فلسطين وأخبارها في الإسلام
مكانة فلسطين وأخبارها في التصور الإسلامي
فلسطين أرض الرسالات السماوية التي بارك الله عز وجل فيها؛ بل جعلها مباركة ومطهرة؛ وأكرم أهلها بكرامات أهمها أنهم في رباط إلي يوم القيامة، من مات من أهلها وهو يحمل هذا الفكر في قلبهِ وعقلهِ فلهُ أجر الشهُداء؛ وفلسطين مفتاح الأرض إلي السماء؛ وسرة الأرض؛ وتتمتع أرض فلسطين بمكانة خاصة في التصور الإسلامي ، وهي المكانة التي جعلتها محط أنظار المسلمين ومهوى قلوبهم.
المبحث الأول: مكانة فلسطين والمسجد الأقصى المبارك على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية
تبوأت فلسطين مكانة عالية وغالية وعظيمة وكبيرة في الإسلام؛ فكانت فيها ثاني مسجدين وضع في الأرض بعد المسجد الحرام وضعت الملائكة الكرام أساساتهُ؛ وهو المسجد الأقصى المبارك ، وهو أول قبلة للمسلمين في صلاتهم ، كما يعتبر ثالث المساجد مكانة ومنزلة في الإسلام بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي ، ويسن شد الرحال إليه وزيارته ، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة عما سواه من المساجد .فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ، وقال صلى الله عليه وسلم : "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة"( )، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس. وروى الطبري في تاريخه عن قتادة قال : "كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم وجّه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام". وعن أبي ذر رضي الله عنه قال "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض ؟ ، قال : المسجد الحرام ، قلت: ثم أي؟ ، قال : المسجد الأقصى". وعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يا رسول الله ، أفتنا في بيت المقدس؟ ، فقال : "ائتوه فصلوا فيه ، فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله"( ). وعن أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ، أو "وجبت له الجنة" ، ثم قال : يرحم الله وكيعاً أحرم من بيت المقدس (يعني إلى مكة)، ورواه البيهقي وابن حبان في صحيحه ولفظه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أهل من المسجد الأقصى بعمرة غفر له ما تقدم من ذنبه" ، قال: فركبت أم حكيم إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة. - وأرض فلسطين أرض مباركة بنص القرآن الكريم؛ حيث يقول الله عز وجل في سورة الإسراء الجزء الخامس عشر:(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) ، وقال تعالى : (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها) ، قال ابن كثير : بلاد الشام ، وقوله تعالى : (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) ، قال ابن كثير : بلاد الشام ، وقال تعالى : (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) ، قال ابن عباس : القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس. والبركة هنا حسية ومعنوية لما فيها من ثمار وخيرات ، ولما خصت به من مكانة ، ولكونها مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار.
- وهي أرض مقدسة بنص القرآن الكريم ، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام : (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) ، قال الزجاج : المقدسة : الطاهرة ، وقيل سماها المقدسة ، لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكناً للأنبياء والمؤمنين، قال الكلبي : الأرض المقدسة هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وقال قتادة : هي الشام كلها( ). وفلسطين أرض الأنبياء ومبعثهم عليهم السلام ، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط ، وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ممن ورد ذكرهم في القرآن الكريم ، كما زارها محمد صلى الله عليه وسلم. كما عاش على أرضها الكثير من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي جاءهم نبي ، وممن ورد ذكرهم في الحديث الصحيح نبي الله يوشع عليه السلام. ولذلك فإن المسلمين عندما يقرؤون القرآن الكريم يشعرون بارتباط عظيم بينهم وبين هذه الأرض ، لأن ميدان الصراع بين الحق والباطل تركز على هذه الأرض ، ولأنهم يؤمنون بأنهم حاملو ميراث الأنبياء ورافعو رايتهم، وسيبقي الصراع بين الحق والباطل على أرض فلسطين إلي قيام الساعة بنص القرآن الكريم قال تعالي:( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) (سورة الأعراف - الآية 167) ( ) ( تأذن ) تفعل من الإذن أي : أعلم ، قاله مجاهد . وقال وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة ، ولهذا تلقيت باللام في قوله : ( ليبعثن عليهم ) أي : على اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) أي : بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على المحارم .
