمين الشريفين الذي تشد إليه الرحال معهما ولا تشد لغيرها فقال عليه الصلاة والسلام : ‏‏{لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى‎.

ثالثا : فيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هنا يرتبط ذلك المكان بعقيدة كل مسلم وقد سجل الله تعالى هذا ‏بكتابه العزيز فقال عز من قائل : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد ‏الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير‎.

رابعا : هي مهبط الأنبياء والرسل ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده وهذا نابع من ‏احترام الإسلام والمسلمين للشرائع السماوية السابقة وأنبيائها ورسلها.

خامسا : في القدس أبرز معالم الحضارة الإسلامية وقد تركت تلك الحضارة بصمات لا تنسى فيها ‏مازالت ماثلة أمام التاريخ كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة ‏والجامع العمري وحائط البراق الذي أوقف النبي صلى الله عليه وسلم براقه عنده ليلة الإسراء وفي القدس مقابر ‏تضم في ثراها أعدادا كثيرة من الشهداء وأبطال المسلمين من عهد صلاح الدين الأيوبي ومن قبله ‏ومن بعده وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية التي اهتمت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية ‏والإسلامية وغيرها من العلوم‎. ‎

ولقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالقدس ما لم يحفلْ بمكانٍ آخر بعد المسجد الحرام. ‏وسرّ ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى خصّ أماكن معينة بالتقديس الخاص به.

فالبيت الحرام وكذلك ‏المسجد الأقصى خاصّان لله سبحانه وتعالى. ليس لبشر حقّ الادّعاء بأنهما ملكه أو خاصيته، ‏وقد اتضح ذلك في القرآن الكريم من خلال ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في بداية سورة ‏الإسراء حيث يقول سبحانه وتعالى:"‏‎ ‎سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد ‏الأقصى الذي باركنا حوله".(سورة الإسراء الآية 1‏‎.( وطالما أنّ القرآن الكريم كلام الله الذي أنزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك يعني أنّ التقديس ‏الإلهي للقدس يخص عقيدة التوحيد دون سواها وبشكل أخص فإنه يخص الأمة التي أنزل القرآن ‏لها وهي أمة الإسلام. وكل مقدس إلهي اتضح أمره في القرآن الكريم هو مقدس إسلامي، يخص ‏كل منْ أمن بأنْ لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن انتقص هذا التقديس فإنه ينتقص والعياذ بالله ‏من قدسية الله وما من محب لله ورسوله إلا ويحذر أنْ يقع في هذه الحرمة الواضحة. فالقدس لله ‏ولرسول الله ولأمة الله، فرض على المسلم أن يحافظ عليها ويدافع عنها؛ ولما أرسل رسولنا الكريم ‏‏-صلى الله عليه وسلم- منحه الله سبحانه نبوة متكاملة فكان خاتم الرسل والأنبياء وإمامهم. ولحرصه -صلى الله عليه وسلم- على ‏توضيح مكانة بيت المقدس فقد جعل من سنته الشريفة زيارة بيت المقدس كسنة إسلامية ترتبط ‏بالحج إلى بيت الله الحرام. وعدم زيارة الحاج إلى بيت المقدس قبل أو بعد حجه للبيت الحرام ‏إخلال بسنن الحج بل إنّ الحج ذاته إلى بيت الله الحرام يعتبر قاصرة إذا لم يقم المسلم الحاج ‏بزيارة بيت المقدس. وقد سار السلف الصالح على هذا النهج فكان التقديس أي زيارة بيت المقدس ‏سنة يطبقها المسلمون إما قبل توجههم إلى مكة أو بعد انتهائهم من تأدية فريضة الحج‎.

وما آل إليه المسلمون من تقصير واضح تجاه المطلب الإلهي هو انتقاص من قدسية خاصة من ‏خاصيات الله سبحانه وتعالى. ولو قرأ المسلمون ماذا يعني ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى ‏لما توانوا عن زيارة المسجد الأقصى. ولما رضوا أن يكون حجهم قاصراً‎.

ولو نظروا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصة بالقدس لأدركوا أنّ حجّهم غير مكتمل وأنّ عليهم ‏واجباً كبيراً تجاه القدس. يبدأ بالحفاظ عليها وتذليل كل العقبات المادية والحدود المصطنعة ‏وينتهي بالجهاد المسلح لتحريرها من قتلة الأنبياء وأعداء دين التوحيد من يهود وصليبيين‎.

فهل نحن معاً في فهم النداء الإلهي الذي يناشدنا نحن أمة التوحيد أنْ نحافظ على مقدساتنا أن ‏نرعاها ونظللها بنداء الله أكبر ونحن ندور في جنباتها ونسعي بين المسجد الأقصى ومسجد قبة ‏الصخرة؟ هل نحن معاً في فهم مقاصد الحديث النبوي الشريف الذي قال إن القدس أرض الرباط ‏وهي القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين. هل ندرك أن زيارتها والجهاد من أجلها تلبية لنداء ‏إلهي قرآني؟

المسجد الأقصى والأرض المباركة في القرآن الكري

وردت في القرآن الكريم آيات عديدة، منها ما صرح بالمسجد الأقصى، ومنها ما صرح بالأرض ‏المباركة أو المقدسة‎.‎‏ يقول تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد ‏الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) ‏‎ ومن المتفق عليه دون خلاف أو تأويل أنّ المسجد الأقصى في القدس من أرض فلسطين‎.

