المؤسسات التعليمية التاريخية في القدس
منارة العلم
المسجد الأقصى يعتبر منارة للعلم، امتد تأثيرها لنواحي بعيدة، وبينت في ساحاته وباحاته عشرات المدارس العلمية، التي أنجبت العلماء والقضاة والدعاة والفقهاء، فقد كان مركزاً لتدريس العلوم الإسلامية، وهو أول معهد إسلامي في فلسطين.
فقد عَمَره عدد كبير من الصحابة الكرام بعد أن فتحه عمر بن الخطاب ، وحرص الأئمة والعلماء على شد الرحال إليه عن أبي هريرة عن النبي قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى".
وقد كان المسجد الأقصى في القرون الأربعة الأولى للهجرة المعهد العلمي الكبير والوحيد في القدس، ولم ينقطع التدريس ولم تنقطع حلقات العلم فيه إلا فقط خلال فترة الاحتلال الصليبي (492-583هـ)، ثم بعد ذلك عني به صلاح الدين الأيوبي وعَمُر بالعلماء وحلقات العلم.
وفي أواخر القرن السادس الهجري بدأت المدارس في الظهور والانتشار، وأصبحت بالعشرات، وانتشرت فيه حلقات العلم، وفي القرن التاسع الهجري أصبحت بمثابة (جامعة القدس الكبرى) بمدرسيها وفقهائها ونشاطها العلمي وطلابها، فاستخدمت للتدريس الأروقة والدور التي فوقها والمصاطب التي هُيِّئَت ليجلس عليها طلاب العلم ووصل عددها لقرابة الثلاثين لتستوعب عدد المدرسي؛ ليجلسوا عليها لإلقاء دروسهم، وغالبية المدرس بنيت في عهد المماليك، أما في العهد العثماني ضعف الحركة العلمية واتجه الدارسون للجامع الأزهر، ولم ينقطع التدريس خلال تلك المرحلة.
المدارس التي أنشئت في المسجد الأقصى
ويمكن أن نتحدث عن تلك المدارس التي كانت أنشئت في المسجد الأقصى باختصار فيما يلي:
1- مدرسة الأقصى الإسلامية: أنشئت في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، ولها فروع عديدة بعضها خارج المسجد الأقصى المبارك، تقع هذه المدارس داخل الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، بين بابي حطة وفيصل، وقد ظلت تستعمل كمدرسة أكاديمية ابتدائية حتى مجيء الاحتلال الصهيوني حيث حول الجزء الأكبر منها إلى مدرسة للمعاقين تخضع لإدارة دائرة المعارف التابعة لبلدية القدس الصهيونية منذ عام 1967م.
2- ثانوية الأقصى الشرعية: غلب عليها اسم الثانوية لأنها كانت عند إنشائها ثانوية ثم أصبحت إعدادية وثانوية، تقع داخل الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، بين باب الأسباط ومئذنة الأسباط.
3- المدرسة الغادرية: تم تجديدها من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية, لكن سلطات الاحتلال منعت تتمة السقف ولا زالت بلا سقف حتى الآن، تقع داخل الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك بين مئذنة الأسباط وباب حطة، بنتها مصر خاتون زوج الأمير ناصر الدين بن دلغادر, وهو الذي أوقفها فسميت باسمه، وذلك سنة 836هـ -1432م، في عهد السلطان المملوكي برسباي.
4- المدرسة الباسطية: كانت مدرسة عظيمة اشتهرت في أرجاء العالم الإسلامي، حيث خرجت العديد من العلماء ودرس فيها العديد من الحفاظ ورواة الحديث والأطباء وعلماء الفلك والرياضيات، توجد هذه المدرسة فوق مدارس ورياض الأقصى الإسلامية الواقعة داخل الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك بين بابي حطة وفيصل. أول من اختط أساسها شيخ الإسلام شمس الدين محمد الهروي، ولكن أدركته المنية قبل عمارتها، فعمرها القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي, سنة 835هـ=1431م، وأوقف عليها أوقافا كريمة اختص قرية صور باهر المقدسية بها، وحملت المدرسة اسمه. وهي اليوم عبارة عن قسمين :واحد مأهول بجماعة من آل جار الله، و الآخر يستعمل مقرا للمدرسة البكرية.