- وتكثر في فلسطين أضرحة ومقامات ومزارات الأنبياء ، وهي تخلد ذكرى استقرارهم أو مرورهم في هذه الأماكن ، فأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام سميت باسمه إحدى أهم مدن فلسطين ، وهي مدينة الخليل ويقع ضريحه في هذه المدينة داخل الحرم الإبراهيمي. وللنبي صالح عليه السلام سبعة أماكن على الأقل تخلد ذكرى نزوله في فلسطين أحدها في الرملة ، وله فيها موسم زيارة سنوي مشهور، في شهر إبريل من كل عام ، وهناك قرية من قوى قضاء طولكرم اسمها "ارتاح" تناقل الناس جيلاً بعد جيل أن يعقوب عليه السلام قد ارتاح فيها. وفي فلسطين أكثر من مقام للنبي شعيب عليه السلام. وهناك مقام مشهور للنبي موسى عليه السلام قرب أريحا ، كما أن في القدس ضريح داود عليه السلام ، أما المسيح عيسى عليه السلام فهناك العديد من الأماكن التي تخلد ذكراه في القدس وبيت لحم والناصرة وغيرها.
- وفلسطين أرض الإسراء ، فقد اختار الله سبحانه المسجد الأقصى ليكون مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ومنه كان معراجه على السماء ، فشرف الله بذلك هذا المسجد وأرض فلسطين تشريفاً عظيماً ، وجعلت بيت المقدس بذلك بوابة الأرض إلى السماء ، وهناك في المسجد الأقصى جمع الله سبحانه لرسوله الأنبياء من قبله فأمهم في الصلاة ، دلالة على استمرار رسالة التوحيد التي جاء بها الأنبياء ، وعلى انتقال الإمامة والريادة وأعباء الرسالة إلى الأمة الإسلامية.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالبراق فركبته ، حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد ، فصليت فيه ركعتين ، ثم عرج بنا إلى السماء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي ، فسألتني عن أشياء لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط ، فرفعه الله لي (أي بيت المقدس) أنظر إليه ما يسألونني عن شيء إلا أنبأتهم به. قد رأيتني في جماعة من الأنبياء (يعني في بيت المقدس) فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة. وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه صلى الله عليه وسلم - فحانت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت من الصلاة قال قائل : يا محمد هذا مالك صاحب النار ، فسلم عليه ، فالتفت إليه ، فبدأني بالسلام.
- وتبسط الملائكة أجنحتها على أرض فلسطين ، التي هي جزء من بلاد الشام ، ففي الحديث الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : :"يا طوبى للشام ، يا طوبى للشام ، قالوا : يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال : تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام". - وهي أرض المحشر والمنشر ، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس ؟ ، فقال : "أرض المحشر والمنشر".
- وهي عقر دار الإسلام ، وقت اشتداد المحن والفتن ، فعن سلمة بن نفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عقر دار الإسلام بالشام" ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام ، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".
- والمقيم المحتسب فيها كالمجاهد والمرابط في سبيل الله ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم : "أهل الشام وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله ، فمن احتل مدينة من المدائن فهو في رباط ، ومن احتل منها ثغراً فهو في جهاد".
- وفي أحاديث يفسر ويقوي بعضها بعضاً أن الطائفة المنصورة الثابتة على الحق تسكن الشام وخصوصاً بيت المقدس وأكنافها ، فعن أبي أمامه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين ، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قيل : يا رسول الله أين هم ؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". وفي نقاط محددة نبين أهمية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك على ضوء القرآن والسنة:
أولا : هي أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم نحو ما يزيد عن ستة عشر شهرا بإمامة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا : فيها ثالث الحرمين الشريفين الذي تشد إليه الرحال معهما ولا تشد لغيرها فقال عليه الصلاة والسلام : {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.
ثالثا : فيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هنا يرتبط ذلك المكان بعقيدة كل مسلم وقد سجل الله تعالى هذا بكتابه العزيز فقال عز من قائل : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.
رابعا : هي مهبط الأنبياء والرسل ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده وهذا نابع من احترام الإسلام والمسلمين للشرائع السماوية السابقة وأنبيائها ورسلها.
خامسا : في القدس أبرز معالم الحضارة الإسلامية وقد تركت تلك الحضارة بصمات لا تنسى فيها مازالت ماثلة أمام التاريخ كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة والجامع العمري وحائط البراق الذي أوقف النبي صلى الله عليه وسلم براقه عنده ليلة الإسراء وفي القدس مقابر تضم في ثراها أعدادا كثيرة من الشهداء وأبطال المسلمين من عهد صلاح الدين الأيوبي ومن قبله ومن بعده وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية التي اهتمت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية والإسلامية وغيرها من العلوم.
ولقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالقدس ما لم يحفلْ بمكانٍ آخر بعد المسجد الحرام. وسرّ ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى خصّ أماكن معينة بالتقديس الخاص به.
فالبيت الحرام وكذلك المسجد الأقصى خاصّان لله سبحانه وتعالى. ليس لبشر حقّ الادّعاء بأنهما ملكه أو خاصيته، وقد اتضح ذلك في القرآن الكريم من خلال ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في بداية سورة الإسراء حيث يقول سبحانه وتعالى:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله".(سورة الإسراء الآية 1.( وطالما أنّ القرآن الكريم كلام الله الذي أنزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك يعني أنّ التقديس الإلهي للقدس يخص عقيدة التوحيد دون سواها وبشكل أخص فإنه يخص الأمة التي أنزل القرآن لها وهي أمة الإسلام. وكل مقدس إلهي اتضح أمره في القرآن الكريم هو مقدس إسلامي، يخص كل منْ أمن بأنْ لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن انتقص هذا التقديس فإنه ينتقص والعياذ بالله من قدسية الله وما من محب لله ورسوله إلا ويحذر أنْ يقع في هذه الحرمة الواضحة. فالقدس لله ولرسول الله ولأمة الله، فرض على المسلم أن يحافظ عليها ويدافع عنها؛ ولما أرسل رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- منحه الله سبحانه نبوة متكاملة فكان خاتم الرسل والأنبياء وإمامهم. ولحرصه -صلى الله عليه وسلم- على توضيح مكانة بيت المقدس فقد جعل من سنته الشريفة زيارة بيت المقدس كسنة إسلامية ترتبط بالحج إلى بيت الله الحرام. وعدم زيارة الحاج إلى بيت المقدس قبل أو بعد حجه للبيت الحرام إخلال بسنن الحج بل إنّ الحج ذاته إلى بيت الله الحرام يعتبر قاصرة إذا لم يقم المسلم الحاج بزيارة بيت المقدس. وقد سار السلف الصالح على هذا النهج فكان التقديس أي زيارة بيت المقدس سنة يطبقها المسلمون إما قبل توجههم إلى مكة أو بعد انتهائهم من تأدية فريضة الحج.
وما آل إليه المسلمون من تقصير واضح تجاه المطلب الإلهي هو انتقاص من قدسية خاصة من خاصيات الله سبحانه وتعالى. ولو قرأ المسلمون ماذا يعني ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى لما توانوا عن زيارة المسجد الأقصى. ولما رضوا أن يكون حجهم قاصراً.
ولو نظروا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصة بالقدس لأدركوا أنّ حجّهم غير مكتمل وأنّ عليهم واجباً كبيراً تجاه القدس. يبدأ بالحفاظ عليها وتذليل كل العقبات المادية والحدود المصطنعة وينتهي بالجهاد المسلح لتحريرها من قتلة الأنبياء وأعداء دين التوحيد من يهود وصليبيين.
فهل نحن معاً في فهم النداء الإلهي الذي يناشدنا نحن أمة التوحيد أنْ نحافظ على مقدساتنا أن نرعاها ونظللها بنداء الله أكبر ونحن ندور في جنباتها ونسعي بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة؟ هل نحن معاً في فهم مقاصد الحديث النبوي الشريف الذي قال إن القدس أرض الرباط وهي القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين. هل ندرك أن زيارتها والجهاد من أجلها تلبية لنداء إلهي قرآني؟
المسجد الأقصى والأرض المباركة في القرآن الكري
وردت في القرآن الكريم آيات عديدة، منها ما صرح بالمسجد الأقصى، ومنها ما صرح بالأرض المباركة أو المقدسة. يقول تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) ومن المتفق عليه دون خلاف أو تأويل أنّ المسجد الأقصى في القدس من أرض فلسطين.
وقال تعالى في قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) (الأنبياء الآية 71 (وقال تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) الأنبياء الآية 81. والأرض المباركة هي فلسطين أي ما حول المسجد الأقصى وذلك باتفاق الآراء.
وقال تعالى في قصة سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين) سبأ 18.