وقال تعالى في قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها ‏للعالمين) (الأنبياء الآية 71‏‎ (‎وقال تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي ‏باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) الأنبياء الآية 81. والأرض المباركة هي فلسطين أي ما حول ‏المسجد الأقصى وذلك باتفاق الآراء‎.‎

وقال تعالى في قصة سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير ‏سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) سبأ 18‏‎.‎

وهو ما كان بين مساكن سبأ في اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة فباركنا فيها أي الشام ‏ومنها القدس مركز البركة‎.‎‏ وقال تعالى: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين) التين، ‏الآية ‏‎-‎‏ قال ابن عباس: التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سينين ‏

وقال تعالى:(وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) (المؤمنون: 50‏)


قال ابن عباس: هي بيت المقدس‎ .‎وهناك آيات أخرى فسّرها المفسرون على أنّها تدل على بلاد ‏الشام بعامة التي منها بيت المقدس. (انظر سورة الأنبياء 105، ق41، النور 36، النحل)(17-‏‏18، الحديد: 13)، فمكانة القدس والأرض المباركة في القرآن الكريم لا تقل أهمية عن مكانة ‏القدس الحرام. ولهذا السبب كان المسجدان مرتبطين بالإسلام ارتباطاً وثيقاً. ولهذا السبب فهم ‏المسلمون الأوائل مسؤولية الدفاع عنهما والجهاد لأجل الحفاظ على قدسيتها. حتى يرث الله ‏الأرض وما عليها‎ - ‎فمتى تقدّس الجغرافيا؟ ومتى تقدّس الأمكنة؟ فالأوطان تقدس جغرافياً لأنها ‏رمز الوجود الوطني الاجتماعي ورمز التاريخ والحاضر والمستقبل. وفي سبيل هذه الجغرافيا ‏تضحي الشعوب بأبنائها وأموالها لتحافظ على كل ذرة من ترابها؛ ومن المعلوم أن كلمة مسجد ‏وردت بصيغتها المفردة في القرآن الكريم سبع عشرة مرة ووردت في صيغة الجمع ست مرات. منها ‏ما يخص المسجد الحرام، ومنها آية تربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، ومنها ما يعود على ‏المسجد الأقصى وذلك في الآية السابعة من سورة الإسراء بقوله تعالى: (وليدخلوا المسجد كما ‏دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا‎.

أما كلمة مساجد فقد وردت مرتبطة بستة مواقع بنسبتها إلى الله سبحانه- وردت في سورة الحج. ‏وسورة البقرة مرتين وسورة التوبة مرتين وفي سورة الجن وردت مرة واحدة‎.‎ ويقول تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه). سورة البقرة، الآية 114‏‎.‎‏ ‏ويقول تعالى: (ما كان للمشركين أنْ يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) سورة التوبة، ‏الآية 17‏‎-‎‏ وقد أطلقت كلمة مسجد لتربط العبادة بالسجود لله وحده. والسجود ‏‎فالآية التي افتتح الله بها سورة الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى ‏المسجد الأقصى الذي باركنا حوله....) نزلت بعد بدء الوحي بخمس سنوات وهذا يعني أنّ ‏الرسول صلى الله عليه وسلم كان ما يزال في بدء الدعوة. وهو مستضعف لا يستطيع مجابهة مشركي قريش ولا ‏بأية وسيلة سوى وسيلة الصبر والثبات والدعاء إلى الله‎.‎‏ ولو خضنا في معرفة المعاني التي ‏طرحتها واقعة الإسراء وقفنا طويلاً متأملين لماذا اختار الله بيت المقدس ليكون المكان الذي يسرى ‏برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه‎.‎ويدهشنا منذ البداية هذا الرابط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى‎-‎‏ فقمة ‏الإكرام الإلهي لنبيه تأتي بإسرائه إلى المسجد الأقصى. وهنا تكمن قدسية المسجد الأقصى وبيت ‏المقدس. إنها قدسية تبلغ الذروة. فسيد الأنبياء وخاتمهم يسرى به إلى المسجد الأقصى. لأن ‏الأقصى مثل الكعبة خاص لله وحده، وهو من المساجد التي العظيمة. والمسجد الأقصى حين ‏نزول سورة الإسراء على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو جغرافياً جزء من أرض مباركة تسمى فلسطين ‏وما جاورها ظلّت من قبل الرومان منذ 70 ق.م وحتى ظهور الإسلام. وقبل هذا التاريخ كان فيها ‏بعض اليهود وفي مرحلة من المراحل بلغ وجودهم فيها إقامة دويلة حكموا فيها بعض اليهود وفي ‏مرحلة بلغ وجودهم فيها إقامة دويلة حكموا فيها من قبل النبي داود وابنه سليمان عليه السلام‎.‎

وفي الجانب العقيدي ارتبط بهذا المكان المقدس عدد من الأنبياء. وباعتبار أنّ مباركة هذه ‏الأرض خاصة بالله، فإنّ حكمته اقتضت أنْ يكون للأرض المباركة شأن فريد من نوعه لدى ‏الأنبياء منذ إبراهيم -عليه السلام-. وأكثر من ارتبط عقيدياً بها النبي إبراهيم أولاً ثم داود وسليمان ‏وعيسى وزكريا ويحيى عليهم السلام. فهي إذاً موطن إشعاع توحيدي نبوي. فكما كان المسجد ‏الحرام زمن إبراهيم وإسماعيل موطن إشعاع توحيدي، كذلك كانت الأرض المباركة وفيها المسجد ‏الأقصى‎.‎