5- المدرسة الأمينية: أنشأها وأوقفها الوزير أمين الدين عبد الله بن غانم سنة 730هـ=1329م، الذي كان أحد المسؤولين في جيش الناصر بن قلاوون ويعرف بأمين الملك، فعرفت باسمه، تعتبر هذه المدرسة من أجمل المدارس المطلة على ساحات المسجد الأقصى ومن أهمها. وهي مؤلفة من أربعة طوابق، تقع غربي باب فيصل في السور الشمالي للمسجد الأقصى، ويحدها من الشرق الطريق الداخل إلى باب فيصل، ومن الشمال طريق المجاهدين، ومن الغرب المدرسة الفارسية، ومن الجنوب ساحة المسجد الأقصى المبارك. جرى ترميمها في العهد العثماني، ثم جعل منها المحتلون الصهاينة مكانا شبه مغلق، حيث يغلقون بابها في الفترات التي تغلق فيها أبواب المسجد الأقصى المبارك، وذلك رغم المحاولات التي جرت في الآونة الأخيرة لفتحها كمقر للدعوة والتبليغ، بعد شرائها من ورثة الشيخ محمد أسعد الإمام.
6- المدرسة الفارسية: تقع في الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك غرب المدرسة الأمينية الواقعة، وهي متداخلة مع المدرسة الأمينية في الطابق العلوي. 7- المدرسة الملكية: تقع هذه المدرسة في الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك. أقيمت في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد قلاوون، والمدرسة تحمل معظم العناصر المعمارية المميزة للعهد المملوكي، وأوقفها الحاج آل الملك الجوكندار، بعد بنائها بأربع سنوات، والمدرسة تحمل معظم العناصر المعمارية المميزة للعهد المملوكي، وخاصة تبادل ألوان الحجارة التي بنيت بها بين الأحمر والأبيض، وهى عبارة عن طابقين, مأهولة حاليا على سبيل السكنى من قبل عائلة الدجاني، إذ استأجروها من دائرة الأوقاف الإسلامية.
8-المدرسة الأسعردية: أوقفها مجد الدين الأسعردى سنة 770هـ - 1368م, وكان تاجراً، فعرفت باسمه. هي آخر المدارس الواقعة داخل الرواق الشمالي للمسجد الأقصى على يمين السائر من جهة الشرق، بعد المدرسة الملكية، فهي أقرب إلى جهة الغرب. وهذه المدرسة واسعة تتكون من طابقين يتوسطهما صحن مكشوف مربع الشكل، تتميز بوجود ثلاث قباب فوقها من جهاتها الشرقية والوسطى والغربية، ولها مسجد واسع يطل نتوء محرابه الجميل على ساحات المسجد الأقصى، قام المجلس الإسلامي الأعلى، في عهد الاحتلال البريطاني بترميمها ونقل إليها دار كتب المسجد الأقصى قبل أن تتحول إلى دار لسكنى آل البيطار حالياً.
9- المدرسة المنجكية: أنشأها الأمير يوسف الدين منجك سنة 763هـ - 1361م، أي في العهد المملوكي، استخدمت مقراً للمجلس الإسلامي الأعلى في عهد الاحتلال البريطاني، وهي اليوم مقر لدائرة الأوقاف الإسلامية العامة بالقدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، والمكلفة إدارة شئون المسجد الأقصى المبارك.
10- المدرسة العثمانية: أوقفتها أصفهان شاه خاتون بنت محمود العثمانية سنة 840هـ-1437م، وهي عبارة عن طابقين جلهما خارج المسجد الأقصى، ومسجد المدرسة بمستوى ساحات المسجد الأقصى ويطل عليها، وقد استولى عليه اليهود وأغلقوا شباكه بالحجارة، أما المدرسة فتستخدم حاليا لسكنى العائلات المسلمة.
11- المدرسة الأشرفية: تسمى أيضاً السلطانية, بناها الأمير حسن الظاهري عام 875هـ - 1470م، و تنقسم لقسمين: الأول/ داخل المسجد الاقصى وهو عبارة عن طابقين: الاول كان عبارة عن مصلى الحنابلة في المسجد الاقصى المبارك، ويستخدم جزء منه الان كمقر لقسم المخطوطات التابع لمكتبة المسجد الاقصى، و الجزء الاخر عبارة عن مقر لثانوية الاقصى الشرعية للبنات و فيه ايضا قبر الشيخ الخليلي، واما الطابق الثاني فمتهد السقف، وهو مسجد للمدرسة وقد انهدم سقفه عام 1346هـ= 1972م بسبب زلزال، أما القسم الثاني/ فهو خارج حدود المسجد الاقصى ويستخدم كدور للسكن في الوقت الحالي.
12- المدرسة التنكزية: إحدى أجمل مدارس المسجد الأقصى، أنشأها وأوقفها نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز الناصري، في العهد المملوكي، سنة 729هـ - 1328م، ونسبت إليه، وكانت مدرسة عظيمة وداراً للحديث، ثم اتخذت مقراً للقضاء والحكم. وفي العهد العثماني، تحولت المدرسة إلى محكمة شرعية، ومن هنا صارت تعرف باسم المحكمة، وبقيت كذلك حتى أوائل عهد الانتداب البريطاني، فاتخذها المجلس الإسلامي الأعلى داراً للسكنى، ثم عادت بعد ذلك مدرسة لتعليم الفقه الإسلامي. 1969م، صادرتها سلطات الاحتلال الصهيوني، ثم حولتها إلى موقع عسكري لما يعرف بحرس الحدود.
