أريحا
محتويات
مسميات المدينة
ترتبط مسميات المدن بمميزاتها وخواصها فهي لا تأتي بمحض الصدفة، بل تكون صفة خُلقت مع المدينة وتفوقت بوجودها، هناك من المسميات ما يتم الكشف عنه، وهناك ما يبقي سرا لخاصية لم تُكتشف بعد، أقدمية أريحا اعطتها مسميات مختلفة فالعصور المتعددة التي مرت عليها تركت أثارها وأسمائها علي أرضها، نستطيع القول انه منذ القدم قد وصفها الحميدي في معجمه الجغرافي أنها من أجمل وأجل البلاد في غور الشام، فأريحا تمتاز بمميزات تشُد الغريب اليها فبحرها الميت سُمى ببحر الاسفلت ،هذا وقد وصفها البغدادي في كتابه معجم البلدان فقال : مدينة الجبارين.
هناك مسمى أخر للمدينة يقول بأن الاسم مشتق من (ريحا) بسبب وفرة الياسمين والنيروليا ، هذا بجانب المسمي المتعارف عليه بين الجميع وهو (يريح ) القمر، والذى يرجع ربما الي صفاء سمائها او الي انتشار عبادة القمر بين الكنعانيين.
أيضا عُرفت المدينة بلغة سكان الجزيرة العربية (يرخو) أي شهر، وباللغة السريانية تُعنى الرائحة العطرة أو الاريج، وعُرفت بأسماء أخري مثل حديقة الرب وواحة النخيل ، أما في لغة جنوب بلاد العرب فإن أريحا مشتقة من الفعل يريحو أو اليرح والتي تُعنى كما ذكرنا أيضا الشهر أو القمر.
إن مسميات المدينة تعددت بجانب المسميات الاخرى التي سيتم ذكرها فهي جميعا تُعطينا معاني شاملة للمميزات المدينة أيضا وتكون شواهد عليها ، فقد قال بعضهم: أريخا لغة عبرانية ، حيث سميت فيما قبل أريحا بن أرفخشد بن سام بن نوح والاسم أريحا هو اسم سامي الاصل ، تلفظه العامة ريحا، في فترة من الفترات سُميت باسم هدية أنطوانيوس لكيلوباترا وأطلق عليها مدينة وادي الصيصبان وتل سلطان او عين اليشع وتعد اريحا من أقدم مدن فلسطين ولا اختلاف بين الاثريين على ذلك.
أطلق عليها اسم وادى الصيصبان نسبة الي شجر الصيبصبان الذي ينتشر في هذه المنطقة، و الذي يلتف حول بساتينها، ومازال حتي يومنا هذا، كما عرفت المدينة باسم رويحه تصغير ريحا وهي علي مسيرة 8 أميال جنوبي شرقي أريحا الحالية.
جميع المسميات السابقة ان دلت تدل علي شيء واحد وهو أن اصل التسمية هو سامي الاصل ، فهي عند الكنعانيين تعنى القمر وعند العرب تعني أريحاء، أريحا القديمة لم تكن سوي تل صناعي صغير يُدعي تل السلطان وهو اصل التسمية.
نري ان معظم أسماء المدينة كانت عربية خالصة وذات جذور عربية أصيلة يغرق بعضها في القدم ، فنجد اشارات من خلال الاسماء ان هناك لهجات عربية قديمة مما يتطلب منا جميعا الحفاظ على الاسماء العربية خاصة وذلك لان أسماء القري والمدن بشكل عام تكشف وتوضح لنا معلومات تاريخية بعضها كان قد حُرف ايضا من خلال الاسماء نستطيع التعرف على مواقع اماكن ذكرت في المراجع ولم يعرف موضعها.
نستطيع القول ان أريحا تُمثل المحافظة ذات الاثار والحضارة البعيدة والتي لم يُنصفها التاريخ بالرغم من جذوره المتأصلة داخله، أريحا البلدة المعروفة غربي النهر، قال ابن قتيبة كانت مسكن بلعم أريحا والشام.
قال المقدسي عنها انها معدن النيل والنخيل، رستاقها الغور وزروعهم تُسقي من العيون ، شديدة الحر ، أيضا معدن الحيات والعقارب أهلها سُمر وسودان ، غير أن ماءها أخف وأفضل ماء في الاسلام.
وقد سماها البعض الارض المقلوبة حيث بعدما أهلك الله الاقوام التي فعلت المنكر هناك قلبها الله عزوجل ولم ينبت فيما بعد أي نبات ولمدة طويلة وبقيت بقعة سوداء فرشت فيها حجارة ذُكر أنها الحجارة التي أمطرت عليها وعلى قومها أو بالقرب منها حيث الاغوار، وقد ورد ذكرها في التوراة باسم (اريحة) وهي اول مدينة كنعانية هوجمت من قبل بني اسرائيل ، اذ تمكن قائدهم يوشع بن نون كما تقول بعض الروايات من الاستيلاء علي المدينة واحراق اهلها.
جغرافية المدينة
أريحا مدينة عربية تبعد مساحة 37كم الي الشمال الشرقي من مدينة القدس و تنخفض 276 مترا عن مستوى سطع البحر وبذلك هي المنطقة الاكثر انخفاضا عن سطح البحر في العالم ، وذلك دليل على أقدمية المدينة.
تنبع اهمية موقع مدينة أريحا بكونها منطقة عبور بين الاردن وفلسطين وتنفتح شمالا الي بيسان، حيث تقع أريحا علي هضبة سهل الغور المعروف باسمها ، لموقع مدينة أريحا اهمية اقتصادية كبيرة لان المدينة قابعة في قلب واحة زراعية خصبة حيث انها كانت تُزود المناطق المجاورة لها بالمنتجات الزراعية كالحمضيات والموز، هذا ويؤمها الكثير من السياح لمشاهدة الاثار التاريخية والاديرة حولها ، أيضا للمدينة اهمية عسكرية فهي بوابة طبيعية تُشرف علي الطرق المؤدية الي الاغوار والمرتفعات الجبلية وقد استاءت اسرائيل من هذه المزايا فحرصت على احتلالها ، أيضا كانت المدينة عقدة مواصلات تربط ارض الرافدين بأرض النيل عبر الشام ، الحديث عن بيئة وموقع أريحا يشبه الحديث عن طبيعة ذات خصائص متكاملة سواء من حيث الموقع او بنيتها أو تربتها والثي تُشكل ما يُسمى بالأرض الرديئة او شبكة مياهها التي عبارة عن نهر عظيم يمر فيها بجانب عيون عديدة جعل منها مكانا للفت الانظار، ومناخها الذي يمتاز بالدفء شتاء والحر اللافح صيفا مع مطر قليل جدا.
تطل أريحا علي ثاني أهم بحر في فلسطين وهو البحر الميت ذات الاهمية الاقتصادية والعلاجية والسياحية للمحافظات، بالإضافة الى أن البحر الميت يختزن في باطنه ثروة هائلة لمجموعة كبيرة من الاملاح والمعادن ذات القيمة الاقتصادية العالية لدخولها في العديد من الصناعات الحديثة.
يوجد في أريحا الينابيع التي تُزود المدينة بالمياه ، فمناخها المدارى الصحراوي متوسط الامطار، لم يكن قادر على تلبية احتياجات المدينة من المياه، تبلغ مساحة المدينة العمرانية 6 الاف دونم ويُمارس جزء كبير من سكانها الزراعة حيث بلغت مساحة الاراضي التابعة لها 137.5دونما فيها الزراعات المروية كالحمضيات والموز والزيتون والعنب والنخيل ، وتشمل محافظة أريحا على التجمعات التالية : مرج نعجة، والزبيدات، ومرج الغزال، والجفتلك، وفصايل، والعوجا، ومخيم عقبة جبر، والنبي موسي ، وتبعد أريحا عن نهر الاردن 7 كيلو مترات وعن القدس 35 كيلومترا وقد عبدت طريق جديد بين أريحا والقدس وتمر وسط الجبال والوديان وتنحدر كثيرا نحو الشرق.
تقوم اريحا اليوم علي هضبة منبسطة هي احد المدرجات البحرية القديمة التي نشأت بعد انحسار وجفاف البحيرة الاردنية القديمة، وهى في موقعها تشبه مدينة بيسان وبالرغم من ان موقع مدينة أريحا يعتبر من أكثر المناطق انخفاضا بالعالم الا ان مستوى ارض المدينة أكثر ارتفاعا من مستويات الاراضي الممتدة الي الشرق منها نحو نهر الاردن والبحر الميت.
قامت في غور أريحا عدة مجتمعات منها مدينتا الاثم سدوم وعمورة اللتان كفر أهلها لانهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، ويقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر فأهلكم الله بظلمهم.
تجري في أريحا عدة وديان من الشمال الي الجنوب منها وادي العوجا ووادي النويعمة ووادي الكلت . وقد تحدث الرحالة والجغرافيون العرب عن موقعها الجغرافي ، فيقول الاصطخري عن الامتداد الطبيعي لأريحا الواقعة في منطقة الغور : يبدأ الغور من بحيرة طبريا، ويذهب مع الامتداد تجاه بيسان مارا بزغر، فأريحا أسفلا حتي البحر الميت ، أما ابن حوقل فيقول: يقع الغور ما بين جبلين غائرين في الارض جدا ينتهيان الي زغر وأريحا الي الحيرة الميتة.
نستطيع القول أن للبيئة اثرا عظيما في الاعمار البشري من حيث التربة والمناخ وفئات السكان أو من حيث التوزيع والتملك ، فالمناخ القاسي في الصيف اوجد نموذجا بشريا متميزا (الريحاويين) ، والدفء في فصل الشتاء ووفرة الماء أوجد اندفاعا من قبل البشر علي المنطقة ، واما الانخفاض عن مستوي سطح البحر فقد أوجد خزانا من المياه في الجبال الغربية ، بجانب التأكيد على أقدمية المدينة واحتوائها على أكثر من 22 طبقة تاريخية.
تاريخ المدينة
إن مدينة أريحا هي أقدم مدن العالم علي الاطلاق كما بينها علم الاثار حتي اليوم، وهي اقدم من مدينة دمشق بخمسة الاف سنة، وقد كانت مأهولة بالسكان قبل أيام أبي الانبياء ابراهيم الخليل بحوالي ستة الاف سنة ، وقد ثبت بأدلة تاريخية وأثرية إن تدجين الحيوانات ومعرفة الفلاحة والزراعة نشأت في هذه البقعة بالذات وفيها ظهرت أول حكومة منظمة بقيادتها وبضرائبها وبأعمالها الجماعية كبناء السور حولها والبرج ليتولى فيه الحراس مراقبة تحركات الاعداء.
أيضا نستطيع القول ان تاريخ أريحا القديمة يبدأ من تل السلطان فهو واحد من أكثر العيون غزارة والتي هي أساس الاستيطان البشري في الموقع ، حيث اظهرت الحفريات الاثرية وجود12 طبقة وسباق حضاري في الموقع ، وكانت الحضارة النطوفية مرحلة العصر الحجري الوسيط والتي اعتمد فيها السكان علي جمع الحبوب البشرية وصيد الحيوانات وسكان هذه المرحلة هم اول من سكن اريحا او تل السلطان ، يرجع تاريخ المدينة الي العصر الحجري ، أي الي قبل سبعة ألاف عام على مر العصور القديمة ، هذا وكانت عبادة القمر منتشرة هناك واتخذها الهكسوس قاعدة لهم ، هذا وقد دلت الحفريات الاثرية أن المدينة القديمة سكنت علي اربع فترات متتالية في عصر ما قبل العصر الفخاري او النيوليثي الاول في اريحا 6800ق.م، والعصر ما قبل العصر الفخاري الثاني حوالي 5500ق.م والعصر الينوليثي المتأخر في اريحا ما بين 5000-2000ق.م.
وجود عوامل الحياة في المدينة بما فيها الزراعة وحرف وضعت الانسان البدائي على اول طريق التمدن ، والذي ادي بدوره الي زيادة عدد السكان في القرية الزراعية وتحويلها الي ورشى عمل في مختلف مجالات الحياة فولدت حرف كثيرة اصبحت مصدر رزق لكثير من الحرفيين كصناعة المناجل والقطن والخشب وبذلك تكون اريحا القرية وضعت حجر الاساس لبنية المدينة القديمة بكل ما تعنيه من معني.
أما البيوت والمساكن فقد كانت دائرية الشكل تميل الي الداخل كلما ارتفعت ، مبنية من اللبن ، وربما كانت قبابا كالتي ما تزال نراها في ارياف سورية.
بدأت عمليات الاستيطان اليهودي في المدينة اوائل القرن الثالث حيث غزا العبرانيون فلسطين بعد خروجهم من تلال مؤاب وأقاموا في مخيم ابل ومن هناك نزحوا الي فلسطين بقيادة يوشع بن نون ، وكانت اريحا من المدن الفلسطينية التي سقطت بأيديهم كما تقول الرواية التوراتية أريحا التي أقامها هيردودس خُربت واعاد الرومان بناءها حيث هي اليوم علي نهر الكلت وفي عهد قسطنطين الكبير انتشرت المسيحية فيها فكانت أريحا مركزا للأسقفية ، وفي عهد البيزنطيين نمت وتقدمت وبني فيها يوستنيا كنيسة ضخمة تحمل اسم السيدة مريم وديرا كبيرا ومع مجيء الاسلام في القرن السابع تطورت الزراعة المروية، مما اكسب اريحا اسم مدينة النخيل وذلك في الفترة التي شُيد فيها قصر هشام والذي يعتبر من اهم الاثار التي خلفها الامويون في كافة ارجاء فلسطين ، وكانت اريحا في صدر الاسلام أهم مدينة في غور الاردن حيث أُحيطت بمزارع النخيل والموز وقصب السكر والريحان والحنة والبلسم وسكنها قوم من قيس وجماعة من قريش ووصفها ياقوت الحموي فقال( انها ذان نخل وموز وسكر كثير له فضل علي سائر سكر الغور وهي مدينة الجبارين ، وفي اعقاب الفتح الاسلامي اصبحت أريحا جزءا من جند فلسطين والذي كان يضم الرملة والقدس وعسقلان وغزة وأرسوف وقيسارية وأريحا وعمان ويافا وبيت جبرين ، وفي أيام يزيد الاموي جُعلت أريحا من جند قنسرين في القرن العاشر قسمت الشام الي ست كور او اجناد وكانت اريحا تابعة لجند فلسطين . ولما اغار الصليبيون علي فلسطين قُضي علي التقسيم الادارى المذكور جند فلسطين ، وكنت اريحا تابعة لبطريركية القدس وكان الرهبان يفلحون ارضها ، مما جعل ارنولد الصليب ان يدفعها مهرا لابنة أخيه (ايما) من يوستاى حتى تُصبح خاضعة له، وأصبحت المدينة في العهد الايوبي مركزا لصد هجمات الايوبيين المسلمين.
وصارت المدينة زمن المماليك قرية صغيرة وهي اقطاع لمن يكون نائبا في القدس الشريف ، وهناك الكثير من المور مفقودة عن مدينة أريحا في العصر المملوكى في عام 1910م رفع العثمانيون درجة اريحا من قرية الي ناحية يقيم فيها حاكم يُدعي المدير يتوليا دراتها وادارة البدو والقري المجاورة وتتبع متصرفية القدس ، وبقيت أريحا تحت الحلكم العثماني الي يوم 21 شبطم وهو اليوم الذي دخل فيه البريطانيون البلدة وبقوا فيها الي نهاية يوم 14 ايار من عام 1918م . وفى عام 1918 أي في العهد البريطاني أصبح فيها مجلس محلي يُدير أربع عشائر وهي : النصيرات، والكعابنة، والعرينات، والسعايدة، وضمت أريحا(العوجا وديوك والنبي موس والنويعمة ، وعرب العوجاء، وعرب الديوك).وبقيت هكذا حتى عام 1948م.