وهو ما كان بين مساكن سبأ في اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة فباركنا فيها أي الشام ومنها القدس مركز البركة. وقال تعالى: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين) التين، الآية - قال ابن عباس: التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سينين
وقال تعالى:(وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) (المؤمنون: 50)
قال ابن عباس: هي بيت المقدس .وهناك آيات أخرى فسّرها المفسرون على أنّها تدل على بلاد الشام بعامة التي منها بيت المقدس. (انظر سورة الأنبياء 105، ق41، النور 36، النحل)(17-18، الحديد: 13)، فمكانة القدس والأرض المباركة في القرآن الكريم لا تقل أهمية عن مكانة القدس الحرام. ولهذا السبب كان المسجدان مرتبطين بالإسلام ارتباطاً وثيقاً. ولهذا السبب فهم المسلمون الأوائل مسؤولية الدفاع عنهما والجهاد لأجل الحفاظ على قدسيتها. حتى يرث الله الأرض وما عليها - فمتى تقدّس الجغرافيا؟ ومتى تقدّس الأمكنة؟ فالأوطان تقدس جغرافياً لأنها رمز الوجود الوطني الاجتماعي ورمز التاريخ والحاضر والمستقبل. وفي سبيل هذه الجغرافيا تضحي الشعوب بأبنائها وأموالها لتحافظ على كل ذرة من ترابها؛ ومن المعلوم أن كلمة مسجد وردت بصيغتها المفردة في القرآن الكريم سبع عشرة مرة ووردت في صيغة الجمع ست مرات. منها ما يخص المسجد الحرام، ومنها آية تربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، ومنها ما يعود على المسجد الأقصى وذلك في الآية السابعة من سورة الإسراء بقوله تعالى: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا.
أما كلمة مساجد فقد وردت مرتبطة بستة مواقع بنسبتها إلى الله سبحانه- وردت في سورة الحج. وسورة البقرة مرتين وسورة التوبة مرتين وفي سورة الجن وردت مرة واحدة. ويقول تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه). سورة البقرة، الآية 114. ويقول تعالى: (ما كان للمشركين أنْ يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) سورة التوبة، الآية 17- وقد أطلقت كلمة مسجد لتربط العبادة بالسجود لله وحده. والسجود فالآية التي افتتح الله بها سورة الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله....) نزلت بعد بدء الوحي بخمس سنوات وهذا يعني أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان ما يزال في بدء الدعوة. وهو مستضعف لا يستطيع مجابهة مشركي قريش ولا بأية وسيلة سوى وسيلة الصبر والثبات والدعاء إلى الله. ولو خضنا في معرفة المعاني التي طرحتها واقعة الإسراء وقفنا طويلاً متأملين لماذا اختار الله بيت المقدس ليكون المكان الذي يسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه.ويدهشنا منذ البداية هذا الرابط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى- فقمة الإكرام الإلهي لنبيه تأتي بإسرائه إلى المسجد الأقصى. وهنا تكمن قدسية المسجد الأقصى وبيت المقدس. إنها قدسية تبلغ الذروة. فسيد الأنبياء وخاتمهم يسرى به إلى المسجد الأقصى. لأن الأقصى مثل الكعبة خاص لله وحده، وهو من المساجد التي العظيمة. والمسجد الأقصى حين نزول سورة الإسراء على قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو جغرافياً جزء من أرض مباركة تسمى فلسطين وما جاورها ظلّت من قبل الرومان منذ 70 ق.م وحتى ظهور الإسلام. وقبل هذا التاريخ كان فيها بعض اليهود وفي مرحلة من المراحل بلغ وجودهم فيها إقامة دويلة حكموا فيها بعض اليهود وفي مرحلة بلغ وجودهم فيها إقامة دويلة حكموا فيها من قبل النبي داود وابنه سليمان عليه السلام.
وفي الجانب العقيدي ارتبط بهذا المكان المقدس عدد من الأنبياء. وباعتبار أنّ مباركة هذه الأرض خاصة بالله، فإنّ حكمته اقتضت أنْ يكون للأرض المباركة شأن فريد من نوعه لدى الأنبياء منذ إبراهيم -عليه السلام-. وأكثر من ارتبط عقيدياً بها النبي إبراهيم أولاً ثم داود وسليمان وعيسى وزكريا ويحيى عليهم السلام. فهي إذاً موطن إشعاع توحيدي نبوي. فكما كان المسجد الحرام زمن إبراهيم وإسماعيل موطن إشعاع توحيدي، كذلك كانت الأرض المباركة وفيها المسجد الأقصى.