13- المدرسة العمرية: تطل على الحد الشمالي الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وتعتبر جزءا منه. وهي مدرسة تاريخية كبيرة وواسعة تبلغ مساحتها 4 دونمات، وتتكون من ثلاثة مدارس مملوكية سابقة: المحدثية، والصبيبية، والجاولية، إضافة إلى عدد من الغرف والزوايا المختلفة التي كانت قائمة في عهود سابقة. ومنذ أن احتل الصهاينة للقدس والمسجد الأقصى عام 1967م، استولوا على كامل المدرسة العمرية، ووضعت تحت تصرف بلدية القدس الصهيونية، وتستخدم شرطة الاحتلال أجزاء منها لمراقبة ما يجري في المسجد الأقصى المبارك، وأحياناً لاستهداف المصلين وإطلاق النار عليهم خاصة في أوقات الاضطرابات. وذكرنا هذه المدارس العلمية التي تم إنشاؤها في المدنية المقدسة لنبين أنها في هذا الوقت غير مستغلة ولم يقم أحد بإعادة بناء وترميم هذه المدارس العلمية، لشد الرحال إلى الأقصى ولجذب السكان للبقاء فيه، وللوقوف إلى جوار أهله العرب المسلمين الذي أضحوا فريسة سهلة في وجه المحتل الغاصب، حينما تخلى عنهم القريب والبعيد، فإعادة إحياء مدارس العلم ومصاطبه لهو أمانة تكون سبب لازدياد عدد المسلمين في القدس الشريف، لكي يحاربوا المحتل، وتعود ملكيتها لأهلها بإذن الله، وهذا قد يكون له دليل في التاريخ الإسلامي أن النجاح والفلاح والنصر يكون مع العلم وأهله، وكلما زاد العلم زادت القوة، فعندما أسر المسلمون في بدر كان فداء الأسير أن يعلّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، فهي دليل على القوة، وسبب من أسباب النصر في تلك المدينة بإذن الله.
وتشير الأرقام والاحصاءات إلى أن سلطات الاحتلال تهمل تطوير التعليم بموازاة عملها على ابتلاعه وتهويده لفرض الرواية الصهيونية، وفي حين قالت بلدية الاحتلال إن عدد الصفوف 112 صفًا جديدًا في المدارس الابتدائية و68 صفًا جديدًا في المدارس الثانوية مع افتتاح العام الدراسي الجديد 2015-2016، فقد ذكرت "عير عميم" أن عدد الصفوف الجديدة هو 38 صفًا مقابل 44 صفًا في طور البناء، و400 صف في مرحلة التخطيط. كما أن المدارس الخمس التي قالت البلدية إنها مدارس جديدة تبين أنها مدرسة واحدة جديدة وفق "عير عميم" فيما المدارس الأخرى هي منشآت تم تحويلها إلى مدارس صغيرة تضم ما بين 6 و8 صفوف. وفي الوقت الذي لا تعمل فيه سلطات الاحتلال من أجل تأمين البيئة التدريسية الصالحة فهي لا تجد حرجًا في استهداف الطلاب وحرمانهم من التعليم وتعطيل العملية التعليمية ومن ذلك مضايقة الشرطة للطلاب، ورش المدارس بالمياه العادمة الكريهة، وظهر ذلك بشكل خاص في حي الطور حيث تظاهر الأهالي في 8/2/2015 احتجاجًا على مضايقة الشرطة لأولادهم خلال ذهابهم إلى المدرسة أو عودتهم وهدفت التظاهرة لمطالبة السلطات الإسرائيلية بوقف هذه الاعتداءات التي تطال أبناءهم وتعطل ذهابهم إلى المدرسة ليكونوا رهينة التحقيق والاعتقال. وقبل ذلك، انتشر في تشرين ثانٍ/نوفمبر 2014 مقطع فيديو على الإنترنت يظهر سيارة تابعة لشرطة الاحتلال ترش المياه العادمة على 4 مدارس تقع في الشارع الرئيس في حي الطور وهو الأمر الذي أجبر حوالي 4500 طالب على البقاء في منازلهم بسبب الرائحة التي تغلغلت إلى الصفوف.
إعداد
د. ماجد محمد الزيان/ استاذ المناهج وطرق التدريس المساعد
أ. وجدي محمد الزيان/ ماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة