مصطفى مراد الدباغ
مقدمة
كتاب التاريخ الموسوعيون في زمننا قلة، أولئك الذين يتحلون بصفات المؤرخين الأكفاء، كالدقة والنزاهة والصدق والصراحة والإنصاف والذكاء والجدة مع المثابرة والمنهجية الحقة، لأن المعول عليه في التأليف التاريخي في الغالب يقوم على إبراز الأسباب والنتائج وعلى تنسيق الخصائص. أما جمع مفردات المعلومات بشكل تراكمي فأمر قليل الجدوى اذا لم يصحبه شهادة واستشهاد من المصادر الأصلية الموثوقة، لا مجرد قيل عن قال.
وعلم التاريخ بأوسع معانيه كما جاء في الموسوعة العربية الميسرة هو "قصة ماضي الإنسان" أو هو "عرض منظم مكتوب للأحداث"، وهو لا يسجلها بل يسعى إلى إيضاح أسبابها ودلالتها، ويعرضها على نحو يدل على تشابكها معا في قصة واحدة. وهو بهذا المفهوم لا بد أن يحتاج متناوله لتلك الصفات. ومهما يكن من أمر التاريخ وموضوعاته وكتبته وصفاتهم، فإننا بصدد الحديث عن مؤرخ ومرب وباحث مدقق هو الأستاذ مصطفى مراد الدباغ صاحب أكبر موسوعتين فلسطينيتين في تاريخ وجغرافية وحضارة بلده. هذا العالم الذي ولد في أواخر القرن الماضي في مدينة يافا، ونشأ وترعرع فيها، وتنقل بحكم دراسته وعمله في جل ربوع فلسطين مدنها وقراها، ولبنان وسوريا وتركيا والحجاز وقطر والأردن. وقد ساعده على التأليف التاريخي كثرة تنقله وترحاله بسبب طبيعة عمله التربوي من ناحية، ومن ناحية ثانية، وهي أكثر أهمية، دراساته ومطالعاته لكتب التاريخ العربي والإسلامية لكتب التاريخ العربي والإسلامي خاصة تاريخ بلاد الشام، وقراءاته الواسعة لكتب الرحالة العرب القدماء، والرحالة الفرنجة والمستشرقين المحدثين في جل ما كتبوه عن هذه الديار من معلومات وبمختلف اللغات. وناحية ثالثة لا تقل أهمية عن سابقتيها هي ما منحه الله سبحانه وتعالى له من صفات خلقية وخلقية: من إرادة وعزيمة وإيمان وإخلاص وغيرها، تضافرت جميعها حقا وعملت على صقل عقلية هذا العالم الباحث وموهبته، ومنحته قدرة على إنتاج آثاره القيمة التي جاء فيها بالطريف والتالد.
الإبداع والعطاء في حياته
ومن حق هذا الرجل علينا، وقد رحل قبل عشرة أعوام بعد حياة حافلة بالبحث والإبداع والعطاء، أن نعرف سيرته وآثاره التي تركها ذخيرة للأجيال. ومن هنا بادرت لإعداد هذه الدراسة المتواضعة على وجه السرعة، تناولت من خلالها وبقدر ما أسعفتني المصادر المتوفرة الجوانب التالية:
أولا: سيرته من ناحية مولده، ونسبه، وآله، وثقافته، وأسرته، وأعماله في مختلف الميادين الحياتية، وأخلاقه وصفاته ووفاته. ثانيا: آثاره، تتبعتها أثرا إثر أثر، معرفا بها شكلا ومضمونا، ثم ختمت الدراسة بمقتطفات من كتاباته في مقدمات كتبه. راجيا أن أتمكن مستقبلا من عمل دراسة واسعة لحياة وآثار هذا المؤرخ والمربي المرموق. والله من وراء القصد.
إعداد
إعداد: الدكتور عمر شكارنة