أثر نكبة عام 1948 وحرب عام 1967 على محافظة أريحا والاغوار
سارت الامور بخطوات سريعة وواجه المواطن الفلسطيني القوي السياسية المتجمعة لنزعه من وطنه، وقد طُرد من بيته الامن الذي بناه بعرق جبينه، او ورثه عن ابائه واجداده، ودرج فيه وتربي ، وحمل منه ذكريات الطفولة الحلوة، وطرد كذلك من حقله وبستانه وفقد حتي لقمة الخبز وما يستر به جسده، وخرج بأطفاله ونسائه الي حمي اخوانه من الاقطار الشقيقة وكله أمل أن يجد الراحة والطمأنينة وأن يلقي من خلاله العطف والبر والرعاية ما ينسيه مرارة النكبة وقسوة الكارثة ، ويمحو ما في صدره من غصة وحسرة حتي هام علي وجهه في الاودية والكهوف وضرب علي غير هدي بين تلال الصحاري ورمالها وقاس من نفحات البرد وألام الجوع ومتاعب السفر مما أودى بحياة الكثير منهم، وحل ما يُقارب 6000 من هؤلاء في مدينة أريحا. كان سكان اريحا قبل عام 1948م من اهالي القدس ومن العائلات الريحاوية الاصل اضافة الي العشائر التالية (النصيرات، الكعابنة، السعايدة) وكانت تضم أريحا العوجا والديوك والنبي موسى والنويعمة وعرب العوجاء وعرب الديوك ، لكنها بعد ذلك العام أصبحت تتألف من مجموعات سكانية من بيئات مختلفة بمن فيهم اللاجئون من سكان القري والمدن الفلسطينية من مسيحيين ومسلمين، وفي اريحا يعيش أبناء الشعب الواحد في الفة ومحبة ويربط بينهم التسامح والتعايش، وتنتمي العائلات المسيحية في اريحا الي جميع الطوائف مثل : طائفة الروم الارثوذكس وطائفة الارمن وطائفة اللاتين وطائفة الحبش وطائفة الاقباط وطائفة السريان . نستطيع القول ان معظم اللاجئين الذين طُردوا من بيوتهم او طردتهم العصابات الصهيونية المسلحة من أراضيهم كان معظمهم من قري يافا والرملة والخليل والقدس وهم يسكنون ثلاثة مخيمات : السلطان، عقبة جبر، النويعمة.
إذن بعد حدوث النكبة نزل الكثير من اللاجئين في أريحا وعمروها وأُقيم فيها مخيم عقبة جبر، ومخيم النويعمة ومخيم العوجا وبعد هدنة رودس عام 1949 ضُمت أريحا مع الضفة الغربية الي المملكة الاردنية الهاشمية وذلك عام 1950م واصبحت أريحا مركزا قضاء أريحا ، وفي عام 1967 تم تعين مجلس بلدي ثاني لأريحا ومجلس بلدي ثالث ، نستطيع القول أن تتدفق الاعداد الكبير من اللاجئين جعل اريحا مركزا داخل الضفة الغربية حيث ارتفع شانها وأزداد عدد سكانها.
وشهدت هذه المرحلة تحول الفكرة الصهيونية الاستيطانية الاحلالية الي واقع استيطاني إحلالي ، إذ نجحت الدولة الصهيونية في طرد معظم العرب من فلسطين المحتلة عام 1948م، واستيعاب من تبقي منهم وحلت دولة الشتات أو الدولة الجيتو المرفوضة من السكان الاصليين ، وبعد ضم الاراضي العربية بمن عليها من سكان عام 1967، تحولت الدولة الصهيونية من دولة استيطانية الي دولة مبنية علي التفرقة اللونية وشهدت هذه الفترة ظهور المقاومة الفلسطينية المنظمة.
بعد حدوث النكبة مع ازدياد عدد السكان في المدينة ازداد استهلاك مياه الشرب بشكل متضاعف خلال السنوات الماضية علي حساب مياه الري نتيجة الهجرات المختلة والتزايد الطبيعي في عدد السكان، ايضا خراب شبكة المياه لقدمها، وعدم وجود قوانين واضحة ورادعة بحق المحدقين بالاضرار بهذه الشبكة ، هذا بالإضافة الي توزيع شبكة المياه لتشمل منطقة الضاحية والمشروع الانشائي ، وقد ادي ذلك الي التناقص التدريجي لكميات المياه المستخدمة في الزراعة بالرغم من بقاء عدد ساعات المياه ثابتا ، لقد نتج عن ذلك تزايد حدة الصراع بين المزارعين علي الكميات المتبقية من المياه، بما يتضمن ذلك انتشار لظواهر السرقة والفساد والرشاوي، في غياب جهاز وطني للرقابة علي البلدية . أيضا عل صعيد الوضع الراهن للسكان فقد حدثت تطورات بعد النكبة ، حيث بدأت المطاعم والحدائق تٌقدم خدماتها خلال فصل الشتاء، وأيضا تدفق الالاف من العرب الاردنيين اضافة الي ابناء الضفة الغربية لقضاء عطل الاسبوع والاستمتاع بالطقس الدافئ والمناخ الرائع، ووجد الاشخاص الذين لم يكن يتوفر لهم المال لكي يشتروا الاراضي وسكان المدينة فرصا للعمل كنُدل في المطاعم ومرشدين سياحيين وسائقي سيارات أجرة، واستفادا بعض السكان المحليين من المدارس التي بنتها الامم المتحدة حديثا للاجئين وقد أوجد تدفق السياح وأموال المستثمرين ، واللاجئون وجهود الامم المتحدة جوا مفعما من النشاط في البلدة التي كانت هادئة سابقا.
بالتالي أصبح عدد السكان بازدياد حتي وصل في عام 1961م نحو 10.166 نسمة ،وبلغ في عام 1965 ما يُقارب 65133 نسمة ، فقد بدأ الاستيطان الصهيوني في منطقة الاغوار مباشرة بعد احتلال المدينة عام 1967، فقامت سلطات الاحتلال بمصادرة مساحات واسعة من أراضيها وترحيل المزارعين وإتلاف مناطق واسعة، كما استولت علي المياه والينابيع التي تروي المزروعات ، حيث بدأت نظرة اسرائيل تتغير سلبيا باتجاه أريحا و تجاه المخيمات الفلسطينية فأحدثت تغييرا جذريا فيها فهدمت مخيم النويعمة هدما تاما بتاريخ 22/7/1985م وأزالت ثلثي مخيم عين السلطان أما مخيم عقبة جبر فأصبح لا يزيد عدد سكانه عن ثلاثة ألاف لاجئ بعد أن شُرد الباقون خارج فلسطين ، حتي عام 1993م بقيت أريحا تحت سيطرة اسرائيل كباقي مدن الضفة الغربية إلى ان جاء عام 1993م حيث عادت أريحا لأصحابها الشرعيين لأول مرة في التاريخ للسلطة الوطنية الفلسطينية ، وبموجب اتفاق اوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة رئيس دولة فلسطين الرمز ياسر عرفات ، والجانب الإسرائيلي ، حيث كان اتفاق غزة وأريحا اولا بادر سلام وخير بدخول رجال الشرطة الفلسطينية لإدارة الحكم بقيادة السلطة الفلسطينية في أريحا.
نجد أن النكبة عام 1948 كان لها عدة تأثيرات على محافظة أريحا من حيث زيادة عدد السكان الي أن جاءت حرب عام 1967 والتي لفتت أنظار الكيان الصهيوني حول المدينة فقامت بالسيطرة علي مساحات واسعة من اراضيها ، الى ان تم توقيع اتفاق غزة واريحا اولا والذي ربما أنقض شيئا من أراضينا . يعود غزو الاستيطان لأراضي محافظة أريحا لأسباب عدة منها امنية ، حيث تقع أراضي المحافظة علي طول الحدود مع الاردن وكذلك لأسباب زراعية واقتصادية وسياحية فقد بلغ عدد المستوطنات في المحافظة سبع عشرة مستوطنة وبؤرة.